مع استمرار المحادثات بين الفلسطينين و الاسرائيليين مع أدلة مرئية ضئيلة حول التقدم فى طريق التفاوض حول اتفاق سلام ، بدأ عدد قليل من الإسرائيليين البارزين فى إحياء الحديث مرة اخرى عن الطريق الثالث : وهو تنفيذ انسحاب أحادي الجانب من إسرائيل من معظم اراضى الضفة الغربية من دون اتفاق سلام. وفكرة أن الإسرائيليين يمكن أن ينسحبوا طوعا من الأراضي التي يطالب بها الفلسطينيين دون تأمين اتفاق امنى على الاقل ، ليس شيئا جديدا، فقد سبق و لجا تاليه اسرائيل ابان عهد رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ارييل شارون الذى توفى هذا الشهر .. وهو مصطلح صاغه شارون تحت اسم "فك الارتباط من جانب واحد" حينما قام باجلاء جميع المستوطنين اليهود والقوات العسكرية من قطاع غزة في عام 2005. و"فك الارتباط " هو قرار بالانسحاب اتخذه شارون – وكما فسره حينذاك – بانه جاء نتيجة لتاكده من أن السلام مع الفلسطينيين لم يعد ممكنا، و لاقتناعه فى الوقت ذاته انه لا يجب ان تكون اسرائيل مسئوله عن ملايين الفلسطينيين.. و تشير مصادر اسرائيلية ان شارون كان قد لوح بشدة انه مستعد لاجلاء المستوطنين من جانب واحد من الضفة الغربية أيضا، لكنه اصيب بجلطة دماغية مدمرة قبل أن يتمكن من الكشف عن تفاصيل أي خطة. ويبدو وكما يقال " الفكرة لا تموت " فقد ادى موت شارون مؤخرا الى اعادة احياء هذا الاجراء ، فقد اعلن رئيس الوزراء السابق ايهود باراك قبوله لمسالة فك الارتباط و تبنى ترويجها فى مناسبات عدة. كذلك أكد السفير الإسرائيلي السابق لدى الولاياتالمتحدة "مايكل اورين" فى حديث لشبكة سى ان ان الاخبارية الامريكية بان الحل التفاوضي يلقى قبول اسرائيلى على نطاق واسع وسيكون هو الأفضل، ولكن ان تعذر هذا "فان اسرائيل ستكون قادرة على إنهاءها للاحتلال والحفاظ على أمنها، وربما وضع أسس جديدة للسلام " بالانسحاب من معظم الضفة الغربية من جانب واحد. ومن يقبلون فكرة فك الارتباط من الاسرائيليين ، يرون ان التلويح ايضا بالانسحاب من الضفة الغربية من شأنه ان يضع بعض الخطوط الأساسية العريضة امام المفاوضات مع الفلسطينيين ، وإذا فشلت المحادثات، تبدا اسرائيل فى المضي قدما بتنفيذ فك الارتباط وفقا لما اطلق عليه "مقترحات كلينتون" التى كانت الأساس لصفقة محتملة خلال مفاوضات عام 2000 التى جرت فى كامب ديفيد بين ايهود باراك و الزعيم الفلسطينى ياسر عرفات بوساطة الرئيس كلينتون. و"مقترحات كلينتون" اذا أجريت من جانب واحد، فإن إسرائيل سوف تحتفظ بثلاثة ، وربما ما يصل الى أربعة كتل استيطانية كبرى تحتل ما يقرب من 5 في المئة من الأراضي في الضفة الغربية ، وهي تمثل موطن لنحو 80 في المئة من المستوطنين اليهود داخل الاراضى الفلسطينية. وستصبح تلك المستوطنات جزءا من إسرائيل. وبينما يسيطر الفلسطينيين على حوالي 95 في المائة من الأراضي والتى ستضم ايضا نسبة 20 في المئة المتبقية من المستوطنين الذين سيكون عليهم بعد ذلك مغادرة الضفة الغربية، وستقوم اسرائيل بترحيلهم إما بالقوة أو من خلال الحوافز الاقتصادية. اما عن الجانب الامنى، نجد ان القوات الاسرائيلية ستظل تقوم بدورياتها المعتادة في وادي الأردن وعلى الحدود الرئيسية. ومن شأن الانسحاب أحادي الجانب ايضا ان يكون من شبه المؤكد بقاء القدس، بما في ذلك المناطق التي احُتلت في حرب عام 1967، تحت السيطرة الإسرائيلية وهو ما سيواجه بمعارضة شديدة من العرب والفلسطينيين الذين يريدون الجزء الشرقي من القدس عاصمة لدولتهم المستقبلية. كذلك كانت "مقترحات كلينتون" تمنح الحق لاسرائيل بالاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الرئيسية مقابل إعطاء الدولة الفلسطينية المستقبلية مقدار مساو من الأرض على ما يسمى اليوم بالأراضي الإسرائيلية. لذا بالطبع فى حالة تنفيذ اسرائيل لفك الارتباط والانسحاب من جانب واحد، فمن المفترض ايضا ان الفلسطينيين لن يحصلوا على اى تعويضات او تبادل للاراض، الا بعد التوصل الى اتفاق سلام وهو امر قد يبدو انه لن يتحقق فى المستقبل القريب . وعلى الرغم من المكاسب الكبرى التى ستحققها اسرائيل الا ان البعض يرى ان تنفيذ فك الارتباط سيحرم إسرائيل من أهم هدف في المحادثات مع الفلسطينيين: وهو ايجاد حل نهائي وحاسم للنزاع . اما بالنسبة للفلسطينيين، فان خطوة الانسحاب من جانب واحد و هو الجانب الإسرائيلي يعنى خروج دولتهم الى النور ، لكنه ايضا سيحرمها من مهدفين اساسيين هما مدينة القدس، و أيضا مسألة اللاجئين الفلسطينيين، و سيظلا قضيتين دون حل . لكن اضطرار اسرائيل لفك الارتباط لن يكون قرارا سهلا ، فالانسحاب من الضفة الغربية أكثر تعقيدا من الانسحاب من قطاع غزة بكثير .. ومن شأن الانسحاب من جانب واحد ان يشكل لها تحديات سياسية وتكتيكية واستراتيجية هائلة تبلغ صعوبتها نفس صعوبة الاستمرار فى ايجاد حل تفاوضي. كذلك يخشى الكثير من الاسرائيليين ان يكون الانسحاب من الضفة كارثة استراتيجية على غرار ما وصفوا به الانسحاب من غزة التى اصبحت بعد ان اطاحت حماس بالسلطة الفلسطينية، وسيطرت على أراضي القطاع، نقطة انطلاق لهجمات ضد اسرائيل..