"االسلفية" مصطلح باللغة العربية يعني اتباع منهج السلف الصالح، والمحدد بمرجعية صحابة الرسول " محمد صلى الله علية وسلم "والتابعين وتابعي التابعين، من أهل القرون الثلاثة الأولى . وليس هنالك شيء في صميم التفكير السلفي يعني بالضرورة أن يميل أتباعه إلى تبني العنف أو اللجوء إلى أعمال العنف كآليات حركة على مسرح العمل السياسي. ولعل أول تأريخ للإسلام السياسي المسلح فى الجزائر القائم على فكرة قلب نظام الحكم بالقوة على اعتباره نظام جاهلي معادي لتطبيق الشريعة يعود للبدايات الأولى للثورة الجزائرية على خلاف كثير من المتابعين والباحثين الذين يحصرون بداية العمل المسلح في التسعيننيات مع انقلاب الجيش الجزائري على نتائج الإنتخابات الأولى والتي فاز فيها غالبية الإسلاميين بالمقاعد البرلمانية. ومن المعروف بين قيادات الحركات الإسلامية والمؤرخين الإسلاميين أن الثورة الجزائرية ضد الإستعمار الفرنسي كانت ثورة إسلامية في الأصل قادها العلماء ومشايخ الطرق الصوفية على غرار الثورة الإسلامية في ليبيا والمتمثلة في "السنوسية" وغيرها من دول المغرب العربي . وإذا أردنا أن نكون أكثر تفصيلاً ودقة فسوف نجد ان بدايات الإسلام السياسي ذو الطابع السلفي الجهادي تعود في الجزائر لعام 1954م لأحد قيادات الثورة الجزائرية وهو "مصطفى بويعلى" الذي اتهم الجنرلات في الجزائر بخطف ثمار الجهاد الجزائري وتعهد بإرجاع ما سُلب للشعب الجزائري. ولعل اول تنظيم اسلامي مسلح كان في عام 1973م والذى حمل اسم "حركة الدولة الإسلامية" أسسها "بويعلى" نفسه لإستئناف الثورة والجهاد من أجل تحكيم شرع الله في الجزائر، ثم قام عقبها بتوجيه تهديد صوتي إلى الرئيس الجزائري آنذاك " الشاذلي بن شديد"، وأنذره بالخروج على النظام وإعلان الجهاد عليه، وقبل ان تتمكن "حركة الدولة الإسلامية من بناء نفسها وتضع الإستراتجيات للمراحل القادمة استطاعت قوات الأمن الجزائرية قتل "بويعلى" عام 1976 أي بعد ثلاث سنوات فقط من دعوته وخروجه على النظام الجزائري. وبموت "بويعلى" دخلت السلفية الجهادية مرحلة الكمون حتى نهاية الثمانينات وبداية التسعينات إذا ما استثنينا الحركات الإسلامية السياسية المؤمنة بالتغير عن طريق العملية السياسية كحركة الإخوان المسلمين التي تواجدت على التراب الجزائري منذ الثورة الجزائرية. وخلال فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي شهد العالم الإسلامي عدة متغيرات دولية وإقليمية عملت على انعاش الفكر السلفي الجهادي في الجزائر من جديد ، وقد تمثلت هذه المتغيرات بسقوط الإتحاد السوفيتي وانهيار منظومته الإيديولوجية سياسياً وسط انكفاء واضح لأطروحاته الفكرية، وتطلع رأسمالي غربي متمثل بالولايات المتحدة وحلف الأطلسي لوضع اليد على التركة في المناطق التي غادرها والتي بدأ لعابه يسيل على خيراتها بعد ان نجح في طرد الروس من أفغانستان من خلال دعمه لمد جديد هو الفكر الجهادي السني المتقاطر من جميع أنحاء العالم الى أفغانستان. هذا فضلاً عن نجاح الثورة الإسلامية في ايران، ومحاولتها تصدير الثورة الإسلامية لعموم الدول الإسلامية ثم نجاح "ثورة الإنقاذ الإسلامية" المتأثرة بأفكار "الجماعة الإسلامية" في باكستان وجماعة "الإخوان المسلمين" في مصر وخصوصاً أفكار المودودي وسيد قطب واستئناف الحياة الإسلامية في السودان ومحاولة استقطاب الحركات الإسلامية التحررية اليها. الا ان أهم محطة في هذا التحول الجزري العالمي المنعكس على اعادة السلفية الجهادية الجزائرية تمثل بأمرين : الاول -عودة الأفغان العرب الى بلدانهم وكان فيهم عدد كبير من الجزائرين وكانوا يملكون معسكرات خاصة لهم في أفغانستان، والثانى -سياسة الإنفتاح القائمة على التوسع في الحريات والديمقراطية التي اعتمدها النظام الجزائري بعد انهيار مرجعيته السياسية والتي اوصلت الإسلاميين فيما بعد للبرلمان. واقتنص قادة الصحوة الإسلامية في الجزائر فرصة الترخيص للأحزاب السياسية عام 1989 بعد سياسية الإنفتاح فقاموا بتأسيس "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المُشكلة من عدد من علماء المساجد وأتباعهم ، وكان على رأسهم الشيخان عباسي مدني، وعلي بلحاج، وقد حققت الجبهة فوزاً باهراً في الانتخابات البلدية والبرلمانية، وكادت تستلم الحكم في الجزائر لولا انقلاب الجنرالات بدعم خارجي على نتائج الإنتخابات وقام الجيش بحظر نشاط الجبهة واعتقل قادتها وأعضاؤها. ويميل البعض الى ان الحركة الإسلامية في الجزائر ليس لها "عمق تاريخي" بالمفهوم الزمني، على خلاف جارتيها الشرقيةتونس، والغربية المغرب . الا ان المنطقة المغربية باسرها واجهت واحد من أقسى التجارب الاستعمارية التي عرفتها البشرية، مما جعلها فى شوق الى "التعريب والدفاع عن الهوية الإسلامية" ومن خلال برامج التعليم التي ارتكزت على "استعادة الهوية العربية والإسلامية"، في ظلّ جوّ عام ينظر بريبة إلى كل ما هو غربي، شكل التوجه الإسلامي أبرز أفق استعادة الحرية لدى الجزائريين بخاصة وانها اختارت منذ استقلالها المثال الاشتراكي الذي يعتمد على الجيش . وتحت تأثير الظرف العالمي الذي شهد انهيار حائط برلين والمعسكر الشرقي ،أقر الرئيس الأسبق، الشاذلي بن جديد، عام 1988، تعديلا أنهى سلطة الحزب الواحد المتمثل في حزب جبهة التحرير، وهو ما أدى إلى إنشاء عشرات الأحزاب، كانت الدينية أقواها، ولاسيما جبهة الإنقاذ الوطني، التي تزعمها عباس مدني وعلي بلحاج. غير أنّ الجيش، سرعان ما فطّن إلى ما يمكن أن ينتج عن التغيير الجديد، حيث عمت الفوضى ودخلت البلاد حربا أهلية، وشهدت البلاد انشقاق حركات "فرعية" عن جبهة الإنقاذ، سرعان ما اندثر أضعفها وبقي منها حركتان أساسيتان هما: الجماعة المسلحة، والجماعة السلفية للدعوة والقتال. والحقيقة انه لم يعرف أي فرق أيديولوجي بين الجماعتين . غير ان فريق من المراقبين يرجح أنّ "صراع الزعامات" هو فقط الذي لا يجمعهما. فيما يعتقد خبراء أمنيون أنّ الفرق في الأهداف هو الذي يفصل الجماعتين، حيث تركز الجماعة المسلحة على الأهداف المحلية، فيما رصدوا للجماعة السلفية للدعوة والقتال بُعد "كوني يجعلها على علاقة وثيقة بتنظم القاعدة." ويعتقد الخبراء أن الجماعة السلفية للدعوة والقتال خفضت من هدفها الأصلي، وهو عدم التركيز على الإطاحة بالحكومة وحولت نشاطها لاستهداف الغربيين، وكذلك الترويج لعملياتها الخاصة بالاجانب من خلال استخدام مهارات متزايدة على شبكة الانترنت. وفيما باتت أخبار الجماعة المسلحة نادرة، تزايدت في الآونة الأخيرة التقارير عن أنشطة للجماعة "السلفية للدعوة والقتال"، ولاسيما في غضون السنوات الثلاث الماضية، حيث نفذت أعمالا مسلحة في الصحراء والنيجر ومالي وتشاد، وكذلك في موريتانيا. إلا أنّ التقارير تشير أيضا إلى أنّ الجماعة "منهكة" بفعل الاستنزاف ومقتل رموزها، مثل نبيل صحراوي، واعتقال "خلفائه" مثل عماري صيفي، المعروف بالبارا، وهو ما أدى، وفقا للسلطات الجزائرية، إلى تضاؤل أعداد أعضائها. على أنّ "خطورة العنف" الذي تمارسه الجماعة القريبة من الغرب وتزايد نشاطها في الآونة الأخيرة، والخبرة التي أحرزتها في مواجهتها، تجعل منها خطيرة في كل الأوقات. وعلى النقيض من الجماعة الإسلامية المسلحة، فإن الجماعة السلفية للدعوة والقتال قد اكتسبت تأييدا شعبيا عبر التعهد بتجنب الهجمات على المدنيين داخل الجزائروهو تعهد لم يلتزم فيه أتباع الجماعة التزاما كاملا. ويعود العنف الدموي مجدداً إلى الجزائر التي بدأت في التعافي تدريجياً من حقبة دموية قادتها المليشيات المتشددة أودت بحياة الآلآف في تسعينات القرن الماضي.وكما ذكرنا فيمثل الأجانب المقيمون في الجزائر الهدف المحوري لتلك الهجمات و التي تهدف لإقامة دولة إسلامية. ويرى المحللون المعنيون أنّ هناك صعوبة فى مسلك الجماعة السلفية سياسيا لإفتقادها إلى العناصر المتمرسة سياسيا القادرة على لعبة الكرّ والفرّ في المجال السياسي، نظرا لما يزعمه البعض بأنها تجيزقتل الثلثين من أبناء المجتمع إذا كان ذلك يؤدي إلى إصلاح الثلث المتبقي . ويشير السياسيون الى محاولة الرئيس الجزائرى عبد العزيز بوتفليقة لرأب الصدع حيث تعهد أنّ الجزائر لن تحيد عن إسلامها، وان إسلامية الجزائر مسألة منصوص عليها في الدستور، فيمكن التلاقي مع الرئاسة الجزائرية في هذه النقطة والعمل على تفعيل دور المشروع الإسلامي داخل المجتمع المدني . فالإقرار بالمصالحة من شأنه أن يزيل التصدع عن الجدار الوطني الجزائري، وعندها يبقى مجال النضال بالفكرة وبالمشاريع الهادفة و الخلاقة ضمن ثوابت يلتزم بها الجميع. 27/11/2007