».. بعض كبار المسئولين لايزالون يفكرون بعقلية دواوينية قديمة.. ويضيقون بمن يشكو إلي الصحافة!« الاثنين: حق الشكوي من الحقوق العامة المقررة، وهو في النظام الديمقراطي جزء منه، يلتحم به ويتفاعل معه، وهو حق مقرر للجميع دون استثناء، سواء كان المواطن عاملاً في أجهزة الدولة، أو في القطاع العام أو الخاص، أو لم يكن عاملاً فيهما، وكان يكتسب رزقه بعمل خاص له. وقد نصت اللوائح والقوانين علي طريقة الشكوي، والجهة التي تتلقاها، وليس من بينها الصحافة، ولكن إغفال الصحافة لا يعني أنها مؤسسات محظور الشكوي إليها، ولكنه يعني أن الأمر من البديهيات، فالصحافة جهة رقابية، من حقها أن تتلقي الشكاوي، ومن حقها أن تنبه إليها، وتحقق فيها، واختصاصها في هذه الناحية أوسع، وقدرتها أكبر وأوفر. غير أن بعض الكبار من وزراء ومحافظين ورؤساء ومديرين في الوزارات والمصالح والهيئات العامة، لا يزالون يفكرون بعقلية دواوينية قديمة، يضيقون بمن يشكو إلي الصحافة، بحجة أن الشكوي من ظلم أو ترقية أو علاوة حرم منها صاحب حق فيها أو غير ذلك، كل أولئك ومن يشبههم، قد رسم القانون لهم الطريق الرسمي للتظلم. وهذا الكلام قد يكون في ظاهره صحيحا، ولكنه عند النظر الأشمل والأعمق والأدق، يبدو أنه تعطيل لجهاز خطير الأثر، هو جهاز الصحافة، عن أداء عمله المرسوم والمقرر والمعترف به، وإذا كانت الجهات الرسمية التي ينبغي طبقاً للنظام، أن تتلقي الشكاوي وتبت فيها، جانحة إلي غرض شخصي أو ميل أو هوي، فمن يردهاعن الغرض أو الميل أو الهوي؟ إنما يردها وجود سلطة أخري لها حق المراجعة والسؤال والتنبيه إلي الخطأ، وبذلك تستقيم الأمور، ولا يكون في الدولة سلطة مطلقة، لا مراجعة لتصرفاتها، ولا تنبيه إلي أخطائها. قال لي موظف تعرض للإذلال وللاضطهاد والنقل وتخفيض مرتبه، لأنه اعترض علي قرار أصدره رئيسه بحرمانه من الترقية فاضطر إلي تقديم شكوي ضده إلي الوزير المختص، شارحاً له الظلم الذي وقع عليه، وقدم المستندات الدالة علي أحقيته في الترقية، ويقول: ولكن الوزير لم ينصفني مجاملة لرئيسي، وأنصفتني الصحافة بعد نشر تظلمي، وأعادت إليّ حقي في الترقية. حقا إن الشكوي لغير الصحافة مذلة!! الانحراف مسئولية المجتمع الثلاثاء: في حوار لي مع أحد رؤساء المؤسسات عن عامل أوقف تعيينه، بعد أن تبين ارتكابه انحرافاً خلقياً، قلت: إن هذا الانحراف الخلقي، لا يمثل إلا السابقة الأولي، ولا يجب أن يكون سبباً في تشريد شاب وإقصائه عن مورد رزقه، فإن النظرة الحديثة للجرائم بصفة عامة، لا تتجه نحو الانتقام، ولكنها تتجه نحو التقويم، وليس من التقويم التشريد، لأنه جدير بأن يؤدي إلي المزيد من الفساد، ولا يضار من الفساد إلا المجتمع. والدولة مسئولة عن أفرادها، لأنها مسئولة عن رعايتهم وتقويم انحرافهم، ومن هنا كان التسامح في السابقة الأولي، وإعطاء فرصة جديدة، ومن هذه الرعاية تحريم الفصل من الوظيفة إلا في حالات نادرة، يثبت فيها أن هذا المواطن غير صالح للعمل إطلاقاً، وحتي في هذه الحالة فإن الدولة مطالبة بكفالته وتوفير مورد ثابت يرتزق منه. ثم إن الانحرافات الخلقية التي يقع فيها البعض، لا تقع عليهم وحدهم تبعتها، إنما تقع أيضاً، وربما بالقدر الأكبر علي المجتمع، لأن الانحراف حصيلة عوامل متعددة ومتداخلة، وقد يترتب عليها أن يكون الفرد مجنياً عليه، وليس جانياً! كتيبة تأسيس التليفزيون الأربعاء: عندما بدأ التفكير في دخول مصر عصر التليفزيون، منذ خمسين عاماً، كان رواد الإذاعة هم الفرسان الذين حملوا علي أكتافهم مسئولية هذا المشروع الإعلامي الضخم، وتم تشكيل كتيبة قوية ضمت أكبر المذيعين في ذاك الوقت وأكفأهم، وهم سعد لبيب ومحمود شعبان »بابا شارو« وعبدالحميد يونس وأنور المشري وسميرة الكيلاني وهمت مصطفي وصلاح زكي وعباس أحمد، وتولت هذه المجموعة المتميزة المواقع القيادية، واختارت عدداً من المذيعات والمذيعين ليكونوا في طليعة العاملين في التليفزيون. وخلال هذه الفترة تحمل سعد لبيب وأفراد كتيبته، العبء الأكبر في العمل، واستطاع بعطائه السخي وكفاءته النادرة، وعلمه الغزير وخبرته الطويلة، أن يعطي هذا المشروع من الجهد ما هو فوق طاقة البشر، لكي يحقق له النجاح والتقدم، كما تحمل باقتدار مسئولية بناء العنصر البشري الذي حمل أمانة العمل التليفزيوني في بدايته، وحتي عام 1791، حيث أحيل سعد لبيب إلي المعاش بقرار تعسفي وتنافست مؤسسات إعلامية دولية علي الاستئثار به مثل اليونسكو وغيرها ولكنه اختار أن يذهب إلي العراق ومعه فريق من العاملين المحترمين الذين تم استبعادهم أيضاً دون وجه حق، وأحدث سعد لبيب وزملاؤه نقلة هائلة في العمل التليفزيوني بمؤسسة الإذاعة والتليفزيون العراقية. وسعت وزارة الإعلام إليه مرة أخري لكي تستفيد من هذه الخبرة، فتم اختياره عضواً بمجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون مع عدد من رواد الإذاعة، وقدم سعد لبيب خبرته ليساهم من جديد في تطوير هذا الصرح الإعلامي الذي منحه عصارة حياته وشبابه. لهذا كله، كانت صدمتي شديدة عندما اعلن في الصحف ان سعد لبيب سوف يكون من بين المكرمين في عرس التليفزيون ولكن في الحقيقة لم يكرم، فقد للاسف حضرت حفيدته الاحتفال تلبية للدعوة واستلام الدرع، ولكنها لم تتسلم شيئا، ولم يذكر اسمه علي الاطلاق، ولا أدري هل حدث هذا بالنسبة له وحده أم لباقي افراد الكتيبة، فهل هذا يليق بما قدمه هو وزملاؤه من خبرة وجهد واخلاص وتفاني في العمل، في حين تضمنت قائمة المكرمين أسماء لم يكن لها أي دور في إنشاء وتأسيس التليفزيون.. ووضعت لمجرد المجاملة والديكور!! سعد لبيب الذي رحل عن دنيانا في هدوء، هو الشخص الهادئ، الدمث الخلق، المبتسم دائماً حتي في أحلك الظروف، المتسامح الذي يطوي بسرعة صفحات الخلاف.. يكفي أنه تعلم علي يديه الكثيرون من قيادات الأجيال الجديدة.. التي تدير العمل الآن في الإذاعة والتليفزيون باقتدار. إنني متأكد أن سعد لبيب لو كان يعيش بيننا الآن، وأغفل اسمه من قائمة المكرمين، لهز كتفيه ساخراً.. وابتسم!! السياحة.. إلي الريف الخميس: والناس يهرعون الآن إلي المصايف علي شواطئ البحار، لماذا لا يفكرون أن يقضوا ولو بعض الوقت في الريف؟ إن أكثر أهل المدن لديهم حتي الآن فكرة سيئة عن الريف، يقولون إن الناموس ينتشر فيه ليل نهار، والبرك والمستنقعات تشمله، كما يخيم عليه الظلام، وأهله فيهم الجفاف والخشونة، وإن أسباب الراحة غير متوفرة فيه، وليس فيه تسلية أو ترفيه. وربما كان هذا الكلام صحيحاً فيما مضي، وربما كان صحيحاً في أجزاء صغيرة منه حتي الآن، ولكن الصورة العامة للريف تغيرت تماماً، فقد دخلته الكهرباء، وغزاه التعليم غزواً شاملاً، وأصبح أهله علي اتصال مستمر بالمدن، وعلي وعي كامل بالحوادث، والتليفون والراديو والتليفزيون تجدها في كل مكان، وفي كل بيت، والفيلات الجميلة أصبحت تقام فيه، وتملأ الكثير من أرجائه. ثم ضع في مقابل هذه المساوئ التي زالت كلها أو معظمها، ما تلقاه فيه من هدوء جميل، وطبيعة ساحرة، وهواء نقي، وناس طيبين، بل ضع في مقابلها شيئاً واحداً هو أنك لا تعرف وطنك علي حقيقته وصفاته وفضائله العريقة، وصموده القديم العظيم، إلا إذا عرفت الريف وكيف تستمتع به. ومسئولية عدم اتجاه السياحة إلي الريف، للتعرف علي معالمه وآثاره وتاريخه، واتخاذه منتجعاً للصحة والاسترخاء لأهل المدن الذين يقضون حياتهم في ضجة بالليل والنهار، وغبار يخنق الأنفاس، تقع علي عاتق شركات السياحة ورجال الأعمال من المستثمرين في مجال السياحة، فلماذا لا يتجهون باستثماراتهم إلي الريف، ويقيمون فيه منتجعات الاستشفاء والاسترخاء والعلاج وتنظيم الرحلات لأهل المدن لقضاء أيام جميلة في رحابه بعيداً عن مظاهر الحياة العصرية، حياة بدائية تعود بهم إلي البساطة والتحرر من قيود المدنية المزعجة! ولعل النهضة التي تجري الآن في المحافظات، سوف تقلل الفروق بين المدينة والقرية، سواء في مستوي المعيشة، أو في التعليم والتثقيف والمعرفة. قال توماس جيفرسون وهو أحد البناه الأوائل للولايات المتحدة ة الأمريكية »إنني لأوثر أن تتألف بلادنا من قري كبيرة ومدن صغيرة، إنني أكره المدن الضخمة، ففيها تتركز كل أنواع الانحرافات والجرائم، أما الريف وحده فهو القادر علي أن يحفظ فضائل كل الأمة في الحب والتسامح والحرية والتعاون..«