قال المفكر اليساري الراحل: الأستاذ محمود أمين العالم في شهادته التي نشرها الكاتب الصحفي الأستاذ د. مصطفي عبدالغني في كتابه الجديد:»المثقفون وثورة يوليو« إنه، أي الأستاذ العالم، انتهي علي المستوي الشخصي وبعيداً عن جلسات المناقشات مع زملائه.. إلي وجوب انضمامهم إلي التنظيم الطليعي، دون التخلي في الوقت نفسه عن قناعاتهم الماركسية، ودون الإعلان بشكل واضح هل هم :»ماركسيون أم يمينيون؟«. وبالفعل.. اقترب هؤلاء كما أضاف الأستاذ »العالم« في شهادته من فهم المجتمع، وقادهم وعيهم إلي فهم كيف يدور الصراع الحاد بين القوي السياسية. هناك قوي كثيرة خارج الطبقة العاملة تنتمي إلي الأفكار الثورية دون أن تتبني الماركسية، وهي ما أطلقوا عليها اسم:»القوي الناصرية الاشتراكية« التي كانت آخذة آنذاك في النمو المنهجي. وهو ما شجع جماعات كبيرة من الماركسيين علي التفكير في حل حزبهم الشيوعي، حتي يسهل ارتباطهم ودمجهم بالقوي الناصرية الاشتراكية. وتفسيراً لهذا الاتجاه.. يقول الأستاذ »العالم« في شهادته: [..وبالفعل خرجنا من السجون علي اتفاق مبدئي بتنفيذ ما انتهت إليه جلساتنا ومناقشاتنا. و وجد اقتراحنا ترحيباً من النظام الحاكم. وتم الاتفاق علي عقد جلسات حوار بين الطرفين. واختار عبد الناصر كلا من: أحمد حمروش، وأحمد فؤاد لتمثيله في الحوار. وبعد جلسات طويلة تقرر حل الحزب الشيوعي إيذاناً ببدء »التنظيم الثوري«. وبدأت جلسات لطرح ومناقشة أهداف وتشكيل هذا التنظيم ، إلي أن ثبت لنا للأسف أن النظام يريد أن يأخذ منا أفراداً فقط، وليس كل المجاميع. و كنت أنا من بين الذين وقع الاختيار عليهم. ذات صباح.. اتصلوا بي من مكتب عبدالناصر، وقالوا لي » يشرفنا أن تكون معنا في التنظيم«. بعدها أدخلوني هكذا في مجموعة ما. وبعد 7شهور أصبحت عضواً في الأمانة العامة للتنظيم الطليعي. وبقيت في الأمانة حتي رحل جمال عبدالناصر. أذكر انني كنت المسئول عن متابعة إجراءات وفاته، وترتيبات جنازته]. رغم الثقة التي نالها الأستاذ محمود أمين العالم، بعد خروجه من المعتقل، إلاّ أنه لم ينس في شهادته أن يشير إلي التناقضات الكثيرة التي ظلت موجودة بينه كمثقف وبين السلطة. يقول الأستاذ »العالم«: [من أبرز هذه التناقضات علي سبيل المثال: إنني حملت مسئولية رئاسة مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم، وأذكر أنني في هذه الفترة كتبت مقالاً حاداً جداً نقدت فيه »الاتحاد الإشتراكي العربي«. وتصادف أن قرأها »سامي شرف« مدير مكتب عبدالناصر.. آنذاك. فأصدروا قراراً بعزلي من »أخباراليوم«! ليس هذا فقط.. بل أرسلت السلطة »قوة أمنية« إلي شتي أنحاء البلاد لجمع الصحف وخاصة »أخباراليوم« من أيدي وأكشاك الباعة]. بعد غضب بعض رجال السلطة علي » العالم« بسبب مقاله العنيف الذي نشره، واضطرهم إلي التعجل بإصدار قرار »عزله« من منصبه.. فوجيء الأستاذ »العالم« بمكالمة تلقاها من الرئيس جمال عبدالناصر، أعقبتها مكالمات أخري من باقي قادة الثورة.. وجميعهم اعتذروا له عما فعله آخرون به. ويختتم محمود أمين العالم هذه الفقرة من شهادته التي خصصها لمواقف التناقض في تعامل السلطة معه قائلاً:[.. الأكثر من ذلك، أستطيع أن أذكر أن عبدالناصر رغم ذلك كان يأمر بإذاعة مقالاتي !]. سأل الزميل د. مصطفي عبدالغني، المفكر اليساري الأستاذ محمود أمين العالم سؤالاً مباشراً، عما إذا كان من أهداف التنظيم الطليعي:استقطاب المثقفين؟ فأجاب »العالم«: [ لم يكن الاستقطاب يتم في التنظيم الطليعي فقط، وإنما في الاتحاد الاشتراكي أيضاً، وكان يتم استقطاب كل القوي المحركة للمجتمع وليس المثقفين وحدهم و القيام بتوعيتها، وإعدادها، للانضمام إلي القوي الداخلية المنتظر منها إحداث التغيير في المجتمع]. ويعود المحاور ليطرح سؤالاً أكثر صراحة: »هل تعتقد أن النظام خدع مثقفي اليسار حين أخرجهم من السجون في الستينيات، وحل تنظيمهم؟«. .. وأواصل غداً. إبراهيم سعده [email protected]