الأسواق الموازية ( Parallel Markets ) هي تلك الأسواق التي تنشأ وتتطور خارج القنوات التجارية المعروفة. قد تنشأ هذه الأسواق دون تخطيط حكومي وقد تكون إحدى أدوات الدولة الاقتصادية لتصحيح مسار الأسعار وتوفير السلع بأسعار في متناول المواطن العادي. هذه الأسواق تنشأ أساسا لسبب جوهري هو وجود فروق سعرية ملحوظة بين أسعار المنتجات المعروضة في هذه الأسواق وأسعار نفس المنتجات في الأسواق التجارية العادية بشرط توفر نفس الجودة لكل منهما. ويلجأ المواطن لشراء السلع من هذه الأسواق بسبب عدم قدرته على دفع ثمن هذه السلع في السوق التجاري العادي حيث توجد بسعر أعلى عادة، بينما يلجأ البائع لعرض منتجاته في هذه الأسواق لوجود تسهيلات تساعده على عرض منتجاته بأقل كلفة، إضافة إلى تدني مستوى الضرائب التي قد تفرض على منتجاته وأحيانا عدم وجودها أصلا. جاءت عملية افتتاح مجموعة من الأسواق الشعبية الموازية في معظم محافظات المملكة هذا العام كجزء من جهود الدولة لتخفيف أعباء ارتفاع الأسعار التي طالت معظم السلع وخاصة المواد التموينية كالخضار واللحوم والفواكه وغيرها من المواد. وقد خصصت الدولة في أوائل هذا العام (2008) عشرة ملايين دينار لأغراض إقامة مجموعة من الأسواق الموازية في عشر من محافظات المملكة، كما خصص مجلس الوزراء منذ فترة قريبة مبلغ 400000 دينار لغايات إنشاء 50 سوقا موازية في محافظات المملكة المختلفة خلال شهر رمضان المبارك تباع من خلالها السلع بأسعار تقل بما نسبته 30 % على الأقل عن الأسعار الموجودة في الأسواق التجارية العادية. إلا أنه على الرغم من أهمية مثل هذه الجهود وعلى الرغم من سعي الحكومة لدعم وإنجاح فكرة الأسواق الموازية الشعبية بمحاولة توفير البنية التحتية المناسبة وتوفير الشروط الضرورية لنجاح الفكرة إلا أن الإقبال على هذه الأسواق لم يكن بالمستوى المأمول سواء من قبل المستهلك أو من قبل البائع تاجرا كان أو مزارعا، حيث كان هذا الإقبال من كلا الطرفين ضعيفا في معظم الأسواق التي أنشئت مما يعني عدم تحقيق هذه الأسواق لهدفها الرئيس في توفير السلع للمواطن بأسعار يمكنه تحملها من خلال توفير أماكن بيع مناسبة للمنتج أو التاجر. وقد لوحظ وجود هذا الضعف على الأخص في محافظات المملكة الأكبر من حيث الكثافة السكانية. إن عزوف التجار والمزارعين عن عرض منتجاتهم في هذه الأسواق وعزوف المستهلك عن الإقبال على مثل هذه الأسواق يعود لجملة من الأسباب كشفتها التحقيقات الصحفية في هذه الأسواق خلال الأيام الأولى من شهر رمضان الفضيل. هذه الأسباب، والتي يمكن ملاحظتها في معظم الأسواق الشعبية الموازية التي أنشئت، يمكن إجمالها بما يلي: - عدم التزام معظم التجار والمزارعين الذين يعرضون منتجاتهم في هذه الأسواق بتخفيض أسعار هذه المنتجات بالنسبة المتفق عليها مع البلديات وهي 30 % أقل من أسعار نفس المنتجات في الأسواق التجارية العادية. - عدم ملاءمة أماكن إقامة هذه الأسواق كأن تكون بعيدة عن مناطق التجمعات السكانية الشعبية ( الهدف الأول لهذه الأسواق )، أو عدم إمكانية الوصول إليها بسهولة من قبل المواطنين لعدم وجود طرق مواصلات تخدمها أو محدودية وسائل النقل إلى أماكن وجود هذه الأسواق. - عدم كفاية البنية التحتية في معظم هذه الأسواق من حيث توفر الخدمات المرافقة كالإنارة والطرق والحراسة والمرافق الصحية. - تدني مستوى الجودة لبعض المنتجات المعروضة في هذه الأسواق. - عدم توفر الشروط الصحية في عرض المنتجات الغذائية وخاصة اللحوم، إضافة لعدم توفر الرقابة الصحية من قبل الجهات المعنية بذلك. - عدم تنوع المنتجات المعروضة وعدم تصنيفها إلى فئات تسمح للمواطن الاختيار بين عدة خيارات متاحة أمامه لشراء ما يلزمه وفق إمكاناته المادية. - تسلل الوسطاء إلى حلقة البيع في هذه الأسواق خاصة في ضوء عزوف المزارع عن عرض منتجاته بنفسه واكتفائه بدور الإنتاج دون التسويق مما أدى لرفع أسعار هذه المنتجات إلى أسعار الأسواق التجارية العادية بسبب هامش ربح هؤلاء الوسطاء. - عدم إدارة هذه الأسواق بشكل متخصص يسمح لها بتحقيق أهدافها على أكمل وجه. إن هذه الأسباب، وغيرها من الأسباب، هي في الحقيقة المشكلات التي دعت كلاً من البائع والمشتري إلى عدم الإقبال على الأسواق الشعبية الموازية على الرغم من الفائدة العملية لها. إن دراسة هذه الأسباب والوقوف على إمكانية وضع الحلول المناسبة للمشكلات الناجمة عنها يجعل فكرة هذه الأسواق فكرة قابلة للتطبيق والتطوير وصولا إلى تحقيق الأهداف المرجوة منها. ولا شك بأن لتخصيص إدارة مستقلة متخصصة لإدارة هذه الأسواق والنهوض بها أكبر الأثر في وضع الحلول المناسبة للمشكلات التي تحول دون نجاحها، ثم يأتي بعد ذلك دور هذه الإدارة في وضع الخطط والقوانين والشروط اللازمة لضمان تحقيق هذه الأسواق لغاياتها. وفي الختام لا بد من توجيه التحية والإشادة بإحدى التجارب الناجحة في هذا المجال ألا وهي تجربة إحدى بلديات البادية الأردنية وهي بلدية ''الباسلية'' التي تعتبر تجربة ناجحة قياسا إلى تجارب البلديات الأخرى وخاصة الكبرى منها. حبذا لو تمت دراسة وتحليل عوامل هذا النجاح في بلدية الباسلية وتطويرها ثم تطبيق هذه التجربة على بلدياتنا الأخرى.