قبل أيام قليلة من اجتماعات قمة الدول الثمانية الصناعية في منتجع هايليجندام علي بحر البلطيق تجد المستشارة الألمانية انجيلا ميركل في موقف لا تحسد عليه: فهي مضطرة من ناحية للدفاع عن اجندة سياساتها الطموح لحماية الأرض من تأثير التغيرات المناخية- بعد ان أعلنت هي بنفسها مرارا ان نجاح الرئاسة الألمانية للاتحاد الأوروبي مرتبط بقدرتها علي اقناع دول الاتحاد و الدول الصناعية بهذة الاجندة- وذلك في مواجهة معارضة أمريكية شرسة للأهداف الألمانية لم تكن تتوقعها ميركل بهذا الشكل. ومن ناحية أخري فان المستشارة الألمانية التي سعت بقوة لوضع قضية التغيرات المناخية في مقدمة جدول أعمال قمة الثمانية لا تستطيع الآن التراجع أمام المعارضة الأمريكية فقط من اجل إنقاذ القمة أومنع وقوع أزمة جديدة في العلاقات الألمانية- الأمريكية فهي تتعرض لضغوط داخلية من جميع الأحزاب الألمانية ومن داخل حزبها المسيحي الديموقراطي نفسه لمواجهة التعنت الأمريكي وانتزاع تنازلات غير مسبوقة من الرئيس جورج بوش علي هذا الصعيد. وعلي عكس ما بدا من ان الخلاف الألماني الأمريكي حول إعلان قمة هايليجندام هو بمثابة خلاف عابر في وجهات النظر في اللحظات الأخيرة قبل القمة فان مصادر رسمية ألمانية أكدت ان المفاوضات بين الجانبين لصياغة مسودة الإعلان الختامي للقمة تحولت الي ساحة لاختبارات القوة لم تفلح في تقريب المواقف المتباينة بينهما فقد سعي المفاوضون الأمريكيون الي شطب كل فقرة ينتج عنها التزام أوتعهد بموعد محدد لخفض نسبة محددة من الغازات الضارة بالبيئة ثم انتقل الخلاف من وراء الأبواب المغلقة الي وسائل الإعلام بعد تزايد الانتقادات الألمانية للموقف الأمريكي وتفاقم بعد تسريب وثيقة أمريكية رسمية تصف الأهداف الألمانية لمحاربة التغير المناخي بأنها تخطت'الخط الأحمر' للسياسة الأمريكية علاوة علي تناقضها التام مع موقف الرئيس الأمريكي. اما موقف الرئيس جورج بوش من قضايا المناخ والبيئة والذي يثير ينتقده الالمان فمعروف: فالرئيس الأمريكي لا يريد أي حديث عن بروتوكول كيوتو أوأي اتفاقية جديدة بعد كيوتو لخفض انبعاث الغازات الضارة وهويكتفي بالمطالبة بتطوير تكنولوجيات حديثة صديقة للبيئة. وتعتبر الادارة الامريكية ان مجرد اعتراف الولاياتالمتحدة بخطورة التغير المناخي في حد ذاته تطورا ايجابيا في سياستها وهي التي رفضت اتفاقية كيوتو في عهد الرئيس بيل كلينتون. اما ألمانيا فلديها حسابات أخري فهي باعتبارها الدولة الرائدة عالميا من حيث ارتفاع مستوي الوعي البيئي وفي مجال تطوير تكنولوجيات الطاقة البديلة سواء طاقة الرياح اوالطاقة الشمسية اوغيرهاوجدت في هذه الساحة الشاغرة دورا مناسبا تقود من خلاله جهود انقاذ العالم من كارثة محققة حذر منها خبراء الاممالمتحدة وخبراء المناخ في اجتماع بانكوك الأخير بإعلانهم انه اذا لم يبدا انخفاض ملموس في معدل انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري ارتفاع درجة حرارة الأرض بحلول عام2015- أي خلال ثمانية أعوام فقط- فان الكرة الأرضية ستتعرض لكارثة بيئية محققة. ولاثبات جديتها اتخذت المانيا بالفعل قرار الاستغناء عن الطاقة النووية بضغط من حزب الخضر والحزب الاشتراكي الذي يعد الشريك الثاني في حكومة ميركل الائتلافية. وحسب وزير البيئة الالماني فان برلين علي استعداد لتحمل التكلفة الباهظة لهذا القرار من اجل حماية البئية وهي تكلفة فدرت بنصف الي واحد بالمائة من إجمالي الناتج المحلي الألماني. واغتنمت ألمانيا فرصة رئاستها للاتحاد الأوروبي لحشد إجماع أوروبي حول أهدافها الطموحة وكانت تأمل في ان تتمكن من الحصول علي دعم الولاياتالمتحدة لهذة الأهداف. اما اهم النقاط التي ترغب برلين في ان يتضمنها اعلان قمة الثمانية برئاستها فهي: ان تتفق الدول الكبري علي خفض درجة انبعاثات غاز ثاني اكسيد الكربون بمقدار النصف حتي عام2050 مع الاعتراف بأن هذه الخطوة لن توقف ارتفاع درجة حرارة الارض ولكنها تبطئ هذا الارتفاع بحيث لا يزيد علي درجتين مئويتين فقط خلال القرن الحالي. هذة الخطوات وغيرها لابد ان تتضمنها اتفاقية دولية جدية تحل محل اتفاقية كيوتو التي تنتهي عام2012. ويبدو أن تفاؤل المستشارة الالمانية ميركل بموقف امريكي ايجابي يعود الي قمة اوروبا امريكا في نهاية ابريل الماضي في واشنطن عندما اتفق الجانبان علي اعطاء الاولوية لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري واثنت ميركل بشدة علي اعلان الرئيس بوش التزام الولاياتالمتحدة بهذا الهدف. ومع تزايد الانتقادات لموقف واشنطن من المسئولين الرسميين في ألمانيا بلغ الخلاف الألماني الأمريكي ذروته قبل يومين عندما استقبلت ميركل نانسي بيلوس رئيسة مجلس النواب الأمريكي في برلين وهي ألد خصوم الرئيس الأمريكي جورج بوش حيث اكدت ميركل تمسكها بالموقف الألماني- الأوروبي بضرورة التوصل الي اتفاقية دولية ملزمة وضرورة ان يتم الاتفاق علي ذلك خلال قمة الدول الثماني الصناعية التي تستضيفها المانيا. ورغم ان المستشارة الألمانية التي يعد التحفظ احد ابرز سماتها الشخصية لم تتطرق مباشرة للخلاف مع واشنطن في هذا الموضوع الا انها ألمحت الي انها تعول علي دعم الكونجرس لموقفها في رسالة واضحة للرئيس بوش. وسرعان ما جاء الرد الأمريكي علي لسان جيمس كوناجتون كبير مستشاري بوش لشئون المناخ الذي اعلن في برلين ان أهداف ألمانيا غير واقعية وانه لا فرصة امامها للحصول علي موافقة دول اخري بخلاف دول الاتحاد الاوروبي. وقد اثارت التصريحات غضبا شديدا في كل المعسكرات السياسيةالالمانية بما فيها حزب ميركل الذي طالبها بالتمسك بموقفها هذة المرة وزيادة الضغوط علي الولاياتالمتحدة. وفي الغالب ستحاول المستشارة الألمانية مسك العصا من المنتصف كعادتها للخروج من هذا المأزق فقد تسربت انباء عن اعتزامها عقد لقاء ثنائي مع الرئيس بوش يوم الأربعاء المقبل قبل القمة ستسعي فيه الي التوصل الي حد ادني من الاتفاق بما ينقذ ماء وجهها وتضمن به موافقة الدول الست الأخري وفي الغالب ايضا ستستجيب لنصيحة مستشارها لشئون البيئة هانز شيللنهوبر الذي يري ان الدبلوماسية مطلوبة علي المدي البعيد لانه بفقدان الولايا ت المتحدة كشريك في تحالف محاربة التغيرات المناخية فان دولا مثل الصين والهند وجنوب افريقيا والبرازيل والمكسيك لن تنضم الي المعاهدة الجديدة وهي دول تري ان مسئولية مواجهة الكارثة البيئية تقع علي عاتق الدول الصناعية التي تسببت فيها.