لمدة 6 أشهر.. ترامب يحظر الطلاب الأجانب من الدراسة في جامعة هارفارد    الكرملين: بوتين أبلغ ترامب بأن المحادثات مع أوكرانيا في تركيا "كانت مفيدة"    اليوم، تشغيل 4 قطارات إضافية مكيفة على خط القاهرة - أسوان    تهنئة عيد الأضحى 2025 رسمية مكتوبة    شريف بديع ل الفجر الفني: كنت شاهد على تحضيرات ريستارت..ورسالته مهمه وفي وقتها ( حوار)    عالم أزهري: أفضل أيام العشر يوم النحر يليه يوم عرفة    موعد صلاة عيد الأضحى 2025 في مصر لجميع المحافظات    ترامب يأمر بفتح تحقيق بشبهة التستر على الحالة العقلية ل بايدن    سعر الدولار أمام الجنيه الخميس 5-6-2025    وداعًا سيدة المسرح العربي| سميحة أيوب.. فصل الختام في سيرة لا تنتهي    حجاج بيت الله يواصلون التوافد إلى عرفات لأداء ركن الحج الأعظم    كامل الوزير يكشف تفاصيل إنتاج ألبان أطفال (فيديو)    فرصة تعيين جديدة.. «التعليم» تفتح باب التقدم ل 9354 و ظيفة معلم مساعد في اللغة الإنجليزية بجميع المحافظات    زلزال العيد.. هزة أرضية تضرب دولة عربية بقوة    موعد إعلان نتيجة 3 إعدادي محافظة جنوب سيناء الترم الثاني.. رابط الاستعلام بالاسم و رقم الجلوس فور اعتمادها    دعاء يوم عرفة مستجاب كما ورد في السنة النبوية    فضل الدعاء في يوم عرفة.. أمين الفتوى يوضح    أبطال مجهولون في العيد.. وقف ‬الراحات ‬وحملات ‬مكثفة ‬وانتشار ‬أمني ‬واسع    اليوم.. «بيت الزكاة والصدقات» يقدِّم 4000 وجبة إفطار للصائمين بالجامع الأزهر    عيد الأضحى موسم للتواصل مع الناخبين.. الأحزاب تسابق الزمن استعدادا للانتخابات    إصابة 3 أشخاص إثر انقلاب سيارة ملاكي في الوادي الجديد    حبس عصابة تخصصت في سرقة مواقع تحت الإنشاء ببدر    محافظ قنا يستقبل وفدًا من مطرانية الأقباط الأرثوذكس للتهنئة بعيد الأضحى    الفاصوليا ب 70 جنيهًا.. أسعار البقوليات في أسواق الشرقية الخميس 5 يونيو 2025    أيمن موسى يكتب: «جورجي إسرائيلي كوري بيلاروسي»    والدة شيكا ترفض 108 آلاف جنيه.. أبرز ما جاء فى بيان أرملة إبراهيم شيكا    حكايات العيد والحج.. إبداع بريشة المستشرقين    وول ستريت جورنال: ترامب نفد صبره من انتقادات ماسك للمشروع الضخم    تشكيل الزمالك المتوقع ضد بيراميدز في نهائي كأس مصر.. الجزيري يقود الهجوم    دي أمراض أنا ورثتها، كامل الوزير يقيل أحد مسؤولي وزارة الصناعة على الهواء (فيديو)    له فضل عظيم.. دعاء يوم عرفة    «أضحى الخير» يرسم البسمة على وجوه 5 آلاف أسرة بالوادي الجديد.. صور    قاضٍ أمريكي يوقف ترحيل عائلة المصري المشتبه به في هجوم كولورادو    ناجي الشهابي مهنئًا الرئيس السيسي بعيد الأضحى المبارك: نقف خلفكم.. ومواقفكم أعادت لمصر دورها القيادي    «اصبر أحنا مطولين مع بعض».. محامي زيزو يتوعد عضو مجلس الزمالك بعد واقعة الفيديو    بعثة الأهلى تغادر مطار دبى إلى أمريكا للمشاركة فى كأس العالم للأندية    رد جديد من اتحاد الكرة بشأن أزمة عقد زيزو مع الزمالك: «ملتزمون بهذا الأمر»    المصرية للاتصالات WE تطلق رسميًا خدمات الجيل الخامس في مصر لدعم التحول الرقمي    «صحة مطروح» تستعد لعيد الأضحى    موعد أذان الفجر اليوم في القاهرة وجميع المحافظات للصائمين يوم عرفة    الإفتاء تحسم الجدل.. هل تسقط صلاة الجمعة إذا وافقت يوم العيد؟    غرفة عمليات ذكية لضمان أجواء آمنة.. صحة مطروح تُجهز الساحل الشمالي ل صيف 2025    ب3 أرقام.. كريستيانو رونالدو يواصل كتابة التاريخ مع البرتغال    أحمد سالم: صفقة انتقال بيكهام إلى الأهلي "علامة استفهام"    رسميًا.. الهلال السعودي يعلن تعاقده مع سيموني إنزاجي خلفًا لجيسوس    بحضور نجوم الفن.. حماقي وبوسي يحييان حفل زفاف محمد شاهين ورشا الظنحاني    بعد ارتفاع عيار 21 لأعلى سعر.. أسعار الذهب اليوم الخميس 5 يونيو بالصاغة محليًا وعالميًا    نجاح أول جراحة لاستبدال الشريان الأورطي بمستشفى المقطم للتأمين الصحي    نصائح مهمة يجب اتباعها على السحور لصيام يوم عرفة بدون مشاكل    صحة الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى خلال إجازة عيد الأضحى    حدث ليلًا| استرداد قطعًا أثرية من أمريكا وتفعيل شبكات الجيل الخامس    قبل صدام بيراميدز.. كم مرة توج الزمالك ببطولة كأس مصر بالألفية الجديدة؟    نجاة السيناريست وليد يوسف وأفراد أسرته من حادث سير مروع    القائد العام للقوات المسلحة ووزير خارجية بنين يبحثان التعاون فى المجالات الدفاعية    الرسوم الجمركية «مقامرة» ترامب لانتشال الصناعة الأمريكية من التدهور    التعليم العالى تعتزم إنشاء أكبر مجمع صناعي للأجهزة التعويضية    5 أبراج «مايعرفوش المستحيل».. أقوياء لا يُقهرون ويتخطون الصعاب كأنها لعبة مُسلية    فوائد اليانسون يخفف أعراض سن اليأس ويقوي المناعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالناصر سلامة: عودة مصر..!
نشر في أخبار مصر يوم 20 - 12 - 2013

المشهد السياسي الداخلي شهد هذا الأسبوع حدثين على قدر كبير من الأهمية, أرى ضرورة التوقف أمامهما, أولهما تمثل في تدشين حزب حماة مصر, والثاني هو, المؤتمر العام الأول لجبهة مصر بلدي, وكما هو واضح, فإن اسم مصر كان رابطا, أو عاملا مشتركا, بين التسميتين, كما كان التوقيت أيضا.
والملاحظ في حزب حماة أنه جمع في معظم عضويته ضباطا سابقين بالقوات المسلحة, يتقدمهم الفريق جلال هريدي, كما يلاحظ في جبهة بلدي أنها جمعت, بقيادة المفتي السابق الدكتور علي جمعة, طوائف متعددة من فئات الشعب المختلفة, التي رأت أن البلد قد استأثرت به قلة قليلة خلال السنوات الماضية, مما جعل الأغلبية تحجم عن المشاركة, أو التفاعل مع المشهد السياسي بوضعيته الحالية.
وفي الحالة الأولى.. كان على ضباط القوات المسلحة السابقين, وبعد أن أفنوا أعواما طويلة من عمرهم في خدمة الوطن, بشرف ونزاهة, ألا يظلوا بمنأى عن الأحداث, وخاصة أنهم يدركون جيدا أن معظم القوى التي تطرح نفسها على الساحة, الآن, أصبحت أياديها ملطخة بآثام المصالح, والترزق, والأيديولوجيات العفنة, وأحيانا التمويل المشبوه, وقد آن الأوان لتشهد الساحة فصيلا جديدا من الوطنيين الحقيقيين, والخبراء المشهود لهم, في مختلف فروع المعرفة.
أما في الحالة الثانية.. فقد جاء الإعلان عن الجبهة متأخرا جدا, ربما عامين كاملين كان يمكن خلالهما أن يمثل هذا التنوع الفكري, والسياسي, والاجتماعي قيادة سياسية وشعبية للمرحلة السابقة, التي عانت فراغا, استغله البعض سياسيا للسطو على مقاليد السلطة, وإعلاميا للعبث بعقول المواطنين, وها هي الأزمات تلاحقت بسبب هذا الفراغ, وكأن مصر قد نضبت من العقول الرشيدة.
لن نظل نجلد الذات.. ولن نمعن في البكاء على أطلال الماضي, إلا أن ما هو مؤكد هو أن هذين الحدثين سوف يمثلان التطور الأبرز في مستقبل الحياة السياسية المصرية خلال السنوات المقبلة, بعد أن وضح أن عودة مصر لأبنائها الطبيعيين لم تكن تحتاج إلى أكثر من إرادة قوية, يقودها الأحرار من أبناء الوطن, الذين لم تغرهم أموال الخارج, ولم تلوثهم مؤامرات الداخل, وها قد آن الأوان لينسحب المتسلقون إلى المشهد السياسي طواعية, وإن لم يكن فقسرا, وخزيا.
ما هو معلوم.. هو أن مصر قد سرقت, طوال الأعوام الثلاثة الماضية, لمصلحة مجموعات, المصريون منهم براء, والثقافة المصرية أيضا منهم براء, فهم بحق نبت سرطاني في الجسد المصري, وإلا لما كان كل هذا العنف, وكل هذا الانفلات, وكل هذه الفوضى, وهم لن يستطيعوا الاستمرار في الأضواء إذا أصبح هناك هدوء واستقرار, ومن هنا كان الحرص على استمرار الموقف مشتعلا من كل جوانبه.. والخطير في الأمر هو أن يصبح هؤلاء كما هي الحال الآن في مواقع صناعة القرار, الرئاسية منها والحكومية, التنظيمية منها والحزبية, وكان من الطبيعي أن تمتد سيطرتهم إلى وسائل الإعلام, ليكتسبوا المزيد من النفوذ, مما رفع من سقف ابتزازهم وضغوطهم على صانع القرار, وقد حققوا في ذلك مكاسب جمة, توجت بتمثيلهم في كل المواقع, دون أدنى مقاومة, على الرغم من الغليان الشعبي, الذي رأى, منذ اللحظة الأولى, أن الوطن ينحدر إلى هاوية سحيقة, على أيدي مجموعات احترفت النصب السياسي, حتى في أحلك اللحظات, والتربح المادي, حتى في أخطر مراحل التقشف, وها هم يواصلون الفساد, والإفساد, مادام أبناء مصر الطبيعيون قد آثروا الانطواء, والانزواء.
إلا أن..
الإعلان عن الحزب والجبهة, في توقيت واحد, قد أكد أن مصر مازالت تنبض بالحياة, وستظل, وأكد أيضا أن الوضع الراهن ما هو إلا كبوة سوف تزول, وغمة سوف تنقشع, وإذا كان هذا الإعلان, أو ذاك, لم يجد الدعم الإعلامي الذي يتناسب مع حجم الحدث; فقد كان ذلك بمثابة دليل واضح على أن اللوبي المسيطر على مقاليد الإعلام يعمل في النهاية من خلال الطابور الخامس, الذي يؤرقه ظهور هذا الحزب, أو هذه الجبهة, ومن ثم فإن المسيرة المستقبلية لهما سوف تجد مقاومة عنيفة, وهو ما يجب أن يكون في حسبان القائمين على هذا الحزب وتلك الجبهة في آن واحد, وخاصة أنهما قد وجدا دعما معنويا منقطع النظير في الأوساط الطبيعية الشعبية بمختلف المحافظات, كما وجدا إقبالا كبيرا من سياسيين, ووزراء سابقين, وأكاديميين من مختلف التوجهات, ومن المتوقع خلال فترة وجيزة أن يشكلا معا الكتلة السياسية الأبرز, والأكثر جماهيرية على الساحة, ولم لا؟, ونحن أمام مصر الطبيعية, التي ردد أبناؤها هتاف الولاء للقوات المسلحة, وأناشيد الانتماء للوطن, والدعوة إلى الاستقرار, ونبذ العنف, والسير بخريطة المستقبل إلى الأمام.
وإذا كانت الأرقام الرسمية تتحدث عن وجود 90 حزبا سياسيا على الساحة, الآن, لم يشعر بها المواطن, فهو أمر عبثي, ووجود نحو 150 ائتلافا وحركة سياسية, أنشئت في غفلة من الزمن, فهو أمر فوضوي, وإذا كانت الأرقام أيضا تتحدث عن وجود نحو 37 ألفا من الجمعيات الأهلية, التي تستغلها هذه الأحزاب, وتلك الائتلافات, في تحقيق أهدافها, فهو أمر غير مقبول على الإطلاق, وقد أسهم ذلك في زيادة حجم الفوضى, التي تعيشها البلاد, بل ضاعف من حجم حالة الانفلات, التي يئن منها المجتمع, ومن هنا, فإن عملية الترشيد لهذه, وتلك, تصبح أولوية مطلقة, تأخذ في الاعتبار مدى حاجة المجتمع لكل هذه المسميات, ولكل هذه الأنواع من الأنشطة, وخاصة في مثل هذه المرحلة, التي اختلط فيها الحابل بالنابل, وأصبح المرتزقة ثوريين, والمأجورون ناشطين, والمزايدون سياسيين, والمدعون خبراء, والرادحون إعلاميين, والمجنسون وطنيين, والمثليون حكماء, والمشبوهون فقهاء, والعملاء قادة, والمتآمرون مسيطرين, والمخربون مطلقي السراح.
الغريب في الأمر..
أن الطابور الخامس لم يعد يخفي أطماعه في الانقضاض على المؤسسات الصحفية القومية, لفرض أمر واقع على الدولة, قبل اكتمال مؤسساتها الرسمية, بالاستفتاء على الدستور, والانتخابات البرلمانية, والرئاسية, وقد وجد في ذلك تعاونا كبيرا من مؤسسة الرئاسة, والحكومة في آن واحد, وأعتقد أن ما يحاك لهذه المؤسسات الآن من مخططات شريرة هو الأخطر في تاريخها, وذلك لأن السطو على هذه المؤسسات, في هذه المرحلة تحديدا, هو تتويج لمخطط السطو على الدولة وسرقتها, في ظل صمت المؤسسة العسكرية أيضا, التي كان يجب أن يكون لها موقف واضح تجاه ذلك الذي يجري, وفي ظل لا مبالاة من الأجهزة السيادية, التي كان يجب أن تعي خطورة هذا المخطط وآثاره المستقبلية على الوطن والمواطن في آن واحد, وأستطيع أن أؤكد أن هذا المخطط الشرير, إن أخذ في الاستمرار, فإن حالة الارتباك والانفلات في المجتمع سوف تستمر في التفاعل مع سيطرة أيديولوجية بعينها على مجريات الإعلام الرسمي, كامتداد لفوضى الإعلام الخاص, في مرحلة هي الأدق والأهم في تاريخ التحول المصري.
يجب أن ندرك..
أننا نمر الآن بأخطر مرحلة في تاريخ مصر الحديث, فإما أن نعبر إلى بر الأمان, وذلك بتهيئة الأجواء المناسبة للعمل أمام الوطنيين الشرفاء, لكي يتقدموا الصفوف دون معوقات, وإما أن تظل البلاد فريسة لأطماع المناوئين من الخارج, ومعاونيهم في الداخل, يعبثون بمقدراتها, ويزايدون على مستقبلها, أي أن الأمر يتطلب إعادة ترتيب أوراق المشهد السياسي, بما لا يخرج بالأوضاع عن سيطرة الدولة الرسمية, كما كانت الحال إبان 25 يناير 2011, بعد أن اكتشفت الدولة أن حالة من الضياع السياسي, والشبابي, والاجتماعي, قد سبقت ذلك التاريخ بعدة سنوات, تمكنت خلالها أجهزة مخابراتية عديدة من العبث في أوصال ومفاصل المجتمع, تحت مسميات مختلفة, أسفرت في النهاية عن حالة الاهتراء, والاستقطاب, والانقسام, التي يعيشها حتى الآن, دون أي أفق واضح للخلاص منها, حيث مازالت المسببات قائمة, كما الأجواء مناسبة, في الوقت الذي توقفت فيه عجلة الإنتاج, وتراجعت فيه معدلات التنمية, وبالتالي ارتفعت نسبة البطالة إلى الحد الذي يفاقم من الأزمة السياسية.
الموقف إذن..
يحتاج إلى وقفة واضحة وقوية, تأخذ في الاعتبار حقيقة مؤكدة, وهي أنه لا تنمية, ولا استقرار دون مواجهة المشهد السياسي الداخلي بالقدر الذي يستحق, وتضع في الاعتبار, أيضا, أن سياسة التوازنات, والمواءمات, التي تنتهجها الدولة حاليا, لن تجدي نفعا, إلا أن الخطير في هذا الأمر, تحديدا, هو أن هذه الرسالة قد لا تجد من يتلقفها الآن للتعامل معها, فلا المؤسسة الرئاسية بالقوة التي تؤهلها للقيام بهذه المهمة, ولا مؤسسة الحكومة موثوق بها بالقدر الذي يجعلنا نؤمن بأنها يمكن أن تحقق هذا الهدف, ولا المؤسسة العسكرية ترغب في أن تصبح شريكا في هذا الشأن, وبالتالي فقد تستمر حالة العبث هذه إلى ما لا نهاية, ولكن ما يجب التنبيه إليه هو أن استمرارها بهذا الشكل قد يخرج بها عن السيطرة في مواقع عديدة, وخاصة في الأوساط الطلابية, التي تشهد الآن زخما غير منطقي, بدعم أكاديمي, وغطاء سياسي, وأيضا الأوساط العمالية, التي تتجه إليها الأنظار, باستغلال مطالبها الفئوية, ومعاناتها اليومية.
ومن هنا..
وفي غياب الدولة الرسمية, يصبح إشهار حزب, بحجم حماة مصر, وجبهة, بقوة مصر بلدي, أمرا على قدر كبير من الأهمية, أدعو كل المخلصين الشرفاء من أبناء الوطن إلى دعمهما من كل الوجوه, فقد جاءا بمثابة إنقاذ للموقف, وإذا كان التليفزيون الرسمي للدولة قد فشل فشلا ذريعا في السابق, واستمر فشله, حتى الآن, في قيادة المشهد, فقد آن الأوان لينهض من جديد, بالتفاعل مع قضايا من هذا النوع, وتبني مواقف وطنية, وقضايا قومية, يتطلع إليها الشارع, بدلا من حالة الاهتراء, التي جعلت المشاهد ينفر إلى فضائيات الفتنة, والردح, وإثارة الفوضى, لحساب بعض رجال الأعمال تارة, ولحساب منظمات التمويل تارة أخرى, وسوف نكتشف, شيئا فشيئا, أن مصر تعود من جديد, بأداء أبنائها الإعلاميين, وبفعل المخلصين من أبنائها السياسيين, والأكاديميين, والعسكريين السابقين, الذين لم تلوث أيديهم بالفساد, ولم تلطخ صحائفهم بالعمالة والتبعية, مع الأخذ في الاعتبار أن مثل هذه المساندة الإعلامية هي أقل ما يمكن تقديمه لهؤلاء, الذين كان يمكن أن يؤثروا التقوقع, بمنأى عن المهاترات, إلا أنهم أبوا أن تظل مصر رهنا للفساد والفاسدين.
ولئن كان الحزب والجبهة, معا, قد حملا على عاتقيهما دعوة الناخبين إلى الإجابة ب نعم في الاستفتاء على الدستور, ودعوة الفريق أول عبدالفتاح السيسي إلى الترشح للرئاسة, فهو دليل آخر على أنهما, معا, قد خرجا من رحم الشعب الطبيعي, الذي ينشد الاستقرار, والعبور بالمرحلة الراهنة إلى بر الأمان, دون مغالطات سياسية, وأيديولوجية, لا تتفق مع طبيعة شعب يعي أصول وقواعد اللعبة السياسية, ويدرك حجم الخطر, الذي يحيط به من كل جانب, ومن هنا جاءت المشاركة الواسعة, من التوجهات السياسية المختلفة, والأعمار المتفاوتة, لتؤكد هي الأخرى مدى حاجة الشارع, ومدى تعطشه لمثل هذه المبادرات, التي رأي فيها تعبيرا عن إرادته وطموحاته, بعد أن ظل أعواما طويلة على مقعد المتفرج, أو المراقب, سواء قبل 25 يناير أو بعدها, ولأن الأمر كذلك; فقد يمثل هذا الحدث, وذاك, بداية لممارسة شعبية حزبية حقيقية, انتظرها المواطن طويلا, يمكن البناء عليها في المستقبل, كحالة مصرية خالصة, تنتمي لمصر فقط, دون أدنى شبهة في الداخل, ودون أي ارتباط بالخارج, وهو ما كنا ننشده طوال الوقت.
على أي حال..
وبالنظر إلى حالة الارتباك السائدة في الشارع المصري حاليا; فسوف تكون مهمة الحزب والجبهة, معا, ثقيلة وصعبة, في اختراق هذه الحالة, والتعامل معها, وذلك في وجود فضائيات تعمل طوال الوقت على إشاعة هذه الأجواء واستمرارها, كما أن حالة التحفز من بعض القوى الموجودة على الساحة تجاه أي محاولات للاستقرار, والتفاعل مع الجماهير; سوف تزيد من صعوبة المهمة, إلا أن ما هو مؤكد هو أن رجل الشارع قد ضاق ذرعا بكل هؤلاء, وأصبح يزدريهم أيما ازدراء, وهو ما يمكن البناء عليه بأن مصر تعود إلى أبنائها الطبيعيين, وذلك من خلال طرح واضح, وشفافية مطلقة, تعمل طوال الوقت على كشف أبعاد الموقف, وتعرية أركانه, وفتح ملفاته, التي تتعلق, بصفة خاصة, بالتمويل الأجنبي, والترزق, والتربح, وبالتأكيد فإن البقاء في النهاية للعملة الجيدة, حتى لو استغرق الأمر بعض الوقت, فنحن أمام لصوص, إن كانوا قد أفلتوا من تهمة استغلال مشاعر وعواطف الناس, أو من تهمة السطو على أموالهم, أو من تهمة المزايدة على مكتسباتهم, فإنهم لن يفلتوا أبدا من تهمة السطو على الوطن كل الوطن وسرقته, والتحكم في مصائر أبنائه, وكلنا ثقة في الله سبحانه وتعالى, وفي قدرة هذا الشعب على التمييز بين الغث والسمين, حتى يستطيع في النهاية استعادة وطنه المغتصب!
الفردي والقائمة..
على مدى تاريخ انتخاباتنا البرلمانية, لم نكن نشهد أي جدل مسبق حول طريقة إجراء هذه الانتخابات, التي كانت دائما تتم بالنظام الفردي, نظرا للشفافية المطلقة في مثل هذا النظام, إلى أن رأى البعض, في مرحلة من المراحل, أن الانتخابات بالقائمة, قد تكون أسهل في التزوير من جهة, وفي فرض أشخاص بعينهم من جهة أخرى!
وبالفعل.. فرض هؤلاء إرادتهم على الشعب, وأجريت الانتخابات بهذه الطريقة, في مرحلة من المراحل, وبالطريقتين معا, في مرحلة أخرى, وفي المرتين كانت تحصل على حكم بعدم الدستورية, بالإضافة إلى أنها بالفعل كانت تسفر عن تتويج أشخاص لا علاقة لهم بالناس, ولا بهمومهم, حيث لا يتواصلون معهم, وبالتالي فلا يعنيهم الناخب من قريب أو بعيد.
هو.. إذن.. لغط على الساحة السياسية, دوافعه معروفة مقدما, كما أن نتائجه معلومة أيضا, إلا أنه قد بدا واضحا أن شيئا لم يتغير في المعادلة السياسية المصرية, وكأن الاتجاه للتزوير قائم, كما أن النية لفرض منبوذين, أيضا, مطروحة, ولذلك فقد تجد أن كل من يدعمون التوجه نحو انتخابات بالقائمة, أو جزء منها, هم من المشوهين سياسيا, واجتماعيا, الذين لا يثقون في الشارع, كما لا يثق الشارع فيهم.
المعروف لدينا في الأقاليم, بصفة خاصة, هو أن نائب البرلمان يتحمل, إلى جانب الشق التشريعي, جانبا خدميا كبيرا للمواطنين, وهذه نتيجة طبيعية لفساد المحليات, الذي يتطلب دعما من شخصيات مرموقة سياسيا, وشعبيا لقضاء حاجات الناس, التي كان يجب إنجازها بشكل طبيعي, وهذا الأمر يتطلب تواصلا بين النائب والمواطن, طوال الوقت, يبدأ من لحظة الترشح بتفاعل شخصي, قد لا يكون له أي وجود في انتخابات القائمة, التي تعول في كل الأحوال على الاسم الأول المتصدر لها, أو اثنين على الأكثر, قد لا يراهما الناخب طوال فترة الدعاية الانتخابية, فما بالنا بعد إعلان نجاحه؟!
لقد أثبتت تجربة انتخابات القائمة في مصر فشلها من كل الوجوه, سواء فيما يخص مصلحة المواطن, أو مصلحة العمل التشريعي, ورجل الشارع يدرك ذلك جيدا, وأستطيع أن أؤكد كذلك أن القائمين على أمر البلاد يدركون ذلك أيضا, وإذا كان هناك أدنى شك في هذا الطرح فلنحل الأمر إلى المواطن نفسه, ليقرر ذلك من خلال استفتاء رسمي, وليكن ذلك مع الاستفتاء على الدستور, ليقرر النظام الانتخابي الذي يريد, أما أن يظل المواطن في الحاضر, كما في السابق, ألعوبة يحركها مغرضون, لتحقيق مآربهم الشخصية, ومصالح أحزابهم الوهمية, فهو ما يجب عدم الصمت تجاهه, أو تحمله أكثر من ذلك.
ولأن المغرضين في لجنة الخمسين, التي قامت بإعداد, أو تعديل الدستور, كانوا كثرا, فقد كان من الطبيعي ألا يتم التوصل إلى صيغة توافقية في هذا الشأن, إلا أننا نحمد الله أن الأمر في النهاية قد أحيل إلى رئيس الجمهورية لحسمه, حيث كان من الممكن الافتئات على هذه القضية كغيرها, وإقرارها بالطريقة, التي لا تتوافق مع رغبات الشعب, ومن هنا, فإن الرئيس يصبح مطالبا بالنزول على هذه الرغبات, حتى لو تم ذلك من خلال استطلاع للرأي العام يمكن إسناده إلى أي من الجهات السيادية.
أما إذا اعتبرنا أن بعض القوى الموجودة على الساحة, الآن, هي الممثل الشرعي للشعب, وتعاملنا مع مطالبها من هذا المنطلق, فنحن أمام كارثة, لأن الحقيقة على أرض الواقع تؤكد غير ذلك, وسوف نتأكد أكثر في حالة إجراء الانتخابات البرلمانية بالطريقة الفردية, حيث سنكتشف أن هؤلاء جميعا لا علاقة لهم بالشارع, ولا بالناخب وقضاياه, ولا بآماله, أو آلامه.
وبالمنطق نقول.. إذا كان هناك مرشح ما ينتمي إلى دائرة ما, ويتواصل مع أبنائها, ويعيش همومهم, فلماذا إذن يخشى خوض الانتخابات في مواجهة أي مرشح آخر؟!, وإذا كان هناك مرشح ما يتمتع بسيرة طيبة في دائرته, وفي نيته استمرار التواصل معهم, فلماذا يخشى الدعاية لنفسه فقط؟!, بل إن هناك ما هو أكثر من ذلك, وهو أن أبناء أي دائرة هم الذين يضغطون طوال الوقت على بعض الشخصيات في دوائرهم للترشح, فلماذا ننتزع منهم هذا الحق؟!
هو التفاف, ما بعده التفاف, على إرادة الناس, في حالة تكبيلهم بقوائم لا يعرفون في معظم الأحيان أشكال ما تتضمنه من أسماء تم تجميعها مركزيا في العاصمة, وهو غبن, ما بعده غبن, للمواطن, الذي سوف يظل يبحث عن ذلك النائب, فلن يجد له عنوانا بالدائرة, لأنه, للأسف, من القيادات الحزبية التي ارتبطت عمليا, وواقعيا بالقاهرة, وهو غش, ما بعده غش, لانتخابات قام الناخب بالتصويت فيها على قائمة على أمل نجاح رقم5, أو6, فلم ينجح سوى رقم1, أو.2
أيها السادة.. إذا كان المواطن قد فقد الثقة في القيادات السياسية والحزبية إلى الحد الذي جعله لم يعد يأمل خيرا في اتخاذ القرارات التي تتوافق مع مصالحه, فإننا نأمل أن يكون القرار الجمهوري في هذا الشأن متوافقا مع مصلحة المواطن, وإلا فمن سيكون أرحم به؟!, وإذا كانت لجنة الخمسين قد أخفقت في حسم الموقف لمصلحة الوطن, فإننا نأمل أن يكون الرئيس أكثر التصاقا بمصلحة المواطن, أو هكذا يجب أن يكون.
لنعد.. إذن.. بالدوائر الانتخابية إلى وضعها الطبيعي من حيث المساحة, التي تعين المرشح على التجول فيها, والتعرف على ذويها, ولنعد, أيضا, بالانتخابات إلى مسارها الطبيعي الفردي, الذي يساعد الناخب على الاختيار الدقيق, بدلا من المشاع الفوضوي, الذي لم يحقق أي إيجابيات في السابق, وعلينا أن نعلي مصلحة المواطن فوق الاعتبارات الحزبية والمصالح الشخصية, إذا أردنا أن ننهض بالبلاد من حالة التردي هذه.
نقلا عن جريدة الأهرام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.