منذ أشهر، توسطت الولاياتالمتحدة من اجل ابرام اتفاق بين الرئيس الباكستاني برويز مشرف ورئيسة الوزراء السابقة بي نظير بوتو للحد من الازمة السياسية في اسلام اباد وابقاء حليفيها مسيطرين على بلد تعتبره واشنطن الخط الامامي في مواجهة التطرف. ولكن يشير مسؤولون ومحللون سياسيون الى ان الإدارة الأميركية ستواجه صعوبات متزايدة في تحقيق هدفها الأساسي في إنعاش الحملة المتعثرة ضد تنظيم «القاعدة» وحركة «طالبان» بعد الانتخابات الرئاسية الباكستانية. وفي حال سارت الامور كما تم التفاوض عليها، من المتوقع ان يهيمن سياسيان على باكستان اثر هذا الانتقال السياسي، الاول مشرف، وهو قائد عسكري يواجه مأزقاً سياسياً منذ مارس (اذا) الماضي، والثانية بوتو وهي رئيسة وزراء سابقة ازيحت من منصبها مرتين بسبب فضائح متعلقة بالفساد. وترى نسبة كبيرة من الشعب الاثنين بأنهما متحالفان مع الغرب ولا يمثلان اولويات غالبية الباكستانيين. وقال مارفن واينباوم، وهو محلل سابق لشؤون باكستان في وزارة الخارجية الاميركية: «لا يوجد لدى الولاياتالمتحدة خيار سوى الاعتماد على هذين (السياسيين)»، لكنه لمح الى ان هذا الخيار ليس جيداً، مضيفاً: «مشرف اصبح ضعيفاً اليوم، وبغض النظر عن استعداده لمساعدة الولاياتالمتحدة ضد القاعدة وطالبان، لا توجد لديه القدرة على ذلك، كما ان بوتو غير متواصلة مع شعبها». وقد اصدرت المحكمة العليا الباكستانية قراراً أول من أمس يؤكد استمرار الاضطراب حول قيادة باكستان خلال الاسابيع الماضية. فبينما سمحت المحكمة باجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها امس، منعت الاعلان عن النتيجة النهائية حتى تحكم في شرعية خوض مشرف الانتخابات. وحتى بعد اتخاذ المحكمة العليا قرارها، ستواجه باكستان اشهراً من المشاورات السياسية وعدم الاستقرار قبل اجراء الانتخابات البرلمانية بحلول 15 يناير (كانون الثاني) المقبل. وبما انه لا يوجد حزب واحد يتمتع بغالبية مريحة، فمن المتوقع ان تكون المنافسة قوية وان تكون الفترة ما بعدها مضطربة، بينما تسعى الاحزاب للتوصل الى ائتلافات حزبية وتشكيل حكومة. ومن المتوقع ان تحظى بوتو بتأييد واسع بعد عودتها المرتقبة الى باكستان يوم 18 اكتوبر (تشرين الاول)، بعد توقيع مشرف قرار يمنحها ومسؤولين سابقين في حكومتها عفواً من تهم بالفساد ادت الى المنفى خلال السنوات الثماني الماضية. ولكن من اجل توليها رئاسة الحكومة مجدداً، ستحتاج الى تغيير في القانون الباكستاني الذي يمنع تولي أي مسؤول رئاسة الحكومة لاكثر من ولايتين. وفي استراتيجية مبنية على منع المزيد من التدهور (في باكستان)، يعتبر مسؤولون اميركيون ان حكومة ائتلاف بين مشرف وبوتو افضل الخيارات السيئة. وتعتبر الولاياتالمتحدة الاثنين معتدلين ويأخذان موقفاً صلباً، على الاقل ظاهرياً، ضد التطرف المتصاعد في باكستان، ولكن الاثنين لديهما تاريخ من العلاقات المتشنجة والخصام الشخصي. والكثير من الباكستانيين ينتقدون واشنطن للحديث عن الديمقراطية من جهة وتحديد قابليتهم لاختيار قادتهم. ولم تفعل الولاياتالمتحدة شيئاً الشهر الماضي عندما حاول رئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف العودة الى باكستان، ليرحل في اليوم نفسه. وبالنسبة للولايات المتحدة، من المتوقع ان تعقد المعادلة السياسية الجديدة التعاون مع باكستان التي كانت تعتمد على قرار جنرال واحد منذ هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001. وقال دانيال ماركي الذي كان مخطط سياسة وزارة الخارجية تجاه باكستان حتى بداية العام الجاري: «لن يكون من السهل العمل مع باكستان في المستقبل»، موضحاً: «سيكون هناك عدد اكبر من اللاعبين الاساسيين على الساحة السياسية، وستكون المشاكل المعقدة اكثر صعوبة في حلها». اما من الجانب الباكستاني، فتطبيق السياسة الاميركية من خلال جنرال غير محبوب داخلياً وصل الى الحكم بعد انقلاب ابيض ضد نواز شريف وتعيين نفسه رئيساً عام 2001 كان امراً كارثياً بالنسبة لمكانة الولاياتالمتحدة واهداف مكافحة الارهاب. وبحسب استطلاع للرأي نشرته مجموعة «غداً خالياً من الارهاب»، فان 19 في المائة من الباكستانيين ينظرون الى الولاياتالمتحدة بطريقة ايجابية. وقال النائب فاروق ناك من حزب «الشعب الباكستاني»: «الولاياتالمتحدة بدأت تفهم بأن تأييد القوى الديمقراطية من مصلحة باكستانوالولاياتالمتحدة على حد سواء». وقد تراجعت سمعة الولاياتالمتحدة في باكستان هذا العام، وبدأت الجماعات الاسلامية المتطرفة تحصل على تأييد لانتقادها العمليات العسكرية في المناطق القبلية وادعائها انها نتيجة خطط اميركية لدفع باكستانيين على مقاتلة بعضهم البعض. وشرح ماركي: «غالبية الباكستانيين يعتبرون هذه المعركة (أي الحرب ضد الارهاب) معركة اميركية، وخاصة الجنود الذين يجبرون على القتال في مناطق نائية ويقتلون مواطنين باكستانيين»، وأضاف: «لم يقتنعوا بعد بأن هذه معركة من اجل امن باكستان». واكد مسؤولون اميركيون طلبوا عدم الكشف عن هويتهم ان واشنطن تأمل بتطوير علاقتها مع باكستان بعد استقرار الوضع السياسي، من خلال تشجيع الاصلاح التعليمي والتنمية الاقتصادية خاصة في المناطق القبلية القريبة من الحدود الافغانية، ولكن في الوقت الراهن سيبقى التركيز الرئيسي على الاهداف الاستراتيجية التي جمدت منذ حوالي سنة بسبب الازمة السياسية.