ازدهار حركة الترجمة عن العربية في البوسنة

ازدهرت في السنوات الأخيرة حركة الترجمة عن العربية في البوسنة. وتعتبر «دار القلم» و«سفيتلانوست» و«تيمليا» وغيرها من دور الطبع والنشر من أهم المؤسسات العاملة في هذا المجال. ودار القلم للطباعة والنشر التي أسست في سبعينات القرن العشرين واحدة من أهم دور النشر في البوسنة والهرسك، ولها الكثير من المميزات التي لا تتوفر في غيرها من دور النشر في منطقة البلقان، وينبع تميزها من تخصصها في ترجمة وطبع الكتب العربية الاسلامية ونشرها. تصدر دار القلم سنويا عشرات الكتب المحلية والمترجمة عن العربية واللغات الاخرى، والتي غالبا ما تكون مرتبطة بالاسلام والثقافة الاسلامية في البوسنة والعالم، بينما تعتني دور النشر الاخرى بكتب الأدب والشعر وغير ذلك. لقد طبع القرآن الكريم في البوسنة عدة مرات. وكان لدار القلم نصيبُ الاسدِ في ذلك (أكثر من 10مرات). كما اهتمت الدار بنشر علوم القرآن الكريم، فطبعت كتاب «أسباب النزول» ليوسف راميتش، الذي قسم مباحث الكتاب إلى أبواب وفصول تحدث فيها عن القرآن الكريم، والفترات التي نزلت فيها آيُ الذكر الحكيم وأماكن النزول، وتطرق فيها للاوضاع الدينية والاثنية زمن نزول الوحي. كما قام المؤلف بتحليل أهم الكلمات والالفاظ والعبارات. وذكر في نهاية البحث قائمة المراجع و المصادر التي عاد إليها في كتب الحديث والروايات الصحيحة. والمؤلف من حملة شهادة الدكتوراه ومن خريجي الازهر الشريف. ويعمل حاليا أستاذا في كلية الدراسات الاسلامية في سراييفو. كما طبعت الدار كتاب العلامة أبو العلاء المودودي «شروط أساسية لفهم القرآن الكريم» بعد ترجمته إلى اللغة البوسنية على يد الاستاذ والدبلوماسي البوسني السابق محمد مراهوروفيتش الذي عمل مديرا لدار القلم حتى عام 2003. والامام المودودي غني عن التعريف، فهو الذي ساهم في تنمية الوعي بأن «القرآن ليس مجرد طقوس تؤدى، بل هو منهج حياة يشمل الدنيا والآخرة». كما يشمل الكتاب ترجمة وافية عن الامام المودودي رحمه الله المولود في حيدر آباد سنة 1903، والذي «كان واحدا من المسلمين المثقفين الذين عارضوا بكل طاقتهم وعزيمتهم مختلف أنواع تأثير الحضارة الغربية المستعمرة، والتي كان تحمس لها البعض من معاصرية. وكتب ما يزيد على 200 مصنف، بين كتب ورسائل تناول فيها القضايا الجوهرية التي تهم العالم الاسلامي. وأصدرت الدار قبل عدة سنوات كتابا يتحدث عن «محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن» لمؤلفه عثمان نوري حاجيتش. وطبع الكتاب عدة مرات ويتناول فيه حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وفترة نزول الوحي ودور أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها في خدمة الرسالة. ويلقي الكاتب الضوء على حياة خاتم الانبياء صلى الله عليه وسلم، من خلال الاستشهاد بأقواله وأفعاله المذكورة في القرآن والمدونة في كتب السيرة والحديث، والتي قال عنها المؤلف «تمثل السبيل الوحيد الآمن لمعرفة شخصيته الرسالية صلى الله عليه وسلم». أما ترجمة معاني القرآن الكريم، فقد صدرت سنة 2004 الترجمة السابعة للغة البوسنية، وهناك ترجمة ثامنة لمعاني القرآن الكريم للغة نفسها، استنادا لترجمة محمد أسد رحمه الله. وأصدرت دار القلم عدة طبعات من كتاب «التبيان في آداب حملة القرآن» للإمام النووي رحمه الله. ونقله للبوسنية حسين عمر سباهيتش، ثم كتاب «القرآن الكريم المعجزة الكبرى» للداعية الفاضل أحمد ديدات (رحمه الله). وقد طبع قرابة 10 مرات. كما تهتم دور النشر في البوسنة بالحديث وعلومه، إذ تمت ترجمة «صحيح البخاري» و«مختصر صحيح مسلم»، عدة مرات، فضلا عن الاحاديث المجموعة كالأربعين النووية وغيرها. وأصدرت كتاب «المنتخب من الاحاديث النبوية» لمعده يعقوب مميتش وآخرين، وهو مجلد من الحجم الكبير ويحتوي على 448 صفحة. ويتناول شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث، والله جل وعلا في الحديث، والقرآن في الحديث، والاسلام في الحديث، والاحسان في الحديث، والرجل والمرأة في الحديث، إلى جانب الحج، الزكاة، رمضان، الصلاة، الشهادة، والشفاعة في الحديث الشريف. كما يذكر تراجم الإمامين البخاري ومسلم، وأبو هريرة رحمهم الله جميعا. وبلغ عدد الاحاديث المستشهد بها زهاء 2000 حديث. وحرص مميتش على أخذ الاحاديث من مصادرها الصحيحة أي البخاري ومسلم، ثم سنن الترمذي وسنن أبي داوود والنسائي وابن ماجة. كما أصدرت دار القلم للمفكر حاجيتش الذي يعد من رواد الفكر الاسلامي في منطقة البلقان كتابه الشهير «الاسلام والثقافة ونضال المسلمين البوسنيين». واحتفت دور النشر بالسيرة النبوية أيما احتفال فقد أصدرت كتابا يتناول حياة الرسول صلى الله عليه وسلم تحت عنوان «محمد صلى الله عليه وسلم حياته وأعماله» لمحمد حامد الله. وقد نقله إلى البوسنية «نركز سماعيلاغيتش»، في مجلدين من الحجم الكبير يحتويان على497 صفحة. كما أصدرت الدار «النبي محمد صلى الله عليه وسلم» لاسماعيل وهبي، وقد ترجمه عن الانجليزية، فريد كبسوفيتش، ويحتوي على 180 صفحة من القطع الكبير وقد طبع عدة مرات. و«حياة محمد» لحسين هيكل. وسبق ذكر كتاب عثمان نورس حاجيتش عن «الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن». وطبعت دار القلم كتاب «الاسراء والمعراج» للشيخ عبد الحليم محمود. ونقله إلى البوسنية اسماعيل أحماغيتش، ويحتوي على 106 صفحات من القطع المتوسط. ويقول في الكتاب «لا شك أن موضوع الاسراء والمعراج أوسع وأشمل بكثير من أن ينظر إليه فقط كحادث تاريخي، وذلك نظرا إلى أنه يمثل معلما من معالم الحياة لكل مسلم كذلك «يشمل عددا لا يحصى من المعاني والعبر». ومما يشير إليه الكتاب بشكل خاص أن وقوع الاسراء والمعراج يمثل منهج حياة في العقيدة الاسلامية من جانب ومنهج حياة في الاخلاق الاسلامية من جانب آخر». وتم التعريف بشيخ الأزهر الأسبق عبد الحليم محمود رحمه الله، والذي زار سراييفو عدة مرات. ومن بين الكتب التي قامت دور النشر بطباعتها، كتاب «علم البلاغة (المعاني والبيان والبديع)» لتوفيق مفتيتش، والمكون من 260 صفحة من القطع الكبير. ويتناول فيه علم البلاغة العربية، التي لا يمكن فهم القرآن الكريم فهما علميا من دون الاحاطة بها. كما يتناول علوم الصرف والنحو والعروض والبيان والمحسنات وأساليب التعبير.
كما يتطرق إلى علم العقائد، وإعجاز الاسلوب القرآني، وتعدد المعاني، والبلاغة، وعلم المعاني. والمؤلف من أشهر المستعربين البوسنيين، وهو مؤلف أول قاموس عربي بوسنوي، ومن أفاضل العلماء البوسنيين في علوم العربية. وفي نفس السياق، نشركتاب «آفاق الادب العربي الاسلامي» ليوسف راميتش و«المصطلحات الفلسفية القروسطية في اللغة العربية» لطارق هاوريتش. ويتناول الكتاب المصطلحات الفلسفية العربية القروسطية وطريقة ترجمتها إلى اللغة البوسنية، وذلك من خلال البحث في نشأة المصطلحات العربية الفلسفية. ويتكون الكتاب من 123 صفحة من الحجم المتوسط. إضافة لكتاب «العلوم العربية الرئيسية ومدارسها من القرن الخامس عشر إلى السابع عشر» لعمر ناكيتشيفيتش. ويبلغ عدد صفحات الكتاب 252 صفحة من القطع الكبير، وهو كتاب بحثي تحليلي لتاريخ الاسلام الثقافي في البلقان. ويعتبر انجازا علميا أصيلا في مجاله. ولا يمكن أن نتجاوز هذا الجانب دون أن نقف عند «المنقذ من الضلال» للامام أبو حامد الغزالي والذي ترجمه حيلمو نيماريا أحد الوجوه الثقافية والعلمية المرموقة في البوسنة. وقال مدير دار القلم الدكتور سليم ياركوتش إن «المسلمين في البوسنة خاصة، والبلقان عامة يحتاجون لنوع معين من الفكر، ينطلق من الاستقراء العقلي، ويحاور النفس البشرية بالمنطق الذي يسودها».