إن مشكلة مصر لا تكمن فى معاناتها من افتقار الذكاء أو الكفاءة أو العبقرية ولكن كما قال د.أحمد زويل إنه فى الغرب يؤخذ بيد الفاشل حتى ينجح، أما فى الشرق أو مصر يُهاجم الناجح حتى يفشل!!! عادة ما يقوم بالهجوم على الناجح بعض الأفراد الذين تحركهم دوافع لا شعورية بالإحباط، عقدة النقص، الدونية، وتواضع الكفاءة فينظر إلى الناجحين بعين الحقد ويبدأ فى شن هجوم بطريقة لا شعورية لتحطيم ما لم يستطع تحقيقه بإمكانياته المتواضعة وذلك فى محاولة منه لطمس كل ما هو أفضل منه. لا أعتقد أنه يوجد فى أى دولة فى العالم نوع من الإعلام يشجع على تحطيم كل ما هو محاولة جادة للنهضة العلمية للبلاد، أو إشعاع نهضوى، عمل متقن، عدم إيثار الذات، والتضحية بالوقت إلا من بعض ضعاف النفوس الذين يرغبون فى هدم كل صرح علمى بها. لقد شرفت بكونى ضمن العديد من القمم فى المجلس الوطنى لأمناء مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا ومن هذه القمم التى لا يختلف على قامتها العلمية أحد: د.محمد أبوالغار، أ. طارق عامر، د.حازم الببلاوى، د.مجدى يعقوب، د.فاروق الباز، د.أحمد عكاشة، د.لطفية النادى، د.مصطفى السيد، د.أحمد جلال، د.محمد غنيم، د.محمد فتحى سعود، وأ.منى ذوالفقار. هل توجد مؤسسة علمية يشترك فى مجلس أمنائها العالمى أكثر من ستة علماء حائزين على جائزة نوبل فى العلوم، الفيزياء، والكيمياء وذلك جنبا إلى جنب مع رؤساء العديد من معاهد العلوم والتكنولوجيا فى كل بلاد العالم؟ ألا يعنى ذلك أن مصر تخطو نحو غد مشرق ستشع فيه بإشعاع العلم والنهضة ليصل إلى جميع بقاع الأرض وتكون بذلك هى مركزه؟ يظن البعض أن مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا ما هى إلا جامعة لتدريس الطلبة، أو إرسال البعثات، وإعطاء الدكتوراه شأنها فى ذلك شأن العديد من الجامعات الأخرى ولكن ما يجهله الكثيرون أن هذا العمل هو أحد المشروعات الكبرى لمدينة زويل. فالغرض الحقيقى من مدينة زويل العلمية هو القدرة على جمع هذا العدد من المعاهد المختلفة والمختصة سواء فى العلوم الطبية والدوائية، علوم النانو والمعلومات، علوم التصوير والمرئيات، علوم الطاقة والبيئة والفضاء، علوم الاقتصاد والشئون الدولية، علوم التعليم الخيالى، والعلوم الأساسية كالفيزياء النظرية تحت سقف واحد ليس فقط بغرض التدريس ولكن لاكتشاف كل ما هو جديد فى عالم الإلكترونيات والعلوم الطبية والدوائية وغيره مما سيحدث ثورة علمية فى عالم الصناعة الدوائية واكتشاف الجديد من الأدوية التى يمكن تصديرها للعالم؛ لأن العلوم التكنولوجية هى أحد الأركان الأساسية لاقتصاد البلاد وهذه المنظومة تتجاوز دور الجامعات التدريبى والبحثى، ولكن يمتد اهتمام مدينة زويل إلى كل فروع العلوم والتكنولوجيا والبحوث العلمية لوضع مصر على خريطة العالم العلمية. ومن جهة أخرى ستقوم مدينة زويل بتبادل الأبحاث والخبرات العلمية والاتصال الدائم بمراكز الصناعة والتكنولوجيا فى بلاد العالم للوقوف على كل ما هو جديد لتبدأ من حيث انتهوا لكى لا تكون مجرد صدى أو تكرار للخارج. ولقد بدأت مدينة زويل بالفعل فى الاتصال بمراكز البحوث فى المجالات المختلفة ومنها مركز مجدى يعقوب بأسوان وبدأ العمل المشترك فى البحوث الجينية والطبية وكذلك بمركز الكلى بالمنصورة، فهى إذن ليست بمعزل أو منأى عن آلام المصريين، بل إنها تحاول جاهدة إيجاد حلول علمية للنهوض بالعلم والتكنولوجيا لتوفير الحياة الكريمة التى يستحقها المواطن المصرى. فلم يكن يوما الهدف من مدينة زويل هو تفريخ دفع جديدة من طلبة جامعيين تقليديين، بل إحداث وإنشاء نهضة علمية للارتفاع بالمستوى العلمى للباحث الخريج وبالتالى بالمجتمع المصرى بأكمله. ولذلك يدهشنى، بل بالأحرى، يصدمنى الحديث القائم بأن مدينة زويل قد استولت على مبانى جامعة النيل، وهى جامعة أهلية ذات قيمة علمية متميزة. لقد بدأت القصة سنة 1999 بعد حصول د.أحمد زويل على جائزة نوبل فى الكيمياء وعند زيارته لمصر بعد حصوله على هذه الجائزة تم تخصيص مساحة 270 فدانا لإنشاء جامعة بحثية للعلوم والتكنولوجيا وتم وضع حجر الأساس بها فى يناير 2000، ثم تعثر هذا المشروع لأسباب شخصية وسياسية، وفى 8 مارس 2006، إبان وزارة د. أحمد نظيف، تم تخصيص نفس القطعة كحق انتفاع «للمؤسسة المصرية لتطوير التعليم التكنولوجى» لإقامة جامعة النيل التى لا تستهدف الربح، وفى 12 فبراير 2011 قرر مجلس أمناء المؤسسة المصرية لتطوير التعليم التكنولوجى التنازل عن حق الانتفاع بالأرض لوزارة الاتصالات، أما فيما يخص المبانى فقد تم إنشاؤها من موازنة الدولة وقد وافق مجلس الوزراء على قبول التنازل النهائى بتاريخ 19 فبراير 2011، وفى 27 أكتوبر 2011 وافق مجلس الوزراء على استخدام مدينة زويل للمبانى والمنشآت التى خُصصت لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وكذلك نقل الإشراف الإدارى عليها إلى صندوق تطوير التعليم بوزارة التعليم العالى. وقد اتجه فكر الحكومة التى تمتلك هذه الجامعة إلى أن مدينة زويل تستطيع ضم جامعة النيل الناشئة إليها، وبالفعل اتخذ مجلس أمناء مدينة زويل قرارا بضم كل طلبة جامعة النيل، وكل الدراسات العليا، والبعثات بالخارج إلى جامعة زويل، بل وأكثر من ذلك فقد منح الطلبة عند التخرج حق الاختيار أن يكون تخرجهم من جامعة النيل أو من مدينة زويل؟ كما وافق مجلس أمناء جامعة النيل على إدماج جامعة النيل فى مدينة زويل من ناحية المبدأ، ولكن مع التأكيد على الحفاظ على الكيان الأكاديمى والبحثى لجامعة النيل!! ولكن ورغما عن كل ذلك لم يجد هذا الاقتراح استحسانا من قبل الإخوة فى جامعة النيل، ولذا اتُخذ قرار فى الاجتماع الأخير لمجلس أمناء مدينة زويل بأن تستمر جامعة النيل كجامعة ذات كيان مستقل تماما عن مدينة زويل. وبالطبع نتمنى لجامعة النيل كل التقدم والازدهار، بل إن مدينة زويل بكل ما تحوى من مؤسسات علمية على أتم استعداد للتعاون والشراكة فى بحوث علمية وتبادل خبرات مع جامعة النيل. هذا فيما يخص مدينة زويل وعلاقتها بجامعة النيل، أما فيما يخص الهجوم على شخص د.أحمد زويل وما به من تطاول سافر لا يليق برجال العلم، فهذا غير مقبول ولا يليق بشعب مصر المتحضر الذى يكن كل احترام وإعزاز لعلمائه الشرفاء. إن د.أحمد زويل قيمة علمية عالمية لا يستطيع أن ينكر ذلك أحد، لذلك فكثيرا ما تصيبه السهام لأنه كما يقال إن الأقزام لا تصيبها السهام بل إنها عادة ما تصيب القامات الشامخة المرتفعة.. !!! فهل يعلم هؤلاء المتطاولون كم التضحية والمجهود والساعات التى يقضيها هذا العالم الجليل لوضع الأسس القوية لهذا الصرح العلمى العظيم «مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا»؟ هل يعرف هؤلاء الذين يهاجمون هذا العمل الوطنى العلمى الجاد أنه تم حتى الآن استقطاب ما لا يقل عن خمسين عالما مصريا ممن يعملون فى أكبر المراكز العلمية فى العالم ليفيدوا وطنهم وأمتهم بما لديهم من علم أفادوا به العالم، وقد ارتضوا عن حب العمل على هذه النهضة العلمية فى مصر؟ وقد يتساءل البعض: لماذا يسمى هذا الصرح باسم مدينة زويل؟ إن د.زويل هو أول مَن فكر فى إنشاء هذه المدينة الكاملة المتكاملة على أرض مصر وأدخل هذا الحلم حيز التنفيذ وجعل منه واقعا. ولماذا لم نتساءل: لماذا سميت جامعة هارفارد، أو جامعة برنستون بأمريكا، أو ماكس بلانك بألمانيا بأسماء هؤلاء العلماء الذين أنشأوها؟ لماذا تفتخر جميع بلاد العالم بعلمائها وتسعى إلى تكريمهم وعلى النقيض نقوم نحن برشق علمائنا بالحجارة؟ إن مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا هى رمز للإشعاع الجاد لنهضة علمية حقيقية فى مصر، وقد نهضت الهند، ماليزيا، وتركيا من خلال إنشاء مدن علمية. ومن هنا أكرر مرة أخرى أن مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا ليست مجرد جامعة فقط، بل إنها صرح يحوى بداخله العديد من المعاهد، الكليات والجامعات التى وضعت كأولى أولوياتها خدمة النهوض العلمى بالمجتمع المصرى. وأخيرا، اتقوا الله ولا تجعلوا الرجل يفقد الأمل فى مصر، لا تجعلوا حماسته تخبو، لا تجعلوه يحارب فى وطنه ويكرم من بلاد العالم، فلم يتطوع أحد من قبله على القيام بإنشاء هذا الهرم العلمى الجبار ولن يستطيع أحد أن يتحمل هذه المسئولية وهذا العبء بمفرده. إنه ومَن معه من خيرة العلماء فى مجلس الأمناء يعملون بجد ودون مقابل فى صمت، ودون صخب إعلامى من أجل هدف واحد إلا وهو إنشاء نهضة علمية وإشعاع حضارى فى مجال بحوث العلوم والتكنولوجيا تكون بؤرتها مصر. إننا نملك القوى البشرية ولكننا نفتقر للأخلاق العلمية..!!!!