الجمهورية : 10/10/2008 لاشك أن القرصنة سلوك إجرامي ومجرم دوليا وأيضا مرفوضة دينيا ومنبوذة اجتماعيا والذين يلجأون إليها منحرفون وخطرون لذا يستحقون المطاردة والعقاب. وفي الماضي كانت القرصنة شبه مقصورة علي البحر. أما مع الضغوط الاجتماعية وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية طفحت أنواع جديدة علي مجتمعاتنا لم نكن نعهدها من قبل كالقرصنة الجسدية والتجارية والوظيفية وغيرها.. فكل من يغتصب حقا غير حقه فهو لا يقل خطورة عن القرصان الذي يتخذ من القرصنة وسيلة للتكسب وإليك بعض الأمثلة. لقد لاحظت في السنوات القليلة الماضية في القرن الأفريقي خاصة في الصومال حيث تعم الفوضي البلاد وتتناحر القبائل والفصائل علي السلطة الأمر الذي زادت معه عمليات القرصنة البحرية حيث السطو علي السفن التجارية والخاصة بالصيد واتخاذ البحارة كرهائن لحين دفع الفدية بالعملات الصعبة وأن أيديهم طالت كل السفن التي تعبر أمام سواحلهم وبلغت عمليات القرصنة خلال هذا العام 61 فقط سفينة تحمل أعلام دول مختلفة مما أصاب الجميع بالرعب خوفا علي تجارتهم وما حدث للسفينة المصرية مؤخرا وما قبلها بوقت قصير دليل علي أن الأمر خطير ويجب التصدي له لأنه تهديد ليس للملاحة في باب المندب والبحر الأحمر بل علي قناة السويس كمعبر لتلك السفن. هنا نتوقف لأن الأمر فيه تهديد للأمن القومي المصري. فقناة السويس تدر دخلا سنويا بالمليارات من الدولارات ورافد حيوي وأساسي أهم من وجهة نظري من البترول والثروات المعدنية لأنه سيظل أما الثروات الأخري فطريقها الزوال يوما ما. وحسنا ما فعلته أجهزة المخابرات عندما نجحت بخبرتها في تقليل الفدية من ثلاثة ملايين$ إلي 600 ألف فقط.. وإن كنت أطمع في المزيد وهو التعاون مع بقية الدول التي لها تجارة في البحر الأحمر وتخاف علي مصالحها وهذا ما دفع بعض دول الاتحاد الأوروبي أيضا إلي تخصيص سفينة حربية لمرافقة السفن التجارية لحمايتها من هؤلاء القراصنة الذين يتسلحون بأسلحة ليست بالسهلة بدليل أنهم بواسطتها يجبرون أي سفينة علي التوقف واصطحابها إلي حيث يريدون وألا يكون التعاون قاصرا فقط علي مراقبة وحراسة السفن التجارية لأنها عملية مكلفة وستطول هذه الوسائل ولكن الأفضل طالما دخلت فيها المخابرات أن يفكر رجالها وهم ضالعون ومدربون في عمليات الاصطياد لهؤلاء القراصنة واحدا تلو الآخر خاصة وأن عددهم ليس بالكثير فهم لا يتعدون 1100 قرصان أغلبهم كانوا يخدمون في البحرية وتقاعدوا ونظرا لأن الأرض الصومالية مخترقة وقياداتها يتنازعون السلطة فمن السهل وضع خطط لاختراق أوكارهم ومعرفة مخابئهم وبذلك يمكن الإجهاز عليهم أو ضبطهم ومحاكمتهم بتهمة تكدير الصفو العام العالمي وأيضا كي تكون جميع السفن في مأمن وكي لا تقلدهم جماعات أخري تحذو حذوهم خاصة وأن دول القرن الأفريقي بشكل عام أرض خصبة وفي هذه الحالة سيتكاثر أعداد القراصنة ويصيرون قوة منظمة شبيهة لعصابات المافيا والألوية الحمراء الذين كونوا دولة داخل الدولة ويفرضون كلمتهم علي الجميع. ولأن الظروف هي التي أفرزت هؤلاء القراصنة فهناك قراصنة من نوع آخر ليسوا في البحر فقط ولكن في البر ومثل هؤلاء هم الأخطر لأنهم غير مرئين وغير منظمين ويزدادون يوما بعد يوم ويعيشون بيننا ويجوبون الطرقات بحثا علي فريسة لهم يسرقونها بالإكراه أو ينهشون عرضها. وهذا ما حدث مؤخرا في المهندسين علي يد عشرات من الشباب جمعتهم ظروف مشابهة وهي الظروف المعيشية الصعبة والبطالة وغياب الرقابة الأسرية فقد بدأت بمغازلة ثلة من الأصدقاء كانوا يتسكعون في شارع جامعة الدول العربية لثلاث فتيات سرعان ما تحرشوا بهن وأمسكوا بأماكن حساسة أمام أعين الجميع وبجرأة لم نتعهدها من قبل الأمر الذي وافق هوي كل شاب كان قريبا منهم فراح يشارك في الوليمة السافرة ليشكلوا حلقة قوامها أكثر من مائة شاب وكأنهن من الجواري أو من محظيات الحروب. صراحة لا أدري كيف تجمع هذا الحشد الكبير في لحظات؟ المهم أن إرادتهم توحدت وتشخصنت فالطيور علي أشكالها تقع فما فكر فيه قادة الوليمة يفكر فيه الكثير من الشباب بسبب الفراغ والملل والاكتئاب الذي يصيبهم فلا عمل ولا أمل في مستقبل مشرق آت. لذا كان المشهد طبيعيا وكانت "اللمة" سريعة وكأنها معدة سلفا. واعتقد أن هذا السيناريو يمكن تكراره بل نتوقعه في أي لحظة إذا بقيت الظروف كما هي دون تحسن ولا يوجد جديد يشغله ويخرجه من الضياع والهامشية التي يعيشها وهذه مسئولية الأسرة قبل المجتمع لأنها الأساس وكذلك مسئولية المجتمع الذي لم يراقب سلوكه ويقيم تصرفاته وبالتالي مسئولية الدولة التي لم توفر له العمل كي يشعر بأنه مفيد ونافع في المجتمع فالفراغ والبطالة وعدم الأمان وفقدان القيمة الشخصية تجعله يفكر فيما هو أكثر من ذلك وقد يكون هذا الشاب ابني أو ابنك وإن كان هذا ليس مبررا فالخطأ خطأ والخلل في التركيبة الاجتماعية والنفسية واضح ولا يمكن نكرانه. مطلوب إتاحة المزيد من فرص العمل والإكثار من إنشاء مراكز الشباب والأندية كي تلهيه بأنشطتها المختلفة عن الصعلكة والقرصنة الجسدية. وفتح أبواب المساجد لهم وتخصيص البرامج وعقد الندوات الثقافية والدينية وتبصيرهم بأمور دينهم. وكذلك توعيتهم مجتمعيا ولا ننسي دور الأسرة في التنشئة الاجتماعية و كذلك المدرسة. فهما الأساس لإعداد هؤلاء وتأهيلهم للانخراط في المجتمع المفتوح. قبل أن يختفي الوازع الديني وتموت الأخلاق والقيم ونعود إلي أجواء العصور الوسطي. وعلي آباء هولاء القراصنة وأشباههم أن يراقبوا أولادهم جيدا خاصة في الفراش وعلاقاتهم بشقيقاتهم وأقاربهم طالما خلعوا برقع الحياء وتصرفوا كالثيران الهائجة حتي لا يقعوا في المحظور ودائرة زنا المحارم وما أدراك ما زنا المحارم.. واسترها معانا يارب..!!