الأهرام 4/8/20087 أعتقد أن أي حديث عن السلام القائم علي العدل والمستند إلي مقررات الشرعية الدولية سوف يظل نوعا من اللغو, إذا لم يتم حسم مسألة جدار الفصل العنصري الذي ينسف أي أمل في قيام دولة فلسطينية مستقلة. وأعتقد أيضا أن حسم هذه المسألة يرتبط في المقام الأول بمدي القدرة علي تعرية وكشف المسميات المضللة لهذا الجدار, والتي تستهدف الإيحاء بغير الحقيقة, لأنه إذا ارتضينا المسمي الأمريكي له بأنه جدار فاصل فإن ذلك يعني ضمنيا أنه بمثابة خط حدود, وأيضا فإن الاستسلام للمسمي الإسرائيلي بأنه جدار أمني يمثل تسليما بصحة ادعاءات إسرائيل بأنها تقيم سورا واقيا لحمايتها من هجمات المقاومة الفلسطينية, وأن هذا السور الواقي يجب أن يتم بناؤه خارج حدودها لضمان فعالية إجراءات الحماية. ولعل من الضروري أن نشير هنا إلي أن فكرة الجدران والأسوار العازلة ليست وليدة اليوم, وإنما هي مكون أساسي من مكونات الثقافة الصهيونية التي تستمد طاقتها من نظرية الأب الروحي للحركة الصهيونية جابوتنسكي التي أطلق عليها اسم نظرية الحائط الحديدي, والتي تطورت من حارات الجيتو في الشتات إلي المستوطنات المحاطة بالأسوار والأبراج العالية خلال مراحل إنشاء الدولة العبرية, ثم تحولت الآن إلي الصورة النهائية التي تحقق نظرية الحائط الحديدي بإقامة جدار الفصل العنصري. وربما يكون ضروريا ومفيدا للتعامل مع هذه القضية التي تمثل أخطر العقبات التي تقف في طريق تحقيق الحلم الفلسطيني باقامة الدولة وبلوغ السلام المنشود الذي يضمن أمن واستقرار المنطقة, أن نلقي نظرة كاشفة علي مقدمات ومعطيات هذا الجدار والنتائج الخطيرة التي سوف تترتب عنه في حالة استمرار بنائه والسماح ببقائه! بداية يمكن القول إن حكومة شارون السابقه قررت في23 يونيو2002 إنشاء جدار عازل بطول الضفة الغربية يفصل بين الأراضي المحتلة في الضفة من جهة وإسرائيل من جهة أخري, ويبلغ طول الجدار العازل350 كم وتقدر تكلفة الكيلو متر الواحد بمليون دولار وقد يصل أحيانا إلي مليوني دولار. وهذا الجدار العازل لايلتزم بشكل أساسي بمسار الخط الأخضر خط4 يونيو1967, إنما يرتكز علي الحواجز الطبوغرافية والديموجرافية, حيث ينحني وينحرف في الكثير من المناطق لضم مستوطنات يهودية وأراض فلسطينية إلي إسرائيل, ويصل ارتفاع الجدار إلي8 أمتار تعلوه أسلاك شائكة وبه أبراج مراقبة في مواقع عديدة وكذلك أجهزة إنذار مبكر إلكترونية. ويتخذ الجدار العازل تشكيلات متنوعة تختلف من منطقة إلي أخري, ففي الأماكن التي فيها مناطق تمركز السكان الفلسطينيين والإسرائيليين قريبة من بعضهما يتخذ الجدار العازل شكل جدار مرتفع من الخرسانة المسلحة التي تمنع تسلل الفلسطينيين, وكذلك تتصدي لأي إطلاق لأسلحة نارية, بينما في مناطق أخري يكون الجدار عبارة عن أسوار إلكترونية شائكة, ويتضمن الجدار العازل أنظمة ونقاط تفتيش ومعسكرات للجيش ودوريات للشرطة كما يخلق منطقة عازلة بين الجدار والخط الأخضر وتمتد مساحتها إلي ما بين30 و100كم فضلا عن منطقة أمنية أخري تمتد داخل الأراضي الفلسطينية أو ما يعرف بجدار العمق يقع إلي الشرق من الجدار العازل. ومن العجيب والغريب أن حكومة شارون قررت بناء هذا الجدار في23 يونيو2002 أي قبل24 ساعة فقط من إعلان الرئيس بوش في24 يونيو2002 عن رؤيته لقيام دولتين فلسطينية وإسرائيلية يتعايشان جنبا إلي جنب في سلام ثم اعلان خطة خريطة الطريق التي قيل وقتها أنها تهدف إلي اقامة دولة فلسطينية بحلول عام2005... أليست هذه ملاحظة تستحق التأمل بين توقيت اقرار حكومة شارون لبدء بناء الجدار وبين اعلان بوش في اليوم التالي مباشرة لرؤيته عن الدولتين... ثم أليس لافتا للنظر أيضا أنه منذ أن شرعت اسرائيل في بناء الجدار تزايدت بشكل ملحوظ أعمال توسيع المستوطنات القائمة وبناء مستوطنات جديدة التهمت الكثير من الأراضي الفلسطينية وهو ما يؤكد أن الاستيطان والجدار العنصري هما جناحا نظرية الحائط الحديدي التي تمثل المرجعية الأساسية للفكر الصهيوني؟ والحقيقة أن فكرة إنشاء سورين عازلين, واحد بطول غور الأردن والثاني غرب الضفة ترجع تحديدا إلي خريطة وضعها شارون عام1983 عندما كان وزيرا للجيش وتهدف إلي ضم هذه الأراضي لإسرائيل, وبدأت ملامح الجدار العازل تتبلور بعد حرب الخليج الثانية عام1990 حين بدأت إسرائيل أولا خطوات الفصل غير المباشر بين سكان الضفة وإسرائيل داخل حدود1948 بإصدار تصاريح لكل فلسطيني يريد الدخول إلي الخط الأخضر للعمل أو ما شابه ذلك! وفي عام1993 اتخذ اسحق رابين إجراء الإغلاق ردا علي عمليات المقاومة حيث يقضي بإغلاق الضفة الغربية عن فلسطينالمحتلة عام1948 واقترح حينها رابين إنشاء ما يسمي الجدار العازل ولكن الفكرة لم تلق رواجا في ذلك الحين, وبدأت فكرة الجدار العازل تأخذ طريقها للتنفيذ الفعلي بعد اندلاع انتفاضة الأقصي عام2000. *** وهنا يكون السؤال الضروري حول مدي تأثيرات بناء الجدار علي خريطة الضفة الغربية وشكل الدولة الفلسطينية المرتقبة! في الحقيقة إن كل تصريحات المسئولين الإسرائيليين تكشف بوضوح عن أن الحكومة الإسرائيلية تبلور رؤية لدولة فلسطينية مقسمة إلي سبعة كانتونات في المدن الفلسطينية الرئيسية كلها مغلقة من قبل الجيش الإسرائيلي ومعزولة عن باقي أراضي الضفة الغربية التي ستصبح تابعة لإسرائيل, وبالفعل فإن مشروع الجدار العازل سيقسم الضفة الغربية إلي كانتونات منفصلة عن بعضها البعض وعن باقي أراضي الضفة كما سيؤدي بناء الجدار إلي مصادرة مساحة كبيرة من الأراضي الفلسطينية وضمها لإسرائيل حيث يتركز مشروع الجدار العازل علي إقامة حزامين عازلين طوليين, حزام في شرق الضفة بطول غور الأردن وحزام آخر غرب الضفة علي طول الخط الأخضر بعمق5 10 كم, وكذلك إقامة أحزمة عرضية بين الحزامين الطوليين وتكون بمثابة ممر بين منطقة جنوب طولكرم ومنطقة نابلس حتي غور الأردن مما يؤدي إلي تقسيم المناطق الفلسطينية إلي4 كتل رئيسية: جنين ونابلس ورام الله وبين بيت لحم والخليل. وتهدف هذه الرؤية الإسرائيلية الخبيثة التي يتبناها جنرالات ورموز المؤسسة العسكرية وفي طليعتهم شاؤول موفاز إلي إيجاد فاصل مادي بين كتل المناطق تحت السيطرة الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية وبين المناطق الفلسطينية مع بقاء المستوطنات علي حالها كما يطوق الجدار العازل مدن طولكرم وقلقيلية والقدس بالكامل ويعزلها عن محيطها الطبيعي في الضفة الغربية, وبذلك تنجح إسرائيل في عزل مناطق تركز السكان الفلسطينيين عن بعضها البعض وتقيد حرية التنقل والحركة للفلسطينيين ناهيك عن نزوح سكان المناطق المتاخمة للجدار!! وبالاضافة إلي تقسيم الضفة إلي كانتونات منفصلة سيؤدي بناء الجدار إلي مصادرة مساحة كبيرة من الأراضي المحتلة تصل إلي23% من اجمالي مساحة الضفة الغربية, حيث سيتم ضم11 قرية فلسطينية واقعة بين الجدار العازل والخط الأخضر إلي إسرائيل, وإن كان سكانها البالغ عددهم26000 فلسطيني لم يمنحوا الهوية الإسرائيلية ولكن ستصدر لهم تصاريح خاصة لدخول الضفة الغربية, فضلا عن ذلك ستفرض إسرائيل سيطرتها علي21 قرية فلسطينية أخري وراء الجدار العازل باعتبارها منطقة عسكرية, فالمنطقة العازلة المقترحة( التي ستمتد في140 كم) سوف تضم20 قرية فلسطينية منها14 قرية تصنف في المنطقة( ب) التي تخضع لسيطرة فلسطينية إسرائيلية مشتركة ويبلغ عدد سكان هذه المنطقة40.000 فلسطيني يعملون بشكل أساسي في الزراعة وسوف يجد هؤلاء أنفسهم محاصرين ويلزمهم الحصول علي تصاريح إسرائيلية للذهاب لحقولهم وسيكونون مربوطين كليا بجهاز الأمن الإسرائيلي من أجل إدارة حياتهم. *** وهذا الذي تخطط له إسرائيل منذ سنوات ليس بعيدا عن تجربة طويلة عمرها سنوات تشير إلي أن إسرائيل تستغل قدرتها علي تقييد حركة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة من أجل تحقيق أهداف مرفوضة, مع الاستناد علي اعتبارات مرفوضة غير موضوعية وليس فقط لاحتياجات أمنية, ولم تكتف إسرائيل ببناء الجدار العازل بل شرعت أيضا في إنشاء أسوار إلكترونية مكهربة يبلغ ارتفاعها3.5 م حول المناطق( أ) من الضفة الغربية التي تخضع بالكامل للسلطة الفلسطينية, كما تخلق مناطق عسكرية عازلة تؤدي لفصل المناطق( أ) عن بعضها لتخلق علي الأرض13 جيتو( تجمعات إسرائيلية) منفصلة! وانطلاقا من المخططات الإسرائيلية المعلنة فمن الثابت أن المساحة التي سيقتطعها إنشاء الجدارين العازلين في غرب وشرق الضفة سوف يؤديان إلي تقليل مساحة الضفة الغربية إلي45 50% وهي المساحة التي كان شارون قد أعلن قبل دخوله غيبوبه الموت أنه سيسمح باعطائها للفلسطينيين. ولاشك في أن من شأن هذه التغيرات التي يرسمها بناء الجدار العازل علي خريطة الضفة الغربية إيجاد واقع جديد علي الأراضي سيؤثر بشكل مباشر علي قضايا الوضع النهائي المتمثلة في الحدود والقدس والمياه والمستوطنات. وعلي سبيل المثال فإنه بالنسبة للقدس سيوجد الجدار العازل واقعا جديدا للمدينة إذ تقوم إسرائيل منذ فترة بتنفيذ مشاريع في القدس بهدف تهويدها وعزلها وتحويل أحيائها إلي مناطق سكنية بين مستوطنات كبيرة وبؤر استيطانية, فضلا عن مخطط الجدار العازل الذي يطوق القدس ويحيط بها وسيؤدي في حالة اتمامه إلي أن تصبح القدس محاطة بالمستوطنات والمناطق اليهودية من كل جوانبها بحيث يصعب تصورها كعاصمة للدولة الفلسطينية كما سيؤدي هذا الجدار إلي تحقيق نظرية القدس الكبري وخنق تطور القدسالفلسطينية ويمنع امتدادها الطبيعي, كما سيؤدي إلي ضم أحياء معاليه أدوميم وجبعات زئيف وجميع المستوطنات الواقعة خارج بلدية القدس, كما سيؤدي إلي إخراج قري ومناطق فلسطينية من حدود بلدية القدس, وبهذه الطريقة تتخلص إسرائيل من السكان الفلسطينيين في المدينة. وبالنسبة لقضية المياه سيكون للجدار العازل تأثير بالغ علي حرمان الفلسطينيين من مصادر المياه حيث أن الأراضي التي تمت مصادرتها من أجل تنفيذ المرحلة الأولي من مشروع الجدار العازل تضم مايزيد علي50 بئرا من المياه الجوفية وتوفر هذه الآبار7 ملايين متر مكعب من المياه ولكن بعد انشاء الجدار العازل سيتم حرمان الفلسطينيين منها أو علي الأقل سيكون حصولهم عليها صعبا, كما يفصل الجدار العازل ما بين مصادر المياه وشبكات الري من ناحية وبين الأراضي الزراعية من ناحية أخري وقامت الآلات الإسرائيلية في اطار اعداد الأرض لاقامة المشروع بتدمير35000 متر من أنابيب المياه التي تستخدم للري والزراعة والاستخدامات المنزلية. وعلي الرغم من نفي المسئولين الإسرائيليين أن الجدار سيشكل حدودا فعلية لإسرائيل إلا أن التكلفة الهائلة للمشروع وحجمه الضخم يتنافي مع فكرة أنه إجراء مؤقت وسيتم ازالته بعد التوصل إلي تسوية بشأن الحدود في مفاوضات الوضع النهائي, كما أن شكل الجدار وما سوف يضمه من مستوطنات داخل اسرائيل وما به من أبراج مراقبة وأجهزة إنذار الكترونية ودوريات للشرطة والأمن ونقاط تفتيش ومعابر ووحدات عسكرية علي طول الجدار يمنحه بالفعل صفة ومظهر الحدود الفعلية, والجدار سيضم منطقة مطار قلنديا الذي كان من المفترض أن يسلم للسلطة الفلسطينية بمقتضي اتفاقية أوسلو المبرمة بين الجانبين. وفي اعتقاد كثير من المراقبين للشأن الاسرائيلي فإن بناء الجدار العازل يمثل حلا مرضيا لعدد كبير من المستوطنين, إذ سيؤدي إلي ضم57 مستوطنة من مستوطنات الضفة الغربية و303 آلاف مستوطن إلي إسرائيل بينما علي الجانب الآخر نري أن الثمن الأكبر لهذا الجدار سوف يدفعه السكان الفلسطينيون حيث إنه يمر بأراضي الضفة الغربية, مما يعني أنه سيؤثر علي حياة210000 فلسطيني يسكنون67 قرية ومدينة بالضفة الغربية. وهنا تكفي الاشارة إلي أن13 تجمعا سكانيا يسكنها11.700 فلسطيني سيجدون أنفسهم سجناء في المنطقة ما بين الخط الأخضر والجدار العازل ثم أن وجود جدار مزدوج, أي جدار آخر يشكل عمقا للجدار العازل الفاصل سيوجد منطقة حزام أمني الأمر الذي سيجعل من19 تجمعا سكانيا يسكنه128500 فلسطيني محاصرين في مناطق وبؤر معزولة. وسيؤدي إقامة هذا الجدار العازل إلي إعاقة حرية حركة الفلسطينيين وقدرتهم علي الوصول إلي حقولهم أو الانتقال إلي القري والمدن الفلسطينية الأخري لتسويق بضائعهم ومنتجاتهم... كما سيؤدي بناء الجدار العازل إلي الفصل بين36 تجمعا سكانيا شرق الجدار يسكنه72200 فلسطيني وبين حقولهم وأرضهم الزراعية التي تقع غرب الجدار العازل. وفضلا عن كل ذلك فإن إنشاء الجدار العازل سيعيق وصول سكان المناطق الفلسطينية الريفية إلي المستشفيات في مدن طولكرم وقلقيلية والقدسالشرقية لأن هذه المدن ستصبح معزولة عن باقي الضفة كما أن نظام التعليم الفلسطيني سيتأثر أيضا من جراء هذا الجدار العازل الذي سيمنع المدرسين والتلاميذ من الوصول إلي مدارسهم, خاصة أن المعلمين يصلون من خارج هذه القري وسيجد حوالي14000 فلسطيني من17 تجمعا سكانيا أنفسهم محاصرين بين الجدار العازل والخط الأخضر وحوالي20000 فلسطيني في الشمال من حوالي3175 عائلة سيجدون أنفسهم في شرق الجدار بينما أرضهم الزراعية تقع إلي الغرب من هذا الجدار. *** والخلاصة إن قائمة الأخطار, التي تترتب علي استكمال بناء هذا الجدار المخاصم لحركة التاريخ والمتصادم مع ثوابت الجغرافيا, قائمة يطول شرحها فضلا عما سوف يتركة الجدار من تأثيرات سلبية وخسائر جسيمة تهدد البيئة الفلسطينية. وعلي سبيل المثال فإن هناك37% من القري تعتمد علي الزراعة أصبحت من دون مصدر اقتصادي, وبذلك تفقد50% من الأراضي المروية و12كم من شبكات الري تم تدميرها بالاضافة إلي تجريف5.7% من الأراضي الزراعية المروية تمت مصادرتها قبل جني المزارعين للمحصول والاستفادة منها.. ولاشك في أن مصادرة الأراضي الزراعية وتجريفها وتقييد حرية حركة المواطنين ستؤدي إلي خسارة6500 وظيفة, وكذلك تدمير صناعة زيت الزيتون بعد أن كانت هذه المنطقة تنتج22000 طن من زيت الزيتون كل موسم, وكذلك سيتأثر إنتاج هذه المنطقة الذي كان يصل إلي50 طنا من الفاكهة و100000طن من الخضراوات كما ستمنع حوالي10000 من الماشية من الوصول إلي المراعي التي تقع غرب الجدار العازل. والأهم والأخطر أن الجدار سيؤثر بشدة علي البيئة ومصادر المياه حيث تسيطر إسرائيل علي50 بئرا من المياه خلف الجدار وبذلك يفقد الأهالي7 ملايين متر مكعب من المياه التي تشكل30% من مجموعة ما يتم استهلاكه فلسطينيا من الحوض الغربي, كما ستفقد الضفة الغربية200 مليون متر مكعب مياه من نهر الأردن إذا تمت اقامة هذا الجدار في الجهة الشرقية وذلك وفق مايسمي بخطة جونستون. وليس يخفي علي أحد أن الزراعة تعتبر أهم مصادر الدخل الرئيسية في تلك القري التي ستتأثر بشكل سلبي من اقامة الجدار العازل في المرحلة الأولي, علما بأن أراضي هذه القري من أكثر أراضي الضفة الغربية خصوبة. فالمساس بقطاع الزراعة قد يؤدي إلي تردي الوضع الاقتصادي في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة, وإلي تدهور حالة العديد من العائلات الفلسطينية ودفعها إلي خط الفقر. وعلي الرغم من ادعاءات إسرائيل بأن الدواعي الأمنية باسم محاولة الحد من عمليات العنف ضد إسرائيل هو الدافع الأساسي لبناء الجدار فإن الحقيقة أن إسرائيل لها أهداف ومقاصد أساسية هي: العمل علي توفير عمق استراتيجي لنقطة السهل علي البحر المتوسط التي تمثل نقطة ضعف أمنية بالنسبة لإسرائيل, نتيجة لتمركز الكثافة السكانية ومعظم المنشآت الحيوية, رغم أنه يمثل16% فقط من مساحة إسرائيل. إن الضفة الغربية تحتوي علي أوفر مخزون مياه جوفية, حيث إن أرضها صخرية لاتسمح بتسرب المياه كما أن بعده النسبي عن البحر ساعد علي ارتفاع درجة نقاء المياه التي لا تتأثر بملوحة البحر. ضمان تأمين الحدود سواء كانت الحدود الشرقية لمنع التواصل عبر الحدود المشتركة بين الفلسطينيين والأردنيين أو حماية حدود الخط الأخضر الذي تقع داخله المدن الإسرائيلية ذات الكثافة السكانية العالية. تحقيق متطلبات المساومة السياسية بمعني مقايضة المستوطنات بقضايا اللاجئين أو الحدود في مفاوضات الوضع النهائي. *** وإذن ماذا ؟ إن الإصرار علي مواصلة استكمال بناء الجدار العنصري يمثل جريمة تفوق في بشاعتها جريمة الاستيطان, وتعكس في الوقت ذاته مدي وحجم استهتار إسرائيل بالمجتمع الدولي وبكل مقررات الشرعية الدولية, لأن الأمر أكبر من كونه اعتداء فظيعا وفعلا من أفعال العنصرية الصهيونية والعقلية العنصرية, كما قال بذلك الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. إن الخطورة تكمن في أن اقامة الجدار العازل يحول الضفة الغربية إلي كانتونات منفصلة تتطابق مع برنامج شارون القديم لإقامة دولة فلسطينية علي42% من الضفة الغربية دون تواصل جغرافي... ثم إن الخطورة الأكبر تكمن في الموقف الأمريكي الذي لايري في بناء الجدار ما يشين, حيث إن أمريكا تري أنه من حق إسرائيل أن تتخذ القرارات المتعلقة بإجراءات الأمن التي تحتاج لاتخاذها. وكما استخدمت إسرائيل في الماضي الحجج العسكرية لإنشاء المستوطنات التي تحولت بمرور الوقت إلي أمر واقع تعمل الحكومة الإسرائيلية الحالية علي استخدام الحجج الأمنية لاستكمال بناء الجدار العازل الذي سيتحول بمرور الوقت لأمر واقع يسهم في ضم المزيد من الأراضي إلي إسرائيل. ومن هنا يجب أن تكون نقطة البداية لضمان جدية أية مفاوضات لصنع السلام هي ضرورة وقف الإجراءات الإسرائيلية الأحادية الجانب التي تتخذها إسرائيل في هذا الصدد, وليس فقط بحث الترتيبات الأمنية وذلك بالإصرار الفلسطيني حول مائدة التفاوض علي وقف بناء الجدار العازل الذي لم تتطرق له خريطة الطريق والعمل علي تفكيك المستوطنات الجديدة الثابتة ووقف مشروعية توسيع المستوطنات وعدم الاكتفاء باعلان الحكومة الإسرائيلية عن تفكيك بؤر استيطانية صغيرة تضم بعض الكرفانات المتنقلة! وعندما أقول بذلك فإنني استشعر ومن خلال اجتهاد في رؤية الواقع أن مشروع الجدار العازل وتكثيف المستوطنات سيعيق قيام الدولة الفلسطينية القابلة للوجود والاستمرار... فبين الجدار العازل والمستوطنات اليهودية ترغب إسرائيل في حصار الدولة الفلسطينية الوليدة, وبين مطالب إسرائيل الأمنية وماتتخذه علي الأرض من إجراءات تهدد الدولة الفلسطينية ذاتها يجد الفلسطينيون أنفسهم محاصرين بين خيارين إما استمرار المقاومة العنيفة دفاعا عن الحقوق الأساسية للفلسطينيين مع عدم وضوح الرؤية بوجود جدوي لهذه المقاومة في المنظور القريب, وإما إعلان الهدنة والبدء في التفاوض لإنقاذ الأرض الفلسطينية, والواقع أن السبب الحقيقي وراء هذا المأزق الفلسطيني يكمن في غياب الأطر الواضحة التي علي أساسها ستتم تسوية قضايا الوضع النهائي, في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل بوتيرة متسارعة الاستيلاء علي المزيد من الأراضي الفلسطينية. ومن سوء الحظ أن الرأي العام في إسرائيل أصبحت غالبيته تناصر الفكر اليميني المتطرف المؤيد للاستيطان وبناء الجدار العنصري الفاصل, بينما تراجعت قوة التيارات المعتدلة التي تري أن السلام القائم علي قدر من العدل هو الخيار الأفضل لإسرائيل لإنقاذها من دوامة العنف والصراع المستمرة منذ أكثر من نصف قرن! وطبقا لتحليلات كبار المعلقين والمحللين السياسيين في إسرائيل حول جذور هذا التحول في المزاج الإسرائيلي نحو التشدد فإنه بعد انهيار المعركة السياسية وعلي ضوء فشل الخيار العسكري أصبح الفصل المادي هو الحل الأخير لضمان وقف العمليات الاستشهادية الفلسطينية التي كانت قد تصاعدت في السنوات الأولي للانتفاضة الفلسطينية الثانية. ويلفت النظر أن الاعتراض علي المستوي الشعبي داخل اسرائيل بشأن الجدار والاستيطان قد اقتصر علي عدة مظاهرات نظمها أعضاء حركة السلام الآن وكتلة السلام وبعض منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلي مثل منظمة بتسيليم إلي جانب نشطاء السلام من العرب, وحاولت هذه الجماعات نشر الوعي بمخاطر المستوطنات والجدار علي عملية السلام من خلال إعداد منشورات وخرائط ونشرها علي شبكة الانترنت والقيام بمظاهرات متعددة بهذا الفصل غير الحضاري. وعلي الرغم من مخالفة الاجراءات الإسرائيلية للقانون الدولي وانتهاكها لقرار الأممالمتحدة إلا أنها علي الأغلب تحظي بقبول المجتمع الإسرائيلي خاصة مع تعمق الاتجاهات اليمينية داخله وان كان هناك بعض نشطاء السلام وجماعات حقوق الانسان تعارض هذه الاجراءات. ألم أقل منذ البداية إن الاستيطان والجدار هما الجناحان الأساسيان لنظرية الحائط الحديدي التي اعتمدها جابوتنسكي الأب الروحي للحركة الصهيونية لتكون هذه المرجعية هي البوصلة لمخطط اغتصاب فلسطين من النهر إلي البحر!... وهو في اعتقادي اغتصاب يتعارض تماما مع حركة التاريخ ويتصادم كليا مع ثوابت الجغرافيا!