مكتوب على الشعب المصري أن يكون في كل وقت هدفا لعمليات استنزاف مستمرة تستهدف موارده المحدودة أصلا من خلال حملات دعاية مكثفة ومنظمة تلعب علي وتر أوجاعه والامه وطموحاته في نفس الوقت. استنزاف ثروات المصريين والسطو علي مافي جيوبهم اصبح أمرا عاديا. ولعلي لا أبالغ ان قلت ان هذا الاستنزاف قد اضحي هو القاعدة التي تسير عليها حياتنا ولاتستقيم بدونه ولعله ليس ببعيد عن الاذهان ما فعلته شركات توظيف في ضحاياها حين اودعوا فيها "تحويشة العمر" املا وراء جني أرباح تفوق فوائد البنوك المتدنية. فلم يجن المصريون سوي سراب تبخرت معه احلامه وطارت معه ثرواتهم. والواقع ان هذا الجرح الذي لم يندمل بعد داخل كثير من الاسر المصرية بسبب مافعلته فيهم وبهم تلك الشركات لم يكن سوي المحصلة النهائية لحملات اعلانية مكثفة قامت بعملية "غسيل مخ" لكل من تابعها عبر مئات الصفحات الاعلانية مدفوعة الاجر. وغيرها من البرامج الدعائية الممولة التي قدمها التليفزيون المصري علي شاشاته "حيث لم تكن الفضائيات قد ظهرت في ذلك الوقت" دون ان يتحرك ضمير أحد ليسأل : هل هانت أموال المصريين الي هذا الحد الذي جعل كل من هب ودب يعبث بها دون وازع من ضمير؟ وكيف سمحت أجهزة الدولة لهذه الشركات ببث سموم دعايتها في صورة اعلانات مبهرة تغازل احتياجات المصريين حتي وقعت "الفأس في الرأس" كما يقولون؟ .. اليوم يتكرر نفس المشهد حتي وان كان السيناريو مختلفا. والمتابع لما تشهده الصحف المصرية علي كثرتها وتنوعها وسيكتشف بسهولة ان ما تنشره من اعلانات مدفوعة الاجر يداعب نفس الطموح ويلعب علي ذات الوتر. ان كلامي هذا لايعني بحال أنني أقف ضد عنصر التشويق والابهار في الاعلان. بالعكس. بل ان الاعلان الناجح هو الذي يجب ان يقنع قارئه ومشاهده بجدوي السلعة او الخدمة التي يسعي للتسويق لها. فالابهار ليس عيبا. ولكن المهم ان يستند هذا الابهار الي حقيقة واقعية. والا فانه اذا افتقد الاعلان لمصداقية مضمونه فان الامر بمجمله لن يكون سوي بيع للهواء. شركات وشركات في مجال العقارات والمتابع للصحف هذه الايام سيكتشف علي الفور ان شركات التطوير العقاري تحتل نسبة لايستهان بها من "كعكة الاعلان" ونحن لانقف ضد هذه الشركات ولكن الملاحظ انه ليس كل مايعلن عنه يعبر عن حقيقة موجودة وحتي نكون موضوعيين فاننا يجب ان نقر بان هناك شركات عقارية تعلن عن فيللات وشاليهات تم بناؤها وموجودة بالفعل ويستطيع المواطن ان يذهب اليها لمعاينتها علي ارض الواقع غير انه ليست كل الشركات العاملة في السوق لديها وحدات قامت ببنائها اولا لتقوم بتسويقها بعد ذلك. فمازال السوق يشهد حملات اعلانية علي مشروعات لا وجود لها علي أرض الواقع. وبمعني آخر فان مايراه القارئ امامه من صور مبهرة لشاليهات وقصور وفيللات تجعل من يراها يتصور وكأنه يري "قطعة من الجنة" غير ان الواقع يشير الي ان هذه الصور ليست سوي صور ماكيت ولاتمت للواقع بأي صلة. ومن ذلك مارأيته بنفسي في احد المشروعات التي أعلن عنها بكثافة في مدينة الاسكندرية. لقد قادتني الصدفة أثناء مروري بتلك المدينة العريقة متجها الي برج العرب ان اطالع لافتة كبيرة تحمل اسم ذلك المشروع الشهير. وما ان نظرت من نافذة السيارة حتي قلت بيني وبين نفسي كان الله في عون من وضع نقوده في هذا المكان. فالصورة التي رأيتها بعيني لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالصورة التي قدمتها الشركة المالكة للمشروع في حملتها الدعائية تساءلت أين هي البساتين الزاهرة والاشجار الباسقة والحدائق الغناء التي نشروا صورها في الاعلان؟ استنزاف أموال المصريين ومواردهم له اشكال وطرق شتي وما أكثرها وهي في مجملها تقوم بابتزاز الناس للسطو علي مافي حيوبهم. ويخطئ من يتصور ان الابتزاز يأخذ دائما شكل التهديد. فالابتزاز له اليوم اشكال متعددة تختلف عن تلك الصورة التقليدية التي نعرفها. فحينما يلعب الاعلان علي هموم الناس ومتاعبهم الحياتية وشعورهم بالحرمان من أشياء كثيرة في الوقت الذي يقعون فيه علي الجانب الآخر فريسة لثورة طموحات وتطلعات. هنا تتسع الفجوة بين مافي ايديهم ومايرونه بأم عيونهم علي شاشات التليفزيون وصفحات الجرائد والمجلات. وتكون المحصلة سقوط هؤلاء في مستنقع الاحباط واليأس وخيبة الامل. فيفقدون مناعتهم أمام أي إغراء وتنفتح الابواب علي مصاريعها امام غوايتهم واغرائهم وبكل سهولة. حقا كم كان الدكتور زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية ونائب الزيتون محقا عندما حذر قبل عدة سنوات من بيع الوهم لبسطاء الناس من خلال شاشات التليفزيون.. واوضح الدكتور زكريا عزمي ان الاتصال باعلانات المسابقات من خلال الارقام التي تبدأ ب "0900" قد فتح الباب لاستنزاف موارد الاسرة المصرية الامر الذي يستلزم وقفة حاسمة حفاظا علي المصريين من السقوط فريسة تلك الاعلانات المضللة التي تضيف اعباء جديدة علي كاهلهم ماقاله الدكتور زكريا كان بمثابة جرس انذار مبكر يستحق ان يكون مجالا لحملة توعية إعلامية يتبناها كل الشرفاء والوطنيين الحريصين علي أهل هذا البلد. ميثاق شرف نحن في حاجة الي ميثاق شرف اعلاني يخضع الاعلانات المنشورة والمذاعة لضوابط دقيقة.. هكذا بدأ النائب مصطفي السلاب عضو مجلس الشعب وعضو اللجنة الاقتصادية بالحزب الوطني حديثه عندما سألناه عن ظاهرة الاعلانات المضللة. واوضح انه تقدم بعدد من طلبات الاحاطة خلال شهري يناير وفبراير الماضيين داخل مجلس الشعب لوزيري الاسكان والاعلام عن موضوع الاعلانات الوهمية.. وقال إنه طالب في مضمون طلبات الاحاطة بأن يمنع منها نهائيا الاعلان عن بيع اي وحدة سكنية الا بعد الحصول علي موافقة من الجهة المانحة للترخيص وان يذكر في الاعلان المنشور كافة البيانات عن الوحدات السكنية المطروحة وأنها حاصلة علي ترخيص برقم كذا وغير ذلك من البيانات الضرورية والاساسية. ويتساءل النائب مصطفي السلاب قائلا: لماذا تقدمت بطلب الاحاطة هذا؟ ويجيب قائلا: لانني اكتشفت ان كثيرا من المشاكل التي تواجه المواطنين عندما يتلقاها مكتب شكاوي المواطنين في دائرتي تدور حول مواطن غلبان قام بوضع تحويشة العمر في شقة. وبعد ان يدفع كل مالديه يكتشف ان العمارة ليست حاصلة علي ترخيص ولاتوجد بها مياه أو كهرباء ولاصرف صحي وغير ذلك من المتطلبات الاساسية. ويستطرد مصطفي السلاب قائلا: تقدمت بطلب إحاطة آخر في لجنة الصحة بمجلس الشعب وقد دارت حوله مناقشات موسعة ومدوية حيث طالبت بمنع الاعلان عن الادوية والاعشاب التي انتشرت الترويج لها وعنها في كثير من الصحف والمجلات والقنوات التليفونية وهي الاعلانات التي تروج لوهم كبير لدي المواطن البسيط من خلال الزعم بان هذه الادوية تعالج مشاكل مثل سقوط الشعر وامراض الكبد والكلي وزيادة القدرة الجنسية وغير ذلك.. وشددت علي ضرورة الا يتم الاعلان عن اي اعشاب او ادوية الا بعد الحصول علي موافقة وزارة الصحة. نفس الأمر يسري أيضا -والكلام لمصطفي السلاب -علي المراكز الطبية والعيادات التي تعلن عن إجراء جراحات معينة مثل جراحات التجميل وزرع الشعر والتخسيس دون أن تكون حاصلة علي ترخيص من وزارة الصحة. بعد أن تعطي وهما للمواطن بأنها ستحل مشاكله ثم يفاجأ بأنه قد وقع فريسة لخداع اعلان مضلل وقد حدث هذا مع أبناء دائرتي. ولذلك فانني اطالب بتقييد الاعلانات بضوابط صارمة حماية للناس من ضررها.