في رد فعل سريع - علي حادث سيارة المقاولون- طالبت لجنة التنمية البشرية بمجلس الشوري وزارات الإعلام والثقافة والداخلية والأوقاف والأسرة والسكان بإعداد تقرير حول الظواهر السلبية التي طفت علي وجه الحياة المصرية في الآونة الأخيرة وفي مقدمتها العنف. وحادث سائق سيارة المقاولون الذي قتل زملاءه فجر الكثير من القضايا حول العنف الذي بات واضحا في كثير من سلوكياتنا.. وقراءة سريعة لبعض الحوادث التي اصطبغت بالعنف وتناولتها أجهزة الإعلام يراها البعض تؤكد الرأي السابق عن سلوكياتنا.. فيما يري الكثير من الخبراء أن العنف ليس بظاهرة في المجتمع. حوادث عديدة قرأنا عنها.. تدفعنا للسؤال هل تغيرت فعلا أخلاقيات الحياة بمصر.. وبات العنف لغة حياة يومية وبديلا عن الحوار.. أم أن ما ينشر هي حوادث من طبيعة المجتمع البشري ووسائل الإعلام تركز علي الحوادث غير المألوفة فنظن أن العنف بات ظاهرة في المجتمع المصري.. أم أن هناك وجهات نظر أخري فيما يحدث؟ يقول د. مصطفي عبد السميع الرئيس السابق لمركز دراسات البحوث التربوية: في الآونة الأخيرة بدأت تزداد إلي حد ما جرائم العنف.. لكن في نفس الوقت لا نؤكد أنها ظاهرة.. فهي مازالت حالات معدودة لا تصل إلي حجم الظاهرة.. فلا يمكن علميا أن نؤكد أن عدد الجرائم ونوعها يمثل ظاهرة لمجرد حدوث زيادة في عدد الجرائم التي تنشر بالصحف. ويضيف د. عبدالسميع: نعلم جميعا أن هناك صحفا تلتزم بالواقع والأمانة في عرض الموضوعات وصحفاً أخري تعرض الحدث بقدر كبير من المبالغة بل وفي بعض الأحيان إضافة بعض »التوابل« لجذب القارئ دون مراعاة للمردود من ذلك.. وربما تكون الجرائم الأخيرة من النوعيات التي لم يتعود عليها المجتمع المصري..فنحن مثلا لم نتعود أن تقتل الأم ابنها أو العكس أو أن يقتل ابن العمة أبناء خاله أو تمثل الزوجة والأبناء بجثة الزوج وهكذا في كثير من الحالات.. فنحن نعاني من أننا بدأنا ندخل في دائرة جديدة لنوعيات من الجرائم لم تكن تمارس من قبل في مجتمعنا. التماسك الاجتماعي هذا العدوان المتنامي داخل المجتمع هو نمط من السلوك لايتسبب فيه الفرد بل هو نمط من السلوك ينتج عن وجود خلل في النظام الاجتماعي.. هذا ما يراه د.شاهين رسلان دكتوراه التربية والصحة النفسية بجامعة القاهرة ويوضح: هذا الخلل قد يفضي إلي إشاعة حالة من التحلل الاجتماعي وقد يترتب علي ذلك ضعف المؤسسات الاجتماعية في ضبط سلوك الفرد..والعدوان هو تصرف فردي أي أن الفرد يلحق الأذي بطرف آخر أو بشخص أو بمجموعة وربما يحدث أن يتبادل الطرفان العدوان بحيث يلحق احدهما بالآخر ضررا طفيفا أو بليغا أو يقضي أحدهما علي الأخر.. كما يضيف د. رسلان: أن المنطقة المزدحمة بالسكان تساعد علي تنمية السلوك العدواني لدي بعض الأفراد انطلاقا من المقولة القائلة "إن الازدحام يبعث علي الضيق والنفور.." ويغيب الصوت والحوار وسط ضجيج الزحام..وقد وجد أن معدلات الجريمة في الأحياء المزدحمة قد زادت بكثير عن مثيلاتها في الأحياء غير المزدحمة.. قرية لاتتحاور أكد د.رفعت الضبع رئيس قسم الإعلام التربوي بجامعة طنطا.. ويقول: من الطبيعي أن نتعرض في وسائل الإعلام المختلفة لمشاهد متعددة من العنف تفنن أصحابها فيها.. بحيث باتت مشاهد الدم والقتل حدثا طبيعيا في حياتنا.. ومع ذلك لا نستطيع أن نعزو ذلك فقط لما يراه البعض من تغير طبيعة المصري وميله للعنف.. فكل الظواهر الإنسانية خاصة العنف والعدوان يشارك في صنعها العديد من الأسباب. يعتبر الفقر والجهل والمرض الخلفية المناسبة لزيادة العدوانية في أي مجتمع.. هذا ما يؤكده د. حسني السيد الأستاذ بالمركز القومي للبحوث التربوية ويوضح أن دور المدرسة في ضعف مستمر مما يهدد المنظومة الأخلاقية خاصة في ظل الظروف الاقتصادية التي أجبرت الأم والأب علي ترك المنزل لفترات طويلة في النهار سعيا وراء الرزق وتركا الأبناء نهبا للفضائيات وما تبثه من قيم سلبية في كثير من الأحيان.. مما ينعكس بالضرورة علي النسق القيمي لديهم ويهدد بجيل فاقد للتربية.. والحوادث الأخيرة تفضح المنظومة التعليمية فكثير من المتعلمين يرتكبون جرائم لم نكن نسمع عنها سوي عند محترفي الإجرام خاصة ممن لم ينالوا حظا من التعليم. ازدياد الجريمة دليل علي تراجع حالة الحوار وتدني الشكل الحضاري للمجتمع.. هذا مايراه د. محمود جمعة خبير التنمية البشرية بمركز التدريب الامريكي.