فى بادرة جديدة لتحسين العلاقات بين طرابلس وباريس ،واعادة ليبيا الى الاندماج بالمجتمع الدولي ،جاءت أول زيارة رسمية يقوم بها الزعيم الليبي معمر القذافي اليوم الاثنين الموافق 10 ديسمبر لفرنسا منذ 34 عاما ،وسط عاصفة من الانتقادات أطلقتها قوى المعارضة التى تتهم باريس بالتضحية بالمبادئ مقابل اضفاء الشرعية على زيارة القذافي وتزويده بمعدات عسكريه . وتثير هذه الزيارة منذ الإعلان عنها جدلا واسعا داخل فرنسا، بسبب رفض المعارضة والمنظمات غير الحكومية للسياسة التي يتبعها الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزي مع ليبيا ، حيث يتهمونه بالسعي إلى التطبيع معها برغم تحفظاتهم على طبيعة النظام الذي يحكمها خاصة بعدما أثارت تصريحات القذافي على هامش قمة لشبونة بين الاتحاد الأوروبي وإفريقيا ومطالبته بالتعويض عن الفترة الاستعمارية حفيظة بعض الفرنسيين. وينتقد اليسار تعامل ساركوزي مع نظام "لا يزال سجله فيما يتعلق بحقوق الإنسان يثير انتقادات المنظمات الدولية"، ومن المفارقات أن الانتقادات لزيارة العقيد أثارتها أيضا مستشارة الدولة لحقوق الإنسان "رحمة ياد" التي أبدت في حوار اليوم الإثنين تحفظها على زيارة القذافي فرنسا.وقالت: "الزيارة التي تتوازى مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان (10 ديسمبر) يجب أن تستغلها فرنسا من أجل البحث عن ضمانات لاحترام حقوق الإنسان". وبخلاف موقف المعارضة، فقد دافع" ساركوزي" بقوة عن هذه الزيارة، وأعرب عن أمله في أن تكلل بتوقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية حتى تستفيد منظمة رجال الاعمال من انفتاح دولة تصنف ثالث منتج للنفط في افريقيا.والمعروف أن هناك شركات نفط فرنسية تقوم باستثمارات هامة في ليبيا الغنية بالنفط.. مشيرا الى أن العالم قد تطور وأن ليبيا أصبحت شريكا في مكافحة الإرهاب منوها بأن مثل هذه الزيارة كفيلة بإقناع بعض الدول مثل إيران بفائدة التقارب مع الجماعة الدولية. وقد توجه ساركوزى الى ليبيا في يوليو الماضى عندما تم الافراج عن الممرضات والطبيب البلغار المتهمين بحقن أطفال ليبيين بفيروس الايدز، بعد ثماني سنوات من الاعتقال في السجون الليبية.ولعبت باريس دورا جوهريا في ذلك الملف الشائك الذي كان اخر عقبة امام التطبيع الكامل لعلاقات ليبيا مع الاتحاد الاوروبي. كما دافع الحزب الحاكم "الاتحاد من اجل حركة شعبية" عن "السياسة الواقعية" التي ينتهجها ساركوزي واعتبرت باريس ان مسالة بيع الاسلحة لم تعد من "المحرمات" منذ رفع الحظر الاوروبي عن ليبيا. وتأتي هذه الزيارة- حسبما أعلن الاليزيه -في إطار تشجيع ليبيا على المضي في سياسة الانفتاح التى انتهجتها منذ عام 2003 بعد تخليها عن برنامج اسلحة الدمار الشامل وتعويض ضحايا طائرتى لوكيربي في اسكتلندا (270 قتيلا عام 1988) وطائرة دي.سي-10 في اجواء النيجر (170 قتيلا عام 1989)، بل وصفها بأنها زيارة زعيم يمثل إفريقيا وأحد زعماء العالم العربي و يمكن أن تشكل بوابة لدعم حوار الحضارات. هذا في الوقت الذي صرح فيه وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير في مقال اليوم بصحيفة لاكروا بأنه من غير الوارد ان ننسي باسم السياسة الواقعية ضحايا النظام الليبي, وأضاف هل نصدقه ونعاود علاقاتنا مع ليبيا؟ هل يمكننا تعاطي التجارة معه مثلما تفعل الدول الأوروبية الأخري؟ مشيرا الى أن هذا الأمر ينطوى على مجازفة. وفى غضون ذلك ، اعلنت الممرضات والطبيب البلغاريين الذين اطلق سراحهم في يوليو الماضي بعد ان امضوا ثمانية اعوام بالسجن في ليبيا انهم قرروا ارجاء زيارة لهم الى باريس تلبية لدعوة من المنظمة غير الحكومية "محامون من دون حدود" لتزامنها مع وجود القذافي في العاصمة الفرنسية تجنبا لحدوث لقاء بين الجلاد وضحاياه في باريس . وفى الاطار نفسه ،أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عقب لقائه بالقذافى أنه سيوقع عقودا قيمتها 15 مليار دولار مع الزعيم الليبي معمر القذافي الذي يزور فرنسا حاليا،وأنه طلب من القذافي تحقيق تقدم في مجال حقوق الإنسان ،وتلقى محادثات القذافى مع ساركوزي الضوء على عدة قضايا سياسية مثل الوضع في دارفور وتشاد وإمكانية التعاون بين باريس وطرابلس في أفريقيا واتحاد المغرب العربي ومشروع ساركوزي لإقامة الاتحاد المتوسطي وموضوعي الهجرة غير الشرعية ومحاربة الإرهاب إضافة الى دعم العلاقات الثنائية بين الدولتين. وحول زيارته لباريس,أعلن القذافي أنه يزورها بنفس الروح التي التقي بها في لشبونة بين الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي, مؤكدا حرصه على مناقشة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بشأن مشروعه الخاص بالاتحاد المتوسطي. في حين اعلن نجل القذافي سيف الاسلام لصحيفة لوفيجارو الفرنسية أن طرابلس ترغب في شراء "طائرات ايرباص و"مفاعل نووي و"عدة تجهيزات عسكرية" باكثر من ثلاثة مليارات يورو. وكانت باريس ابرمت اتفاقا حول المفاعل النووي المدني والتعاون العسكري مع ليبيا غداة الافراج عن الممرضات والطبيب البلغار. وتحاول لجنة تحقيق برلمانية تحديد ما اذا كان قد تم الافراج عنهم بمقايضة أم لا؟،لكن ساركوزي نفى اي مساومة واكد انه لا يساوم في حقوق الانسان مشددا على برجماتيته ومعربا عن ارتياحه لابرام عقود في الخارج كما فعل خلال زيارته الى الصين (20 مليار يورو من الطلبيات) مشيرا الى رغبته فى مساعدة الدول التي تريد امتلاك الطاقة النووية المدنية لا سيما في العالم العربي، الامر الذي يثير مخاوف شركاء باريس. وكان الغرب يتهم ليبيا ولفترة طويلة بدعم الارهاب. وتعتبر هذه الزيارة هي الاولى للزعيم الليبي لفرنسا منذ عام 1973 عندما استقبله وقتها الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو في قصر الاليزيه. وقد اعلنت الدولتان في يوليو الماضي خلال زيارة ساركوزى الى ليبيا التوقيع على صفقة سلاح قيمته 450 مليون دولار والتي مثلت الصفقة الاولى لليبيا مع بلد غربي منذ رفع الحظر الاوروبي عنها عام 2004. وجاء إعلان الصفقة بعد أسبوع على اطلاق سراح الممرضات والطبيب البلغار مما اثار كثيرا من الجدل السياسي. ووجهت المعارضة انتقادات شديدة للحكومة الفرنسية وتحدثت عن اتفاق سري افرجت ليبيا بمقتضاه عن الممرضات البغاريات مقابل صفقة السلاح، وهو ما نفته الحكومة الفرنسية. وعلى الصعيد السياسي ، يرى المراقبون أن زيارة العقيد القذافى إلى فرنسا التى تستمر خمسة أيام تمثل فرصة جديدة تؤكد فيها ليبيا رغبتها في مزيد من الانفتاح على الغرب وطي حقبة المواجهة التي دامت لعشرات السنين حيث من المنتظر أن تعقبها زيارات لدول أوربية أخرى مثل اسبانيا .ويرى بعض المحللين أن هذه الزيارة تفتح أمام طرابلس طريق الدبلوماسية الدولية عبر بوابة باريس، وتعد مرحلة ذات دلالة في عودة ليبيا التدريجية إلى الاسرة الدولية، يذكر أن دولا غربية أخرى تبادلت الزيارات مع ليبيا . أما في المجال الاقتصادي، تشهد زيارة باريس ترجمة ملموسة لاتفاقات التعاون المدني والدفاعي التي وقعت بين الطرفين في يوليو الماضي حيث أكد الإليزيه أن اتفاقات تتناول بيع ليبيا مفاعلا نوويا للاستخدامات السلمية (إنتاج الكهرباء وتحلية مياه البحر) ستوقع بين الطرفين. بالاضافة الى توقيع اتفاقات في ميادين الإدارة والصحة والتعاون الإداري والتعليمي والثقافي والنقل الجوي. وعلى مستوى العقود التي قد لا تهدئ من غضب المنتقدين، فقد تصل قيمتها إلى ثلاثة مليارات يورو، وفقا لما نشرته صحيفة لوفيجارو الفرنسية نقلا عن لسان سيف الإسلام القذافي الذي أكد أنها ستشمل طائرات ارباص ومفاعل نووي لتحلية مياه البحر وربما طائرات رافال المقاتلة التي لم تنجح فرنسا في بيعها إلى الخارج. يشار إلى أن الرئيس الفرنسى السابق جاك شيراك زار ليبيا قبل ثلاث سنوات إثر قرار طرابلس تسوية التعويضات الخاصة بضحايا طائرة "يوتا" التي أسقطت عام 1989 والتي أدت الى توترالعلاقة بين البلدين سنين طويلة. أما أول لقاء جمع ساركوزي بالقذافي فكان عام 2005 عندما توجه الأخير إلى ليبيا بصفته وزيرا للداخلية كي يبحث ملف مكافحة الإرهاب مع المسؤولين فيها. ومنذ ذلك الحين والعلاقة الثنائية بين البلدين تشهد تحسنا مضطردا يتيح الفرصة لتوقيع عدد كبير من الاتفاقات التجارية في قطاع الطاقة والذرة والزراعة والصحة والتسلح، علاوة على وجود اتفاقات ذات طبيعة سياسية وإدارية مع معهد العالم العربي والمعهد الوطني للسمعيات البصريات ومتحف اللوفر. 10/12/2007