الأهرام 28/8/2008 أعتقد أن ما نسمعه عن مخططات ومناورات تقوم بها إسرائيل, أمر لا يبشر بالخير, خصوصا إذا اعتقد الإسرائيليون أنهم يمكن أن يحصلوا علي السلام المنشود رغم استمرار إصرارهم علي إغلاق كل منافذ الحوار بشأن قضيتين أساسيتين هما عودة القدس العربية باعتبارها جزءا من استحقاقات صريحة في مقررات الشرعية الدولية, وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة أو التعويض طبقا لقرارات الأممالمتحدة, وأبرزها القرار رقم194, فضلا عن عقدة الاستيطان التي زادها الإسرائيليون تعقيدا بما أقاموه من مستوطنات في الأشهر الأخيرة. وربما يقول أحد: وما هو الجديد في ذلك... أليست هذه هي سياسة إسرائيل التي تمسكت بها كل الحكومات الإسرائيلية منذ عام1967 وحتي اليوم؟!. وجوابي هو: نعم ليس في الأمر جديد من الناحية الإجرائية لكن الجديد أن إسرائيل تريد أن تمارس العدوان والاستيطان تحت رايات التفاوض, وترتيبات الهدنة, ووقف إطلاق النار مع الفلسطينيين, وهو أمر يصعب قبوله أو تفهمه بمثل ما كان يحدث من قبل تحت فوهات المدافع, وفي مناخ يغلب عليه دق طبول الحرب ومطاردة حمائم السلام. ثم إن المثير للقلق أن يتوافق استمرار إجراءات المصادرة للأراضي الفلسطينية, خاصة في القدس ومواصلة خنقها بالمستوطنات بالتوازي مع استمرار بناء الجدارالفاصل في الضفة الغربية. لقد كان مفهوما أن تمارس إسرائيل إجراءات المصادرة قبل الالتزام بعملية السلام بوجه عام, واتفاقيات أوسلو, وخارطة الطريق, وصيغة أنابوليس بوجه خاص, والتي تنص علي إرجاء بحث وضع ومستقبل المدينة المقدسة إلي المراحل النهائية للاتفاق.. وقد كان مفهوما أيضا أن تمارس الولاياتالمتحدةالأمريكية سياسة إغماض العين عن السلوك الإسرائيلي المستفز للمشاعر العربية والشرعية الدولية قبل أن تتحمل برضاها مسئولية القيام بدور الراعي لعملية السلام والادعاء بحرصها علي دفع مسار المفاوضات إلي الأمام, بتحركات وجولات يبدو أنها تستهدف إبراء الذمة, وذر الرماد في العيون بأكثر مما تستهدف تحريكا فعالا لبلوغ سلام حقيقي وجاد كما تشير بذلك معطيات ونتائج جولة رايس الأخيرة. ولكن أن يحدث ما يحدث من جانب إسرائيل, وأن تغمض أمريكا عينيها علي الدوام فذلك يثير كثيرا من علامات الاستفهام والريبة, ويوجد المزيد من الشكوك, والإحساس بسوء النيات. إن إسرائيل بمثل هذه الإجراءات غير المشروعة, ومن خلال هذه المناورات الخبيثة تريد بوضوح أن تقول إنها تريد سلامها, وليس سلام الجميع, وأنها تحدد إطار هذا السلام بمفهومها وليس كما يفهم المجتمع الدولي, ويفسر قرارات الشرعية الدولية, وأنها أي إسرائيل لا تريد أن تنتظر تفاوضا أو اتفاقيات, وإنما هي تسعي بكل التبجح لفرض أمر واقع علي الجميع!. إن الرأي العام العربي والفلسطيني كان ينتظر انفراجة واضحة في السلوك الإسرائيلي بعد إقرار صيغة أنابوليس برعاية أمريكية مباشرة وصريحة فإذا بواقع الحال يؤكد أن إسرائيل لم تزل عند ذات السياسات التي اتبعتها حكوماتها المتعاقبة منذ عام1967 وحتي الآن. لقد بات واضحا أن هدف إسرائيل كان ولايزال حتي اليوم هو إحداث تغيير جوهري في التركيبة السكانية لمدينة القدس بحيث يصبح عدد السكان اليهود هو الأكثر خصوصا في القدسالشرقية, وذلك من خلال إجراءات وقرارات متعسفة تعطي تيسيرات بلا حدود للسكان اليهود, وتضع قيودا بغير حدود علي السكان العرب. وكان هدف إسرائيل ولايزال حتي اليوم مواصلة العمل بأقصي سرعة ممكنة لإحداث تغييرات جغرافية شاملة تؤدي إلي تغيير كامل في معالم الضفة الغربية من خلال تكثيف خبيث لبناء المستوطنات, وإكمال بناء الجدار الفاصل, بحيث يصبح من المستحيل إعادة توحيد الضفة الغربية مرة أخري, وفرض واقع جديد تحت السيطرة الإسرائيلية في ضوء المعطيات الجغرافية والبشرية الجديدة. وكان هدف إسرائيل ولايزال حتي اليوم هو إرهاب السكان في القدس والضغط عليهم بكل الوسائل المشروعة, وغير المشروعة, من أجل دفعهم للرحيل أو بيع ممتلكاتهم من الأراضي والمتاجر والعقارات وعندما واجه الفلسطينيون هذه السياسة الإسرائيلية بصمود وإصرار علي التشبث بالبقاء أشهرت إسرائيل سلاح المصادرة للممتلكات والأراضي, ولجأت إلي تقييد حركة العمل والتجارة في القطاع الشرقي من المدينة, بحيث أصبح الفارق شاسعا, ورهيبا في مستوي المعيشة ومعدلات النمو وإمكانات الحركة بين شطري المدينة فالرخاء كل الرخاء عند اليهود, والجفاف إلي حد الموت عند العرب!. فهل يمكن لأحد أن يري في سياسة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة دليلا علي جدية القبول بسلام حقيقي؟. أغلب الظن أن إسرائيل تعتقد أن بإمكانها أن تستثمر مأزق المنطقة برمتها لمصلحتها وحدها!. وهنا يتوجب القول إنه إذا كان هناك من يتصور سواء داخل إسرائيل أو خارجها أن مأزق السلام سوف يدفع ثمنه الفلسطينيون وحدهم, فهو واهم, بل إن إسرائيل هي الطرف الأكثر احتياجا للسلام في المنطقة لأنها الطرف الوحيد الذي سوف يأخذ دون أي مقابل, فالكل يعلم أن صيغة الأرض مقابل السلام تعني أن إسرائيل سوف تحصل علي السلام دون اقتطاع شبر واحد من أرضها التي تقررت لها بمشيئة دولية في قرار التقسيم الذي اتخذته الأممالمتحدة عام1947, ومنحت بموجبه جزءا من أرض فلسطين لإقامة الدولة العبرية. ولست أريد أن أقول أكثر من ذلك, فالكل أيضا يعلم أن الدولة اليهودية نفسها, وفي إطار الحدود التي كانت قائمة حتي4 يونيو عام1967 كانت تشمل أراضي عربية جري احتلالها بالعدوان وتوسعت بها إسرائيل لما يقرب من ضعف قرار التقسيم رقم181 الصادر عن الأممالمتحدة عام1947 بتقسيم فلسطين إلي دولتين إحداهما يهودية والأخري عربية. *** والحقيقة أنه لم تكن مجرد مصادفة أن يرتبط بدء التحرك علي طريق إعادة استئناف المفاوضات مع أبومازن ومعاونيه مع عودة إطلاق بالونات الاختبار من جانب إسرائيل حول مقترحات التوطين والتهجير كخيارات بديلة للافلات من التزامات التعويض, وحق العودة للاجئين, وهي التزامات تؤكدها جميع مقررات الشرعية الدولية. والحقيقة أيضا أنه لا يمكن مناقشة هذه القضية التي تفجرت علي سطح الأحداث عمدا في هذا التوقيت بالذات, دون الإشارة إلي أن في مقدمة سجل العار علي المجتمع الدولي هو عدم تمكنه من غسل عار هذه الجريمة التي تجاوز عمرها أكثر من نصف قرن. أي عار علي الإنسانية والبشرية جمعاء.. بل أي عار يجلل اكتاف وأعناق الذين يتشدقون بحقوق الإنسان ولاتطرف لهم عين تجاه هؤلاء اللاجئين المحرومين من أبسط حقوق الحياة.. أولئك المحرومين من التعليم ومن العمل, ومن التطور, بل إن الحلم بالنسبة لهم يعتبر جريمة في ظل استمرار حبسهم خلف جدران الخيام في أغلب دول الشتات فهم دائما موضع اتهام ومحل شك ولا ينظر لهم إلا بعيون الريبة!. إن من حقنا أن نتساءل: أين الشرعية الدولية, وما هو مصير القرار رقم194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في11 ديسمبر عام1948, والذي ينص بوضوح وبصورة قاطعة لا تحتمل أي نوع من الجدل علي ضرورة عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين أضيروا من الحرب وهجروا ديارهم وأراضيهم؟. بل إن من حقنا أن نقول بأعلي صوت: أين حماة الشرعية الدولية, ولماذا يستمر صمتهم علي قرارات دولية صريحة تنص علي حق العودة للفلسطينيين الذين يقبلون العيش بسلام مع جيرانهم, وأن يسمح لهم بالعودة إلي حيث كانوا يقيمون قبل عام1948, كما تنص هذه القرارات نفسها علي حق الفلسطينيين في التعويض إذا لم يرغبوا في العودة.. فضلا عن إلزام إسرائيل بمسئولية تعويضهم عن أي خسارة تكون قد لحقت بهم علي أيدي السلطات الإسرائيلية؟! إن صمت الكبار علي هذا العار لا يمكن تفسيره إلا علي أنه إحدي علامات الاستسلام للنفوذ الصهيوني الذي تعبر عنه إسرائيل من خلال خطابها الإعلامي, والسياسي في الآونة الأخيرة, والذي يستهدف صرف أنظار المجتمع الدولي عن قضية اللاجئين وعدم التفكير في التعامل معها علي أساس مقررات الشرعية الدولية لأن ذلك معناه من وجهة نظر إسرائيل نسف عملية السلام. بوضوح أكثر أقول: إن إسرائيل تروج وتجد من يرحب بترويجها إلي أن مسألة العودة أمر مستحيل, وأن البديل الوحيد يكمن في تعاون دولي وعربي لوضع فكرة التوطين موضع التنفيذ سواء كان هذا التوطين سيتم في أماكن إقامة اللاجئين حاليا في دول الشتات أو باختيار مواقع بديلة علي امتداد خريطة الوطن العربي!. هكذا تخطط وتسعي إسرائيل لفرض إرادتها ومشيئتها علي الجميع في هذه القضية بالذات, بنفس درجة سعيها وتخطيطها لإلغاء فكرة إعادة القدس العربية للفلسطينيين والإيحاء باستحالة تقسيم القدس مرة أخري. ولعل من أغرب المفارقات أن صمت الكبار تجاه عار اللاجئين الفلسطينيين يلازمه عار آخر هو عار الصمت, وعدم الاهتمام بالقانون الذي استصدرته إسرائيل عام1950 وأطلقت عليه اسم قانون العودة والذي ينص علي اعتبار أي يهودي في العالم يرغب في الهجرة إلي إسرائيل مواطنا إسرائيليا من حقه أن يحمل الجنسية الإسرائيلية. فهل هناك ازدواجية في المعايير وانحياز أعمي بأكثر, مما يمثله صمت المجتمع الدولي علي ازدراء واحتقار حق العودة الصادر عن الأممالمتحدة لصالح اللاجئين الفلسطينيين عام1948 وتعزيز جريمة الصمت بصمت أشد فداحة علي قانون العودة الذي أصدرته إسرائيل عام1950 والذي تبيح فيه لنفسها حق إعطاء الجنسية لأي مواطن في العالم يدعي أنه يعتنق الديانة اليهودية بينما يحرم علي أصحاب الأرض, وأصحاب الحق الشرعي بقرارات دولية العودة أو التعويض. إننا أمام مأساة أخلاقية في السلوك الدولي الذي يعطل حق العودة الشرعي للفلسطينيين ويبارك ولو بالصمت حق العودة المزيف لليهود!. ولعل هذا الصمت المريب من جانب المجتمع الدولي علي مدي ما يزيد علي نصف قرن من الزمان, هو الذي يشجع إسرائيل علي تجاهل حق العودة لهؤلاء اللاجئين ثم القفز مباشرة إلي مقترح التوطين في توقيت قاتل يتوافق مع استئناف المفاوضات بين أبو مازن وأولمرت برعاية أمريكية وفق خطة خارطة الطريق وصيغة أنابوليس. ولأن إسرائيل لا تتحرك وحدها في هذا الاتجاه, وإنما تساعدها قوي ومؤسسات عالمية كبري, بدأنا نسمع عن رشاوي سياسية مقابل القبول بفكرة التوطين بدءا من طرح الضمانات الكفيلة بتحسين الأوضاع المعيشية لهؤلاء اللاجئين في مواطن إقامتهم الحالية, ووصولا إلي طرح مكافآت وجوائز سياسية واقتصادية للدول التي تشجع علي المضي في هذا الاتجاه. والذين يعززون موقف إسرائيل في هذا الاتجاه في الساحة الدولية يرددون هذه الأيام جوقة عزف مشبوهة تعزف علي لحن ساذج مفاده أنه إذا كانت إسرائيل تضيق حاليا ذرعا بالفلسطينيين الذين رفضوا النزوح منها عام1948 وتمسكوا بالبقاء كمواطنين من الدرجة الثانية يطلق عليهم اسم عرب إسرائيل فكيف يمكن لإسرائيل أن تقبل بعودة ما يقرب من4 ملايين فلسطيني سوف تؤدي عودتهم إلي اختلال خطير في التركيبة السكانية للدولة اليهودية؟. وذلك الذي يقال به علي ألسنة مسئولين ودبلوماسيين كبار في أمريكا وأوروبا ويتردد بقوة وسفور في مزايدات باراك أوباما وجون ماكين مرشحي انتخابات الرئاسة الأمريكية يعكس واقع المغالطة في إعطاء الحق لإسرائيل في أن تستجلب مهاجرين يهودا جددا من روسيا وأمريكا وأوروبا وسائر دول العالم, بينما يحرم أصحاب الأرض الذين أجبروا علي النزوح منها من حق العودة. *** وإذن ماذا؟ لا أظن أن من مصلحة إسرائيل مواصلة الدفع بالأحداث واستنساخ أجواء النبش في الدفاتر القديمة لأن ذلك ليس في مصلحة الجميع, وبالذات إسرائيل التي لم تكن تحلم بشرعية القبول العربي بوجودها في غيبة من عملية السلام. وإذا كانت أبواق الدعاية الأمريكية والأوروبية الموالية لإسرائيل تبني مغالطاتها علي أن أغلب اللاجئين الفلسطينيين قد اندمجوا اندماجا كاملا في الأوطان العربية التي يقيمون بها, وأصبحوا يحصلون علي حقوق مماثلة تقريبا لحقوق مواطني الدول التي يعيشون علي أرضها, فإن هذه الأبواق تتجاهل أن دافع الرغبة في العودة ليس بالضرورة أن يكون لأسباب اقتصادية ومعيشية, وإنما هو في المقام الأول لأسباب وطنية وقومية.. بل إنهم في هذه الأبواق الدعائية المنحازة يقولون بحق أي يهودي في العالم في العودة إلي الأرض التي يزعمون أن أجدادهم طردوا منها قبل أكثر من ألفي عام, ولا يعترفون بحق الفلسطينيين الذين طردوا قبل60 عاما فقط, ويتجاهلون عن عمد أن هؤلاء اليهود ليسوا مندمجين في مجتمعاتهم التي يحملون جنسياتها منذ آلاف السنين فحسب, وإنما هم أيضا يسيطرون علي مقدراتها بامتلاكهم مؤسساتها المالية والإعلامية. إن القضية ليست قضية إعاشة هؤلاء اللاجئين وتحسين الأحوال الاقتصادية, والاجتماعية لهم, لأن المفترض أن إقامتهم في هذه المجتمعات كانت إقامة اضطرارية ومؤقتة, وأنه مهما قيل عن مغريات يمكن أن يتضمنها حق التعويض البديل لحق العودة فإن المرجح وعلي عكس كل التقديرات الإسرائيلية والأمريكية أن يفضل أغلب الفلسطينيين حق العودة, مهما كانت المخاطر والمصاعب الاقتصادية علي حق التعويض ومهما تعاظمت المغريات, لأن التيار الأغلب في الشارع الفلسطيني يري أن مجرد القبول بمبدأ التعويض يعني قبولا بمبدأ بيع الأرض والكرامة مقابل المال.. والشعب الذي كافح وضحي وقدم مئات الألوف من الشهداء لا يمكن أن يسلم بمبدأ بيع الوطن والأرض, والكرامة ولو بكنوز الدنيا كلها. وحتي لو كان صحيحا ما تردده بعض الدوائر الإسرائيلية والأمريكية من استعداد بعض الدول العربية للمساهمة في حل قضية اللاجئين الفلسطينيين بمنهج التوطين, فإن ذلك لا يعني إمكان الاطمئنان إلي حل مشكلة اللاجئين, لأن ذلك لا يمكن أن يكون وطنا بديلا للفلسطينيين, وإنما يمكن فقط أن يكون مجرد اسهام في ترتيبات الحل النهائي, وأن بعض هذه الترتيبات قد تهيئ لإمكان قيام اتحاد فيدرالي بين الدولة الفلسطينية المنتظرة والدولة الأردنية, التي تستضيف علي أرضها ما يقارب نصف إجمالي عدد اللاجئين لكن ذلك يبقي رهنا بإرادة الفلسطينيين والأردنيين بعد تحقيق السلام, وإقامة الدولة الفلسطينية, وحصول الفلسطينيين علي حقوقهم المشروعة, وبينها حق العودة أو حق التعويض لهؤلاء اللاجئين. وليت الذين يبدون تفهما لأهداف ومطامع إسرائيل ويمارسون ضغوطا من كل نوع لمحاولة تمرير منهج التو طين يعرفون أنذلك لن يؤدي إلي إزالة أسباب الصراع في المنطقة, وإنما سيؤدي إلي تقوية النزعة العنصرية اليهودية وإنماء مشاعر الحقد والعداوة والكراهية في المنطقة بأسرها. ليتهم في واشنطن وسائر العواصم الأوروبية يدركون أن اللاجئين سيبقون لاجئين أينما حلوا وسيتنامي مع الزمن حقدهم علي المجتمع الدولي الذي يسعي بالترغيب والترهيب لإجبارهم علي التوطن خارج أرضهم. ثم يبقي الأمل والرجاء في دور عربي يفند هذه المناورات الإسرائيلية التي لا تستهدف مجرد حرمان اللاجئين الفلسطينيين من حق العودة فقط, وإنما ترك قنابل موقوتة في بعض الدول العربية وبالذات في لبنان التي لديها حساسية خاصة من مسألة التوطين!! *** والحقيقة أنني في كل سطر كنت أتحدث بكل حسابات العقل وبكل حسابات المشاعر.. ولكي نحتفظ دائما بخطواتنا المحسوبة وأهدافنا المعروفة.. وما أكثر البدائل.. ولكن المهم هو حسن الاختيار ودقة الحساب.. والقدرة علي القراءة الصحيحة لموازين اللعبة, واحتمالاتها المتغيرة. فقط ينبغي أن تصل للإسرائيليين رسالة واضحة مفادها أن أي إطار للحل النهائي يخلو من عودة القدس, وحق العودة للاجئين, وإزالة المستوطنات, وقيام الدولة الفلسطينية في حدود4 يونيو1967, هو إطار أجوف لا يصنع سلاما, وإنما ينذر بكل الخطر.. وان النبش في الدفاتر القديمة ليس في مصلحة السلام... وليس في مصلحة إسرائيل ذاتها. ثم أقول في النهاية أن بالونات التوطين التي تتزامن مع سباق الزمن من أجل تهويد القدس تكشف إلي حد كبير نوعية التفكير السياسي في إسرائيل, الذي مازال بعيدا وبعيدا جدا عن الفهم الصحيح لمعني وروح السلام الحقيقي والشامل, كما تكشف عجزا خاصا لدي الإسرائيليين عن التفرقة بين ما هو حق, وما هو باطل, وما هو مباح, وما هو محظور, وما هو ممكن, وما هو مستحيل!. إنهم وبكل أسف يريدون أمنهم وأمن مستوطناتهم ومستوطنيهم فوق أراضي الغير, ويتجاهلون أن أساس المشكلة بوجه عام والمأزق الراهن بوجه خاص هو ذلك الاحتلال البغيض والاستيطان غير المشروع وأنه لن يكون هناك أمن واستقرار إلا عندما تنسحب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها في يونيو1967 وتغتنم الفرصة التاريخية للقبول العربي والفلسطيني بوجودها علي مساحة تقارب80% من مساحة فلسطين التاريخية, في إطار القبول الصريح بمقررات الشرعية الدولية كحزمة واحدة متكاملة وفي مقدمتها قرار حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلي ديارهم وحق الفلسطينيين في استعادة القدس العربية. ولكنهم بكل أسف لا يقرأون التاريخ ولا يستوعبون دروسه!