خطاب نتنياهو الذي ألقاه في معقل اليمين الإسرائيلي الأكاديمي‘ لم يفاجئ أحدا من المتابعين له وجاء في حدود التوقعات فقد وصفه حلمي موسى محرر الشؤن الإسرائيلية في جريدة "السفير" اللبنانية بقوله خطاب نتنياهو في جامعة بار إيلان استعادة ممجوجة لأيديولوجيا تعاند حركة التاريخ ويرى الكاتب أن قراره إلقاء الخطاب في معقل اليمين الإسرائيلي الأكاديمي, جامعة بار إيلان, وفي مركز «بيغن السادات» ينطوي على دلالات لا يمكن التهرب منها. فقد أنشئ هذا المركز لذكرى إقدام زعيم اليمين الأول في إسرائيل, مناحيم بيغن, على إبرام معاهدة سلام مع كبرى الدول العربية على قاعدة الأرض مقابل السلام بما في ذلك تفكيك مستوطنات. ومن الجائز أن نتنياهو أراد في هذا المكان تطويق المعارضة الأيديولوجية اليمينية التي يقودها في الليكود, بالمناسبة, بيني, ابن مناحيم بيغن. غير أن ذلك كله, وعلى ما يبدو, ليس أكثر من ستار دخاني يختبئ خلفه بنيامين نتنياهو الحقيقي. ونتنياهو الحقيقي يؤمن بأن الدولة الفلسطينية, أياً كانت, هي تبديد ل«الحق اليهودي» المطلق. ولهذا السبب سبق وأعلن أن الدولة الفلسطينية تعني لا للدولة اليهودية والعكس صحيح. وإذا كان لذلك من معنى فهو القول بأن الصراع العربي الإسرائيلي هو صراع وجود وليس صراع حدود. كما أن نتنياهو الذي تولى رئاسة الحكومة بفضل ائتلاف يميني هو الأكثر تشدّداً في تاريخ إسرائيل لا يستطيع القفز عن مواقف هذا الائتلاف في ظل انعدام الرغبة وانعدام القدرة على حد سواء. فاليمين, واقعياً, ليس داخل حزبه وائتلافه الحكومي وإنما هو قائم حتى في المعارضة والأهم من ذلك في صفوف الجمهور. وفي صحيفة "الأيام" الفلسطينية صرح عضو الكنيست محمد بركة، رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، في تعقيبه على خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، مساء أمس: "إن الجبل تمخّض فولد نتنياهو"، ونتنياهو بقي على حاله كما كان قبل الخطاب، يبحث عن ديباجات وصياغات؛ في محاولة بائسة لتجميل مواقفه المتعنتة الرفضية لآفاق الحل. وأضاف بركة: "إن نتنياهو حافظ في خطابه على أسس مواقفه ومواقف كل مركبات حكومته اليمينية المتشددة، التي تشكل عائقاً أمام إجراء مفاوضات سياسية جدية تقود إلى الحل القائم على أسس إقامة الدولة الفلسطينية على حدود حزيران 1967 بما فيها القدسالمحتلة، وإزالة المستوطنات، والاعتراف بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين. وقال بركة: إن حديث نتنياهو عن دولة فلسطينية منزوعة السلاح ممسوخة منقطعة عن العالم وعبارة عن مجموعة كانتونات جغرافية محاصرة، هو وقاحة جديدة، إذ إنه يعرف مسبقاً أنه لن يجد فلسطينياً واحداً على استعداد للسماع عن دولة كهذه. وتابع بركة قائلاً: إن نتنياهو أدار ظهره من جديد للعملية التفاوضية واختار التمسك بسلامة المستوطنات، بدلاً من السعي إلى السلام الإقليمي، وسلام كافة شعوب المنطقة. وفي نفس الصحيفة كتب سميح شبيب: لعل عودة الى مرحلة شارون، وقبل اجتياح الضفة الغربية العام 2002، من شأنها ان تفيدنا حول ما يمكن ان يقوم به نتنياهو، بخصوص المواقف الاميركية والداخلية الاسرائيلية في آن. لم يعارض شارون فكرة الدولة الفلسطينية، لكنه جعل منها، وفقاً لتصوره، أمراً لا ماهية له. ولا مرجعيات له، ولا حدود له، ولا امكانيات له. فكرة تعيش في الهواء، وتعتاش على اموال الآخرين، ومنهم الاسرائيليون. ما قام به شارون، سيحاول نتنياهو، اعادته على نحو جديد ومستحدث، سيقول بشعار الدولتين، وايراد ما يجعل من الدولة الفلسطينية فكرة عائمة لا معنى لها. وسيطالب الفلسطينيين بالتنفيذ الحرفي والدقيق لما ورد في المرحلة الاولى من خارطة الطريق، ويراهن على عدم التنفيذ، وبالتالي تحميل مسؤولية ذلك للسلطة الفلسطينية. سيتطرق للاستيطان، لكنه سيميز بين نوعين من الاستيطان: العشوائي والنظامي، وبين الاستيطان في القدس الكبرى، وبين الاستيطان في الضفة الغربية!!! سيترك نتنياهو، الابواب مواربة، وعلى الاتجاهات كافة، ولن يكون مرضياً للفلسطينيين، لا من قريب أو بعيد. المهم في مرحلة ما بعد الخطاب، هو الموقف الاميركي الرسمي، الذي سيحاول نتنياهو خطب وده. ما الذي ستراه الولاياتالمتحدة في خطاب نتنياهو؟!!! هل تراه بداية صالحة للتعاون؟!! أم سترا مناورة شبيهة بمناورات شارون، وترى به خطراً داهماً على عملية السلام، وعلى الأمن والأمان في الشرق الاوسط عموماً؟! علينا ان نراقب ذلك ونترصده. فلسطينياً، هنالك وإلى جانب التمسك بالثوابت الوطنية، والتأكيد مجدداً على الخطوط الحمر، والى جانب السعي الحثيث والجاد نحو رأب الصدع الداخلي، والوصول الى اتفاق وطني شامل، يرأب الصدع الجيو - سياسي الفلسطيني، ويمهد الأجواء، لاجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مطلع العام القادم.. الى جانب ذلك، واستفادة من الظرف الدولي القائم، بات شرح وفضح الموقف الاسرائيلي واجباً مهماً علينا القيام به وعلى أحسن وجه، ليس عبر الاعلام فحسب، بل عبر القنوات الدبلوماسية المتاحة. عبر مذكرات رسمية للدول والهيئات الدولية، والمنظمات الرسمية والشعبية في آن، والقيام بتحرك نشط وفعال، الى جانب رفع مستوى التنسيق مع جامعة الدول العربية، والاتفاق على خطوط التحرك القادم. هنالك ما يشبه الاجماع الدولي، الآن، على حل الدولتين، وهنالك تصور واضح لتنفيذ خارطة الطريق، بعيداً عن المناورات الاسرائيلية. الحلقة الأهم في هذا الموضوع، هي الموقف الفلسطيني، والموقف الفلسطيني - العربي، الواضح والمؤثر والفعال في آن. واستطلعت جريدة"الغد" الأردنية أراء سياسيون أردنيون في خطاب نتنياهو الذين أجمعوا على أنه يعكس موقف مجموعة التطرف الإسرائيلية وأن خطاب نتنياهو، وضع حد للطموحات الأميركية الذاهبة باتجاه تحقيق معادلة السلام بين الفلسطينيين والعرب والإسرائيليين، التي عجزت عن تحقيقها الإدارات الأميركية السابقة. في حين يرى مسؤولون أردنيون "أنّ خطاب نتنياهو محاولة لشراء الوقت في مواجهة الضغوط الأميركية"، وأنّ الكرة اليوم في ملعب الإدارة الأميركية وردّها على ما جاء في هذا الخطاب. ويرفض هؤلاء المسؤولون أن يكون هذا الخطاب جاء في سياق الاستجابة للضغوط الأميركية، بل "هو مراهنة على الخروج من الضغوط الحالية، ونقل المعركة إلى الداخل الأميركي لإضعاف جهود الرئيس أوباما في المضي بعملية التسوية السلمية"، فهذا الخطاب موجه بصورة رئيسة للإدارة الأميركية. ويتسائل رئيس الوزراء السابق الدكتور معروف البخيت عن "تعريف نتنياهو لدولة قومية لليهود"، هل المقصود "دولة لأغلبية يهودية" أم "إلغاء لهوية الفلسطينيين في إسرائيل"، وهو طرح مناقض لمنطق العصر، فالعالم يتقدم نحو تجاوز هذا الخطاب، لا الارتداد للحديث عن دولة مسيحية ومسلمة، وغيرها من تصنيفات لم تعد قائمة اليوم! وحول أنّ الخطاب يتحدث عن قضية اللاجئين التي تمس مباشرة الأمن الوطني الأردني، يذهب البخيت الى أنّ مواجهته لا تكمن بتغيير المواقف الاستراتيجية للأردن، والذهاب نحو رهانات أخرى، بل بالتنسيق مع الجهود الدولية ومع الإدارة الأميركية وصولاً إلى "عزل الحكومة اليمينية في إسرائيل"، وذلك لتكثيف الضغوط الأميركية عليها. الناطق الرسمي باسم حركة الإخوان المسلمين جميل أبو بكر، قال إن "ما طرحه نتنياهو أشبه بحكم ذاتي جديد"، فنتنياهو قدم "طرحا لدولة فلسطينية ليس لها سيادة، وهي دولة منزوعة الدسم، وغير واضحة المعالم والتفاصيل". يزيد أبو بكر أن كلام نتنياهو "اسقط موضوع القدس من اعتباراته بإعلانه لها - القدس - عاصمة اسرائيل اليهودية، وبذلك جعل المسلمين والفلسطينيين زوارا للقدس، وهو بذلك ألغى حتى فكرة تدويل القدس وهو ماتطرحه إدارة اوباما الجديدة. ويضيف ابو بكر أن ما قاله نتنياهو "يصب في صالح يهودية الدولة الإسرائيلية، وهي ان تكون خالصة لليهود لا عرب ولا مسلمين فيها"، ويزيد "في مقابل ذلك ستوجد دولة مسخ لا سيادة ولا عاصمة ولا سلاح فيها" ويقصد دولة فلسطين. وسخرت صحيفة "الثورة" السورية الحكومية في عددها اليوم الاثنين من خطاب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي ألقاه مساء أمس حول الاعتراف بالدولة اليهودية والتطبيع معها. وقالت الصحيفة في افتتاحيتها بقلم رئيس تحريرها اسعد عبود "إذا كان هذا هو الرد الإسرائيلي على الخطاب الأميركي الجديد فهل ستجد الولاياتالمتحدة نفسها والعالم والمنطقة أبعد أم أبعد وأبعد عن السلام؟!"