علي مدي تاريخ انتخاباتنا البرلمانية, لم نكن نشهد أي جدل مسبق حول طريقة إجراء هذه الانتخابات, التي كانت دائما تتم بالنظام الفردي, نظرا للشفافية المطلقة في مثل هذا النظام, إلي أن رأي البعض, في مرحلة من المراحل, أن الانتخابات بالقائمة, قد تكون أسهل في التزوير من جهة, وفي فرض أشخاص بعينهم من جهة أخري! وبالفعل.. فرض هؤلاء إرادتهم علي الشعب, وأجريت الانتخابات بهذه الطريقة, في مرحلة من المراحل, وبالطريقتين معا, في مرحلة أخري, وفي المرتين كانت تحصل علي حكم بعدم الدستورية, بالإضافة إلي أنها بالفعل كانت تسفر عن تتويج أشخاص لا علاقة لهم بالناس, ولا بهمومهم, حيث لا يتواصلون معهم, وبالتالي فلا يعنيهم الناخب من قريب أو بعيد. هو.. إذن.. لغط علي الساحة السياسية, دوافعه معروفة مقدما, كما أن نتائجه معلومة أيضا, إلا أنه قد بدا واضحا أن شيئا لم يتغير في المعادلة السياسية المصرية, وكأن الاتجاه للتزوير قائم, كما أن النية لفرض منبوذين, أيضا, مطروحة, ولذلك فقد تجد أن كل من يدعمون التوجه نحو انتخابات بالقائمة, أو جزء منها, هم من المشوهين سياسيا, واجتماعيا, الذين لا يثقون في الشارع, كما لا يثق الشارع فيهم. المعروف لدينا في الأقاليم, بصفة خاصة, هو أن نائب البرلمان يتحمل, إلي جانب الشق التشريعي, جانبا خدميا كبيرا للمواطنين, وهذه نتيجة طبيعية لفساد المحليات, الذي يتطلب دعما من شخصيات مرموقة سياسيا, وشعبيا لقضاء حاجات الناس, التي كان يجب إنجازها بشكل طبيعي, وهذا الأمر يتطلب تواصلا بين النائب والمواطن, طوال الوقت, يبدأ من لحظة الترشح بتفاعل شخصي, قد لا يكون له أي وجود في انتخابات القائمة, التي تعول في كل الأحوال علي الاسم الأول المتصدر لها, أو اثنين علي الأكثر, قد لا يراهما الناخب طوال فترة الدعاية الانتخابية, فما بالنا بعد إعلان نجاحه؟! لقد أثبتت تجربة انتخابات القائمة في مصر فشلها من كل الوجوه, سواء فيما يخص مصلحة المواطن, أو مصلحة العمل التشريعي, ورجل الشارع يدرك ذلك جيدا, وأستطيع أن أؤكد كذلك أن القائمين علي أمر البلاد يدركون ذلك أيضا, وإذا كان هناك أدني شك في هذا الطرح فلنحل الأمر إلي المواطن نفسه, ليقرر ذلك من خلال استفتاء رسمي, وليكن ذلك مع الاستفتاء علي الدستور, ليقرر النظام الانتخابي الذي يريد, أما أن يظل المواطن في الحاضر, كما في السابق, ألعوبة يحركها مغرضون, لتحقيق مآربهم الشخصية, ومصالح أحزابهم الوهمية, فهو ما يجب عدم الصمت تجاهه, أو تحمله أكثر من ذلك. ولأن المغرضين في لجنة الخمسين, التي قامت بإعداد, أو تعديل الدستور, كانوا كثرا, فقد كان من الطبيعي ألا يتم التوصل إلي صيغة توافقية في هذا الشأن, إلا أننا نحمد الله أن الأمر في النهاية قد أحيل إلي رئيس الجمهورية لحسمه, حيث كان من الممكن الافتئات علي هذه القضية كغيرها, وإقرارها بالطريقة, التي لا تتوافق مع رغبات الشعب, ومن هنا, فإن الرئيس يصبح مطالبا بالنزول علي هذه الرغبات, حتي لو تم ذلك من خلال استطلاع للرأي العام يمكن إسناده إلي أي من الجهات السيادية. أما إذا اعتبرنا أن بعض القوي الموجودة علي الساحة, الآن, هي الممثل الشرعي للشعب, وتعاملنا مع مطالبها من هذا المنطلق, فنحن أمام كارثة, لأن الحقيقة علي أرض الواقع تؤكد غير ذلك, وسوف نتأكد أكثر في حالة إجراء الانتخابات البرلمانية بالطريقة الفردية, حيث سنكتشف أن هؤلاء جميعا لا علاقة لهم بالشارع, ولا بالناخب وقضاياه, ولا بآماله, أو آلامه. وبالمنطق نقول.. إذا كان هناك مرشح ما ينتمي إلي دائرة ما, ويتواصل مع أبنائها, ويعيش همومهم, فلماذا إذن يخشي خوض الانتخابات في مواجهة أي مرشح آخر؟!, وإذا كان هناك مرشح ما يتمتع بسيرة طيبة في دائرته, وفي نيته استمرار التواصل معهم, فلماذا يخشي الدعاية لنفسه فقط؟!, بل إن هناك ما هو أكثر من ذلك, وهو أن أبناء أي دائرة هم الذين يضغطون طوال الوقت علي بعض الشخصيات في دوائرهم للترشح, فلماذا ننتزع منهم هذا الحق؟! هو التفاف, ما بعده التفاف, علي إرادة الناس, في حالة تكبيلهم بقوائم لا يعرفون في معظم الأحيان أشكال ما تتضمنه من أسماء تم تجميعها مركزيا في العاصمة, وهو غبن, ما بعده غبن, للمواطن, الذي سوف يظل يبحث عن ذلك النائب, فلن يجد له عنوانا بالدائرة, لأنه, للأسف, من القيادات الحزبية التي ارتبطت عمليا, وواقعيا بالقاهرة, وهو غش, ما بعده غش, لانتخابات قام الناخب بالتصويت فيها علي قائمة علي أمل نجاح رقم5, أو6, فلم ينجح سوي رقم1, أو.2 أيها السادة.. إذا كان المواطن قد فقد الثقة في القيادات السياسية والحزبية إلي الحد الذي جعله لم يعد يأمل خيرا في اتخاذ القرارات التي تتوافق مع مصالحه, فإننا نأمل أن يكون القرار الجمهوري في هذا الشأن متوافقا مع مصلحة المواطن, وإلا فمن سيكون أرحم به؟!, وإذا كانت لجنة الخمسين قد أخفقت في حسم الموقف لمصلحة الوطن, فإننا نأمل أن يكون الرئيس أكثر التصاقا بمصلحة المواطن, أو هكذا يجب أن يكون. لنعد.. إذن.. بالدوائر الانتخابية إلي وضعها الطبيعي من حيث المساحة, التي تعين المرشح علي التجول فيها, والتعرف علي ذويها, ولنعد, أيضا, بالانتخابات إلي مسارها الطبيعي الفردي, الذي يساعد الناخب علي الاختيار الدقيق, بدلا من المشاع الفوضوي, الذي لم يحقق أي إيجابيات في السابق, وعلينا أن نعلي مصلحة المواطن فوق الاعتبارات الحزبية والمصالح الشخصية, إذا أردنا أن ننهض بالبلاد من حالة التردي هذه. لمزيد من مقالات عبد الناصر سلامة