لم يكن التوازن السياسى والطائفى الذى تاسس منذ الحرب الاهلية فى لبنان عام 1990 هو العلاج الشافى لمشاكله على مايبدو ..حيث يتعرض لبنان لانقسام سياسى حاد وبالتالى لخطر انهيار جديد على خلفية الانقسام فى وجهات النظر بين السنة والشيعة فضلا عن جود مجتمع مسيحى منقسم وسطهما من جهة اخرى وتتشابك الخيوط الداخلية والخارجية للازمة بشكل وثيق ، فالنسيج الطائفى فى لبنان من جهة ومؤسسات الدولة بمشكلاتها من جهة اخرى .ساعد على توفير مناخ يشجع بل يمكن التدخل الخارجى الذى يعتمد عليه العديد من زعمائه . فتحالف قوى المعارضة يعتمد على سوريا من اجل المساعدة المادية والسياسية ، فيما يعتمد تحا لف قوى 14 آذار (المسيطر على الحكومة والذى تشكل اثر اغتيال الحريرى عام 2005 )على البلدان الغربية التى تقدم الدعم المالى والدبلوماسى والسياسى .. ومع اقتراب نهاية ولاية الرئيس اللبنانى اميل لحود فى نوفمبر المقبل والاستعداد لانتخابات الرئاسة فى سبتمبر الجارى تطفو الازمة على السطح من جديد .. حسب الدستور اللبناني، فان على مجلس النواب الانعقاد من اجل انتخاب خليفة للرئيس الحالي ،وبموجب الدستور فان منصب رئاسة الجمهورية هو من نصيب الطائفة المسيحية المارونية وهو ما يستلزم اخذ رأي الزعيم الروحي للطائفة البطرك نصر الله صفير وبقية القوى السياسية المسيحية حول اسم الرئيس الجديد. وكان الرئيس اللبناني إميل لحود قد صرح بإمكانية تكليف قائد الجيش اللبناني ميشيل سليمان برئاسة حكومة انتقالية في حال عدم التوصل إلى انتخاب رئيس جديد. يأتى هذا فيما اعلن النائب اللبناني بطرس حرب الذي ينتمي الى فريق الرابع عشر من آذار- المعارض لسوريا - ترشحه الى انتخابات رئاسة الجمهورية . ويستمر الجدل الدستوري في لبنان حول نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، اذ تهدد المعارضة اللبنانية وعلى رأسها حزب الله بعدم حضور الجلسة وبالتالي بعدم تأمين حضور ثلثي النواب وهو النصاب الذي ينص عليه الدستور. فيما تقول الاكثرية النيابية والفريق الحكومي الذي ينتمي اليها انها تستطيع انتخاب رئيس بنصف عدد النواب زائد واحد، أي بالاكثرية العادية التي تملكها. مبادرة برى .. فى هذه الاجواء أطلق رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برى ماأسماها مبادرة لبنانية صرفة لحل الازمة السياسية التي تعصف بالبلاد منذ انسحاب الوزراء الشيعة من حكومة فؤاد السنيورة في نوفمبرالماضي. وتقترح المبادرة تنازل المعارضة عن مطلبها بتشكيل حكومة وحدة وطنية قبل الانتخابات الرئاسية، شرط التوصل إلى انتخاب رئيس للبلاد بالتوافق في المواعيد الدستورية. وتعهد برى انه فى حال الموافقة على المبدأ الذي طرحه بإطلاق تشاور وحوار مع مختلف اطراف المجلس النيابي من أجل التوصل إلى اتفاق على اسم الرئيس الجديد،معتبرا انه فى جميع الأحوال من يتنازل يتنازل للبنان .. وحذر بري من إقدام الأكثرية النيابية على انتخاب رئيس بأغلبية النصف زائد واحد خارج البرلمان قبل أيام من انتهاء ولاية لحود وهو ما كان لوح به زعماء فريق 14 آذار.وأضاف "كلما أسرعنا في التوافق حول الرئاسة كان خيرا لإنهاء الاعتصام ووأد الفتنة .. وكان مصدر رفيع في المعارضة قد اعتبر أن خطوة انتخاب رئيس للبلاد بأكثرية النصف زائد واحد هي "تصعيد خطير وبمثابة انقلاب سيواجه بكل الوسائل الممكنة. وتعد تصريحات بري المرة الأولى التي تعبر فيها المعارضة عن ليونة في موقفها بعد أن طالبت منذ نحو عام بحكومة وحدة وطنية تمثل فيها بشكل أفضل. وفيما يرى البعض ان مبادرة برى اشبه بالقنبلة التي ستطال بشظاياها فريقي الأزمةاللبنانية "السلطة والمعارضة" على حد سواء .. يرى آخرون ان المبادرة تشكل فرصة تاريخية لاخراج لبنان من الازمة السياسية الخانقة التي يتخبط فيها، و فرصة حقيقية لمواجهة المغامرات التي يحاول البعض اخذ لبنان من خلالها نحو المجهول . وانطلقت الدعوات الى جميع الاطراف الحريصة على الوطن واستقراره السياسي والامني والاقتصادي لملاقاة هذه المبادرة في منتصف الطريق بالانفتاح وليس باطلاق النار عليها كما جرت العادة مع المبادرات السابقة. ومع قرب انتهاء ولايه رئيس الجمهوريه الحالي العماد اميل لحود فقد دخل الاستحقاق الرئاسي في احتمالات ثلاثه وهي علي الشكل التالي: اما ان تقبل قوي آذار (فريق السلطه) بالمبادره التي طرحها الرئيس بري ويتوصل الطرفان الي تفاهم علي مرشح تسويه وهو الاحتمال الاقوي والاوفر حظا وفقا لما جرت عليه العاده في لبنان . الاحتمال الثاني ان تقدم قوي الموالاه علي ضرب مبادره الرئيس بري بعرض الحائط وتذهب الي فرض خيارها الذي حسمته بمرشح واحد من جانبها وذلك من خلال عقد جلسه برلمانيه بنصاب النصف زائد واحد بدلا من الثلثين الذي نص عليها الدستور، ومن دون دعوه من رئيس المجلس، مما سيدفع المعارضه التي ترفض المرشح "وهو نسيب لحود" للرد بانتخاب رئيس آخر عبر "جلسه بمن حضر" وعندها يصبح للبنان رئيسان وحكومتان. اما الاحتمال الثالث فهو الفراغ الدستوري وهو مطروح في حال لم يتمكن طرفا الازمه في الداخل وفي الخارج من التوافق علي مرشح التسويه او علي صيغه توافقيه معينه، وعندها يكون لبنان بلا رئيس جمهوريه وتتولي الحكومه مهامه (مجلس الوزراء مجتمعا). المبادرة التي أطلقها رئيس المجلس النيابي نبيه بري أثارت ردود فعل واسعة تفاوتت بين ترحيب البعض ، ودعوات آخرون الى التريث لدراسة الطرح وتقويمه من كافة جوانبه . من جانبه رأى الرئيس سليم الحص باسم "منبر الوحدة الوطنية" ان نبيه بري أصاب اذ تحدث عن انتخاب رئيس للجمهورية توافقي في موعده الدستوري وعلى قاعدة الثلثين وقدم هذا الخيار على مطلب حكومة الوحدة الوطنية ، داعيا الفرقاء جميعا الى التجاوب مع هذه المبادرة كليا من منطلق الوعي للمسؤولية الوطنية التاريخية . على جانب آخر شككت قوى المعارضة اللبنانية في إمكانية قبول الأكثرية الحاكمة لمبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري وعلى أن تتخلى المعارضة عن مطلب الحكومة الموسعة قبل الانتخابات الرئاسية، يأتي هذا في الوقت الذي أصرت فيه الأكثرية على القبول بمرشحها للرئاسة بطرس حرب ليكون هو الرئيس التوافقي بينما أكدت المعارضة وقوفها وراء ميشال عون ورأت أنه الأصلح لمنصب الرئاسة وهو ما يعد نسفا للمبادرة. ويرى المحللون انه فى كل الاحوال فقد اثارت المبادرة ارباكاً لدى الفريق الآخر كونها رمت الكرة في مرماه وباتت عليه الاجابة عن المبادرة عاجلا ام آجلا.