يشعرك معظم فنادق العالم بأسلوب الحياة في البلد الذي تقع فيه تلك الفنادق. فالفنادق الهندية مثلاً تعطيك انطباعاً عن الحياة الهندية المعاصرة وسحرالشرق. وتجد ذلك واضحاً في ملابس موظفي وعمال الفنادق ومطاعمها وديكوراتها.. وحتي في اللوحات التي تزين جدران القاعات والغرف.. بل وحتي في الشحاذين الذين يتسلل بعضهم الي صالات الفنادق في غفلة من الحراس! وتجد الامر نفسه في كثير من البلدان الاخري، ومن بينها اليابان. ففي هذا البلد فنادق غريبة الطراز لاتشعرك بالاغتراب عن اجواء اليابان بما تجد فيها من احترام وتهذيب وديكورات ولوحات ووجبات طعام يابانية عريقة مثل السوكياكي والتيمبورا والسوشي.. اضافة الي ضيق الغرف وانخفاض السقف فيها وصغر حجم سرير النوم! وأسعار الاقامة والاكل والخدمات الاخري في هذه الفنادق ليست كيفية بل تحددها مؤسسة الفنادق اليابانية، وهي الاطار التنظيمي لجميع الفنادق هناك.. ولاتجد اختلافا كبيرا في النظام المتبع في هذه الفنادق عما تجده في اغلب الفنادق الغربية والفنادق العصرية في العواصم العربية. ولذلك فإن الاسترسال في الحديث عنها لا يضيف شيئاً الي معلومات القارئ الذي بالاشارة يفهم! أما الذي يستحق الكتابة عنه فهو الفنادق اليابانية الطراز التي يطلقون عليها تسمية »ريو كان« حيث يقيم السائح الاجنبي ويأكل وينام بطريقة معيشة اليابانيين نفسها في بيوتهم الخاصة.. ولذلك ينصحك خبراء السياحة بالاقامة في مثل هذه الفنادق اذا رغبت في التعرف الي اسلوب معيشة الشعب الياباني.. وهذه الفنادق هي غير »الخانات« التي تشبه الموتيلات التي تنتشر في اليابان ايضاً. وفنادق "ريو كان" التقليدية خشبية وتتكون من دورين أو ثلاثة ادوار وتبدو من الداخل والخارج مثل البيوت اليابانية تماما. اما فنادق »ريو كان« الحديثة فهي مشيدة بالاسمنت وتتكون من سبعة الي ثمانية ادوار ومزودة بأحدث وسائل الراحة مع احتفاظها بالاجواء اليابانية التراثية. ولا تقل اسعار الاقامة فيها عن اسعار الاقامة في فنادق الدرجة الممتازة، لكن كل شئ اخر فيها يختلف عن تلك الفنادق بدءا من دعوتك الي خلع حذائك في مدخل الفندق كما هو الحال عند الدخول الي أي بيت ياباني.. وارتدائك »شبشباً« خفيفا تتمشي به في الصالة والمطعم والمصعد والغرفة ليتفرج الاخرون علي اظفار قدميك الساحرة التي نسيت ان تقصها! واضافة الي الشبشب ستجد لدي دخولك غرفتك »روبا« يابانيا قصيرا يسمي »يوكاتا« عليك ان ترتديه داخل الفندق فوق ملابسك الداخلية مباشرة وتتبختر به كما تشاء سابياً حسناوات اليابان بجمال ساقيك ومحققا للقضية اكبر انتصار اعلامي في هذه المرحلة الخطيرة! ومن الامور العجيبة في فنادق »ريو كان« انك مرغم علي ان تأخذ حماماً قبل تناول وجبة العشاء! لماذا؟ لا أحد يعلم, ولكنهم يطلبون منك ذلك في بيان معلق خلف باب غرفتك, وأغلب الظن انهم يريدون المحافظة علي نظافة الفراش كما ينصحونك بالاغتسال بالماء والصابون جيداً خارج »البانيو« قبل الغطس فيه لئلا يتلوث ماء »البانيو«, وهو أمر لم أشهد له مثيلاً في أي فندق عالمي آخر. وهم يوفرون في كل حمام »ليفة«" اسفنجة صغيرة حسبها أحد أصدقائي في بادئ الامر قطعة "جاتوه" للترحيب بمقدمه الميمون! ولم يعتد بعد موظفو وخدم الفنادق اليابانية علي »البقشيش« أو الاكراميات، فهم يعدون خدمة الضيف واجباً يتقاضون عنه أجوراً. فلا تحاول افسادهم بالالحاح علي الاهمية التاريخية للكرم الحاتمي الذي أوصل البعض الي حافة الافلاس الشامخ!! كما لا تجد أحداً يقول لك بإلحاح: عاوز خدمة تانية؟ وهو يقصد بالطبع: فين البقشيش؟! وفي كل الاحوال, تجعلك فنادقهم الغربية الطراز واليابانية الطراز تعيش أجواء اليابان حتي وان أمضيت أيام اجازتك كلها في الفندق. فكل شيء هناك يتحدث بالياباني: الجدران والديكورات واللوحات والغرف والسرير والحمام والاكل وابتسامات الخدم والموظفين.. في حين تجد كل شيء في معظم الفنادق العربية الممتازة يتحدث معك بلغة الطرشي المشكل: اللوحات ملطوشة عن لوحات عالمية وفرشة السرير تركية والبطانية بلغارية والمخدة رومانية والتليفزيون العاطل ياباني والموسيقي امريكية والراقصة روسية والمطعم صيني أو ايطالي والاسعار دولارية! وكل شيء بعيد عن الاجواء الوطنية الا الوجه المتجهم العابس الذي يستقبلك في صالة الاستقبال قائلاً لك بلهجة أي واحد من بقايا جيش هولاكو: إيه اللي جابك؟! كاتب المقال: كاتب عراقي