"شعبك يا سيدي.. شعبك وحش هائل !" عبارة استهل بها كريستوفر ديكى مقاله في جريدة"النيوزوييك"وهي مقولة غمغم بها الكسندر هاميلتون احد الأباء المؤسسين الامريكيين ، في حفل عشاء منذ أكثر من قرنين من الزمان. انه لم يكن من مشجعي الديمقراطية الشعبية ، ناهيك عما اطلق عليه فيما بعد مصطلح " الشعوبية" : فقد كان يعتقد ان رأى الشعب عاطفي جدا ، ومتقلب جدا ، والناس يميلون للتصويت ضد مصلحتهم. وربما كان هناك عدد لا بأس به من المحللين في أوروبا والولايات المتحدة لديهم نفس القناعة ازاء الناخبين الذين اعادوا لتوهم انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد في ايران . الشباب والشابات في شمال طهران ، خلال مقابلات متكررة مع التليفزيونات الغربية ، كانوا متحمسين لخصم نجاد الرئيسي رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي. كانوا متحمسين لاحتمال منح مزيد من الحريات، و يعتقدون أن أحمدي نجاد كان فاشلا ومحرجا ، ولكن يبدو فى الحقيقة انهم مثلنا .. في الواقع ، يكادوا يكونوا كالاميركيين. لا يتحدثون عن ايران الحقيقية؟ فالحقيقة ، أن الطبقة العاملة وفقراء الريف و غيرهم من الشعب الذين لا يشبهوننا كفاية و لا يتحدثون و لا يفعلون مثلنا ، قد صوتوا بأغلبية ساحقة لشخص مهلهل يتحدث و يفعل مثلهم ، بينما موسوى وأنصاره الذين يحتجون و يتشاجرون مع رجال الشرطة ، فقد قهروا فى الشوارع كما قهروا فى الانتخابات ؟ فماذا يعني هذا التطور البغيض لهذه المنطقة وما تاثيره على السياسة الأمريكية؟ من الواضح ان الفائز هو حكومة الليكود اليمينية في اسرائيل بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو و افيجدور ليبرمان وزير الخارجية. ... فالاسرائيليون يرون ان برنامج ايران النووى بمثابة تهديد لدولتهم، بغض النظر عمن هو الرئيس الايراني ، و لكن على الرغم انه لم يكن هناك أدنى إشارة إلى أن فوز موسوي من شأنه أن يجعل ايران تتراجع عن برنامجها لتخصيب اليورانيوم ، وربما امتلاك اسلحة نووية.. لكن صورة موسوي كمصلح معتدل كانت تحجب هذه المسالة الشائكة و الأخطار المحتملة التى يراها الاسرائيليين ، وقد جاء اعادة انتخاب نجاد ليصعب الامر سياسيا على نتنياهو ليترك الباب مفتوحا أمام خيار شن هجمة عسكرية لعرقلة برنامج ايران النووي . عندما بدا أن موسوي قد يفوز ، بدأت لجنة الشؤون العامة الامريكية الاسرائيلية (ايباك) فى إرسال رسائل بالبريد الالكتروني الى الصحفيين الأمريكيين وصناع الرأي تصر فيها على أن موسوي كان شخصا شريرا للغاية أيضا. على وجه التحديد ، قالوا ان موسوي كان مسؤولا عن الاتفاق السري مع شبكة الباكستاني عبد القدير خان التي أرست الأسس لبرنامج ايران النووي. ولكن الآن لا داعي لقلق (الايباك) فوجود أحمدي نجاد المكذب للمحرقة اليهودية (الهولوكست) سيسهل على نتانياهو إحباط المحاولات ألامريكية لاقناعه بالحوار مع طهران. وللسبب ذاته ، من الناحية السياسية ، في ظل وجود أحمدي نجاد قان ايران هدف مثالي ينبغي على نتنياهو ان يقرر ان الحرب هى الخيار الافضل او الوحيد . هل صانعو السلام ايضا من الخاسرين ؟ نعم بالطبع ، حتى لو اطلق أحمدي نجاد العنان لبلاغته الخطابية و حاول الوصول إلى يد الرئيس الاميركي باراك اوباما الممدودة ، فان تاريخه سيجعل من الصعب على أوباما أن يصافح . ومن المفارقات أن أكبر الخاسرين ، قد يكون بعض ألاعضاء النافذين بالمؤسسة الدينية في ايران. و الذين كانوا أحد أسباب انتخاب نجاد للمرة الاولى في عام 2005 ، الشعب الذى اعياه ما رأه من فساد الرؤساء السابقين . فعلي اكبر هاشمي رفسنجاني، الذي خاض حملة الانتخابات ضد احمدي نجاد ،و مازال فى المناصب العليا للنخبة دينية ، كان هدفا لنجاد فى الأيام الأخيرة من هذه الحملة ، حيث هاجم نجاد رافسنجاني وحلفائه بقوة ووصف خصومه بانهم مجرد ادوات فى يد رافسنجاني. و قد رد رفسنجانى برسالة غير مسبوقة الى الزعيم الاعلى اية الله علي خامنئي ، حذر فيها بشكل مستتر من أن كل من الحرس القديم ، بما فى ذلك خامنئي نفسه ، قد يكونوا مهددين في حال واصل الرئيس الايراني اتهاماته المضادة للفساد. خامنئي لم يفعل شيئا لوقف احمدي نجاد ، و قد اعلن موافقته يوم السبت على نتيجة الانتخابات. ولكن هذه الدراما ابعد ما تكون عن الانتهاء.