»المثقفون و ثورة يوليو« عنوان الكتاب الجديد الذي صدر مؤخراً للأستاذ الدكتور مصطفي عبدالغني ، عن »مركز الأهرام للنشر«، تضمن حوارات مهمة سبق أن أجراها الكاتب مع 16من هم المثقفين المصريين الذين تفاعلوا مع ثورة1952، وإن اختلفت مواقعهم تبعاً لثقافاتهم وميولهم وتصنيفهم من يساريين، إلي ليبراليين، إلي قوميين، و إلي إسلاميين. وهي مواقف مهمة تستحق التذكير بها وبأصحابها بمناسبة حلول ذكري الثورة وأستأذن مؤلف الكتاب الزميل د. مصطفي عبدالغني في تركيزي علي ما أجده في بعضها، من آراء ومواقف، تتفق تماماً مع آرائي ومواقفي: بالأمس، واليوم. فمثلاً.. مهّد الكاتب العزيز د. مصطفي عبدالغني لحواره المهم مع الراحل الكبير أحمد بهاء الدين، فكتب يقول:»لا تزال ذكري يوليو52تحتاج إلي شهادة المثقفين، ولا يمكن أن يأتي يوليو من كل عام إلاّ ونتذكر معه ثورة 52، ولا يمكن أيضاً أن يأتي شهر يوليو دون أن نتذكر أحمد بهاء الدين. فهذا المثقف كان مثال المثقف النزيه. اتفق مع الثورة وأيدها، كما اختلف معها. وأعلن هذا الخلاف وبالأخص عقب هزيمة 67مباشرة«. ويذكرنا الزميل د. مصطفي عبدالغني بالفترة التي طلب خلالها عبدالناصر وضع »تصوّر العمل الوطني« اختار له العديد من المثقفين كان أحمد بهاء الدين أحدهم. وفي الحوار المسجل.. قال أحمد بهاء الدين إنه أستدعي إلي بيت عبدالحكيم عامر حيث وجد عدداً كبيراً من الناس، وكان أهم ما قاله عبدالحكيم عامر:» إنهم بصدد إعداد ميثاق للعمل الوطني المنتظر«، وتم اختيار كل هؤلاء من أجل هذه المهمة. وتعددت الاجتماعات، وتشعبت المناقشات، كما ازدادت اللقاءات بين المشير وبهاء الدين لمناقشة بعض القضايا التي تم طرحها في الاجتماعات الموسعة السابقة. ويقول بهاء الدين عن نفسه: »إنه كان كثير الكلام، وكثير الاقتراحات«. وضرب مثالاً علي ذلك قائلا: [ أذكر إنني سمعت لأول مرة عن فكرة ال 50٪ من المجالس الشعبية للعمال والفلاحين. وهو موضوع استغرقت مناقشته فترات طويلة لأنها فكرة كانت غريبة تماماً عليّ. وسألت عبدالحكيم عامر عن الحكمة في تخصيص هذه النسبة الكبيرة للعمال والفلاحين؟ فأجاب »عامر« مبرراً التخصيص بأن الثورة ها تخلص في يوم من الأيام، و ها تبقي فيه انتخابات عادية.. فما هو الضمان كي لا يأتي برلمان من خارج الثورة وممثليها؟!]. لم يستوعب »بهاء الدين« هذا المبرر، وطلب من محدثه المزيد من التوضيح، فقال المشير: [ يعني لو جرت انتخابات بالقوي الانتخابية المعروفة في البلد والمطلوب تغييرها من زمن يمكن إذن أن يأتي برلمان جديد يلغي كل قوانين الثورة الاجتماعية التي أصدرناها. وهذا لن يحدث طبعاً مع وجود النسبة الكبيرة للعمال والفلاحين في البرلمان باعتبارهم أصحاب المصالح الحقيقية في الإبقاء عليها وعلي قوانينها]. ومرة أخري يصارح أحمد بهاء الدين محاوره مصطفي عبدالغني بأنه عارض آنذاك اقتراح (ال 50٪) بشدة، في جلسات طويلة وساخنة، وصفها الراحل الكبير قائلاً: [.. وبصراحة أكثر أقول: إنني تشككت في دوافعهم. وأذكر أنني قلت لعبدالحكيم عامر بالحرف الواحد:»لا تؤاخذني.. عندي أكثر من رد فعل مبدئي.. فبصراحة إن العمال والفلاحين ليسوا مهيئين ليكونوا أعضاء في المجالس التشريعية. وبصراحة أكثر أقول إن القابلين للرد والمناقشة والفهم هم الذين علي درجة من التعليم، ومن الثقة بالنفس، والاستقلال.. و.. إلخ]. ولم يكتف المثقف الكبير الراحل أحمد بهاء الدين بذلك، وإنما علق علي مقولة عبدالحكيم عامر، متشككاً: [ تستطيع أي حكومة أخري أن تأتي فيما بعد وتقوم بحشد من تشاء من العمال والفلاحين في المجالس التشريعية، وذلك لن يكون في صالح الثورة ولا في الإبقاء علي قوانينها الإصلاحية الإجتماعية، لأن هؤلاء سيستخدمون ككرباج علي ظهور المثقفين]. وضرب الأستاذ أحمد بهاء الدين مثالاً علي مخاوفه من الأخذ بنسبة ال 50٪، متسائلاً: [ كيف يعقل أن يقف »ديماجوجي« مع أحسن النوايا فيخطب في مجموعة من العمال والفلاحين وسبق أن رأينا هذا في سنوات الاتحاد القومي ويستطيع أن يسحبهم إلي اتخاذ مواقف صعبة؟!]. ولم يقتنع وزير الدفاع، والرجل الثاني في حكم مصر آنذاك برأي المفكر الكبير أحمد بهاء الدين. وتم اعتماد ال 50٪ وسط تأييد، وتصفيق، وتبريرات مثقفين آخرين و سياسيين ضالعين، و موافقين علي أي شيء وكل شيء! .. و أواصل غداً. إبراهيم سعده [email protected]