[email protected] الحياة لم تعد مريحة، ولا ممتعة، ولا طعم لها، ولا تشجع علي الاستمرار،.. كل حاجة فيها »ملخبطة« لم تعد هناك معايير »للصح« أو »الغلط«، الصور انقلبت، ولا نهاية لأي طريق، قد تركب قطارا وبعد أن يتحرك تفاجيء انه بلا سائق وقد تركب قطار الاسكندرية فتجد نفسك في اسوان، تتخرج مهندساً فتعمل »قهوجيا«، تشتري تفاحا فتجده بطعم الخيار.. أعمدة الانارة تضاء في عز الظهر، وتطفأ ليلاً ترشيداً للكهرباء.. أصبحنا نعيش علي سيور متحركة، الواقف كالماشي، كالذي يجري.. الجميع متساوون، والكل محلك سر، لا أحد يغادر مكانه، ولا يحقق هدفه.. والفائز من لم يكلف نفسه عناء المشي أو الجري! اختفت »القيمة« من حياتنا، الشاطر زي البليد، الصادق كالكاذب، المجد كالتنبل، الاعمي كالبصير، المنافق كالصريح، الشهم كالندل، البقرة كالحمار - كلاهما يذبح ونأكله . الاصلي كالمقلد - في كل حاجة حتي البني أدميين - بل ان المقلد اصبح اكثر رواجاً، رغم انه منزوع الجودة، واقل عمراً ولكن يبقي أنه الأرخص.. وتلاشت ثقافة الغالي ثمنه فيه وسادت ثقافة »أحمد زي الحاج أحمد« كله زي بعضه. لم يعد الغد - عندنا - لناظره قريبا.. ونظرية المؤامرة هي الاقرب لتفكيرنا، فلم يعد يلتمس أحدنا العذر للآخر.. احلامنا كلها كوابيس، الطموح معني مستحيل كالعنقاء، أفراحنا كالسراب، الضحكات لم تعد من القلب، فالقلب عليل ومهموم، الدموع لا تشفينا ولا تهون علينا من كثرة أحزاننا. استبدلوا نصيحة »امشي عدل يحتار عدوك فيك« لتصبح »لو مشيت عدل يشمت عدوك فيك« ولازم تمشي »عوج« علشان تعرف تعيش. الافلام الهابطة تحقق أعلي الإيرادات، واختفت الافلام القيمة. مغنيو »البلح«، »والحنطور« و »جوجوجو«، والحشيش حققوا مكاسب فاقت كل ارباح أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم.. حتي معاني الحب الجميلة اختفت وتحولت أغاني الحب - التي تعكس حالة المجتمع - من معاني الشجن والعشق والغزل والغرام والتضحية والتوسل للحبيب، إلي اغاني انتقام ، ووعيد، وشماته واتهامات وخناقات حارات وقلة أدب في بعض الأحيان. فلم يعد الحبيب يقول لحبيبه: »قوللي حاجة أي حاجة، قول بحبك قول كرهتك، بس قوللي أي حاجة«.. لتصبح »الكبير كبير آه يا سيدي، وريني، انا عندي خمسة ستة يضايقوا فيك، يشوفوك يقولوا راحت عليك«. كل حاجة تسير إلي الاسوأ.. ولا بصيص لأمل.. ولا مفر من أن ننتظر أجلنا. فيه حاجة غلط، العيب فينا، ولا في النظام، ولا في المناخ ولا في بعدنا عن الله. الغلط فين؟