كثرت في الأونة الأخيرة الأصوات المطالبة بتعديل الدستور بحجة احتوائه علي الكثير من القوانين "البالية" عفي عليها الزمن وتجاوزتها الأحداث والتطورات وأصبحت مخالفة للواقع الذي نعيش فيه الآن، ومنها علي سبيل المثال القوانين ذات التوجه الاقتصادي والتي تنص علي الاشتراكية والعمل الوحدوي وحماية المكاسب الاشتراكية ودعمها والحفاظ عليها باعتبارها واجبا وطنيا في الوقت الذي تنتجه فيه الدولة لتوسيع قاعدة الملكية الخاصة بالاسراع في عمليات الخصخصة حفاظا علي الالتزام باقتصاديات السوق الحر مما يجعل جميع الانشطة الاقتصادية تدور في أجواء مخالفة للنصوص الدستورية، وما بين النصوص الورقية وحتمية الواقع تظهر احتمالات شبه عدم دستورية التطبيق وخاصة فيما يتعلق بعمليات الخصخصة. فهل يمكن الحكم بعدم دستورية الخصخصة في ظل وجود النصوص الاشتراكية التي يعج بها القانون؟ طرحنا هذه القضية علي فقهاء القانون والدستور فتفاوتت آراؤهم بين من يدعو إلي إعادة النظر في بعض مواد الدستور وبين من يطالب بدستور جديد تجمع مواده رؤية متناسقة ومتجانسة مع الهدف العام للدولة في المرحلة الحالية. ينص الدستور في كثر من مواده علي النظام الاشتراكي حيث تقول المادة 4 إن الاساس الاقتصادي لمصر هو النظام الاشتراكي القائم علي الكفاية والعمل بينما تنص المادة علي ان الشعب يسيطر علي كل أدوات الانتاج المادة 30 فتقول ان الملكية العامة هي ملكية الشعب وتتأكد بالدعم المستمر للقطاع العام وان القطاع العام هو الذي يقود التقدم في جميع المجالات ويتحمل المسئولية الرئيسية في خطة التنمية واستنادا إلي أن المرجعية الدستورية تتناقض مع ما تقوم به الدولة من خصخصة فإن السؤال الذي يمكن ان يطرح: هل يجوز علي قرارات الخصخصة بشبهة عدم الدستورية وقد قام بعض عمال احدي الشركات عام 97 والتي تم خصخصتها ولم يحصلوا علي حقهم برفع "دعوي" حكمت فيها المحكمة الدستورية العليا بأن الدستور وثيقة تقدمية بما يتم من خصخصة لملكية بعض الشركات. فهل من الممكن اذا تم رفع هذه الدعاوي مرة أخري ان يحكم فيها بعدم الدستورية؟ وما رأي استاذة القانون في الوضع الحالي؟ في البداية يقول الدكتور فتحي فكري استاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة ان الدستور يفيض بالنصوص التي تميل ميلا واضحا نحو النظام الاشتراكي حتي انه يتحدث في احدي المواد عن الكفاية والعدل أي الكفاية في الانتاج والعدالة في التوزيع وهو شعار اشتراكي معروف كما انه يتحدث عن القطاع العام وأنه ركيزة التنمية والكثير من النصوص به تتحدث عن المكاسب الاشتراكية وتجعل منها واجباً وطنيا. ومن هذه النصوص علي سبيل المثال المادة الأولي التي تقول ان مصر دولة نظامها اشتراكي ديمقراطي ويلاحظ في نص المادة انه قدم الاشتراكية علي الديمقراطية! وتنص المادة الرابعة علي ان الاساس الاقتصادي لجمهورية مصر العربية هو النظام الاشتراكي الديمقراطي القائم علي الكفاية والعدل وتشير المادة 30 إلي ان القطاع العام هو المتقدم في جميع المجالات ويتحمل المسئولية الرئيسية في خطة التنمية، كما تؤكد المادة 33 علي أن الملكية العامة مصونة.. باعتبارها سنداً القوة الوطن وأساساً للنظام الاشتراكي وهكذا في كثير من الأمور التي لم تعد تتفق مع الواقع الحالي الاقتصادي. ويقول فتحي فكري انه من المفروض اذا تغيرت الظروف واصبح للمجتمع اتجاه آخر ان يتم تعديل الدستور لكي يتفق مع المعطيات الجديدة وطبقا للمادة 189 من الدستور فإن هذه المسئولية تقع علي عاتق رئيس الجمهورية واعضاء مجلس الشعب. وعن رأيه فيما استندت إليه المحكمة الدستورية العليا عام 97 يعترض فكري قائلا: ان النصوص تفسر طبقاً للمعطيات القائمة وقت الحاجة للتفسير وليس وقت صياغة النص. تعديل جذري ويتفق معه الدكتور يحيي الجمل الفقية الدستوري ويقول ان حكم الدستورية لم يفسر الدستور وانما خالفه. ويقول ورغم ذلك لا يمكنه الطعن عليه لأن حكم الدستورية نافذ وعليه فانه لا يجوز الحكم علي ما يجري من عمليات للخصخصة بأنها تخالف الدستور لأن الدستورية العليا قالت ان التفسير التقدمي للدستور يحكم بالخصخصة. ويؤكد الجمل ان الدستور بوضعه الحالي يجب ان يعدل تعديلا جذريا خاصة فيما يتعلق بالأمور الاقتصادية والاجتماعية ويطالب باعادة النظر في جميع مواد الدستور حيث يميل - حسب قوله - إلي صياغة دستور جديد يراعي جميع جوانب المصلحة العامة والتطورات المتلاحقة التي لم تصب مصر فقط بل العالم كله. ومن جانبه يقول الدكتور محمد السناري رئيس قسم القانون الدستوري بجامعة حلوان ان النصوص الموجودة تقول ان القطاع العام هو ركيزة التنمية وهو ما لم يعد له وجود في ظل وجود اقتصاد سوق يتنامي فيه دور القطاع الخاص مما يتطلب تعديل النصوص الموجودة لحماية المكاسب الرأسمالية إلا أنه يوضح أنه لا يجوز الطعن علي الدستور الحالي بوصفه اشتراكياً بعد حكم الدستورية العليا ويضيف ليست المشكلة الآن هي الخصخصة إنما الأهم هو مراقبة كيف تتم هذه العملية رقابة جيدة تضمن حسن التصرف. قانون ينظم الخصخصة وتختلف معه في الرأي الدكتورة سعاد الشرقاوي استاد القانون بحقوق القاهرة التي تقول انه ليس معني أن المحكمة قالت ان الدستور مرن وحمت هذا التوجه للدولة ان لا يتم الطعن عليه مرة أخري لكن مع الاستناد والرجوع لأسباب اخري وهي علي سبيل المثال تبديد المال العام أو أن الخصخصة تتم دون وجود قانون ينظمها ويضمن الحفاظ علي المال العام. وتقول انه في دول كثيرة مثل ألمانيا وفرنسا توجد جهة محددة وصندوق مختص تؤول إليه حصيلة بيع الممتلكات العامة بما يضمن كيفية مراقبة أموال الخصخصة ومعرفة أوجه انفاقها. مكاسب الاشتراكية ويرفض محمد موسي رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب سابقا ما يقال بأن ما يطبق الآن في الجوانب الاقتصادية يخالف الدستور ويقول ان الاشتراكية بمفهومها السابق والتي كانت سمة أساسية لبعض الدول في وقت ماض اصبحت مهجورة ولا يصلح تطبيقها في العصر الحالي ولكن الدولة الآن تطبقها بمفهوم آخر وهو مراعاة الفئة ذات الدخول البسيطة او الحفاظ علي حقوق عمال في حالة الاستغناء عنهم من أصحاب الأعمال. ويقول انه علي الرغم من التغيير الموجود في الدولة والذي لا يعبر عن الاشتراكية إلا أن هناك بعض المكاسب الاشتراكية يتم تطبيقها والتي تتعلق بحقوق العمالة ومجانية التعليم وتوفير الرعاية الصحة ومراعاة غير القادرين باعطائهم معاشات كما أن هناك ملامح من المكاسب الاشتراكية تطبق وتؤكد علي مراعاة العدالة الاجتماعية بالاضافة لاعطاء العمال نسبة من الأرباح في بعض الشركات.