الاخبار فى 21/2/2008 الاعتراضات الواسعة التي أثارها مشروع القانون الجديد للضرائب العقارية لايمكن ان تذهب سدي، فالسياسات المالية في أي دولة لابد ان تخضع لما هوأهم: ظروف المجتمع وأحوال الناس، وليس للروشتات الجاهزة من منظمات دولية أدي تطبيقها السيئ في دول عديدة إلي مصاعب وأزمات. وفي تصريحات اخيرة اكد رئيس مجلس الشوري السيد صفوت الشريف ان الامر مازال تحت الدراسة والمراجعة قبل الطرح للنقاش في مجلسي الشعب والشوري، ولكن الاهم انه أشار إلي ضرورة ان يراعي التشريع الجديد ليس فقط أوضاع الطبقة الفقيرة، ولكن ايضا أوضاع الطبقة الوسطي. ولاشك ان هذه هي إحدي السلبيات الخطيرة للسياسات المالية المتبعة في السنوات الاخيرة والتي تجعل الغالبية العظمي من المواطنين تقرأ عن إيجابيات حقيقية تحققت ونسبة نمو تجاوزت 7 % ولكنها لاتصل إلي من يستحق بل تذهب أو يذهب معظمها إلي الاثرياء ليزدادوا ثراء!! طبعا سيرد اصحاب مشروع القانون الجديد بأنهم راعوا مصالح الفقراء تماما بدليل انهم اعفوا سكان المقابر من الضريبة!! وسيقسمون انهم دللوا الطبقة الوسطي بدليل انهم اعفوا العقار الذي لاتزيد إيراداته عن 600 جنيه في السنة ' أي خمسين جنيها في الشهر' من الضريبة وهو أمر يدعو للتساؤل عن مدي المعرفة الحقيقية لهؤلاء بأحوال الناس وما يعانونه في ظل ظروف اقتصادية في غاية الصعوبة لايعرفها بالطبع إلا المسئول الذي جاء من قلب الشارع السياسي وعايش احوال المواطنين. إننا نعرف ان الدولة في حاجة شديدة إلي تعظيم إيراداتها لمواجهة الاعباء المتزايدة وسد العجز في الميزانية وأعباء الديون التي لا مجال الآن للحديث عن اسبابها والمسئولين عنها، ولكن هذا لن ينجح إلا بتوزيع الاعباء توزيعا عادلا، وبضرب الفساد ووقف النهب المستمر لأموال الدولة واسترداد ماتم نهبه. ومن هنا فإننا قبل التعجل بفرض اعباء جديدة تشمل الفقراء ومتوسطي الحال في قانون مثل القانون المقترح للضرائب العقارية بصورته الحالية علينا ان نسأل: ماذا فعلت حكومتنا الرشيدة بالتوجيهات المهمة التي اصدرها الرئيس مبارك بشأن تحصيل حق الدولة من الاراضي التي تم الاستيلاء عليها بتراب الفلوس لتباع بعد تسقيعها بثروات تذهب لجيوب القلة المحظوظة بدلا من أن تذهب لخزانة الدولة؟! حتي الآن لم نسمع مسئولا واحدا يعلن عن إجراءات تنفيذ توجيهات الرئيس بينما بدأت الوقائع تتكشف عن واحدة من أكبر عمليات نهب ثروة البلد.. وفي بعض المحافظات مثل البحر الاحمربدأ الرأي العام والمسئولون في المجالس المحلية يطالبون بكشف اسماء المحظوظين الذين استولوا علي الارض بقروش ' بأسمائهم أو بأسماء الاولاد والزوجات والاصدقاء والحبايب' ليحققوا الثروات الطائلة دون وجه حق. وفي مناطق اخري مثل طريق مصر الاسكندرية تبدو الصورة اكثر بشاعة وفي العام الماضي اكتشفنا ان هناك جهازا جديدا لحماية ارض الدولة أنشيء في مجلس الوزراء ليرصد بالدراسة حجم ما تم نهبه بالتحايل علي القانون، حيث استولي المحظوظون علي عشرات الألوف من الافدنة بحجة استصلاحها وتوسيع الرقعة الزراعية فاذا بها بالتدليس والفساد تتحول إلي منتجعات فاخرة للباشاوات يباع متر الارض فيها بالاف الجنيهات! وكانت المصيبة التي اعلنها الجهاز ان معظم هذه المخالفات قد تم تحصينها بالقانون، أورغم انف القانون ولم يبق الا القليل الذي حاول الجهاز التصدي له.. فماذا حدث؟ آخر المعلومات تقول ان الباشاوات من اصحاب النفوذ والمسئولية اشتروا الارض بربح مناسب لمن استولوا عليها وعلي الفور تمت تسوية الموضوع والتصالح مع القانون.. والنتيجة ان ارتفعت اسعار ارض الباشاوات اكثر من عشر مرات في عام واحد!! قصة اخري تابعت بالصدفة بعض فصولها، حين كنت اتحدث قبل نحو عامين مع مسئول بهيئة الاستثمار، وكان يؤكد تحسين مناخ الاستثمار والتسهيلات التي تقدم للمستثمرين الاجانب الذين بدأوا بالفعل في الاهتمام بمصر، وكيف انه يواجه مشكلات كبيرة في توفير الاراضي اللازمة للمشروعات القادمة. وكان طبيعيا ان اندهش من ندرة الارض في بلد مازالت معظم اراضيه صحراء تطلب العمران. وكان الرد ان المطلوب بالطبع اراض مجهزة في مناطق صناعية صالحة، وضرب مثلا بمشروع شرق السويس، حيث تتزايد الطلبات من المستثمرين العرب والاجانب لاقامة المشروعات وضخ الاستثمارات بينما الارض قد تم توزيعها مبكرا علي عدد محدود من رجال الاعمال المصريين الذين لم يفعلوا شيئا سوي الاحتفاظ بالارض.. لحين ميسرة! وبالصدفة ايضا التقيت بعد ايام بمسئول كبير في هيئة حكومية، فإذا بي امام نفس الموضوع حين وجدت الرجل يضرب كفا بكف وهو يروي لي عن الضغوط التي يتعرض لها لكي تشتري الهيئة عددا من الافدنة في شرق السويس. سألت عن المشكلة وكان الجواب ان المحظوظ الذي اهديت له الارض بتراب الفلوس يريد فرض بيعها علي الهيئة الحكومية بمليون جنيه للفدان! وكان الرجل يصرخ: كيف اشتري ارض الحكومة بمليون جنيه بينما لم تقبض الحكومة إلا بضعة جنيهات ليذهب الباقي إلي من لايستحق بدلا من ان يذهب إلي خزانة الدولة؟ سألت ببساطة: هل ' المحظوظ' وعنده الكثير والحمد لله في حاجة لمليون أو اثنين ليبذل هذا الجهد؟ وكان الرد: اي مليون يا صاحبي. انت تتحدث عن عشرين مليارا في مشروع واحد من مشروعات عديدة!! هذه جرائم لاتسقط بمضي المدة، ولا تتحصن بإجراءات إدارية تضفي مشروعية كاذبة أو بالفساد مهما حاول التخفي. وعندما يمنع القانون الوزراء والنواب من التعامل في ممتلكات الدولة فإن التحايل بالبيع والشراء للأبناء والزوجات والاصدقاء والحبايب هو جريمة أسوأ واستغلال ابشع للنفوذ. وحين تصف قيادة كبيرة مثل هذه التصرفات في مواجهة من قاموا بهابأنها ' عمل من اعمال العصابات' فعلينا ان ننتظر من كل اجهزة الدولة ان تتحرك، فما تم نهبه من هذا الباب وحده يمكن ان يسدد نصف ديون مصر، ولكن الاهم انه يضعنا علي الطريق الصحيح للمواجهات الحاسمة مع وحش الفساد وكل الذين يصرون علي ان يتعايشوا معه، ويستفيدوا منه و.. 'يتربوا في عزه!!