سفير مصر بالدنمارك: نتوقع إقبالًا كبيرًا على التصويت بمجلس الشيوخ    بعد ارتفاع الكيلو.. أسعار الفراخ اليوم السبت 2 أغسطس 2025 في الأسواق وبورصة الدواجن    متى يتم تطبيق قانون الإيجار القديم الجديد؟    إيران: الحوار وتبادل وجهات النظر بين إيران وثلاث دول أوروبية بخصوص القضايا النووية مستمر لكنه واجه ظروفًا معقدة    رئيس عربية النواب: أهل غزة يحملون في قلوبهم كل الحب والتقدير لمصر والرئيس السيسي    وديًا.. العين الإماراتي يفوز على إلتشي الإسباني    هايد بارك ترعى بطولة العالم للاسكواش للناشئين 2025 تحت 19 عامًا    التحقيقات تكشف سبب وفاة طفل منشأة القناطر بعد العثور على جثته ببركة مياه    طقس شديد الحرارة في مطروح اليوم.. ودرجات الحرارة تتجاوز ال37    النقل: استمرار تلقي طلبات السائقين الراغبين في التدريب حتى منتصف أغسطس    شركة خدمات البترول البحرية تنتهي من تطوير رصيف UGD بميناء دمياط    انطلاق قمة «ستارت» لختام أنشطة وحدات التضامن الاجتماعي بالجامعات    مجلس الشيوخ المصري.. ثمرة عقود من التجربة الديمقراطية    «يونيسف»: مؤشر سوء التغذية في غزة تجاوز عتبة المجاعة    المصريون بالسعودية يواصلون التصويت في انتخابات «الشيوخ»    المصريون في البرازيل يشاركون في انتخابات مجلس الشيوخ 2025    حارس الزمالك يرفض الرحيل في الميركاتو الصيفي    مدرب نيوكاسل: أعرف أخبار إيزاك من وسائل الإعلام.. وأتمنى رؤيته بقميص النادي مجددا    تطوير 380 مركزا تكنولوجيا بالمحليات والقرى والمدن وأجهزة المجتمعات الجديدة    تعاون بين «الجمارك وتجارية القاهرة».. لتيسير الإجراءات الجمركية    تحرير 844 مخالفة مرورية لعدم تركيب الملصق الإلكتروني    حفل أسطوري.. عمرو دياب يحقق أعلى حضور جماهيري في مهرجان العلمين    مراسل إكسترا نيوز: الوطنية للانتخابات تتواصل مع سفراء مصر بالخارج لضمان سلاسة التصويت    بأداء كوميدي وملاكمة فلاحة.. «روكي الغلابة» يحصد 6 ملايين في 48 ساعة    في 16 قرار.. تجديد وتكليف قيادات جديدة داخل وحدات ومراكز جامعة بنها    «بيت الزكاة والصدقات»: غدًا صرف إعانة شهر أغسطس للمستحقين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ عالم أزهري يجيب    79 مليون خدمة طبية لمنتفعي التأمين الصحي الشامل في 6 محافظات    «الصحة» تطلق منصة إلكترونية تفاعلية وتبدأ المرحلة الثانية من التحول الرقمي    مدبولي يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات بمجلس الوزراء خلال يوليو 2025    مفاجأة.. أكبر جنين بالعالم عمره البيولوجي يتجاوز 30 عامًا    ابحث عن طريقة لزيادة دخلك.. توقعات برج الحمل في أغسطس 2025    شكل العام الدراسي الجديد 2026.. مواعيد بداية الدراسة والامتحانات| مستندات    تنظيم قواعد إنهاء عقود الوكالة التجارية بقرار وزاري مخالف للدستور    تنسيق المرحلة الثانية للثانوية العامة 2025.. 5 نصائح تساعدك على اختيار الكلية المناسبة    "صحة غزة": شاحنات تحمل أدوية ومستلزمات طبية ستدخل القطاع اليوم عبر منظمة الصحة العالمية    انخفاض الطن.. سعر الحديد اليوم السبت 2 أغسطس 2025 (أرض المصنع والسوق)    21 مصابًا.. ارتفاع أعداد المصابين في حادث انفجار أسطوانة بوتاجاز بمطعم بسوهاج    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب شمال باكستان    الهيئة الوطنية للانتخابات: تواصل دائم مع السفراء لمتابعة انتخابات مجلس الشيوخ بالخارج    أيمن يونس: شيكابالا سيتجه للإعلام.. وعبد الشافي سيكون بعيدا عن مجال كرة القدم    تعرف على منافسات مصر بسابع أيام دورة الألعاب الأفريقية للمدارس بالجزائر    22 شهيدا في غزة.. بينهم 12 أثناء انتظار المساعدات    ترامب يخطو الخطوة الأولى في «سلم التصعيد النووي»    وفاة والد معتمد جمال مدرب الزمالك السابق    تنسيق الدبلومات الفنية 2025.. رابط تسجيل اختبارات كليات الهندسة والحاسبات والتجارة والزراعة (المنهج)    سعر الذهب اليوم السبت 2 أغسطس 2025 يقفز لأعلى مستوياته في أسبوع    الصفاقسي التونسي يكشف تفاصيل التعاقد مع علي معلول    مقتل 4 أشخاص في إطلاق نار داخل حانة بولاية مونتانا الأمريكية    عمرو دياب يشعل العلمين في ليلة غنائية لا تُنسى    محافظ سوهاج يقرر غلق محلين بسبب مشاجرة بعض العاملين وتعطيل حركة المواطنين    كما كشف في الجول – النجم الساحلي يعلن عودة كريستو قادما من الأهلي    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    حسام موافي ينصح الشباب: مقاطعة الصديق الذي علمك التدخين حلال    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا (فيديو)    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا قال عن مذگراته؟! الأخبار تروي أسرار الضاحك الباكي نجيب الريحاني 6
فشل في الحصول علي أمواله من سليم أبيض واضطر للعمل معه علي أمل استردادها
نشر في الأخبار يوم 29 - 08 - 2010

»قبل أن أسمح لنفسي بنشر مذكراتي، فكرت في الامر كثيرا، لا لشيء الا لانني خلقت صريحا، لا اخشي اللوم في الحق، ولا أميل إلي المواربة والمداراة، فهل يا تري اظل فيما أكتب متحليا بهذه الخليقة؟، أم يدفعني ما درج عليه الناس من مجاملة إلي المواجهة والتهرب.. ذلك هو موضع التفكير الذي لازمني قبل أن أخط في مذكراتي حرفا واحدا، أما وقد ارتضيت، فقد آليت علي نفسي أن أملي الواقع مهما حاقت بي مرارته، واسجل الحقائق مهما كان فيها من الم ينالني قبل ان ينال غيري ممن جمعتني بهم أية جامعة،وربطتني بهم اقل رابطة، ومضيت في مذكراتي علي هذه الوتيرة، فاذا بي أشعر في دخيلة نفسي انني اؤدي واجبا مفروضا، هو في الحقيقة تسجيل صحيح لناحية من نواحي تاريخ الفن في بلادنا العزيزة، وأصارح القراء الافاضل بأنني كنت كلما سردت واقعة فيها ما يشعر بالاقلال من شأني، كنت أحس السعادة الحقة، سعادة الرجل الصادق المؤمن حين يقف أمام منصة القضاء فيدلي بشهادته الصحيحة، ويغادر المكان مستريح الضمير، ناعم البال، هاديء البال.. علي أنني في مذكراتي هذه تناولت الكثيرين بما قد لا يرضيهم، ولكن احدا لا يستطيع ان يناقضني في حرف واحد مما أثبت هنا، لأنه إن حاول ان يفعل، وقفت الحقائق حائلا بينه وبين ما يريد، فهناك الزميل القديم علي يوسف مثلا... لقد شرحت الكثير مما كان بيني وبينه من مواقع حربية في ميدان الغرام والهيام، وكذلك الحال مع السيدة (ص. ق ) -الريحاني يقصد الممثلة صالحة قاصين - التي بلغ تنازعنا عليها حد شك المقالب، وتدبير الفصول الساخنة.. كل ما ذكرته عنهما حقائق صادقة، ولعل بعض من تحدثت عنهن قد يسوءهن ان اكشف عن حقيقة رابطتهن الاولي بالمسرح بعد أن أصبحن في سمائه كواكب لامعة، وقد سبق لهن ان تحدثن إلي الصحف كثيرا، وشرحن تاريخ حياتهن كثيرا، ودبجن المقالات كثيرا، فشرحت كل منهن كيف كانت تمثل امام المرآة، وكيف شغفت بالتمثيل منذ الصغر، وكيف عشقت الفن لذاته... وكيف، وكيف مما لست أذكره، ولكن هل ذكرت في أحاديثها ولو من باب تقرير الواقع (وبلاش المجاملة حتي ) شيئا عن كيف وقفت علي المسرح، ومن علمها نطق أبجديته؟، ابدا.. وكأنه من العار عليها اذا اعترفت بأنها كانت ممثلة في فرقة الريحاني.. وبلاش مبتدئات يا سيدي!!«
توقف بنا نجيب الريحاني في الحلقة السابقة عند عودته من نجع حمادي مرفوتا من شركة السكر التي عاد منها وفي جيبه مبلغ سبعين جنيها، وقد التف حوله بسببها زملاؤه الاقدمون من الممثلين البؤساء، وظل ينفق وينفق ويبعثر امواله هنا وهناك حتي تبقي في جيبه 26 جنيها فقط فاتخذ قرارا بان يمسك يده عن هذا السفه والتبذير بحيث يكفيه الانفاق بريال واحد في اليوم عشرة قروش فقط لا غير للثلاث وجبات والسجائر والفنطزية كمان ، لانه وقتها كان بلا شغلة او مشغله. لكن حظه العثر قاده بعد اتخاذ هذا القرار لمسرح جورج ابيض وهناك كشف له سليم ابيض مدير الفرقة انه لايجد مرتبات الممثلين وطلب منه ان يقرضه 25 جنيها فقط، ولم يقبل سليم بجملة الاعتذارات التي ساقها له الريحاني، وظل يضغط ويلح، ويقول الريحاني مستكملا الموقف في مذكراته :
كلما تكرر الرجاء تمسكت بالاعتذار. ولكن قوة الاستاذ سليم ابيض في الاقناع وبراعته في وصف الحالة الراهنة من جهة، ومحبتي للفن من جهة اخري، هذه العوامل لم تدع لي سبيلا كي ارفض فقلت له اسمع يا خواجه سليم.. مفيش في جيبي غير 26 جنيها، فأذا كنتم عايزين 25 جنيها علي شرط انكم ترجعوهم بعد يومين صحيح فانا مستعد.. واهو الجنيه اللي فاضل يكفيني في اليومين دول . والظاهر ان سليم ابيض كان في هذه اللحظة واقعا من السماء وانا الذي تلقفته. لأنني احسست ان ماء الحياة قد عاد إلي وجهه، فوعد ووعد بينما قلت في نفسي يا واد الفلوس رايحين رايحين فخليهم يروحوا بالجملة احسن من سلسلتهم بالقطاعي ، وتناول الخواجة سليم مبلغ الخمسة وعشرين جنيها في التو واللحظة، وترك في جيبي جنيها يقضي الليالي وحيدا بعدهم، فلما احسست بالنكبة التي حلت بي وقتها رحت اضرب اخماسا في اسداس واندم علي ما فعلت، وانقضي الموعد المضروب فذهبت إلي الخواجه سليم ارجو واتضرع شاكيا مرارة الزمن وشدة الحاجة، لكن اخوك تقيل فلا جواب غير الصبر طيب يا اخي هو احنا ها نكلهم عليك ولا ايه ، فأقول له لا يا سيدي انا عارف انكم مش رايحين تكلوهم علي. لكن انا شخصيا عايز آكل بيهم.. ولا يعني عايزني آكل طوب ؟ ، ولم تفد الالتماسات. بل لم يرق الخواجه سليم لحالي إلي ان اتيت علي آخر مليم من الجنيه اليتيم الذي ابقاه لي سليم ابيض. وكنت اسكن في مصر الجديدة، فاضطررت والحالة هذه إلي اقتراض نص فرنك 20 مليم قيمة اجرة المترو، ولولا ذلك لأفترشت الغبراء والتحفت السماء كما يقول الشعراء !
الخواجة جورج
لم يقدم لنا نجيب الريحاني في مذكراته معلومات تذكر عن جورج ابيض ولأن العلاقات سوف تتشابك وتتصادم بين الريحاني وفرقة جورج ابيض فيما بعد، وسوف نري بعد قليل ان الريحاني سيحصل علي شهادة مؤسفة من فرقة ابيض وحجازي بأنه لا يصلح للتمثيل وعليه ان يبحث لنفسه عن مهنة اخري يأكل منها عيش، فالضرورة هنا تحتم ان نقدم للقاريء تعريفا موجزا عن جورج ابيض لما له من مكانة وريادة في تاريخ المسرح العربي والمصري، ولد جورج أبيض في العاصمة اللبنانية بيروت عام 1880 ، اي انه يكبر الريحاني بتسع سنوات، هاجر إلي مصر في نفس العام الذي ولد به الريحاني وهو عام 1889 عندما كان عمره 18 عاما، يحمل دبلومة في التلغراف اهلته للعمل مديرا لمحطة سيدي جابر للسكك الحديد وقد اتصل بجمعيات هواة التمثيل, فلفت الأنظار إِلي موهبته وأسند إِليه دور في مسرحية البرج الهائل التي عرضت علي مسرح زيزينيا، وقد شاهدها الخديوي عباس حلمي الثاني واعجب بها، وقد استغل جورج ابيض ذلك فارسل للخديو ثلاث رسائل يشرح فيها أوضاع الفرق التمثيلية ويطلب منه الموافقة علي سفره إِلي باريس علي نفقة الدولة ليتعلم أصول التمثيل, وقد وافق الخديو علي سفره وأمضي هناك ست سنوات من (1904 إلي1910) عاد بعدها علي رأس فرقة فرنسية قدّم معها لويس الحادي عشر لكازمير دي لارفني، و طرطوف لموليير علي مسرح دار الأوبرا في القاهرة، وطلب منه سعد زغلول باشا، وزير المعارف في هذا الوقت ، تأليف فرقة تؤدي عروضها باللغة العربية، فنهض جورج بالمهمة علي خير وجه واستخدم في هذه المسرحيات فرقة موسيقية بقيادة عبد الحميد علي، وفرقة راقصة كانت تقدم رقصاتها خلال المشاهد التي تتطلب ذلك. ولم تقو الفرقة علي جلب الايرادات التي تعادل مصاريفها الباهظة ولم يجد مديرها سليم ابيض في خزينته ما يدفع منه مرتبات الممثلين مثلما روي الريحاني واضطر ان يقترض منه 25 جنيها علي ان يدفعها في اليوم التالي لكنه لم يف بوعده ولنترك الريحاني يستكمل بقية ما جري فيقول :
نهايته بعدعشرين يوما كاملة، بدأ الاستاذ سليم يشعر نحوي بعاطفة والرحمة فكان يعطيني بين يوم وآخر شلنا، أو نصف ريال علي الحساب. واذكر ان اكبر دفعة تناولتها علي الحساب كانت ثلاثة عشر قرشا ، فتصور يا سيدي القاريء كم من الاعوام يجب ان تمر لاستعادة ديني اذا سار السداد علي هذه الوتيرة ؟، شغل فكرك واستعن باللوغريتمات وحساب المثلثات ثم نبئني بالنتيجة. وبعد ان قبلت الدعات التي كان الاستاذ سليم ابيض يحن بها علي، من شلن لنصف ريال.. الخ، بعد ذلك تألفت فرقة ابيض وحجازي وكان علي رأسها بالطبع الاستاذان جورج ابيض وسلامة حجازي. ولم يكن يدفع للممثلين في هذا الوقت اجراً معلوما، بل نص الاتفاق علي ان يكون العمل بالاسهم، اي يربط للممثل عدد من الاسهم ثم يوزع الايراد علي الاسهم وكل واحد وبخته. وقد عرض علي الاستاذ جورج ان انضم للفرقة ممثلا ويمكن ربنا يفرجها وتفوز بحقك، وقبلت هذا العرض وكل املي ان افوز بجزء من مالي الضائع، الذي سبق ان اقترضه مني سليم ابيض لدفع اجور ممثلي فرقة اخيه. لكن كانت النتيجة وياللأسف هي نفس النتيجة التي فاز بها ابليس حين طمع في الجنة. بدأ زملائي الاعزاء في توضيب المقالب النظيفة للعبد لله. ولم اكن في ذلك الوقت اعرف عنها كثيرا او قليلا، اذ كان الوسط جديدا علي كما كنت انا جديدا عليه. وكان بطل شك المقالب وانتقاء النكات المستوية في مادة التأليس علي محسوبكم الفقير اليه تعالا هو والدنا الاستاذ الافخم عمر وصفي. لقد كان يهون علي والله كل شيء، وكل شقاء، اللهم إلا ذلك النوع من التأويز وهو التهزيق اللي مفيش منه.
انا ملك النمسا
وكان علينا في احدي الليالي ان نمثل رواية صلاح الدين الايوبي ، وكان الاستاذ جورج يضطلع فيها بدور ريتشارد قلب الاسد بينما اختاروا لي دورا صغيرا حقيرا، هو دور ملك النمسا. وكل ما يفعله هو ان يقف من جورج ابيض موقف المبارز، ويتكلم اللي فيه القسمة ، كلمتين قول تلاته، وكان الله يحب المحسنين، وكانت الحرب الكبري قد اعلنت في هذا الوقت، وكانت الصحف والمجلات المصرية والاجنبية تنشر صورا لملوك الدول المتحاربة، ومن بينها صورة الامبراطور فرانسوا جوزيف امبراطور النمسا في ذلك الحين، وقد تراءي لي ان اتقمص شخصية هذا الامبراطور مادام دوري هو ملك النمسا، فأقفلت علي نفسي باب حجرتي بالمسرح، وجلست امام المرآة ورحت التمس المكياج ومعداته مما جعلني الامبراطور جوزيف بعينه وبلحيته المتدالية علي جانبي وجنتيه إلي اسفل ذقنه، وحين جاء وقت ظهوري علي المسرح لم يتمالك الناس انفسهم من الضحك حتي ان الاستاذ جورج ابيض لما دخل المسرح ثائرا في دوره قلب الاسد وفوجيء بمظهري هذا فتبخرت حماسته وانطفأت شعلته واحسست انه يغالب عاصفة من الضحك تكاد تنفجر علي شفتيه وبين اسارير وجهه !!، كل ذلك وانا واقف في مكاني لا ابتسم ولا اخالف طبيعة الموقف.. قال يعني الفن واخد حده قوي مع ملك النمسا، اقول ان جورج دخل ثائرا وهو يصرخ مرددا كلمة قلب الاسد المأثورة ويل لملك النمسا من قلب الاسد ، ولكن ويل ايه وبتاع ايه.. ما خلاص جورج ما بقاش جورج والمسرح بقي زيطة، والحابل اختلط بالنابل زي ما بيقولوا، نهايته. انتهت هذه الليلة ولا ادري كيف انتهت، ولكن الذي ادريه هو موال التقريع الذي انصب عليّ من شيخ طائفة المطفشين الاستاذ عمر وصفي.
الحرب الكبري
نتوقف عن السرد قليلا ثم نستكمل مع الريحاني من جديد.. فقد ورد في الفقرة السابقة عبارة اعلان الحرب الكبري ، والريحاني يقصد بهذه العبارة الحرب العالمية الاولي التي نشبت في اورفي 28 يوليو 1914 وظلت مستعرة وممتدة من اوروبا إلي افريقيا وامتدت إلي المحيط الهادي،و المحيط الأطلسي، والمحيط الهندي، وامتد تأثيرها ايضا لمناطق بالشرق الأوسط ولم تخمد نيرانها إلا في 11 نوفمبر 1918 بمعاهدة فرساي وقد سميت وقتها بالحرب العظمي، وقد بدأت هذه الحرب حينما قامت إمبراطورية النمسا والمجر بغزو مملكة صربيا إثر حادثة اغتيال ولي عهد النمسا وزوجته من قبل طالب صربيا أثناء زيارتهما لسراييفو، بالتالي فمن الفقرة السابقة في مذكرات الريحاني نستخلص ان عمله مع فرقة ابيض وحجازي، او عمله في مسرحية الناصر صلاح الدين التي جسد فيها شخصية امبراطور النمسا كان ما بعد شهر يوليو من عام 1914.
سب وتقريظ
يستكمل الريحاني ما توقفنا عنده فيقول لنترك هذا جانبا واعرج علي مناقشة ظريفة جرت في تلك الليلة، كنت اقطن في مصر الجديدة، ولذلك كنت استقل ترام المترو عقب التمثيل. وكان لي صديق قديم، كان زميلا منذ ايام البنك الزراعي، وكان هو الاخر يسكن بجواري في مصر الجديدة وكثيرا ما كنا نتلاقي في قطار المترو ذهابا وايابا. واذكر في تلك الليلة ليلة صلاح الدين الايوبي ، ان لقيني هذا الصديق في المترو، وبعد التحيات المعتادة سألته عن المكان الذي قضي به سهرته، فقال انه كان يشاهد رواية صلاح الدين، وتبرع فقص عليّ نبأ عن واد.. ممثل ابن كلب.. يا فندم.. طلع في دور ملك النمسا.. انما كان حتة واحد زي الامبراطور فرانسوا جوزيف، بحيث الناس كلهم ماتوا من الضحك علي شكله.. الخ من انواع الشتائم، لذلك رأيت ان اقطع سلسلة شتائم اعجابه وقلت له تعرف ان الكلب ده.. يبقي مين ؟ ، فقال ابدا ، فقلت له هو محسوبكم يا افندم.. هو العبد لله يا اخينا !! ، نهايته. لم يرتح زملائي بالفرقة ولم يطب خاطرهم إلا بعد ان صدر الامر برفتي والاستغناء عني. بحجة عدم لياقتي للتمثيل بتاتا. وتفضلت الادارة المحترمة فنصت في ميثاق الرفت علي انني لن افلح في التمثيل، ولن اكون في يوم من الايام ممثلا، حتي لو كنت في دور ثانوي، وبعد هذه الوثيقة القيمة والشهادة البينة، سدت في وجهي جميع الابواب.
تحريض
قيل في الامثال ان من جاور الحداد اتحرق بناره ، وانا قد جاورت استاذنا عمر وصفي وزملاءه مدة من الزمن، فقد حق عليّ ان اقتبس بعض تعاليمه وادرس طائفة من خططه. الغاية. لا اريد ان اطيل عليكم، فقد رأيت ان اسلم خطة هي تحريض ممثلي الفرقة علي رفع راية العصيان علي الادارة، وشق عصا الطاعة علي المديرين والانسحاب افرادا وجماعات، وقد نجحت خطتي مع الكثيرين الذين اسرعوا في هجر فرقة ابيض وحجازي، والمناداة بالاستقلال التام.. والجوع الزؤام !، وكان علي رأس العصاة الاستاذ عزيز عيد والسيدة روزاليوسف، وقد انضم الينا بعد ذلك من غير اعضاء الفرقة الاستاذ امين عطا الله، وكان في ذلك الحين ولا حياء في الواقع كان زي حالتنا مش لاقي يأكل، كما كان الاستاذ امين صدقي هو الاخر سارحا بكام رواية من مؤلفاته ومقتبساته. وبالاختصار اجتمع كل متعوس علي خايب الرجا، كأستيفان روستي وحسن فايق وعبد اللطيف جمجموم، وسبعه ثمانية من العواطلية اياهم. وقررنا ان نؤلف فرقة تضرب فرقة ابيض وحجازي علي حبابي عنيها.، ولعل واحدا من القراء الاعزاء لم ينس قصة جحا حين رغب في الزواج من ابنة السلطان، فقد راح جحا ينشر في الناس ان الامر سوي نهائيا، وانه لم يبق علي زفافه من ابنة السلطان الا ان يجمع المهر اللازم وان يرضي السلطان بالمصاهرة !! اسم الله امال ايه اللي تم يا سي جحا ؟ !.
كذلك نحن اجتمع الممثلون، ولم يبق علي تأليف الفرقة إلا وجود رأس المال. ظللنا نتناقش في الموضوع، وانتهي الامر باقتباس نظام المساهمة الذي كانت تجري عليه فرقة الاستاذ ابيض وحجازي.
محلنا المختار
كان السائر في شارع عماد الدين يشاهد علي يساره بعد ان يجتاز شارع فؤاد الاول، مقهي كان يديره احد النزلاء اليونانيين ( ومن غيرهم يا تري في مصر يفتح المقاهي). وكان اسم هذا المقهي متروبول وارجع بالقاريء العزيز إلي هذا العهد الذي اتحدث عنه، فأقول ان اخواننا المنشقين عن فرقة ابيض وحجازي جعلوا من هذا المقهي محلا مختارا يأوون اليه، وعند طلوع الشمس كان الجرسونات يستقبلون وفودنا ويصطبحون بوجوهنا وكنا اذا جلسنا لا نغادر المكان إلي ساعة التشطيب بعد منتصف الليل بساعتين علي الاقل. امال ايه.. ها نروح فين.. لا وظيفة ولا يحزنون. !، كانت هذه القهوة دارا للندوة، او برلمانا يعقده لممثلون، فيتناقشون في اقرب السبل للحصول علي المال الذي يستطيعون به ان يؤلفوا فرقتهم المشتهاة.
حصانة جرسونية
وقد رأي الله يرضي عنهم الجرسونات اننا اصبحنا بمضي المدة اصحاب محل، وبذلك ينطبق علينا قانون الاعضاء. وهذا القانون ينص علي انه اذا جلس واحد منا، فلا لزوم لان يتقدم الجرسون، متمسحا لمسح الطاولة أو تطويقها بحركة الانتظار التقليدية اياها.. لعل الزبون يحس من نفسه فيطلب السكر زيادة او واحد مظبوط علي الريحة، اقول كنا نجلس في هذه القهوة متمتعين بحصانة جرسونية وكنا نبني في مناقشاتنا مستقبلا من الامال. واذكر ان احد زبائن القهوة الذين كانوا يترددون عليها كثيرا دون ان تكون لديهم مثل حصانتنا واسمه السيد بحري ، اذكر ان شيئا من الصداقة قد تولد بيننا وبينه. فكان بين وقت وآخر، يعطف علي بعضنا بسيجارة، او يطلب لنا طلبا وقد رأي صاحب القهوة اليوناني ان يستفتي السيد بحري في امرنا، فسأله عنا وعن احوالنا، وما السبب في معيشة العواطلية التي نحياها دون ان نشق لنا طريقا في عباب هذه الحياة ؟، فلما عرف منه اننا طائفة من الممثلين، وانه لا ينقصنا إلا الحصول علي مبلغ ضئيل لا يتعدي العشرة جنيهات، اقول لما وقف الرجل علي مطلبنا هذا، اظهر منتهي الاستعداد للدفع !، فكان ذلك مفاجأة عجيبة لم نكن ننتظرها. وقد انعم كل منا فكره في تأويل هذه الاريحية التي نبتت مرة واحدة، كما يتفجر الينبوع العذب من الصخر الجدب.
اصرف ما في الجيب
قال احدنا ان هذا العمل من الخواجة يشير بالنجاح، لانه رجل يعرف من اين تؤكل الكتف، ويستحيل ان يغامر بدفع رأس المال، اذا لم يكن واثقا من استرداد مبلغه هذا اضعافا مضاعفة . اما انا فقد ذهبت في التفسير مذهبا خالفت به الجميع، فمع اغتباطي بتساهيل الله، علي يد الخواجه صاحب قهوة متروبول، قلت لاخوانني انني لا اري دافعا لتصرف الخواجة إلا انه طهق من خلقتنا. فأراد ان يتخلص منا بأي طريقة، مهما كان فيها من تضحية مالية، وسواء اكان هذا هو السبب ام ذاك فقد وصلنا إلي بغيتنا وحصلنا علي مبلغ الجنيهات العشرة. وكم كان ظريفا من بعض اخواننا ان يقترحوا توزيع المبلغ علينا، بلا فرقة بلا دياولو. وليحيا اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب . ودون ان اطيل عليكم اقول ان هذا المذهب لم يجد انصارا كثيرين. فتقرر ان نستعمله في الغرض الذي دفع من اجله. . اما المسرح الذي وقع عليه الاختيار كي تعمل به فرقتنا الجديدة فهو مسرح برنتانيا القديم. واطلقنا علي فرقتنا الجديدة اسم فرقة الكوميدي العربي واتفقنا علي ان نفتتح العمل برواية خللي بالك من ايملي وكان قد نقلها عن الفرنسية الاستاذ امين صدقي، وجاء اول توزيع الادوار، فأختصوني بدور برجيه والد ايميلي.. وهنا استميح القراء الافاضل في وقفة علي الهامش، تلجأني اليها اهمية ذلك التاريخ الذي اسرده بصدق وامانة. فلا شك انني كنت في ذلك الحين اهوي التمثيل من كل قلبي، ولكنه ميل كان منصبا علي نوع واحد من هذا الفن هو الميلودراما . اما الكوميدي فلم اكن اشعر نحوه بأي عاطفة. كما انني كنت احس انني لم اخلق له، واذا ما بدا لي ان اظهر في دور كوميدي فسيكون السقوط حليفه والطماطم.. من الجمهور نصيبي. والان فلنعد لمواصلة حديثنا فنقول ان برجيه هذا جندي بوليس قديم له ابنة جميلة كان يعيش عالة علي كدها وسعيها، او بالمفتشر عايش علي قفا بنته، وان المؤمن لا يستحي من الحق !، الدور جامد، وبطل من ابطال الرواية، وفوق هذا وذاك فهو فكاهي خفيف. اعتذرت اولا عن قبوله ثقة مني بأنه اكبر من ان استطيع اجادته. ولكن اعتذاري هذا رفض رفضا باتا، لا لأعتقاد الفرقة بقدرتي، بل بحجة انه لا يوجد ممثلون يكفون لاداء ادوار الرواية. يعني يا سي عزيز عيد اروح انا في ستين داهية علشان حضرتك مش لاقي ممثل يعمل « برجيه » ؟، اعتذرت عن قبول الدور الذي اسنده لي عزيز عيد وهو دور برجيه، وتوسلت ان يعفوني من ادائه ولكن لم تفد توسلاتي واسترحماتي، فرأيت ان لابد مما ليس بد منه. فقبلت الدور مرغما. فأغلقت علي نفسي الحجرة ورحت ارسم له شخصية اؤديه بها. ووقفت امام المرأة القي جمل الدور واحدة وراء الاخري، وارقب ما يرتسم علي وجهي من تعبيرات، متلمسا السبيل إلي اجادتها، ولكن.. الحق اقول احسست نفسي سمجا ثقيلا، واخيرا جددت الاعتذار لعزيز عيد، فأمعن في الرفض، وكنت كلما اقترب اليوم المحدد للافتتاح ازداد خفقان قلبي، وتلخلخت ركبي وركبني مائة عفريت وعفريت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.