اسم السوق يثير الفضول. وهو ممر ضيق معبأ برائحة البخور والعطور و...الزحام. وهذا الممر الذي يطلق عليه «زنقة الستات» يقع في وسط مدينة الإسكندرية، ويعد من أقدم أسواقها الشعبية. بدأ هذا السوق بداية غريبة، فهذا المكان كان إسطبلاً لخيل قوات الحملة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر، وتحول إلى سوق للتجار المغاربة الذين هاجروا إلى الإسكندرية، ثم بدأ المصريون يشتركون في عرض بضائعهم في هذا المكان إلى جانب البضائع المغربية. وكان رواد السوق من النساء فقط، فالسير في هذا الممر الضيق يتم بصعوبة بالغة، لذلك لم يكن يجرؤ أي من الرجال على ارتياده. وهو يشبه من الداخل «بيت جحا»، فأنت تدخل من مكان وتخرج من آخر، ومن أشهر تلك المداخل بوابة «شارع فرنسا» أو «سوق الذهب» التي تحاط ببوابة كبيرة من الحديد المشغول صنعت في تلك الحقبة... حتى تكون بوابة أمان لمحال الذهب العتيقة. واشتهر في بداية القرن الماضي عندما ذاعت شهرة أشهر ثنائي نسائي في الإجرام، هما «ريا وسكينة» اللتان كانتا تعملان في الدلالة، وهي مهنة تقوم على شراء «الدلالة» من تجار الجملة وبيعها للزبائن في منازلهم. وكانت ريا وسكينة تجتذبان الضحية وتجهزان عليها وتسرقان أموالها بعد استدراجها إلى بيتهما. ودخول سوق «زنقة الستات» يشبه الدخول في دوامة تغمر العيون بألوان الذهب والفضة والفوسفور...إنها ألوان الترتر والخرز وخرج النجف. ففي هذا الممر الضيق الذي لا يزيد عرضه على المتر، تجد التجار يعرضون بضائعهم في واجهات من زجاج خارج المحال الصغيرة المتراصة، أو يعلقونها على «شماعات» تصطدم برؤوس المارة. وكل محال هذا السوق تبيع البضائع ذاتها التي تتمثل في أدوات الزينة والإكسسوارات. ومن هذه المحال الصغيرة المتلاصقة تخرج الابتكارات التي سرعان ما تنتقل إلى المحال الشهيرة، ليس في الإسكندرية وحدها بل في القاهرة أيضاً. وعندما تضع قدمك في أول زنقة الستات يسيطر عليك الإحساس بالتراجع، وكأنك دخلت ساحة للرجال الذين يقومون بالشراء لزوجاتهم، أو قد يكونون تجاراً يشترون الخامات لإعادة تصنيعها مرة أخرى وبيعها في أسواق أخرى. يقول التاجر حسن ظنانة (80 سنة): «نحن نصنع ونعرض موديلاتنا بأسعار رخيصة جداً لأن العامل الماهر موجود والخامة متوافرة بالإضافة إلى الذوق الجميل والأسعار تبدأ من جنيهين إلى 10 جنيهات للحلق الذي يباع خارج السوق بثلاثين أو أربعين جنيهاً» (نحو 8 دولارات). ويضيف أن الخمسة غرامات من «الترتر»، أو «خرج النجف» تباع بجنيه واحد. أما الخرز الذي يشبه حبات الفاكهة، فتباع الدستة منه بخمسة جنيهات. ويوضح الحاج سمير طلبة، تاجر إكسسوارات، ان سوق المغاربة وسوق الخيط وزنقة الستات كلها في منطقة واحدة، وهي منطقة شهيرة ببيع المشغولات الذهبية والأقمشة وأغطية الرأس للمحجبات. ويشير مصطفى درويش (82 سنة)، وهو تاجر اكسسوارات، الى ان التجارة والعمل في الزنقة بدأ منذ أكثر من 140 سنة، وكان معظم تجارها من المغاربة اليهود، وكانت الزنقة عبارة عن وكالات لبيع مختلف أنواع الأقمشة. أما الحاج إبراهيم المنياوي، وهو صاحب محال متخصصة في صنع الجلابيب العربية المطرزة، فيقول: «يوجد عندنا أبرع العمال في أشغال التطريز، وعلى كل الخامات... والجلابيب العربية أصبحت موضة، وهذا أوجد نوعاً جديداً من التطريز. فكنا نطرز ملابس السهرة والأفراح على خامات مثل الساتان و»التفتا». أما الآن، فإننا نطرز على كل أنواع الأقمشة لصنع العبايات والطرح والحقائب.