يبدو أن رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض أصبح مثل دون كيشوت الذي يحارب طواحين الهواء.. فهو في وضع لا يُحسد عليه، إذ يواجه عقبات كافية لأن تهزم عتاة السياسيين. ففياض، الاقتصادي الإصلاحي الذي لا ينتمي إلى حزب أو فصيل ولا إلى عشيرة كبيرة، ولا صاحب استثمارات ولم يُطلق في حياته رصاصة واحدة يواجه العقبة الأكبر وهي إسرائيل التي تتعامل مع الفلسطينيين بقوة السلاح ويواجه ثانيا حركة «حماس» التي فرضت سيطرتها على جزء من الوطن قطاع غزة بالقوة المسلحة. وهو يواجه عقبة ثالثة في حركة «فتح» التي تشكل ميليشياتها ومجموعاتها المسلحة التحدي الداخلي الأكبر لحكومته في سعيها إلى إعادة فرض النظام والقانون بعد سبع سنوات من اللانظام واللاقانون. وفوق الميليشيات المسلحة المستفيدة من «سلطة البندقية» التي تعلو فوق سلطة القانون، يواجه فياض ضغوطا من قيادات فتحاوية كثيرة تريد إقصاءه والحلول مكانه معتبرة إياه «دخيلا» و«طارئا». ويواجه رابعا عقبة المال. فخزينة السلطة مفلسة تماما والاقتصاد على شفا الانهيار ولديه جهاز بيروقراطي يضم ما يزيد على 175 ألف موظف تصل رواتبهم ومصاريفهم التشغيلية تقدر ب 170 إلى 200 مليون دولار شهريا بينما لا تزيد إيرادات الحكومة على ربع هذه المصاريف. لكن سلام فياض الذي شكل حكومة لا ظل لها إلا ظله يواصل عمله بدأب في مكتبه في الطابق الثالث من مبنى مجلس الوزراء في مدينة رام الله وهو قال في السابق: «اعرف أن الحكم لن يكون سهلا في ظروف كالتي نحياها هنا، حيث التحديات كبيرة وهائلة، لكن علي واجب تجاه شعبي أريد القيام به من اجل الخلاص من هذا الوضع الشاذ الذي نعيش فيه. هذا هو مصدر العزم لدي وليس هناك من مصدر آخر». تفضيل الرئيس الفلسطيني محمود عباس لفياض(58 عاماً)، حامل الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة تكساس الأميركية، على غيره من طبقة السياسيين الفلسطينيين التقليدية، كان له مبرر وجيه فقد أراد شخصية مهنية غير فصائلية تحظى بقبول دولي لتعمل وبسرعة على إعادة ترميم العلاقات الفلسطينية مع الخارج، وإعادة ترميم الانهيارات الداخلية الكثيرة والكبيرة وفي مقدمتها الاقتصاد والأمن. ولمساعدته في المهمة الأمنية التي لا يعرف عنها الكثير اختار له عباس وزير داخلية مستقل من متقاعدي جيش التحرير الفلسطيني اللواء عبدالرزاق اليحي. بدأ فياض بالملف الاقتصادي معتبرا أن «الخبز أولا». فعمل على توفير رواتب الموظفين بانتظام ساعده في ذلك توقف إسرائيل عن احتجاز أموال الجمارك والضرائب بعد زوال السبب المتمثل في وجود حكومة بقيادة حماس لا تعترف بإسرائيل. وفي موازاة الخبز جاء الأمن، فوضعت حكومته خطة من ثلاث مراحل لإعادة فرض النظام والأمن في الضفة الغربية. واختار فياض نابلس (عاصمة الانتفاضة) التي تحولت في الأعوام الأخيرة مركزاً للفوضى والانفلات. يقول فياض: «بدأنا في نابلس لأننا نريد اختراق الجدار من أكثر نقاطه سمكا وقوة، فالمشكلة الأكبر فالمشكلة الأكبر في نابلس». وفي نابلس واجه فياض مشكلتين كبيرتين، الأولى من الجيش الإسرائيلي الذي يقتحم المدينة من حين إلى آخر، والثانية من المجموعات المسلحة المتحصنة في أربعة مخيمات، وفي البلدة القديمة من المدينة. وبالنسبة للأموال التي كانت محتجزة لدى إسرائيل، والتي مكنت حكومة فياض من دفع رواتب موظفيها، ودفع نسبة عالية من مستحقاتهم التي تراكمت في عهد «حماس» بدأت بالنفاد (تنتهي منتصف الشهر الجاري)، ما يحتم عليه البحث عن بديل عاجل لتوفير رواتب الموظفين البالغ عددهم 175 ألفا. وفي هذا الإطار يقول: «لقد بدأنا تحركا سريعا لدى الدول المانحة للسلطة. وهناك وعود جدية لدعمنا». وفوق انشغالاته الداخلية الكبيرة، لدى سلام انشغال آخر سياسي، هو مفاوضا أمنية واقتصادية صعبة يجريها مع الجانب الإسرائيلي. فهو يلتقي مع وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك بصورة دورية، للتباحث في الأوضاع الحياتية اليومية للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال والحصار بخاصة الأوضاع الأمنية والاقتصادية. فياض يريد من باراك شيئا واضحا هو: «انسحاب إسرائيل إلى المواقع التي كانت تتواجد فيها قبل اندلاع الانتفاضة». وهو يعرف الثمن المطلوب.. إعداد أجهزة أمن قادرة على فرض الأمن، ومنع استخدام المناطق التي تنسحب منها إسرائيل قواعد لانطلاق عمليات عسكرية، أو إطلاق صواريخ على أهداف إسرائيلية.. وهذه مهمة صعبة.