خرجت بعض الدراسات من المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية تطالب باستبدال الحبس قصير المدة بالعمل الطوعي وهو الأمر الذي انقسمت الآراء حوله بين مؤيد ومعارض واختطلت الأوراق بشأن الدراسة المثيرة للجدل,فبينما حرص فريق علي تعزيز مخاوفه من ارتفاع معدل الجريمة بتخفيف العقوبة. أكد البعض الآخر أن الحبس قصير المدة يكون نتيجة جرائم الصدفة التي تتم دون تدبير وسبق اصرار وترصد وان الزج بمرتكب الجرائم البسيطة في السجون يحدث نتائج عكسية ويجعله يتاثر بسلوك زملائه من رفقاء الزنزانة ويتعلم منهم الاجرام علي أصوله ويتحول من مجرم بالصدفة الي مجرم محترف. أيا كان الأمر, خرجت تحقيقات الجمعة بجريدة الاهرام تناقش القضية, وسنري؟! عن فكرة الدراسة يقول د. عطية مهنا بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية إن المقصود باستبدال السجن بالعمل الطوعي هنا هو أن يؤدي المحكوم عليه بالسجن مدة أقل من سنة عددا معينا من الساعات في عمل مفيد للمجتمع, وبدون مقابل, في أوقات فراغه, علي أن يستكمل العمل في خلال مدة محددة. والقاضي يحكم بهذه العقوبة كعقوبة اصلية بديلة لعقوبة الحبس, فهو غير العمل كجزء من عقوبة سالبة للحرية سواء كان داخل السجن أو خارجه. وتشترط معظم التشريعات المقارنة ان يوافق المتهم علي هذا الجزاء وذلك حتي لا يكون الجزاء مماثلا للعمل الاجباري والذي حظرته اتفاقيتا منظمة العمل الدولية والاعلان العالمي لحقوق الانسان. وعن الاسباب الحقيقية وراء الدراسة يقول د. مهنا: كشف تطبيق الحبس قصير المدة وكذلك الدراسات التي أجريت بشأنها عن مشكلات عديدة لها انعكاساتها السلبية علي كل من المحكوم عليه بها وشاسرته والمجتمع. ومن أهم هذه النتائج التي أجريت أن هذه العقوبة نظرا لكونها قصيرة فانها لا تسمح باستفادة المحكوم عليه من برنامج متكامل للتأهيل ومن ثم فانها لا تحقق أهم أغراض العقوبة وهو التأهيل, كما واجه غالبية المحكوم عليهم بهذه العقوبة مشكلات صحية ومادية واجتماعية وأخلاقية واسرية, هذا علاوة علي أن نسبة كبيرة منهم اكتسبوا بعض العادات السيئة وتعلموا أساليب اجرامية من جراء اختلاطهم بآخرين من المحكوم عليهم بعقوبات متوسطة أو طويلة المدة. وهناك أيضا أثار سيئة انعكست علي علاقة الزوجة بزوجها المحبوس, حيث حدث فتور في العلاقة الزوجية, وحدث الطلاق في بعض الحالات وهجرت بعض الزوجات منزل الزوجية, كما ترتب علي حبس الزوج أن نسبة كبيرة من الزوجات اضطررن للعمل وترتب علي ذلك اهمالهن في رعاية أولادهن. كما تبين أن الأبناء اصيبوا باضرار مختلفة, منها انقطاعهم عن التعليم بسبب عدم القدرة علي دفع نفقات الدراسة والهروب من ازدراء زملائهم لهم واضطرار نسبة كبيرة الي العمل والهروب من المدرسة وفسخ الخطبة والطلاق والانحراف فضلا عن الآثار النفسية مثل الشعور بالخزي. كما تبين ايضا أثر وصمة السجن علي علاقة المبحوث بوالديه واخوته وأخواته. فتأثرت علاقات السجين مع الجيران وكذلك علاقاته مع أصحاب الأعمال,فواجه كثيرمنهم الفصل من العمل. وفي الدراسة محل النقاش التي تدور حول استبدال الحبس قصير المدة أقل من عام بالعمل الطوعي مطالبات جادة بأن يستحدث المشرع المصري بدائل مثل العمل لخدمة المجتمع وكذلك اجراء بحوث ميدانية عن البدائل بحيث يمكن اختيار بدائل تتناسب مع مجتمعنا المصري ونطاق تطبيقها بالنسبة للجرائم علي اختلاف أنواعها. وأوضحت الدراسة أن هذه العقوبة هي السبب الأول في ازدحام السجون ولذلك اتجهت السياسة الجنائية الحديثة للحد منها والبحث عن بدائل لها. ورأي الباحثون أن بدائل الحبس كثيرة كالعقوبات الشفوية والتحذير والتوبيخ والانذارواخلاء السبيل المشروط والعقوبات التي تمس حالة الفرد القانونية, العقوبات الاقتصادية والجزاءات النقدية كالغرامات والغرامة اليومية. ويري أن الدراسة ستساعد واضعي السياسة الجنائية في مصر علي التعرف علي تلك العقوبة كبديل للحبس قصير المدة بالنسبة للبالغين, وتطبيقها وأهم ضوبط ذلك التطبيق, واختيار الجرائم التي تتناسب معها, خاصة وأن ذلك النظام لن يؤدي الي انتزاع المحكوم عليه من بيئته, بل يبقي في وسطه الاجتماعي وأسرته وابنائه وهو بذلك يتجنب الاختلاط بالمجرمين المحترفين ومعتادي الاجرام كما يتجنب وصمة السجن واثارها السيئة عليه وعلي اسرته.. ويؤكد أن الأخذ بهذا النظام يقلل من ازدحام السجون ويوفر المصاريف الباهظة التي تنفق علي المحكوم عليهم بهذه العقوبة أثناء وجودهم بالسجن, كما أنه يقلل من خريجي السجون والذين يحتاج غالبيتهم الي الرعاية اللاحقة. وسيؤدي هذا النظام دورا فعالا وايجابيا في حل بعض مشكلات المجتمع, مثل مشكلة الأمية لا سيما بعد ما تبين ان جهود محو الأمية لم تؤت كل ثمارها المرجوة, وذلك بأن يكون ضمن أعمال خدمة المجتمع التي يحكم بها القاضي كعقوبة أصلية العمل في محو الأمية خاصة بالنسبة للمحكوم عليهم المتعلمين, وذلك بالتنسيق مع الهيئة العامة لمحو الأمية. والفكرة جديرة حقا بالدراسة الا أن الصعوبة ستكون في التطبيق والتفعيل. إن العالم بأكمله يتجه الي فكرة السجون المفتوحة ومعسكرات للعمل العام باعتبار ضرورة وجود الأب وسط أبنائه وزوجته, خصوصا أن التكلفة الاجتماعية لغياب العائل باهظة.. ولهذا هناك اعادة نظر في الحبس قصير المدة خصوصا أن نوعية الجرائم التي يرتكبها هؤلاء هي جرائم صدفة. ويمكن أن يخضع المحكوم عليه سواء كان غنيا أوفقيرا للعمل في معسكرات الخدمة العامة في فترة زمنية قد تكون من الثامنة حتي الرابعة, ثم يعود ليبيت مع الأسرة.