أحيانا أسأل نفسي ما الذي فعله أحمد زويل حتى يشوه الإعلام المصري صورته أمام وطنه وشعبه بهذه الصورة الوحشية.. ما هي الجرائم التي ارتكبها أحمد زويل ضد مصر والمصريين منذ عاد حاملا لهم أكبر جائزة عالمية هل تولى منصبا ونهب المال العام، هل أخذ قروضا من البنوك المصرية وهرب بها.. هل استولى على أراضي الدولة وباعها في المزادات وكسب منها البلايين.. هل كان ذيلا من ذيول السلطة في أي عهد.. هل حمل ابواقا ومباخر لعهود ادمنت البطش والاستبداد.. كل هؤلاء كرمتهم الدولة المصرية من هرب منهم ومن أقام.. وكل هؤلاء حمل لهم الإعلام المصري المباخر في كل العصور.. وكل هؤلاء سجدت لهم أقلام وأبواق كثيرة وهي تعلم انها تساند الباطل.. ولهذا أتعجب كثيرا من الحملات الإعلامية التي تعرض لها أحمد زويل طوال الفترة الماضية ودفعت بالرجل مريضا بالسرطان وهو في عنفوان عطائه ونجاحاته.. ان زويل لم يكن منافسا إعلاميا حتى يقال انها غيرة أصحاب المهنة.. ولم يكن صاحب منصب في هذا البلد حتى يقال انها تصفية حسابات.. ولكن ما هي الدوافع التي تجعل البعض من الإعلاميين ينصب سركا لتشويه مسيرة الرجل حتى في أيام مرضه.. هل أدمن المصريون قتل رموزهم وتشويه كل صاحب قيمة في هذا المجتمع.. إن هذه القصة تحتاج إلى عالم كبير مثل د. أحمد عكاشة ليحلل لنا ما أصاب الشخصية المصرية من العوار والدمار والترهل حتى وصلت بنا الأحوال ان نهدم رمزا بهذه الرغبة المتوحشة في التدمير.. أنا هنا لا اتحدث عن مبان أو أراض أو أحكام قضاء ولكنني أتحدث عن إنسان مصري بسيط خرج من طين هذه الأرض وحمل جذورها وثوابتها وانطلق وحيدا في هذا العالم الفسيح وحقق انجازا علميا وإنسانيا غير مسبوق حصل به على أكبر جائزة عالمية أضافت لوطنه مساحة كبيرة من التقدير في العالم كله.. وبقى أحمد زويل يتحدث بوفاء وعرفان عن الأرض التي أنجبته والوطن الذي مهد له طريق الحلم والتفوق والنبوغ.. حين حصل زويل على نوبل جاء طائرا محلقا في سماء مصر، وانطلقت له الأغاني ورفعه المصريون حبا وتقديرا على الأعناق وقدم لشباب مصر نموذجا فريدا في القدوة والتميز.. واحتفلت به مصر أياما طويلة وكان الرجل شاكرا ممتنا لهذا التقدير الشعبي الجارف.. جاء زويل عارضا على وطنه ما اكتسبه من الخبرات وما وصل اليه من المعارف، وما حققه من انجازات.. لم يكن يسعى إلى شىء ولم تراوده أحلام في ثراء أو مكاسب بعد ان حقق في مشواره العلمي ما وضعه في قائمة أبرز علماء العالم وهو في خمسينيات عمره.. ما الذي كان ينتظره أحمد زويل من مصر الدولة حتى نقول انه جاء مهرولا.. المال لديه ما يكفي والشهرة تجاوزت كل الآفاق.. المنصب وهل هناك شىء أكبر من تقدير البشرية لعالم كبير المعرفة لقد تجاوز فيها كل الحدود.. لم تكن لعودة زويل أي أهداف غير ان يخدم الأرض التي انجبته وكبرت على ربوعها أحلامه التي أصبحت حقيقة أمام العالم كله.. بدأت رحلة زويل مع الإدارة المصرية ولم يكن يعلم ما أصابها من أمراض البيروقراطية والترهل في كل شىء ورغم هذا جاء أحمد زويل بأحلامه في مشروع علمي ضخم يعيد لمصر دورها وريادتها مستغلا في ذلك كل ما جمعه من رصيد إنساني في علاقات دولية متميزة بأشخاص ودول ومؤسسات.. جاء زويل وأمامه قضية واحدة ان يجد مصر يوما في ركاب الدول المتقدمة شريكا حقيقيا في صنع الحضارة المعاصرة.. بعد احتفالات الترحيب والتتويج بعودة الرجل ظهرت أمراض التراث المصري العريق في الحقد والكراهية والنفوس المريضة في مواقع السلطة بالدولة.. كانت الدولة المصرية بكل مؤسساتها قد أدمنت البحث عن القامات القصيرة في كل شىء.. كانت قد مهدت الأرض للحشائش والنباتات المتسلقة وقررت ان تقطع رقاب الأشجار والنخيل على ضفاف النيل.. كانت قد جرفت الأرض المصرية من كل الكفاءات والقدرات والمواهب لتفتح الأبواب لحملة المباخر والأفاقين واللصوص.. وهنا وجد أحمد زويل مقاومة شرسة من مؤسسات الدولة المصرية اما حقدا أو كراهية أو خوفا من يد تخلع الغطاء عن صناديق العفن. كانت الدولة رغم كل هذه الظواهر الغريبة قد اختارت قطعة من الأرض المميزة في قلب مدينة 6 أكتوبر لتكون نواة لمشروع المدينة العلمية التي يحلم بها زويل لمصر.. وبدأ زويل رحلته المكوكية إلى أرض الكنانة ليتابع خطوات حلمه وبدأت رحلة الإحباط تتسلل إلى قلب الرجل أمام إشاعات مغرضة رددها الحواريون والمنافقون انه يسعى للسلطة وان يكون رئيسا لمصر.. وهنا بدأت المؤامرات تحيط بمشروع زويل وأمام سماسرة التوريث والسيطرة كان من الضروري ان ينسحب أحمد زويل تاركا يافطة صغيرة في جزء من مدينة 6 أكتوبر كتبوا عليها هنا ينام حلم أحمد زويل في إنقاذ وطن وإقامة مشروع لإعادة بناء مصر.. انسحب زويل من الساحة في هدوء ومن وقت لآخر كان يأتي لزيارة مصر ولقاء أصدقاء قدامى.. حين قامت ثورة يناير اتجهت الأنظار إلى أحمد زويل وحلمه القديم وبدأت رحلة جديدة لإعادة الحلم مع المجلس العسكري وتنقل زويل بين مئات المكاتب حتى انه عايش 12 رئيسا للوزراء كل واحد منهم يلقيه إلى الآخر، ورغم كل هذا نجح الرجل في ان يفتح حملة واسعة للتبرعات لمشروع زويل حققت أرقاما خيالية، وعاد الرجل أمام حماية كاملة من الدولة المصرية إلى الأرض التي غرس فيها يوما حلمه القديم في مدينة 6 أكتوبر.. وجد زويل من يسلمه الأرض وفيها عدة مبان مخالفة أقيمت في غفلة من الزمن تسمى جامعة النيل اقامها مجموعة من رجال الأعمال بتبرعات وصلت إلى 50 مليون جنيه تحت اسم جمعية أهلية، واستولوا على 127 فدانا قيمتها ثلاثة بلايين جنيه في أغرب صفقة عقارية حملت اسم مؤسسة بحثية علمية.. ان الدولة المصرية هي التي أعادت مشروع زويل وهي التي خصصت له الأرض منذ 15 عاما وهي التي فتحت حملة التبرعات للبنك المركزي المصري وهي التي أصدرت قانونا خاصا لهذه المدينة العلمية، وهي التي سمحت باستيراد أجهزة علمية قيمتها 300 مليون جنيه للمدينة وهي التي سمحت بدخول 300 طالب كأول دفعة إلى المدينة الجديدة و300 من العاملين وهي التي وافقت على انضمام 5 علماء أجانب حاصلين على جائزة نوبل بجانب عشرات العلماء المصريين والأجانب الذين انضموا إلى فريق البحث والعمل والإنجاز في هذه المؤسسة العصرية الجديدة.. هل كان أحمد زويل يستطيع ان يفعل ذلك، وما هي القدرات الخارقة التي يملكها في مصر وليس له منصب أو مكان يحميه.. كل هذه الإجراءات قامت بها الدولة المصرية بمؤسساتها العريقة.. وتسلم زويل الأرض وما عليها من المباني الخالية وبدأ مشروعه الطموح في إقامة مدينة علمية جديدة. حتى هذه اللحظة كانت مؤسسات الدولة في كل مراحلها تساند مشروع أحمد زويل وتدعمه بكل الوسائل حملته مكاتب المسئولين في 12 رئيس وزراء وعشرات الوزراء وثلاث رؤساء ومجلس عسكري حاكم وظل الرجل صامدا يحاول انجاز هذا المشروع الكبير.. فجأة وبلا مقدمات اطل على الساحة مشروع جامعة النيل، وبدأت كقصة غريبة تحتل مكانة بارزة في الإعلام المصري.. كانت جامعة النيل من المشروعات التي ثار حولها لغط كبير، خاصة ان ملفات تمويلها من وزارة الاتصالات في الجهاز المركزي للمحاسبات اثارت شكوكا كثيرة حول هذا المشروع الغامض.. كان رئيس الوزراء د. أحمد نظيف قد سلم أرض مشروع زويل في غفلة من مؤسسات الدولة إلى جامعة النيل بعقد ايجار سنوي قيمته جنيه واحد للفدان ولم تكن الجامعة قد حددت وضعها كجامعة خاصة أو أهلية ولكن حدثت ملابسات كثيرة حولها مازلت أعتقد ان مكانها الأجهزة الرقابية، وليس الإعلام أو القضاء إنني أسأل بأي حق تحصل جامعة يملكها عدد من رجال الأعمال على قطعة أرض ثمنها ثلاثة بلايين جنيه، انها صفقة أراض وليست مؤسسة علمية. وجد أحمد زويل نفسه أمام أشباح تطارده بصورة عشوائية فلا هو كان شريكا في تخصيص الأرض لمشروعه ولا هو كان سببا في تخصيصها لجامعة النيل، ولا هو كان مساهما مع رجال الأعمال في إنشاء الجامعة التي لم تكن خاصة، ولم تصبح أهلية بعد.. وبدلا من ان تتكشف حقائق تمويل هذه الجامعة والأموال التي حصلت عليها من وزارة الاتصالات تحولت القضية كلها إلى مصير 40 طالبا منها قلوبنا جميعا معهم رغم ان أكثر من 450 مليون جنيه تسلمتها الجامعة نقدا من وزارة الاتصالات بدون وجه حق ولم يسأل عنها أحد وعلى المستشار هشام جنينة ان يكشف حقيقة هذه الأرقام في الجهاز المركزي للمحاسبات وهي مرصودة منذ عهد المستشار جودت الملط.. مابين مشروع تبنته الدولة مع أحمد زويل ومشروع غامض يخص عددا من رجال الأعمال دارت معركة طاحنة شارك فيها الإعلام في حملات مشبوهة ضد أحمد زويل وانتقلت إلى ساحات القضاء كقضية إدارية أبعد ما تكون عن العلم والعلماء، وهو لم يكن له ناقة ولا جمل، ولم يكن شريكا فيما حدث على الإطلاق لأن الدولة المصرية هي المسئولة عن كل هذه الإجراءات اندفع الإعلام المصري في سباق مجنون بالأقلام والبرامج والقصص والحكايات، وتحول أحمد زويل النموذج والقدوة التي غرسناها يوما في وجدان ابنائنا إلى شبح يحارب الطلاب الصغار ويقف أمام مستقبلهم في جامعة النيل.. سقط أحمد زويل أمام هذه الصراعات مريضا، وأكد له الأطباء ان المرض كان نتيجة ضغوط نفسية وعصبية أمام صراعات لا طائل منها، وان حياته مهددة أمام كل هذه السلوكيات الغريبة.. ما بين الإعلام وحملاته والقضاء وأحكامه وجد زويل نفسه مشوها أمام شعبه مدانا أمام القضاء مطاردا في الإعلام في أشياء لم يكن له علاقة بها من قريب أو بعيد.. إنها إجراءات اتخذتها مؤسسات الدولة وعليها ان تحمي قرارها. جاءني صوت أحمد زويل من بعيد مجهدا حزينا قال هل اخطأت في حلمي لست صاحب مصلحة شخصية على الإطلاق غير ان أقدم مشروعا لمستقبل هذا الوطن لم تتحمل أي مؤسسة مصرية تذاكر سفري طوال 15 عاما، وأنا الذي تحملتها كاملة في رحلاتي إلى مصر ولم اتقاض راتبا ولست في حاجة إلى منصب أو مال أو شهرة، فكل الأبواب مفتوحة أمامي في كل بلاد الدنيا.. يراودني الآن وأنا أعيش محنة المرض ان انسحب بسلام تاركا هذا المشروع للدولة المصرية وهي ترعاه لأنها صاحبة الحق فيه، لم أعد اتحمل هذه الحملات الإعلامية المجنونة والمطاردات بين اروقة المحاكم ولكنني أتردد حين أسمع صوت ضميري وما هو ذنب الشعب المصري العظيم الذي حلم معي في صراعات بين قوى مختلفة مازالت تصر على استمرار منظومة الفساد.. أحمد زويل يسألكم هل ينسحب.. وهل لديكم الإجابة؟! على الدولة المصرية ان تحمي مشروع زويل أو تترك الرجل لحال سبيله. أزمة مصر الحقيقية ان هناك من يسعى لإقامة دولة العلم، وهناك أيضا من يحارب من أجل بقاء دولة السمسرة والعمولات وتجارة الأراضي. ..ويبقى الشعر يقولونَ سافرْ .. ولا يَعلمونْ بأنيِّ أموتُ ... وهُمْ يضحكوُنُ فمازلتُ أسمَعُ عنْك الحكايَا ومَا أسْوأ الموْت بَيْنَ الظنونْ وَيُخفيك عنى ليلٌ طويل ٌ أخبّئ وَجْهَك بينَ العُيونْ وتُعطينَ قلبَك للعَابثينَ ويشْقَى بصدِّك منْ يُخلصُونْ وَيُقصيك عنِّى زمانٌ لقيط ويهنأ بالوصْل ..منْ يخدعُوْن و أنثر عُمْرى ذرَّاتِ ضَوْءٍ وأسْكُب دَمى ..وَهمْ يسْكرُونْ و أحْملُ عَينيكِ فى كلِّ أرْض ٍ و أغرسُ حلْمى ..وهَمْ يَسْرقونْ تساوتْ لدْيكِ دماء الشَّهيدِ وعطرُ الغوانى وكأسُ المجُون ثلاثونَ عامًا وسبْع عجاف يبيعُونَ فيكِ .. ولا يَخجلونْ فلا تتْركى الفجْر للسَّارقينَ فعارُ على النيل مَا يَفعلونْ لأنكَ مَهْمَا تناءَيتِ عَنِّى وَهَانَ على القلبِ ما لا يهُونْ و أصْبَحْتُ فيكِ المغنِّى القديمَ أطوفُ بلحْنِى .. وَلا يَسمعُونْ أموتُ عليك شهيدًا بعشْقى و إنْ كانَ عشقى بعْض الجنُونْ فكلُّ البلادِ التى أسكرتنى أراهَا بقلْبى ..تراتيلَ نيلْ وكلُّ الجمَال الذى زارَ عيْنى و أرقَ عُمْرى ..ظلالُ النَّخيلْ وَكلُّ الأمانى الَّتى رَاوَدَتْنى و أدمتْ معَ اليأس قلبى العليلْ رأيُتك فيها شبَابًا حزينًا تسابَيح شوْق ٍ..لعمر جميل يقولُون سَافرْ .. أمُوت عليْكِ ..وقبلَ الرَّحيل سأكتبُ سطرًا وحيدًا بدَمى أحبكِ أنتِ .. زمانًا منَ الحُلم .. والمسْتحيلْ "من قصيدة أنشودة المغنى القديم سنة 1990" نقلا عن جريدة الأهرام