لن تتبدد الأسباب التي قد تدفع دول الخليج المنتجة للنفط للتحول إلى نظام صرف أكثر مرونة لمكافحة التضخم وتعزيز قيم عملاتها حتى مع ارتفاع قيمة الدولار الذي يكسبها بعض الوقت لإعادة النظر في ربط عملاتها بالعملة الأمريكية. وشعر صناع القرار في دول الخليج - الذين واجهوا ضغوطا شعبية متنامية لرفع قيمة العملات - بالارتياح بعد أن عوض الدولار أغلب خسائره في عام 2008 وتوقف مجلس الاحتياطي الاتحادي "المركزي الامريكي" عن خفض أسعار الفائدة. ورغم ان انتعاش الدولار سيحد من الضغوط التضخمية عن طريق تخفيض تكلفة واردات المواد الغذائية والسلع الى هذه الدول الصحراوية الا ان اقتصاداتها المزدهرة وما تتطلبه من تشديد للسياسة النقدية يخالف الوضع في الولاياتالمتحدة. وقال سايمون وليامز كبير الاقتصاديين في اتش.اس.بي.سي في دبي، إن الموقف الداعي لاصلاح العملات مازال قويا حتى اذا كان ارتفاع قيمة الدولار قد جعل ذلك الامر أقل الحاحا. وأضاف، أن إقتصاد الخليج سريع النمو ونشط وسيستفيد بدرجة كبيرة من السيطرة على سياساته النقدية. وحتى قبل أن يبدأ الدولار في الارتفاع في أواخر يوليو/ تموز 2008 كان صناع القرار في الخليج يؤيدون انعاش خطة اقليمية لطرح عملة خليجية موحدة وتمكنوا من الحد من المراهنات على أن دولا أخرى ستتبع خطى الكويت وتنهي ربط عملتها بالدولار. واستبدلت الكويت بالدولار سلة عملات - لم يكشف عن تكوينها- في مايو أيار عام 2007 عندما كان سعر اليورو 1.34 دولار قائلة ان ضعف الدولار يزيد التضخم عن طريق جعل الواردات أكثر تكلفة. وظلت عملات الخليج ضعيفة مع مخالفة اقتصاد المنطقة -المتوقع ان يرتفع حجمه متجاوزا تريليون دولار في 2008- موجة تباطؤ يشهدها الاقتصاد العالمي اذ يعزز الخليج ارتفاع أسعار النفط الى اكثر من 5 أمثالها منذ عام 2002. وفي فبراير/ شباط 2008 قبل شهور من ارتفاع سعر اليورو الى 1.60 دولار، قال رئيس وزراء قطر ان عملة بلاده الريال أقل من قيمتها بنحو 30%. ومنذ ذلك الحين ارتفع معدل التضخم متجاوزا 10% في خمس من الدول الست الاعضاء في مجلس التعاون الخليجي مما أثار احتجاجات بين الوافدين العاملين في الامارات والبحرين والكويت بسبب تراجع قيم أجورهم مع انخفاض الدولار. ووبهذا تكون عملات المنطقة مازالت مقومة بأقل من قيمها الحقيقية لذلك فان ارتفاع الدولار لم يغير من الموقف الداعي للاصلاح. واذا استمر الدولار في الانتعاش معوضا خسائره أمام اليورو والعملات الاسيوية فان ذلك سيخفض من تكلفة واردات الغذاء المقومة بعملات غير الدولار لدول الخليج وهي من المحركات الرئيسية للتضخم في المنطقة، كما ان ارتفاع الدولار يزيد من قيمة أصول الصناديق السيادية لادارة الثروات. لكن في حين تشهد الولاياتالمتحدة أسوأ أزمة مالية تمر بها منذ الحرب العالمية الثانية فان دول الخليج المزدهرة تشهد أعلى معدلات نمو في تاريخها. وفي المقابل نجد البنوك المركزية الخليجية ليس لديها الادوات اللازمة لمعالجة التضخم، واضطرت دول الخليج لاتباع 7 تخفيضات في سعر الفائدة الامريكية بدأت مع مطلع 2007 في حين ان مشكلاتها التضخمية كانت تتطلب رفع الفائدة وليس خفضها. كما أن سعر الفائدة الحقيقي -وهو سعر الفائدة الرسمي مخصوما منه التضخم- سالب كذلك مما يجعل السكان يسحبون أموالهم من الحسابات المصرفية لاستثمارها في أصول مثل العقارات. وحتى اذا بدأ مجلس الاحتياطي الاتحادي في رفع الفائدة مرة أخرى لاحتواء التضخم في الولاياتالمتحدة فان ذلك لن يكون كافيا. ودعت هيئات استشارية في الخليج الحكومات لدراسة اصلاح العملات في اطار التحضير للوفاء بالموعد النهائي للوحدة النقدية الخليجية المقرر في عام 2010 والمتوقع أن يتم تعديله. ودعا الاقتصاديون في مركز دبي المالي العالمي لاصلاح العملات في أغسطس/ اب 2008 بعد شهر من تردد دعوات مماثلة من جانب مجلس الشورى السعودي وادارة التخطيط والاقتصاد في أبوظبي. لكن حشد التأييد لاصلاح العملة مرتبط بالسياسة في الوقت الذي تواجه فيه دول الخليج المتحالفة مع الولاياتالمتحدة تصاعد التوترات مع ايران المجاورة. وايا كانت الايجابيات أو السلبيات الاقتصادية لتعويم العملات فان هذه الاراء يتعين أولا أن تصل الى اذان حكام البلاد الاغنياء، فالامر يحتاج لقرار سياسي في نهاية الامر. (رويترز)