شكلت قيادة ثورة يوليو تنظيمات شعبية عديدة مثل الاتحاد القومي، الاتحاد الاشتراكي، والتنظيم الطليعي.. ورغم أن »صورة« المثقفين لم تكن جيدة في عيون معظم أعضاء مجلس قيادة الثورة ، إلاّ أنها أي تلك الصورة لم تمنع من انضمام مثقفين كثر إلي عضوية تلك التنظيمات. رداً علي سؤال من الزميل الأستاذ الدكتور مصطفي عبدالغني عن »استقطاب الاتحاد القومي، والاشتراكي، والتنظيم الطليعي، للمثقفين« .. أجاب كاتبنا الكبير أحمد بهاء الدين: [إن الاستقطاب هنا شيء نسبي. يعني لما أوعدك أن تكون عضواً في لجنة من لجان الاتحاد الاشتراكي علي سبيل المثال يمكنك أن تقبل لكني لن أفرض عليك الانضمام. بالفعل.. كان هناك من يقبل الاستقطاب وكان هناك في المقابل من كان يرفض، لذلك فإن المثقفين مسئولون إلي حد كبير عن استقطابهم أو السيطرة عليهم أو العكس. أنا علي المستوي الشخصي كنت أحتج، وأصطدم، وأخرج، وأختلف]. ويواصل »بهاء« شهادته المنشورة، ضمن شهادات آخرين، في كتاب صدر مؤخراً للكاتب د. مصطفي عبدالغني بعنوان:»المثقفون وثورة يوليو« فيروي علاقته مع »التنظيم الطليعي« قائلاً: [لقد دعيت مع غيري إلي أعلي مستوي، وبشكل مفاجيء، لحضور جلسات التحضير لهذا المجلس. بالطبع كنت ممتنا لهذه الدعوة، خاصة أنا لم أكن أبداً في دهاليز السلطة. وأذكر أنه بعد عدة اجتماعات.. تم استبعاد ثلاثة ممن كانوا يحضرون بشكل مستمر هذه الاجتماعات، وكانوا من أكبر الشخصيات في ذلك الوقت. وبصراحة كنت أنا منهم. سألت نفسي: »هل نقدي العنيف كان السبب وراء استبعادي؟«. قيل لنا إن التنظيم الجديد سيصبح عددياً أصغر بكثير مما كان يتوقع له. كما سيأخذ شكلاً أكثر أهمية. أتذكر اللقاء الأخير وكان في مجلس الوزراء حيث عرض طرح آرائنا والحديث عنها. تكلم ثلاثة إبراهيم الشربيني، و فتحي فودة، وأنا بوضوح شديد و صراحة أكثر. وأشهد ل »فتحي فودة« نقيب عمال البنوك وقتذاك بشجاعة منقطعة النظير. لقد قال مثل ما قلنا بصراحة و وضوح وشجاعة أيضاً. وبالصدفة كانت آراؤنا نحن الثلاثة تتفق في هذا الاجتماع دون تنسيق مسبق. فماذا كانت النتيجة؟ لقد تم استبعادنا، ولم تتم دعوتنا مرة أخري. ولم نهتم بعد ذلك بالتنظيم الطليعي]. وإذا كان الأستاذ أحمد بهاء الدين من أكثر المثقفين المؤيدين للثورة، إلا أنه كان في الوقت نفسه من أشد المعارضين لأخطائها. وأبرز مثال علي ذلك موقفه الناقد، المندد، عقب هزيمة 67 والبيان العنيف الذي وقع عليه باعتباره نقيب الصحفيين آنذاك. في كتاب:»المثقفون وثورة يوليو« سأل المؤلف د. مصطفي عبدالغني الأستاذ أحمد بهاء الدين عن سبب عدم القبض عليه بعد أحداث 1968علي أثر بيان نقابة الصحفيين؟ فأجاب »بهاء«: [لم أكن عضواً في تنظيم ولكن كان لي رأي فقط. كان يقبض دائماً علي من ينتمي إلي أي تنظيم أو خلية. وأعتقد أن الثورة وعبدالناصر تحديداً لم تكن لديه مشكلة إزاء إبداء الرأي وأستطيع أن أؤكد أنه لم يكن يتم القبض علي صحفي بسبب رأيه بل كان يتم القبض علي الخلية التنظيمية مثلاً]. هناك بالطبع من يعارض رأي الأستاذ بهاء، ويؤكد أن العديد من المثقفين والصحفيين أُتخذت ضدهم آنذاك إجراءات قاسية بسبب آراء معارضة أعلنوها، ومقالات نقد كتبوها.. منها الإبعاد عن وظائفهم، أو تحديد إقامتهم داخل بيوتهم. علي كل .. نعود لنتابع شهادة »بهاء«، التي جاء فيها أن الرئيس عبدالناصر كان غاضباً جداً بسبب البيان الذي أصدرته نقابة الصحفيين. وفي لقاء بين عبدالناصر والسفير السوري في يوغوسلافيا آنذاك: سامي الدروبي الذي كان من أصدقاء عبدالناصر الشخصيين ومن أكثرهم حباً وتأييداً لمواقفه وسياساته قال عبدالناصر: »أنا مكنتش متوقع من صاحبك بهاء يعمل كده. البيان اللي طلعه كان طعنة خنجر في ليلة مظلمة. وإحنا كلمنا كل النقابات ألا يعملوا اضطرابات ومع ذلك راح صاحبك وأصدر بياناً عنيفاً«. حاول الدبلوماسي السوري سامي الدروبي صديق الطرفين: عبد الناصر و بهاء الدين أن يؤكد حب وإخلاص بهاء الدين لعبدالناصر وللثورة، فأشار إلي أن البيان بكل ما فيه صدر بعد ذلك في بيان30 مارس الذي أصدرته حكومة الثورة. ورد عبدالناصر: [ بهاء ما كنش عارف إللي إحنا عارفينه. المظاهرات كانت مستمرة. معني ذلك أن تقع الثورة في أيد أجنبية. وكأن هذا كان يريد اسقاط نظام الحكم القائم. والخلاف في قمة السلطة معناه أن ينزل الجيش حتي يضغط ويطلق النار في المليان لقمع الفتنة. وبهاء طلع البيان في الليلة اللي كان الجيش فيها علي وشك أن ينزل وينهي الفتنة.. تصوّر؟!]. ويختتم عبدالناصر كلامه للدبلوماسي السوري قائلاً: [وقتذاك.. قدمت لي مذكرة للموافقة علي إلقاء القبض علي أحمد بهاء الدين، وأنا رفضت. وقلت لهم إن البيان شيء غلط في الوقت الذي نعيش فيه، ويمكن أن يجرنا إلي مشكلات كثيرة، لكن إحنا عارفينه يقصد »بهاء« هو رأيه كده. و مخه كده]. وسأل »الدروبي« الرئيس عبدالناصر هل يستطيع أن ينقل ما سمعه لأحمد بهاء الدين؟ فأجاب عبدالناصر: [ طبعاً.. فأنا قلت لك هذا لتقوله له، ولإبلاغه: إزاي يعمل كده في الليلة دي؟]. .. وهكذا أنقذ عبدالناصر كاتبنا الكبير »بهاء« من الاعتقال.