تزوج من فتاة تكبره بعشر سنوات، ومرت سنة وراء أخري، ولم يرزقه الله بذرية، وبعد مرور عشر سنوات تعرف علي فتاة مقاربة لعمره، أحبها ورسم مستقبله معها، وبدأ يعيش علي أمل انها ستنجب له الولد الذي يحمل اسمه، وكان لابد من أن يتخذ خطوة جادة لتحقيق حلمه، فذهب إلي أهلها ليطلب يدها.. رفضوه، ربما لأنه متزوج، أو لأنه لم يعجبهم، أو لأنهم ظنوا أن عدم الإنجاب لعيب منه، النتيجة انه لن يستطيع ان يتزوج من فتاة أحلامه التي خفق لها قلبه.. اسودت الدنيا أمامه، لم يجد فائدة من استمرار الحياة بدون حبيبته، لن يستطيع استكمال مشواره بدونها، كتب لها خطاب وداع، وذهب إلي كوبري قصر النيل الذي تحول إلي كوبري للعشاق طوال 42 ساعة، في الصباح أو عز الظهر وفي الشمس الحارقة، وفي الليل، واختار هو فترة الظهيرة واشتري حبلا طويلا ربط طرفه في سور الكوبري والطرف الآخر في رقبته، ثم وقف فوق سور الكوبري وقفز ليشنق نفسه، وينتحر، وسط ذهول المارة، ومصمصة شفايف العاشقين.. وكانت هذه القصة هي مسار حديث كل المصريين منذ نهاية الاسبوع الماضي وحتي الآن. وأعتقد ان هذا الحادث يجبرنا علي التوقف أمام عدة ملاحظات هي السلبية التي أصبحت السمة السائدة في الكثير من المصريين، فما فعله هذا العاشق لم يستغرق دقيقة ولا اثنتين، بل أخذ وقتا ليربط الحبل في رقبته وفي السور، ثم وقف فوق السور والكوبري مكتظ بالعاشقين علي الجانبين، وبالمارة، وبالسيارات ولا يمكن أن يتصور عاقل ان أحدا لم يلاحظه ولكن سياسة »وأنا مالي«، »هو حر«، »يا عم كبر دماغك«، »يمكن ياخدوني علي القسم وسين وجيم وتضييع وقت ومسئولية«.. جعلت الحادث يقع. والملاحظ ايضا انه لا توجد دورية شرطة علي مدار ال42 ساعة اللهم إلا عسكري موجود يمنع أي شخص يقفز بجوار أسود الكوبري ليلتقط صورة تذكارية، رغم حيوية واستراتيجية الكوبري الذي قد يكون مطمعا للمخربين الذين يمكن ان يقوموا بأي عمل تخريبي في وجود السلبية وغياب الدورية! والأمر الأهم هو غياب الوعي الديني، فلا الناس أصبحت تسأل عن الأمور المهمة، ولا المشايخ والقساوسة أصبحوا يركزون علي ما يجب أن يعرفه الناس ويحفظوه ويمارسوه، فهم مشغولون بفتاوي ارضاع الكبير وبول الجمل، والثعبان الأقرع الموجود في القبر، ونسوا ان التوعية الحقيقية هي ان حياتنا وأجسادنا ليست ملكا لنا، وإنما ملك لخالقها الله سبحانه وتعالي، وأنه لا يجوز ان نهدر صحتنا، أو نستخدم حواسنا فيما حرمه الله، وأن الانتحار كفر، وأن الدنيا لن تكون »حلوة« علي الدوام وليست وردية، وأن الأمل في الله لا ينقطع وهذا ما يحث عليه القرآن والإنجيل. علموا الناس ان الدين المعاملة.. المعاملة مع الآخرين والمعاملة مع النفس. [email protected]