المشهد السياسي الداخلي شهد هذا الأسبوع حدثين علي قدر كبير من الأهمية, أري ضرورة التوقف أمامهما, أولهما تمثل في تدشين حزب حماة مصر, والثاني هو, المؤتمر العام الأول لجبهة مصر بلدي, وكما هو واضح, فإن اسم مصر كان رابطا, أو عاملا مشتركا, بين التسميتين, كما كان التوقيت أيضا. والملاحظ في حزب حماة أنه جمع في معظم عضويته ضباطا سابقين بالقوات المسلحة, يتقدمهم الفريق جلال هريدي, كما يلاحظ في جبهة بلدي أنها جمعت, بقيادة المفتي السابق الدكتور علي جمعة, طوائف متعددة من فئات الشعب المختلفة, التي رأت أن البلد قد استأثرت به قلة قليلة خلال السنوات الماضية, مما جعل الأغلبية تحجم عن المشاركة, أو التفاعل مع المشهد السياسي بوضعيته الحالية. وفي الحالة الأولي.. كان علي ضباط القوات المسلحة السابقين, وبعد أن أفنوا أعواما طويلة من عمرهم في خدمة الوطن, بشرف ونزاهة, ألا يظلوا بمنأي عن الأحداث, وخاصة أنهم يدركون جيدا أن معظم القوي التي تطرح نفسها علي الساحة, الآن, أصبحت أياديها ملطخة بآثام المصالح, والترزق, والأيديولوجيات العفنة, وأحيانا التمويل المشبوه, وقد آن الأوان لتشهد الساحة فصيلا جديدا من الوطنيين الحقيقيين, والخبراء المشهود لهم, في مختلف فروع المعرفة. أما في الحالة الثانية.. فقد جاء الإعلان عن الجبهة متأخرا جدا, ربما عامين كاملين كان يمكن خلالهما أن يمثل هذا التنوع الفكري, والسياسي, والاجتماعي قيادة سياسية وشعبية للمرحلة السابقة, التي عانت فراغا, استغله البعض سياسيا للسطو علي مقاليد السلطة, وإعلاميا للعبث بعقول المواطنين, وها هي الأزمات تلاحقت بسبب هذا الفراغ, وكأن مصر قد نضبت من العقول الرشيدة. لن نظل نجلد الذات.. ولن نمعن في البكاء علي أطلال الماضي, إلا أن ما هو مؤكد هو أن هذين الحدثين سوف يمثلان التطور الأبرز في مستقبل الحياة السياسية المصرية خلال السنوات المقبلة, بعد أن وضح أن عودة مصر لأبنائها الطبيعيين لم تكن تحتاج إلي أكثر من إرادة قوية, يقودها الأحرار من أبناء الوطن, الذين لم تغرهم أموال الخارج, ولم تلوثهم مؤامرات الداخل, وها قد آن الأوان لينسحب المتسلقون إلي المشهد السياسي طواعية, وإن لم يكن فقسرا, وخزيا. ما هو معلوم.. هو أن مصر قد سرقت, طوال الأعوام الثلاثة الماضية, لمصلحة مجموعات, المصريون منهم براء, والثقافة المصرية أيضا منهم براء, فهم بحق نبت سرطاني في الجسد المصري, وإلا لما كان كل هذا العنف, وكل هذا الانفلات, وكل هذه الفوضي, وهم لن يستطيعوا الاستمرار في الأضواء إذا أصبح هناك هدوء واستقرار, ومن هنا كان الحرص علي استمرار الموقف مشتعلا من كل جوانبه.. والخطير في الأمر هو أن يصبح هؤلاء كما هي الحال الآن في مواقع صناعة القرار, الرئاسية منها والحكومية, التنظيمية منها والحزبية, وكان من الطبيعي أن تمتد سيطرتهم إلي وسائل الإعلام, ليكتسبوا المزيد من النفوذ, مما رفع من سقف ابتزازهم وضغوطهم علي صانع القرار, وقد حققوا في ذلك مكاسب جمة, توجت بتمثيلهم في كل المواقع, دون أدني مقاومة, علي الرغم من الغليان الشعبي, الذي رأي, منذ اللحظة الأولي, أن الوطن ينحدر إلي هاوية سحيقة, علي أيدي مجموعات احترفت النصب السياسي, حتي في أحلك اللحظات, والتربح المادي, حتي في أخطر مراحل التقشف, وها هم يواصلون الفساد, والإفساد, مادام أبناء مصر الطبيعيون قد آثروا الانطواء, والانزواء. إلا أن.. الإعلان عن الحزب والجبهة, في توقيت واحد, قد أكد أن مصر مازالت تنبض بالحياة, وستظل, وأكد أيضا أن الوضع الراهن ما هو إلا كبوة سوف تزول, وغمة سوف تنقشع, وإذا كان هذا الإعلان, أو ذاك, لم يجد الدعم الإعلامي الذي يتناسب مع حجم الحدث; فقد كان ذلك بمثابة دليل واضح علي أن اللوبي المسيطر علي مقاليد الإعلام يعمل في النهاية من خلال الطابور الخامس, الذي يؤرقه ظهور هذا الحزب, أو هذه الجبهة, ومن ثم فإن المسيرة المستقبلية لهما سوف تجد مقاومة عنيفة, وهو ما يجب أن يكون في حسبان القائمين علي هذا الحزب وتلك الجبهة في آن واحد, وخاصة أنهما قد وجدا دعما معنويا منقطع النظير في الأوساط الطبيعية الشعبية بمختلف المحافظات, كما وجدا إقبالا كبيرا من سياسيين, ووزراء سابقين, وأكاديميين من مختلف التوجهات, ومن المتوقع خلال فترة وجيزة أن يشكلا معا الكتلة السياسية الأبرز, والأكثر جماهيرية علي الساحة, ولم لا؟, ونحن أمام مصر الطبيعية, التي ردد أبناؤها هتاف الولاء للقوات المسلحة, وأناشيد الانتماء للوطن, والدعوة إلي الاستقرار, ونبذ العنف, والسير بخريطة المستقبل إلي الأمام. وإذا كانت الأرقام الرسمية تتحدث عن وجود90 حزبا سياسيا علي الساحة, الآن, لم يشعر بها المواطن, فهو أمر عبثي, ووجود نحو150 ائتلافا وحركة سياسية, أنشئت في غفلة من الزمن, فهو أمر فوضوي, وإذا كانت الأرقام أيضا تتحدث عن وجود نحو37 ألفا من الجمعيات الأهلية, التي تستغلها هذه الأحزاب, وتلك الائتلافات, في تحقيق أهدافها, فهو أمر غير مقبول علي الإطلاق, وقد أسهم ذلك في زيادة حجم الفوضي, التي تعيشها البلاد, بل ضاعف من حجم حالة الانفلات, التي يئن منها المجتمع, ومن هنا, فإن عملية الترشيد لهذه, وتلك, تصبح أولوية مطلقة, تأخذ في الاعتبار مدي حاجة المجتمع لكل هذه المسميات, ولكل هذه الأنواع من الأنشطة, وخاصة في مثل هذه المرحلة, التي اختلط فيها الحابل بالنابل, وأصبح المرتزقة ثوريين, والمأجورون ناشطين, والمزايدون سياسيين, والمدعون خبراء, والرادحون إعلاميين, والمجنسون وطنيين, والمثليون حكماء, والمشبوهون فقهاء, والعملاء قادة, والمتآمرون مسيطرين, والمخربون مطلقي السراح. الغريب في الأمر.. أن الطابور الخامس لم يعد يخفي أطماعه في الانقضاض علي المؤسسات الصحفية القومية, لفرض أمر واقع علي الدولة, قبل اكتمال مؤسساتها الرسمية, بالاستفتاء علي الدستور, والانتخابات البرلمانية, والرئاسية, وقد وجد في ذلك تعاونا كبيرا من مؤسسة الرئاسة, والحكومة في آن واحد, وأعتقد أن ما يحاك لهذه المؤسسات الآن من مخططات شريرة هو الأخطر في تاريخها, وذلك لأن السطو علي هذه المؤسسات, في هذه المرحلة تحديدا, هو تتويج لمخطط السطو علي الدولة وسرقتها, في ظل صمت المؤسسة العسكرية أيضا, التي كان يجب أن يكون لها موقف واضح تجاه ذلك الذي يجري, وفي ظل لا مبالاة من الأجهزة السيادية, التي كان يجب أن تعي خطورة هذا المخطط وآثاره المستقبلية علي الوطن والمواطن في آن واحد, وأستطيع أن أؤكد أن هذا المخطط الشرير, إن أخذ في الاستمرار, فإن حالة الارتباك والانفلات في المجتمع سوف تستمر في التفاعل مع سيطرة أيديولوجية بعينها علي مجريات الإعلام الرسمي, كامتداد لفوضي الإعلام الخاص, في مرحلة هي الأدق والأهم في تاريخ التحول المصري. يجب أن ندرك.. أننا نمر الآن بأخطر مرحلة في تاريخ مصر الحديث, فإما أن نعبر إلي بر الأمان, وذلك بتهيئة الأجواء المناسبة للعمل أمام الوطنيين الشرفاء, لكي يتقدموا الصفوف دون معوقات, وإما أن تظل البلاد فريسة لأطماع المناوئين من الخارج, ومعاونيهم في الداخل, يعبثون بمقدراتها, ويزايدون علي مستقبلها, أي أن الأمر يتطلب إعادة ترتيب أوراق المشهد السياسي, بما لا يخرج بالأوضاع عن سيطرة الدولة الرسمية, كما كانت الحال إبان25 يناير2011, بعد أن اكتشفت الدولة أن حالة من الضياع السياسي, والشبابي, والاجتماعي, قد سبقت ذلك التاريخ بعدة سنوات, تمكنت خلالها أجهزة مخابراتية عديدة من العبث في أوصال ومفاصل المجتمع, تحت مسميات مختلفة, أسفرت في النهاية عن حالة الاهتراء, والاستقطاب, والانقسام, التي يعيشها حتي الآن, دون أي أفق واضح للخلاص منها, حيث مازالت المسببات قائمة, كما الأجواء مناسبة, في الوقت الذي توقفت فيه عجلة الإنتاج, وتراجعت فيه معدلات التنمية, وبالتالي ارتفعت نسبة البطالة إلي الحد الذي يفاقم من الأزمة السياسية. الموقف إذن.. يحتاج إلي وقفة واضحة وقوية, تأخذ في الاعتبار حقيقة مؤكدة, وهي أنه لا تنمية, ولا استقرار دون مواجهة المشهد السياسي الداخلي بالقدر الذي يستحق, وتضع في الاعتبار, أيضا, أن سياسة التوازنات, والمواءمات, التي تنتهجها الدولة حاليا, لن تجدي نفعا, إلا أن الخطير في هذا الأمر, تحديدا, هو أن هذه الرسالة قد لا تجد من يتلقفها الآن للتعامل معها, فلا المؤسسة الرئاسية بالقوة التي تؤهلها للقيام بهذه المهمة, ولا مؤسسة الحكومة موثوق بها بالقدر الذي يجعلنا نؤمن بأنها يمكن أن تحقق هذا الهدف, ولا المؤسسة العسكرية ترغب في أن تصبح شريكا في هذا الشأن, وبالتالي فقد تستمر حالة العبث هذه إلي ما لا نهاية, ولكن ما يجب التنبيه إليه هو أن استمرارها بهذا الشكل قد يخرج بها عن السيطرة في مواقع عديدة, وخاصة في الأوساط الطلابية, التي تشهد الآن زخما غير منطقي, بدعم أكاديمي, وغطاء سياسي, وأيضا الأوساط العمالية, التي تتجه إليها الأنظار, باستغلال مطالبها الفئوية, ومعاناتها اليومية. ومن هنا.. وفي غياب الدولة الرسمية, يصبح إشهار حزب, بحجم حماة مصر, وجبهة, بقوة مصر بلدي, أمرا علي قدر كبير من الأهمية, أدعو كل المخلصين الشرفاء من أبناء الوطن إلي دعمهما من كل الوجوه, فقد جاءا بمثابة إنقاذ للموقف, وإذا كان التليفزيون الرسمي للدولة قد فشل فشلا ذريعا في السابق, واستمر فشله, حتي الآن, في قيادة المشهد, فقد آن الأوان لينهض من جديد, بالتفاعل مع قضايا من هذا النوع, وتبني مواقف وطنية, وقضايا قومية, يتطلع إليها الشارع, بدلا من حالة الاهتراء, التي جعلت المشاهد ينفر إلي فضائيات الفتنة, والردح, وإثارة الفوضي, لحساب بعض رجال الأعمال تارة, ولحساب منظمات التمويل تارة أخري, وسوف نكتشف, شيئا فشيئا, أن مصر تعود من جديد, بأداء أبنائها الإعلاميين, وبفعل المخلصين من أبنائها السياسيين, والأكاديميين, والعسكريين السابقين, الذين لم تلوث أيديهم بالفساد, ولم تلطخ صحائفهم بالعمالة والتبعية, مع الأخذ في الاعتبار أن مثل هذه المساندة الإعلامية هي أقل ما يمكن تقديمه لهؤلاء, الذين كان يمكن أن يؤثروا التقوقع, بمنأي عن المهاترات, إلا أنهم أبوا أن تظل مصر رهنا للفساد والفاسدين. ولئن كان الحزب والجبهة, معا, قد حملا علي عاتقيهما دعوة الناخبين إلي الإجابة ب نعم في الاستفتاء علي الدستور, ودعوة الفريق أول عبدالفتاح السيسي إلي الترشح للرئاسة, فهو دليل آخر علي أنهما, معا, قد خرجا من رحم الشعب الطبيعي, الذي ينشد الاستقرار, والعبور بالمرحلة الراهنة إلي بر الأمان, دون مغالطات سياسية, وأيديولوجية, لا تتفق مع طبيعة شعب يعي أصول وقواعد اللعبة السياسية, ويدرك حجم الخطر, الذي يحيط به من كل جانب, ومن هنا جاءت المشاركة الواسعة, من التوجهات السياسية المختلفة, والأعمار المتفاوتة, لتؤكد هي الأخري مدي حاجة الشارع, ومدي تعطشه لمثل هذه المبادرات, التي رأي فيها تعبيرا عن إرادته وطموحاته, بعد أن ظل أعواما طويلة علي مقعد المتفرج, أو المراقب, سواء قبل25 يناير أو بعدها, ولأن الأمر كذلك; فقد يمثل هذا الحدث, وذاك, بداية لممارسة شعبية حزبية حقيقية, انتظرها المواطن طويلا, يمكن البناء عليها في المستقبل, كحالة مصرية خالصة, تنتمي لمصر فقط, دون أدني شبهة في الداخل, ودون أي ارتباط بالخارج, وهو ما كنا ننشده طوال الوقت. علي أي حال.. وبالنظر إلي حالة الارتباك السائدة في الشارع المصري حاليا; فسوف تكون مهمة الحزب والجبهة, معا, ثقيلة وصعبة, في اختراق هذه الحالة, والتعامل معها, وذلك في وجود فضائيات تعمل طوال الوقت علي إشاعة هذه الأجواء واستمرارها, كما أن حالة التحفز من بعض القوي الموجودة علي الساحة تجاه أي محاولات للاستقرار, والتفاعل مع الجماهير; سوف تزيد من صعوبة المهمة, إلا أن ما هو مؤكد هو أن رجل الشارع قد ضاق ذرعا بكل هؤلاء, وأصبح يزدريهم أيما ازدراء, وهو ما يمكن البناء عليه بأن مصر تعود إلي أبنائها الطبيعيين, وذلك من خلال طرح واضح, وشفافية مطلقة, تعمل طوال الوقت علي كشف أبعاد الموقف, وتعرية أركانه, وفتح ملفاته, التي تتعلق, بصفة خاصة, بالتمويل الأجنبي, والترزق, والتربح, وبالتأكيد فإن البقاء في النهاية للعملة الجيدة, حتي لو استغرق الأمر بعض الوقت, فنحن أمام لصوص, إن كانوا قد أفلتوا من تهمة استغلال مشاعر وعواطف الناس, أو من تهمة السطو علي أموالهم, أو من تهمة المزايدة علي مكتسباتهم, فإنهم لن يفلتوا أبدا من تهمة السطو علي الوطن كل الوطن وسرقته, والتحكم في مصائر أبنائه, وكلنا ثقة في الله سبحانه وتعالي, وفي قدرة هذا الشعب علي التمييز بين الغث والسمين, حتي يستطيع في النهاية استعادة وطنه المغتصب! الفردي والقائمة.. علي مدي تاريخ انتخاباتنا البرلمانية, لم نكن نشهد أي جدل مسبق حول طريقة إجراء هذه الانتخابات, التي كانت دائما تتم بالنظام الفردي, نظرا للشفافية المطلقة في مثل هذا النظام, إلي أن رأي البعض, في مرحلة من المراحل, أن الانتخابات بالقائمة, قد تكون أسهل في التزوير من جهة, وفي فرض أشخاص بعينهم من جهة أخري! وبالفعل.. فرض هؤلاء إرادتهم علي الشعب, وأجريت الانتخابات بهذه الطريقة, في مرحلة من المراحل, وبالطريقتين معا, في مرحلة أخري, وفي المرتين كانت تحصل علي حكم بعدم الدستورية, بالإضافة إلي أنها بالفعل كانت تسفر عن تتويج أشخاص لا علاقة لهم بالناس, ولا بهمومهم, حيث لا يتواصلون معهم, وبالتالي فلا يعنيهم الناخب من قريب أو بعيد. هو.. إذن.. لغط علي الساحة السياسية, دوافعه معروفة مقدما, كما أن نتائجه معلومة أيضا, إلا أنه قد بدا واضحا أن شيئا لم يتغير في المعادلة السياسية المصرية, وكأن الاتجاه للتزوير قائم, كما أن النية لفرض منبوذين, أيضا, مطروحة, ولذلك فقد تجد أن كل من يدعمون التوجه نحو انتخابات بالقائمة, أو جزء منها, هم من المشوهين سياسيا, واجتماعيا, الذين لا يثقون في الشارع, كما لا يثق الشارع فيهم. المعروف لدينا في الأقاليم, بصفة خاصة, هو أن نائب البرلمان يتحمل, إلي جانب الشق التشريعي, جانبا خدميا كبيرا للمواطنين, وهذه نتيجة طبيعية لفساد المحليات, الذي يتطلب دعما من شخصيات مرموقة سياسيا, وشعبيا لقضاء حاجات الناس, التي كان يجب إنجازها بشكل طبيعي, وهذا الأمر يتطلب تواصلا بين النائب والمواطن, طوال الوقت, يبدأ من لحظة الترشح بتفاعل شخصي, قد لا يكون له أي وجود في انتخابات القائمة, التي تعول في كل الأحوال علي الاسم الأول المتصدر لها, أو اثنين علي الأكثر, قد لا يراهما الناخب طوال فترة الدعاية الانتخابية, فما بالنا بعد إعلان نجاحه؟! لقد أثبتت تجربة انتخابات القائمة في مصر فشلها من كل الوجوه, سواء فيما يخص مصلحة المواطن, أو مصلحة العمل التشريعي, ورجل الشارع يدرك ذلك جيدا, وأستطيع أن أؤكد كذلك أن القائمين علي أمر البلاد يدركون ذلك أيضا, وإذا كان هناك أدني شك في هذا الطرح فلنحل الأمر إلي المواطن نفسه, ليقرر ذلك من خلال استفتاء رسمي, وليكن ذلك مع الاستفتاء علي الدستور, ليقرر النظام الانتخابي الذي يريد, أما أن يظل المواطن في الحاضر, كما في السابق, ألعوبة يحركها مغرضون, لتحقيق مآربهم الشخصية, ومصالح أحزابهم الوهمية, فهو ما يجب عدم الصمت تجاهه, أو تحمله أكثر من ذلك. ولأن المغرضين في لجنة الخمسين, التي قامت بإعداد, أو تعديل الدستور, كانوا كثرا, فقد كان من الطبيعي ألا يتم التوصل إلي صيغة توافقية في هذا الشأن, إلا أننا نحمد الله أن الأمر في النهاية قد أحيل إلي رئيس الجمهورية لحسمه, حيث كان من الممكن الافتئات علي هذه القضية كغيرها, وإقرارها بالطريقة, التي لا تتوافق مع رغبات الشعب, ومن هنا, فإن الرئيس يصبح مطالبا بالنزول علي هذه الرغبات, حتي لو تم ذلك من خلال استطلاع للرأي العام يمكن إسناده إلي أي من الجهات السيادية. أما إذا اعتبرنا أن بعض القوي الموجودة علي الساحة, الآن, هي الممثل الشرعي للشعب, وتعاملنا مع مطالبها من هذا المنطلق, فنحن أمام كارثة, لأن الحقيقة علي أرض الواقع تؤكد غير ذلك, وسوف نتأكد أكثر في حالة إجراء الانتخابات البرلمانية بالطريقة الفردية, حيث سنكتشف أن هؤلاء جميعا لا علاقة لهم بالشارع, ولا بالناخب وقضاياه, ولا بآماله, أو آلامه. وبالمنطق نقول.. إذا كان هناك مرشح ما ينتمي إلي دائرة ما, ويتواصل مع أبنائها, ويعيش همومهم, فلماذا إذن يخشي خوض الانتخابات في مواجهة أي مرشح آخر؟!, وإذا كان هناك مرشح ما يتمتع بسيرة طيبة في دائرته, وفي نيته استمرار التواصل معهم, فلماذا يخشي الدعاية لنفسه فقط؟!, بل إن هناك ما هو أكثر من ذلك, وهو أن أبناء أي دائرة هم الذين يضغطون طوال الوقت علي بعض الشخصيات في دوائرهم للترشح, فلماذا ننتزع منهم هذا الحق؟! هو التفاف, ما بعده التفاف, علي إرادة الناس, في حالة تكبيلهم بقوائم لا يعرفون في معظم الأحيان أشكال ما تتضمنه من أسماء تم تجميعها مركزيا في العاصمة, وهو غبن, ما بعده غبن, للمواطن, الذي سوف يظل يبحث عن ذلك النائب, فلن يجد له عنوانا بالدائرة, لأنه, للأسف, من القيادات الحزبية التي ارتبطت عمليا, وواقعيا بالقاهرة, وهو غش, ما بعده غش, لانتخابات قام الناخب بالتصويت فيها علي قائمة علي أمل نجاح رقم5, أو6, فلم ينجح سوي رقم1, أو.2 أيها السادة.. إذا كان المواطن قد فقد الثقة في القيادات السياسية والحزبية إلي الحد الذي جعله لم يعد يأمل خيرا في اتخاذ القرارات التي تتوافق مع مصالحه, فإننا نأمل أن يكون القرار الجمهوري في هذا الشأن متوافقا مع مصلحة المواطن, وإلا فمن سيكون أرحم به؟!, وإذا كانت لجنة الخمسين قد أخفقت في حسم الموقف لمصلحة الوطن, فإننا نأمل أن يكون الرئيس أكثر التصاقا بمصلحة المواطن, أو هكذا يجب أن يكون. لنعد.. إذن.. بالدوائر الانتخابية إلي وضعها الطبيعي من حيث المساحة, التي تعين المرشح علي التجول فيها, والتعرف علي ذويها, ولنعد, أيضا, بالانتخابات إلي مسارها الطبيعي الفردي, الذي يساعد الناخب علي الاختيار الدقيق, بدلا من المشاع الفوضوي, الذي لم يحقق أي إيجابيات في السابق, وعلينا أن نعلي مصلحة المواطن فوق الاعتبارات الحزبية والمصالح الشخصية, إذا أردنا أن ننهض بالبلاد من حالة التردي هذه. لمزيد من مقالات عبد الناصر سلامة