ما هي أكلات الجمعة العظيمة عند الأقباط؟    الوزراء يتلقي شكوى في مجال الاتصالات والنقل والقطاع المصرفي    وزير التنمية المحلية يهنئ محافظ الإسماعيلية بعيد القيامة المجيد    رواتب تصل ل 12 ألف جنيه.. 3408 وظيفة ب16 مُحافظة - الشروط والأوراق المطلوبة    اليوم.. وزير الأوقاف ومحافظ الشرقية يفتتحان مسجد محمد فريد خميس بالعاشر من رمضان    وأنت في مكانك، خطوات تجديد بطاقة الرقم القومي أونلاين    اعرف سعر الدولار اليوم الجمعة 3-5-2024 فى البنوك المصرية    رغم المقاطعة.. كوكاكولا ترفع أسعار شويبس جولد (صورة)    تحرير 38 محضر إشغال طريق وتنفيذ 21 إزالة فورية بالمنوفية    الرئاسة في أسبوع.. قرارات جمهورية هامة وتوجيهات قوية للحكومة    أسعار البيض اليوم الجمعة في الأسواق (موقع رسمي)    تسلا تعرض شاحنتها المستقبلية سايبرتراك في ألمانيا    طريقة تشكيل لجان نظر التظلمات على قرارات رفض التصالح في مخالفات البناء    بعد استهدافها إيلات الإسرائيلية.. البحرين : سرايا الأشتر منظمة إرهابية خارج حدودنا    حرب غزة.. رسائل مصرية قوية للعالم لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى    السنوار يعارض منح إسرائيل الحق في منع المعتقلين الفلسطنيين من العيش بالضفة    أكسيوس: اجتماع أعضاء من «الشيوخ» الأميركي و«الجنائية الدولية» في محاولة لإنقاذ قادة الاحتلال    الزوارق الحربية الإسرائيلية تكثف نيرانها تجاه المناطق الغربية في رفح الفلسطينية    حماس تثمن قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرائيل    وزير الدفاع الأمريكي: القوات الروسية لا تستطيع الوصول لقواتنا في النيجر    تشكيل اتحاد جدة المتوقع أمام أبها| حمد الله يقود الهجوم    عبد المنصف: عرض سعودي ل مصطفى شوبير.. وأنصح الأهلي يبيع ب 4 مليون دولار    كلوب عن أزمته مع محمد صلاح: تم حل الأمر ونحن بخير    رئيس اتحاد الكرة: عامر حسين «معذور»    «الأرصاد» تحذر من طقس الأيام المقبلة: انخفاض درجات الحرارة وارتفاع الأمواج    خلافات سابقة.. ممرضة وميكانيكي يتخلصان من عامل بالمقطم    ننشر استعدادات صحة القليوبية لاحتفالات عيد القيامة واعياد الربيع .. تفاصيل    محظورات امتحانات نهاية العام لطلاب الأول والثاني الثانوي    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق مخزن ملابس بالعمرانية    استعدادات غير مسبوقة في الشرقية للاحتفال بأعياد الربيع وشم النسيم    حكم تلوين البيض وتناول وجبات شم النسيم.. الأزهر العالمي للفتوى يوضح    ذكرى وفاة زوزو نبيل.. عاشت مع ضرتها بشقة واحدة.. واستشهد ابنها    "مانشيت" يعرض تقريرا من داخل معرض أبوظبى الدولى للكتاب اليوم    بول والتر هاوزر ينضم ل طاقم عمل فيلم FANTASTIC FOUR    واعظ بالأزهر ل«صباح الخير يا مصر»: علينا استلهام قيم التربية لأطفالنا من السيرة النبوية    هل مسموح للأطفال تناول الرنجة والفسيخ؟ استشاري تغذية علاجية تجيب    ألونسو: قاتلنا أمام روما..وراضون عن النتيجة    الشارقة القرائي للطفل.. تقنيات تخفيف التوتر والتعبير عن المشاعر بالعلاج بالفن    حكم لبس النقاب للمرأة المحرمة.. دار الإفتاء تجيب    لأول مرة.. فريدة سيف النصر تغني على الهواء    تشاهدون اليوم.. زد يستضيف المقاولون العرب وخيتافي يواجه أتلتيك بيلباو    إشادة حزبية وبرلمانية بتأسيس اتحاد القبائل العربية.. سياسيون : خطوة لتوحيدهم خلف الرئيس.. وسيساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في سيناء    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدد المرات.. اعرف التصرف الشرعي    حكم وصف الدواء للناس من غير الأطباء.. دار الإفتاء تحذر    الهلال المنتشي يلتقي التعاون للاقتراب من حسم الدوري السعودي    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    «تحويشة عمري».. زوج عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف في ترعة ينعيها بكلمات مؤثرة (صورة)    خريطة التحويلات المرورية بعد غلق شارع يوسف عباس بمدينة نصر    وزارة التضامن وصندوق مكافحة الإدمان يكرمان مسلسلات بابا جه وكامل العدد    دراسة أمريكية: بعض المواد الكيميائية يمكن أن تؤدي لزيادة انتشار البدانة    دراسة: الأرز والدقيق يحتويان مستويات عالية من السموم الضارة إذا ساء تخزينهما    أهداف برشلونة في الميركاتو الصيفي    رسالة جديدة من هاني الناظر إلى ابنه في المنام.. ما هي؟    حكم البيع والهبة في مرض الموت؟.. الإفتاء تُجيب    تعيين رئيس جديد لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل    مصطفى كامل ينشر صورا لعقد قران ابنته فرح: اللهم أنعم عليهما بالذرية الصالحة    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا قال عن مذگراته؟! الأخبار تروي أسرار الضاحك الباكي نجيب الريحاني 6
فشل في الحصول علي أمواله من سليم أبيض واضطر للعمل معه علي أمل استردادها
نشر في الأخبار يوم 29 - 08 - 2010

»قبل أن أسمح لنفسي بنشر مذكراتي، فكرت في الامر كثيرا، لا لشيء الا لانني خلقت صريحا، لا اخشي اللوم في الحق، ولا أميل إلي المواربة والمداراة، فهل يا تري اظل فيما أكتب متحليا بهذه الخليقة؟، أم يدفعني ما درج عليه الناس من مجاملة إلي المواجهة والتهرب.. ذلك هو موضع التفكير الذي لازمني قبل أن أخط في مذكراتي حرفا واحدا، أما وقد ارتضيت، فقد آليت علي نفسي أن أملي الواقع مهما حاقت بي مرارته، واسجل الحقائق مهما كان فيها من الم ينالني قبل ان ينال غيري ممن جمعتني بهم أية جامعة،وربطتني بهم اقل رابطة، ومضيت في مذكراتي علي هذه الوتيرة، فاذا بي أشعر في دخيلة نفسي انني اؤدي واجبا مفروضا، هو في الحقيقة تسجيل صحيح لناحية من نواحي تاريخ الفن في بلادنا العزيزة، وأصارح القراء الافاضل بأنني كنت كلما سردت واقعة فيها ما يشعر بالاقلال من شأني، كنت أحس السعادة الحقة، سعادة الرجل الصادق المؤمن حين يقف أمام منصة القضاء فيدلي بشهادته الصحيحة، ويغادر المكان مستريح الضمير، ناعم البال، هاديء البال.. علي أنني في مذكراتي هذه تناولت الكثيرين بما قد لا يرضيهم، ولكن احدا لا يستطيع ان يناقضني في حرف واحد مما أثبت هنا، لأنه إن حاول ان يفعل، وقفت الحقائق حائلا بينه وبين ما يريد، فهناك الزميل القديم علي يوسف مثلا... لقد شرحت الكثير مما كان بيني وبينه من مواقع حربية في ميدان الغرام والهيام، وكذلك الحال مع السيدة (ص. ق ) -الريحاني يقصد الممثلة صالحة قاصين - التي بلغ تنازعنا عليها حد شك المقالب، وتدبير الفصول الساخنة.. كل ما ذكرته عنهما حقائق صادقة، ولعل بعض من تحدثت عنهن قد يسوءهن ان اكشف عن حقيقة رابطتهن الاولي بالمسرح بعد أن أصبحن في سمائه كواكب لامعة، وقد سبق لهن ان تحدثن إلي الصحف كثيرا، وشرحن تاريخ حياتهن كثيرا، ودبجن المقالات كثيرا، فشرحت كل منهن كيف كانت تمثل امام المرآة، وكيف شغفت بالتمثيل منذ الصغر، وكيف عشقت الفن لذاته... وكيف، وكيف مما لست أذكره، ولكن هل ذكرت في أحاديثها ولو من باب تقرير الواقع (وبلاش المجاملة حتي ) شيئا عن كيف وقفت علي المسرح، ومن علمها نطق أبجديته؟، ابدا.. وكأنه من العار عليها اذا اعترفت بأنها كانت ممثلة في فرقة الريحاني.. وبلاش مبتدئات يا سيدي!!«
توقف بنا نجيب الريحاني في الحلقة السابقة عند عودته من نجع حمادي مرفوتا من شركة السكر التي عاد منها وفي جيبه مبلغ سبعين جنيها، وقد التف حوله بسببها زملاؤه الاقدمون من الممثلين البؤساء، وظل ينفق وينفق ويبعثر امواله هنا وهناك حتي تبقي في جيبه 26 جنيها فقط فاتخذ قرارا بان يمسك يده عن هذا السفه والتبذير بحيث يكفيه الانفاق بريال واحد في اليوم عشرة قروش فقط لا غير للثلاث وجبات والسجائر والفنطزية كمان ، لانه وقتها كان بلا شغلة او مشغله. لكن حظه العثر قاده بعد اتخاذ هذا القرار لمسرح جورج ابيض وهناك كشف له سليم ابيض مدير الفرقة انه لايجد مرتبات الممثلين وطلب منه ان يقرضه 25 جنيها فقط، ولم يقبل سليم بجملة الاعتذارات التي ساقها له الريحاني، وظل يضغط ويلح، ويقول الريحاني مستكملا الموقف في مذكراته :
كلما تكرر الرجاء تمسكت بالاعتذار. ولكن قوة الاستاذ سليم ابيض في الاقناع وبراعته في وصف الحالة الراهنة من جهة، ومحبتي للفن من جهة اخري، هذه العوامل لم تدع لي سبيلا كي ارفض فقلت له اسمع يا خواجه سليم.. مفيش في جيبي غير 26 جنيها، فأذا كنتم عايزين 25 جنيها علي شرط انكم ترجعوهم بعد يومين صحيح فانا مستعد.. واهو الجنيه اللي فاضل يكفيني في اليومين دول . والظاهر ان سليم ابيض كان في هذه اللحظة واقعا من السماء وانا الذي تلقفته. لأنني احسست ان ماء الحياة قد عاد إلي وجهه، فوعد ووعد بينما قلت في نفسي يا واد الفلوس رايحين رايحين فخليهم يروحوا بالجملة احسن من سلسلتهم بالقطاعي ، وتناول الخواجة سليم مبلغ الخمسة وعشرين جنيها في التو واللحظة، وترك في جيبي جنيها يقضي الليالي وحيدا بعدهم، فلما احسست بالنكبة التي حلت بي وقتها رحت اضرب اخماسا في اسداس واندم علي ما فعلت، وانقضي الموعد المضروب فذهبت إلي الخواجه سليم ارجو واتضرع شاكيا مرارة الزمن وشدة الحاجة، لكن اخوك تقيل فلا جواب غير الصبر طيب يا اخي هو احنا ها نكلهم عليك ولا ايه ، فأقول له لا يا سيدي انا عارف انكم مش رايحين تكلوهم علي. لكن انا شخصيا عايز آكل بيهم.. ولا يعني عايزني آكل طوب ؟ ، ولم تفد الالتماسات. بل لم يرق الخواجه سليم لحالي إلي ان اتيت علي آخر مليم من الجنيه اليتيم الذي ابقاه لي سليم ابيض. وكنت اسكن في مصر الجديدة، فاضطررت والحالة هذه إلي اقتراض نص فرنك 20 مليم قيمة اجرة المترو، ولولا ذلك لأفترشت الغبراء والتحفت السماء كما يقول الشعراء !
الخواجة جورج
لم يقدم لنا نجيب الريحاني في مذكراته معلومات تذكر عن جورج ابيض ولأن العلاقات سوف تتشابك وتتصادم بين الريحاني وفرقة جورج ابيض فيما بعد، وسوف نري بعد قليل ان الريحاني سيحصل علي شهادة مؤسفة من فرقة ابيض وحجازي بأنه لا يصلح للتمثيل وعليه ان يبحث لنفسه عن مهنة اخري يأكل منها عيش، فالضرورة هنا تحتم ان نقدم للقاريء تعريفا موجزا عن جورج ابيض لما له من مكانة وريادة في تاريخ المسرح العربي والمصري، ولد جورج أبيض في العاصمة اللبنانية بيروت عام 1880 ، اي انه يكبر الريحاني بتسع سنوات، هاجر إلي مصر في نفس العام الذي ولد به الريحاني وهو عام 1889 عندما كان عمره 18 عاما، يحمل دبلومة في التلغراف اهلته للعمل مديرا لمحطة سيدي جابر للسكك الحديد وقد اتصل بجمعيات هواة التمثيل, فلفت الأنظار إِلي موهبته وأسند إِليه دور في مسرحية البرج الهائل التي عرضت علي مسرح زيزينيا، وقد شاهدها الخديوي عباس حلمي الثاني واعجب بها، وقد استغل جورج ابيض ذلك فارسل للخديو ثلاث رسائل يشرح فيها أوضاع الفرق التمثيلية ويطلب منه الموافقة علي سفره إِلي باريس علي نفقة الدولة ليتعلم أصول التمثيل, وقد وافق الخديو علي سفره وأمضي هناك ست سنوات من (1904 إلي1910) عاد بعدها علي رأس فرقة فرنسية قدّم معها لويس الحادي عشر لكازمير دي لارفني، و طرطوف لموليير علي مسرح دار الأوبرا في القاهرة، وطلب منه سعد زغلول باشا، وزير المعارف في هذا الوقت ، تأليف فرقة تؤدي عروضها باللغة العربية، فنهض جورج بالمهمة علي خير وجه واستخدم في هذه المسرحيات فرقة موسيقية بقيادة عبد الحميد علي، وفرقة راقصة كانت تقدم رقصاتها خلال المشاهد التي تتطلب ذلك. ولم تقو الفرقة علي جلب الايرادات التي تعادل مصاريفها الباهظة ولم يجد مديرها سليم ابيض في خزينته ما يدفع منه مرتبات الممثلين مثلما روي الريحاني واضطر ان يقترض منه 25 جنيها علي ان يدفعها في اليوم التالي لكنه لم يف بوعده ولنترك الريحاني يستكمل بقية ما جري فيقول :
نهايته بعدعشرين يوما كاملة، بدأ الاستاذ سليم يشعر نحوي بعاطفة والرحمة فكان يعطيني بين يوم وآخر شلنا، أو نصف ريال علي الحساب. واذكر ان اكبر دفعة تناولتها علي الحساب كانت ثلاثة عشر قرشا ، فتصور يا سيدي القاريء كم من الاعوام يجب ان تمر لاستعادة ديني اذا سار السداد علي هذه الوتيرة ؟، شغل فكرك واستعن باللوغريتمات وحساب المثلثات ثم نبئني بالنتيجة. وبعد ان قبلت الدعات التي كان الاستاذ سليم ابيض يحن بها علي، من شلن لنصف ريال.. الخ، بعد ذلك تألفت فرقة ابيض وحجازي وكان علي رأسها بالطبع الاستاذان جورج ابيض وسلامة حجازي. ولم يكن يدفع للممثلين في هذا الوقت اجراً معلوما، بل نص الاتفاق علي ان يكون العمل بالاسهم، اي يربط للممثل عدد من الاسهم ثم يوزع الايراد علي الاسهم وكل واحد وبخته. وقد عرض علي الاستاذ جورج ان انضم للفرقة ممثلا ويمكن ربنا يفرجها وتفوز بحقك، وقبلت هذا العرض وكل املي ان افوز بجزء من مالي الضائع، الذي سبق ان اقترضه مني سليم ابيض لدفع اجور ممثلي فرقة اخيه. لكن كانت النتيجة وياللأسف هي نفس النتيجة التي فاز بها ابليس حين طمع في الجنة. بدأ زملائي الاعزاء في توضيب المقالب النظيفة للعبد لله. ولم اكن في ذلك الوقت اعرف عنها كثيرا او قليلا، اذ كان الوسط جديدا علي كما كنت انا جديدا عليه. وكان بطل شك المقالب وانتقاء النكات المستوية في مادة التأليس علي محسوبكم الفقير اليه تعالا هو والدنا الاستاذ الافخم عمر وصفي. لقد كان يهون علي والله كل شيء، وكل شقاء، اللهم إلا ذلك النوع من التأويز وهو التهزيق اللي مفيش منه.
انا ملك النمسا
وكان علينا في احدي الليالي ان نمثل رواية صلاح الدين الايوبي ، وكان الاستاذ جورج يضطلع فيها بدور ريتشارد قلب الاسد بينما اختاروا لي دورا صغيرا حقيرا، هو دور ملك النمسا. وكل ما يفعله هو ان يقف من جورج ابيض موقف المبارز، ويتكلم اللي فيه القسمة ، كلمتين قول تلاته، وكان الله يحب المحسنين، وكانت الحرب الكبري قد اعلنت في هذا الوقت، وكانت الصحف والمجلات المصرية والاجنبية تنشر صورا لملوك الدول المتحاربة، ومن بينها صورة الامبراطور فرانسوا جوزيف امبراطور النمسا في ذلك الحين، وقد تراءي لي ان اتقمص شخصية هذا الامبراطور مادام دوري هو ملك النمسا، فأقفلت علي نفسي باب حجرتي بالمسرح، وجلست امام المرآة ورحت التمس المكياج ومعداته مما جعلني الامبراطور جوزيف بعينه وبلحيته المتدالية علي جانبي وجنتيه إلي اسفل ذقنه، وحين جاء وقت ظهوري علي المسرح لم يتمالك الناس انفسهم من الضحك حتي ان الاستاذ جورج ابيض لما دخل المسرح ثائرا في دوره قلب الاسد وفوجيء بمظهري هذا فتبخرت حماسته وانطفأت شعلته واحسست انه يغالب عاصفة من الضحك تكاد تنفجر علي شفتيه وبين اسارير وجهه !!، كل ذلك وانا واقف في مكاني لا ابتسم ولا اخالف طبيعة الموقف.. قال يعني الفن واخد حده قوي مع ملك النمسا، اقول ان جورج دخل ثائرا وهو يصرخ مرددا كلمة قلب الاسد المأثورة ويل لملك النمسا من قلب الاسد ، ولكن ويل ايه وبتاع ايه.. ما خلاص جورج ما بقاش جورج والمسرح بقي زيطة، والحابل اختلط بالنابل زي ما بيقولوا، نهايته. انتهت هذه الليلة ولا ادري كيف انتهت، ولكن الذي ادريه هو موال التقريع الذي انصب عليّ من شيخ طائفة المطفشين الاستاذ عمر وصفي.
الحرب الكبري
نتوقف عن السرد قليلا ثم نستكمل مع الريحاني من جديد.. فقد ورد في الفقرة السابقة عبارة اعلان الحرب الكبري ، والريحاني يقصد بهذه العبارة الحرب العالمية الاولي التي نشبت في اورفي 28 يوليو 1914 وظلت مستعرة وممتدة من اوروبا إلي افريقيا وامتدت إلي المحيط الهادي،و المحيط الأطلسي، والمحيط الهندي، وامتد تأثيرها ايضا لمناطق بالشرق الأوسط ولم تخمد نيرانها إلا في 11 نوفمبر 1918 بمعاهدة فرساي وقد سميت وقتها بالحرب العظمي، وقد بدأت هذه الحرب حينما قامت إمبراطورية النمسا والمجر بغزو مملكة صربيا إثر حادثة اغتيال ولي عهد النمسا وزوجته من قبل طالب صربيا أثناء زيارتهما لسراييفو، بالتالي فمن الفقرة السابقة في مذكرات الريحاني نستخلص ان عمله مع فرقة ابيض وحجازي، او عمله في مسرحية الناصر صلاح الدين التي جسد فيها شخصية امبراطور النمسا كان ما بعد شهر يوليو من عام 1914.
سب وتقريظ
يستكمل الريحاني ما توقفنا عنده فيقول لنترك هذا جانبا واعرج علي مناقشة ظريفة جرت في تلك الليلة، كنت اقطن في مصر الجديدة، ولذلك كنت استقل ترام المترو عقب التمثيل. وكان لي صديق قديم، كان زميلا منذ ايام البنك الزراعي، وكان هو الاخر يسكن بجواري في مصر الجديدة وكثيرا ما كنا نتلاقي في قطار المترو ذهابا وايابا. واذكر في تلك الليلة ليلة صلاح الدين الايوبي ، ان لقيني هذا الصديق في المترو، وبعد التحيات المعتادة سألته عن المكان الذي قضي به سهرته، فقال انه كان يشاهد رواية صلاح الدين، وتبرع فقص عليّ نبأ عن واد.. ممثل ابن كلب.. يا فندم.. طلع في دور ملك النمسا.. انما كان حتة واحد زي الامبراطور فرانسوا جوزيف، بحيث الناس كلهم ماتوا من الضحك علي شكله.. الخ من انواع الشتائم، لذلك رأيت ان اقطع سلسلة شتائم اعجابه وقلت له تعرف ان الكلب ده.. يبقي مين ؟ ، فقال ابدا ، فقلت له هو محسوبكم يا افندم.. هو العبد لله يا اخينا !! ، نهايته. لم يرتح زملائي بالفرقة ولم يطب خاطرهم إلا بعد ان صدر الامر برفتي والاستغناء عني. بحجة عدم لياقتي للتمثيل بتاتا. وتفضلت الادارة المحترمة فنصت في ميثاق الرفت علي انني لن افلح في التمثيل، ولن اكون في يوم من الايام ممثلا، حتي لو كنت في دور ثانوي، وبعد هذه الوثيقة القيمة والشهادة البينة، سدت في وجهي جميع الابواب.
تحريض
قيل في الامثال ان من جاور الحداد اتحرق بناره ، وانا قد جاورت استاذنا عمر وصفي وزملاءه مدة من الزمن، فقد حق عليّ ان اقتبس بعض تعاليمه وادرس طائفة من خططه. الغاية. لا اريد ان اطيل عليكم، فقد رأيت ان اسلم خطة هي تحريض ممثلي الفرقة علي رفع راية العصيان علي الادارة، وشق عصا الطاعة علي المديرين والانسحاب افرادا وجماعات، وقد نجحت خطتي مع الكثيرين الذين اسرعوا في هجر فرقة ابيض وحجازي، والمناداة بالاستقلال التام.. والجوع الزؤام !، وكان علي رأس العصاة الاستاذ عزيز عيد والسيدة روزاليوسف، وقد انضم الينا بعد ذلك من غير اعضاء الفرقة الاستاذ امين عطا الله، وكان في ذلك الحين ولا حياء في الواقع كان زي حالتنا مش لاقي يأكل، كما كان الاستاذ امين صدقي هو الاخر سارحا بكام رواية من مؤلفاته ومقتبساته. وبالاختصار اجتمع كل متعوس علي خايب الرجا، كأستيفان روستي وحسن فايق وعبد اللطيف جمجموم، وسبعه ثمانية من العواطلية اياهم. وقررنا ان نؤلف فرقة تضرب فرقة ابيض وحجازي علي حبابي عنيها.، ولعل واحدا من القراء الاعزاء لم ينس قصة جحا حين رغب في الزواج من ابنة السلطان، فقد راح جحا ينشر في الناس ان الامر سوي نهائيا، وانه لم يبق علي زفافه من ابنة السلطان الا ان يجمع المهر اللازم وان يرضي السلطان بالمصاهرة !! اسم الله امال ايه اللي تم يا سي جحا ؟ !.
كذلك نحن اجتمع الممثلون، ولم يبق علي تأليف الفرقة إلا وجود رأس المال. ظللنا نتناقش في الموضوع، وانتهي الامر باقتباس نظام المساهمة الذي كانت تجري عليه فرقة الاستاذ ابيض وحجازي.
محلنا المختار
كان السائر في شارع عماد الدين يشاهد علي يساره بعد ان يجتاز شارع فؤاد الاول، مقهي كان يديره احد النزلاء اليونانيين ( ومن غيرهم يا تري في مصر يفتح المقاهي). وكان اسم هذا المقهي متروبول وارجع بالقاريء العزيز إلي هذا العهد الذي اتحدث عنه، فأقول ان اخواننا المنشقين عن فرقة ابيض وحجازي جعلوا من هذا المقهي محلا مختارا يأوون اليه، وعند طلوع الشمس كان الجرسونات يستقبلون وفودنا ويصطبحون بوجوهنا وكنا اذا جلسنا لا نغادر المكان إلي ساعة التشطيب بعد منتصف الليل بساعتين علي الاقل. امال ايه.. ها نروح فين.. لا وظيفة ولا يحزنون. !، كانت هذه القهوة دارا للندوة، او برلمانا يعقده لممثلون، فيتناقشون في اقرب السبل للحصول علي المال الذي يستطيعون به ان يؤلفوا فرقتهم المشتهاة.
حصانة جرسونية
وقد رأي الله يرضي عنهم الجرسونات اننا اصبحنا بمضي المدة اصحاب محل، وبذلك ينطبق علينا قانون الاعضاء. وهذا القانون ينص علي انه اذا جلس واحد منا، فلا لزوم لان يتقدم الجرسون، متمسحا لمسح الطاولة أو تطويقها بحركة الانتظار التقليدية اياها.. لعل الزبون يحس من نفسه فيطلب السكر زيادة او واحد مظبوط علي الريحة، اقول كنا نجلس في هذه القهوة متمتعين بحصانة جرسونية وكنا نبني في مناقشاتنا مستقبلا من الامال. واذكر ان احد زبائن القهوة الذين كانوا يترددون عليها كثيرا دون ان تكون لديهم مثل حصانتنا واسمه السيد بحري ، اذكر ان شيئا من الصداقة قد تولد بيننا وبينه. فكان بين وقت وآخر، يعطف علي بعضنا بسيجارة، او يطلب لنا طلبا وقد رأي صاحب القهوة اليوناني ان يستفتي السيد بحري في امرنا، فسأله عنا وعن احوالنا، وما السبب في معيشة العواطلية التي نحياها دون ان نشق لنا طريقا في عباب هذه الحياة ؟، فلما عرف منه اننا طائفة من الممثلين، وانه لا ينقصنا إلا الحصول علي مبلغ ضئيل لا يتعدي العشرة جنيهات، اقول لما وقف الرجل علي مطلبنا هذا، اظهر منتهي الاستعداد للدفع !، فكان ذلك مفاجأة عجيبة لم نكن ننتظرها. وقد انعم كل منا فكره في تأويل هذه الاريحية التي نبتت مرة واحدة، كما يتفجر الينبوع العذب من الصخر الجدب.
اصرف ما في الجيب
قال احدنا ان هذا العمل من الخواجة يشير بالنجاح، لانه رجل يعرف من اين تؤكل الكتف، ويستحيل ان يغامر بدفع رأس المال، اذا لم يكن واثقا من استرداد مبلغه هذا اضعافا مضاعفة . اما انا فقد ذهبت في التفسير مذهبا خالفت به الجميع، فمع اغتباطي بتساهيل الله، علي يد الخواجه صاحب قهوة متروبول، قلت لاخوانني انني لا اري دافعا لتصرف الخواجة إلا انه طهق من خلقتنا. فأراد ان يتخلص منا بأي طريقة، مهما كان فيها من تضحية مالية، وسواء اكان هذا هو السبب ام ذاك فقد وصلنا إلي بغيتنا وحصلنا علي مبلغ الجنيهات العشرة. وكم كان ظريفا من بعض اخواننا ان يقترحوا توزيع المبلغ علينا، بلا فرقة بلا دياولو. وليحيا اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب . ودون ان اطيل عليكم اقول ان هذا المذهب لم يجد انصارا كثيرين. فتقرر ان نستعمله في الغرض الذي دفع من اجله. . اما المسرح الذي وقع عليه الاختيار كي تعمل به فرقتنا الجديدة فهو مسرح برنتانيا القديم. واطلقنا علي فرقتنا الجديدة اسم فرقة الكوميدي العربي واتفقنا علي ان نفتتح العمل برواية خللي بالك من ايملي وكان قد نقلها عن الفرنسية الاستاذ امين صدقي، وجاء اول توزيع الادوار، فأختصوني بدور برجيه والد ايميلي.. وهنا استميح القراء الافاضل في وقفة علي الهامش، تلجأني اليها اهمية ذلك التاريخ الذي اسرده بصدق وامانة. فلا شك انني كنت في ذلك الحين اهوي التمثيل من كل قلبي، ولكنه ميل كان منصبا علي نوع واحد من هذا الفن هو الميلودراما . اما الكوميدي فلم اكن اشعر نحوه بأي عاطفة. كما انني كنت احس انني لم اخلق له، واذا ما بدا لي ان اظهر في دور كوميدي فسيكون السقوط حليفه والطماطم.. من الجمهور نصيبي. والان فلنعد لمواصلة حديثنا فنقول ان برجيه هذا جندي بوليس قديم له ابنة جميلة كان يعيش عالة علي كدها وسعيها، او بالمفتشر عايش علي قفا بنته، وان المؤمن لا يستحي من الحق !، الدور جامد، وبطل من ابطال الرواية، وفوق هذا وذاك فهو فكاهي خفيف. اعتذرت اولا عن قبوله ثقة مني بأنه اكبر من ان استطيع اجادته. ولكن اعتذاري هذا رفض رفضا باتا، لا لأعتقاد الفرقة بقدرتي، بل بحجة انه لا يوجد ممثلون يكفون لاداء ادوار الرواية. يعني يا سي عزيز عيد اروح انا في ستين داهية علشان حضرتك مش لاقي ممثل يعمل « برجيه » ؟، اعتذرت عن قبول الدور الذي اسنده لي عزيز عيد وهو دور برجيه، وتوسلت ان يعفوني من ادائه ولكن لم تفد توسلاتي واسترحماتي، فرأيت ان لابد مما ليس بد منه. فقبلت الدور مرغما. فأغلقت علي نفسي الحجرة ورحت ارسم له شخصية اؤديه بها. ووقفت امام المرأة القي جمل الدور واحدة وراء الاخري، وارقب ما يرتسم علي وجهي من تعبيرات، متلمسا السبيل إلي اجادتها، ولكن.. الحق اقول احسست نفسي سمجا ثقيلا، واخيرا جددت الاعتذار لعزيز عيد، فأمعن في الرفض، وكنت كلما اقترب اليوم المحدد للافتتاح ازداد خفقان قلبي، وتلخلخت ركبي وركبني مائة عفريت وعفريت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.