يمر لبنان بأجواء مشابهة لما حدث عام 1988 عندما تعذر إجراء انتخابات رئاسية ووقع لبنان في شراك الحرب الأهلية فترة طويلة، وبعد تأجيل انتخابات الرئاسة اللبنانية لرابع مرة بعد فشل مجلس النواب اللبناني في الاتفاق على مرشح أو أكثر للاقتراع عليه وتبادل الاتهامات بين حزب الله والحكومة اللبنانية الحالية بقيادة فؤاد السنيورة، التي يراها الحزب حكومة غير شرعية وليس لديها أي صلاحيات للقيام بدور رئيس الجمهورية في أيام الفراغ الدستوري لعدم وجود رئيس للجمهورية بعد مغادرة الرئيس السابق اميل لحود قصر الرئاسة في الثانية عشرة مساء الجمعة قبل الماضية لانتهاء فترة رئاسته. فهل سيعود لبنان للفوضى والحروب الأهلية وما موقف الجيش اللبناني في هذه الحالة؟ وهل سيدخل حزب الله في مواجهة محتملة مع الجيش اللبناني ومن يستطيع جمع شمل اللبنانيين مرة أخرى في ظل تصاعد الخلاف والصراع بين القوى اللبنانية وتبادل الاتهامات بينهم؟ هذه التساؤلات المتشابكة حول الموقف اللبناني ورؤية مستقبلية لما يمكن أن تسفر عنه الأحداث والصراعات نعرضها كالآتي: د. حسن نافعة المحلل السياسي يقول: إن تصعيد التصريحات المعادية بين قيادات الطوائف والكتل اللبنانية لا يبشر بخير، وإذا تأملنا التصريحات الأخيرة لهذه القيادات فسنجد أن الأطراف الدولية التي تتدخل لإحداث التوافق تؤدي في النهاية إلى زيادة مساحة الفجوة وتضارب المصالح، فالحكومة الحالية بقيادة فؤاد السنيورة تتهم حزب الله وقائده حسن نصرالله الأمين العام للحزب بأنه يسعى لفرض سيطرته على لبنان بالقوة ويسعى لإفشال أسس توافق حول الأسماء المرشحة لرئاسة الجمهورية، وعاد بعض وزراء الحكومة ليذكروا حزب الله وقيادته بأنهم استخدموا سلاحهم أكثر من مرة في الداخل كما حدث في إقليم التفاح ضد حركة أمل وراح ضحية هذا الصراع ما بين 2500 إلى 3000 قتيل، ومع انتشار الشائعات والمخاوف الأمنية في الشارع اللبناني أصبحت النواحي الرئيسية في المدن اللبنانية تنتظر بدء حوادث الاغتيالات والانفجارات بين القوى المتصارعة. ويضيف: في الوقت الذي يطالب فيه الخائفون من هذا الفراغ باستخدام نظام الانتخاب بالأكثرية المطلقة حيث إن الدستور ينص على انتخاب رئيس الجمهورية بأغلبية الثلثين في الدورة الأولى، وبالأغلبية المطلقة في الدورة الثانية وفي حالة فشل التوافق يتم إجراء الانتخابات بنظام النصف + واحد، فإن المعارضة ترفض الانتخاب بنظام الأكثرية المطلقة، وترى أن هذه الطريقة للانتخابات غير قانونية وأنها لن تعترف بأي رئيس جديد ينتخب بهذه الطريقة وهو ما أكده حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله، وبينما يسعى رئيس كتلة المستقبل سعد الحريري لتحالفه مع قوى 14 آذار إلى أخذ تفويض مفتوح من وليد حنبلاط باتخاذ ما يراه مناسباً بعد جولة الحريري في روسيا وعمل مشاورات مكثفة هناك مازال موقف سمير جعجع قائد القوات اللبنانية في عام 1988 متقلبا في تحالفاته، ويحاول السنيورة رئيس الوزراء للحكومة الحالية الحصول على موقف مؤيد من الولاياتالمتحدة بمشاركة حكومته في مؤتمر أنابوليس للحصول على دعم بشرعية وجودها الحالي وتقوية موقف حلفائها. ويضيف: كل هذه المواقف المتشابكة في الموقف اللبناني لا يستطيع أحد أن يقول بيقين عن رؤية مستقبلية لما يمكن أن تسفر عنه الأحداث لأن لكل هذه القوى أطرافا دولية تدعمها ومصالح متشابكة بين الداخل والخارج، ولأن غالبية هذه القوى متوازنة فإن هذا التوازن يؤسس حالة من الخلاف السياسي الطويل الذي تنتج عنه عواقب وخيمة إذا لم يتم الاتفاق بين جميع الأطراف على أسماء محددة لرئاسة الجمهورية والحكومة أو يتم إجراء انتخابات على عدد من الأسماء والأرجح في الحالة الراهنة أن الصراع بين الأطراف سوف يتوسع. توسيع دائرة الخلاف من جانبه يحلل د.مصطفى محمود عفيفي أستاذ القانون الدستوري أبعاد الموقف برؤية أخرى قائلاً: إن الجهود العربية لإنهاء الأزمة في لبنان بقيادة عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية تتعارض مع مصالح بعض القوى اللبنانية التي ترى في التحالف مع روسيا وأمريكا وفي المقابل سوريا، وتبشر بتوسيع دائرة الخلاف بين هذه القوى فقد اتهم عبدالرحيم مراد رئيس حزب الاتحاد اللبناني سمير جعجع بأنه يتلقى السلاح من أمريكا وإسرائيل لزعزعة الموقف في لبنان، وفي الوقت نفسه يحذر حزب الله الحكومة من الانبطاح تحت أمريكا لاختيار رئيس جديد للبنان، كما حذرت الحكومة من اختيار رئيس من المعارضة المنحازة لإيران وسوريا، وتخوفات البطريرك الماروني نصرالله صفير من تقديم لائحة بالأسماء التى يرشحها للرئاسة بسبب عدم وجود ضمانات لتوافق مسيحي وطني، ورغم زيارة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة للبطريرك الماروني، فإن كل المؤشرات، تقول: - إن هذه الزيارات والتحالفات سرعان ما تتبدل وتتغير بتغير الشوائع الناتجة عن هذه اللقاءات وهو ما يزيد الحالة تعقيداً ويجعل من التوصل إلى اتفاق على أسماء محددة للترشح للرئاسة أمراً شديد الصعوبة، غير أن بعض وزراء الحكومة يرون أن الحل هو في التوافق حول العماد ميشيل عون الذي يقوم بعمل لقاءات مكثفة مع كل القوى المسيحية لإجراء مشاورات بهدف الوصول إلى اتفاق حول الأسماء المرشحة. ويضيف: من يراقب جيداً هذه التحالفات والصراعات سوف يكتشف أن هناك مواقف متغيرة في التحالفات أفرزتها الأزمة، وأن حزب الله يلعب دوراً محورياً في تحريك الأحداث وضبط موازين القوى وأنه لن يتم اختيار رئيس للجمهورية لا يوافق أو يرضى عنه حزب الله الذي تتحالف معه مجموعة من قوى المعارضة، ولذلك فإن هذا التحالف هو الأكثر ترجيحا من القوة والسيطرة على مجريات الأحداث. أما د.سمير عبدالوهاب مدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية فيرى أن وجود السلاح مع مجموعة كبيرة من القوى السياسية التي تمثلها ميليشيات والدول أصحاب المصالح التي تمول هذه القوى بالأسلحة هي السبب الأساسي في عدم اتفاق اللبنانيين على تسمية رئيسهم القادم، وقد شهدت الانتخابات اللبنانية على مدار تاريخها مثل هذه الانقسامات فقد شهد يوم انتخاب الياس سركيس في مايو 1976 معارك عنيفة واغتيالات، وكذلك عندما تم انتخابات الرئيس بشير الجميل في عام 1982في ثكنة عسكرية وبعد مقتله تم انتخاب أمين الجميل في المكان نفسه وفي الظروف السياسية والعسكرية عينها، ولكل انتخابات أطراف خارجية تكون هي المحرك الأول فيها، وقد لعبت سوريا حتى عام 2005 عندما تم انسحاب قواتها من لبنان دوراً حاسماً في اختيار رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والانتخابات النيابية، والخوف كل الخوف أن يتدخل الجيش في مواجهة مع حزب الله نتيجة لهذا الخلاف وهناك محاولات تجرى لإعادة طرح أسماء خارج اللائحة التي أعدها البطريرك صفير فالقوى المسيحية ومعها تيار المستقبل برئاسة سعد الحريري يرفضون طرح اسم الوزير السابق ميشيل إده، والمعارضة ترفض ترشيح ميشال الخوري والنائب روبير الغانم عاد اسمه ليطرح ضمن الأسماء التوافقية مقابل تسليم رئاسة الحكومة لنجيب ميقاني، وهذا طرح لم تتوافق عليه أطراف عديدة، وأصبح اسم عماد عون هو المطروح بقوة لتوافق عدد من القوى السياسية في لبنان حوله، ورغم ذلك فإن سمير جعجع قائد القوات اللبنانية سابقاً هو أحد أبرز الوجوه التي تثار حولها التساؤلات في هذه الانتخابات الذي يتهمه حزب الله بالعمالة لإسرائيل والعمل لصالحها، وهو يقول: إن تعطيل النصاب القانوني لانتخاب الرئيس مؤشر على عدم إرضاء الرغبة اللبنانية في انتخاب فرنجية وفي كل هذه الصراعات مازالت أعداد كبيرة من المعارضة اللبنانية معتصمة منذ أكثر من عام في وسط بيروت رغم خروج اميل لحود من قصر الرئاسة. ويضيف : أصبحت القضية المثارة خارج لبنان الآن هي هل ستنتصر القوى الغربية الممثلة في فرنسا وأمريكا في حسم اختيار رئيس لبنان القادم، أم ستنتصر القوى والضغوط العربية الممثلة في جهود مصر والأمين العام للجامعة العربية وسوريا؟ كل هذه التساؤلات سوف تجيب عنها الأيام القليلة القادمة التي أتوقع أن تشهد مزيداً من الفوضى والاغتيالات وتوسع نظام الصراع السياسي والعسكري، لأن حالة الفراغ الدستوري والسياسي لعدم وجود رئيس للدولة، كانت خطأ لم تحسب أطراف القوى جيداً أبعاد نتائجه في المستقبل، لأن للبنان طبيعة خاصة توافقية، إذا بدأ خلاف صغير بين هذه التوازنات يمكن أن يتوسع ويتشعب ويستمر سنوات طويلة حتى يمكن علاج آثاره. والان أصبح المخرج من الازمة يكمن في انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية.. فهل يتفق اللبنانيون أخيراً ؟