قضايا شائكة وطموحات وتحديات عديدة ناقشتها قمة الثماني الصناعية الكبرى التى تختتم أعمالها اليوم الجمعة في منتجع هيليجندام الالماني المطل على بحر البلطيق بغياب الرئيس الامريكي جورج بوش عن مباحثات اليوم الختامي بسبب إصابته بوعكة صحية طفيفة..و بمشاركة قادة الدول المؤسسة للنيباد ورئيس غانا بوصفها رئيسا للاتحاد الافريقى وقادة الدول الخمس الناهضة ( الصين ، الهند ، البرازيل ، المكسيك ، جنوب افريقيا ) وبان كى مون الامين العام للامم المتحدة و عدة رؤساء لمنظمات دولية . وجاءت قضية مساعدة أفريقيا على رأس جدول أعمال مباحثات قادة دول الثمانية خلال مناقشات اليوم،و اتفق المشاركون في القمة على برنامج مساعدات لأفريقيا بقيمة 60 مليار دولارلمكافحة الامراض الخطيرة في القارة مثل الايدز والملاريا و السل. . وستقدم الولاياتالمتحدة نصف هذا المبلغ بينما ستساهم المانيا بمبلغ اربعة مليارات يورو. ويأتي هذا القرار بعدما احتلت شؤون القارة الافريقية جانبا واسعا من محادثات اليوم الاخير، وفي الوقت الذي تتعرض فيه مجموعة الثماني لضغوط من اجل تطبيق الوعود التي قطعتها في قمة عام 2005 و كانت تقضي بمضاعفة تمويل المشاريع الانمائية في افريقيا بحلول عام 2010. وقد انتقدت عدة منظمات غير حكومية عدم ايفاء دول مجموعة الثماني بالوعود التي قطعتها في قمة اسكتلندا عام 2005.
وعلى صعيد بقية الموضوعات المطروحة أمام الزعماء، فقد شكّل ملف التغيرات المناخية، مثلما كان متوقعا، نقطة خلاف بين المجتمعين،أكدت مسودة البيان الختامي للقمة أن البلدان الصناعية الكبرى ستعمل على وقف الزيادة في انبعاث الغازات المسببة لارتفاع درجة حرارة الارض على أن يعقب ذلك تخفيضات "جوهرية" وهو أهم التزام بالعمل في هذه القضية من جانب الولاياتالمتحدة. وعارضت واشنطن محاولات من ميركل لتحديد هدف صارم للتخفيضات اللازمة لمواجهة ارتفاع درجة حرارة سطح الارض والتي يقول العلماء انه يهدد بارتفاع مستويات المياه في البحار وزيادة الجفاف والفيضانات. ويعتقد الاتحاد الاوروبي أن هناك حاجة الى خفض انبعاث الغازات بنسبة 50% لضمان عدم ارتفاع درجات الحرارة على الارض بأكثر من درجتين مئويتين فوق المعدلات التي سادت قبل العصر الصناعي وهي العتبة التي يقولون ان تجاوزها سيؤدي الى تغيرات "خطيرة" في النظام المناخي
وكانت القمة قد توصلت في يومها الاول إلى تسوية تهدف إلى تخفيض مستوى غاز ثاني أوكسيد الكاربون المنبعث في الأجواء إلى نصف المستوى الحالي بحلول عام 2050. وأعلنت ميركل أن العديد من البلدان قد أحرزت تقدما في هذا المجال،وإن هذا الاتفاق سيدفع المفاوضات التي ستبدأ في بالي في ديسمبر / كانون الأول إلى الأمام بهدف الوصول إلى اتفاق يحل محل اتفاق كيوتو المدعوم من قبل الأممالمتحدة والتي سينتهي سريانه عام 2012. ومن جهته، اصر الرئيس الامريكي على أن بلاده ستلعب دورا كاملا في محاربة التغيير المناخي، لكنه ربط اي توصل الى اتفاق دولي بتوقيع دول نامية رئيسية على هذا الاتفاق.
وكان بوش قد اقترح استراتيجية جديدة للحد من التغيرات المناخية تتركز فى عقد اجتماع بين أكبر الدول المصدرة للتلوث بحلول نهاية العام الحالى لإيجاد السبل المناسبة للحد من الانبعاثات الغازية والاتفاق على خطة طويلة المدى للحد من هذه الظاهرة الخطيرة بحلول نهاية عام 2008، وقد اعتبر البعض هذا الاقتراح بمثابة هزيمة للمستشارة الألمانية ميركل التى تسعى للتوصل إلى اتفاق خلال القمة يقضى بضرورة الحد من هذه الانبعاثات الغازية الخطرة بنحو 50% بحلول عام 2050،
وكانت هذه القمة مناسبة لتداولات سياسية كان اهمها بين الرئيس الأمريكى بوش والرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول نظام الصواريخ الدفاعية الذي اثار الكثير من الجدل ، فأخيرا، اجتمع بوش ببوتين وجها لوجه الخميس، واتفق الزعيمان على التعاون والعمل معا فيما يتعلق بمنظومة الصواريخ الدفاعية في أوروبا.وقال بوش إنه من "الأفضل كثيرا أن نعمل معا بدلا من التوترات." ومن جهته، قال بوتين " تفاهمنا بشأن التهديدات المشتركة، ولكن لا زالت هناك خلافات بشأن السبل الكفيلة بمواجهة هذه التهديدات." وفيما اقترحت واشنطن أن تنصب أنظمة صاروخية دفاعية في بولندا والتشيك، اقترح بوتين أن يتم استخدام محطة رادار موجودة فعلا في أذربيجان، وتغطي كلّ أوروبا.
وحول مستقبل اقليم كوسوفو، اتفق قادة مجموعة الثماني الخميس على تأجيل التصويت في الأممالمتحدة بشأن استقلال إقليم كوسوفوعن صربيا. ودعا الرئيس الفرنسي صربيا -حليفة روسيا- إلى أن تمنح بعض الوقت للتوصل لاتفاق مع موسكو لتجنب إمكانية استخدام الأخيرة الفيتو ضد مشروع القرارالذي سيطرح بمجلس الأمن الدولي لتمهيد الطريق أمام إعلان استقلال الإقليم.وترفض صربيا استقلال كوسوفو غير أن الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي يريان أن الأمر حتمي وعلى صربيا القبول به.وقال ساركوزي "بعد ستة أشهر إما أن تكون بلغراد وبريشتينا قد توصلتا إلى اتفاق، وإذا لم تتفقا فإن حل وسيط الأممالمتحدة مارتي أهتيساري هو الذي سيطبق". وبشأن إيران، يسود اعتقاد في أروقة القمة بأن يوافق القادة الكبار على فرض مزيد من العقوبات الدولية على طهران إذا أصرت على رفض وقف تخصيب اليورانيوم في إطار برنامجها النووي.
وفيما يتعلق بإقليم دارفور غربي السودان، أعلنت باريس أنها ستستضيف في ال25 من هذا الشهر مباحثات يجريها قادة الدول البارزة بالاتحاد الأوروبي لإنهاء الحرب الأهلية هناك. والاقتراح الذى حمله بوش فى جعبته فيتركز على فرض عقوبات على الحكومة السودانية بسبب ما وصفه بعمليات الإبادة الجماعية التى يتعرض لها إقليم دارفور حالياً .
وتعد هذه القمة فرصة لتحقيق تقدم حقيقى على صعيد تأسيس الحوار مع القوى الصناعية الصاعدة مثل الصين والهند، فضلاً عن متابعة ما وعدت دول القمة بتقديمه إلى أفريقيا، وأكد المراقبون أن قمة الثمانى تشكل فرصة جيدة لبوش لكسر الجليد الذى يغلف علاقته بالرئيس الروسى بوتين وتوطيد علاقته مع الرئيس الفرنسى الجديد ساركوزى، كما أن هذه القمة تشهد آخر لقاء يجمع بين بوش وتونى بلير رئيس الوزراء البريطانى الذى سيتنحى عن منصبه خلال الشهر المقبل .
وجرت القمة كما في كل عام على وقع التظاهرات الاحتجاجية التي ينظمها مناهضو العولمة، على الرغم من اعلانهم الغاء احتجاجهم الرئيسي بعدما منعته السلطات الالمانية، الا انهم حاولوا إعاقة الطرقات المؤدية لمقر انعقاد القمة. وقد أصيب عدد من رجال الشرطة يوم الخميس بجروح بينما كانوا يستخدمون خراطيم المياه لتفريق المتظاهرين الذي كانوا يرشقونهم بالحجارة إلا أن متحدثة باسم الشرطة أشارت إلى عدم وجود أدلة حول تخطيط هؤلاء المتظاهرين للقيام بأي أعمال عنف.
في عام 1975 اقترح الرئيس الفرنسي جوسكاردوستان عقد اجتماع غير رسمي يضم رؤساء ست دول في رامبوييه. وكان التركيز على كيفية التصرف حيال أول أزمة نفطية والركود الاقتصادي نتيجة لهذه الأزمة. أعقب اجتماع رامبوييه قمة أخرى عقدت في بورتوريكو عام 1976 حين انضمت كندا للدول الست الأساسية. وانضم الاتحاد الأوروبي ممثلا بالمفوضية الأوروبية عام 1977.
ولم يكن هناك أي تغييرات أخرى بالعضوية حتى التسعينيات، حين دعا رئيس الوزراء، جون ميجور، الرئيس جورباتشوف للانضمام لقادة الدول السبع (G7) في نهاية القمة التي عقدت في لندن عام 1991، وأصبحت عضوية روسيا رسمية تدريجيا منذ ذلك الحين. وعقدت أول قمة لمجموعة الثمانية (G8) بحضور كامل الأعضاء في برمنجهام عام 1998، حين رأست المملكة المتحدة المجموعة.
من الذي يقرر الدولة المضيفة والتي ترأس المجموعة؟
جرى عقد قمم مجموعة الدول السبع/الثماني كل عام منذ اجتماع رامبوييه عام 1975، وتعقد هذه القمم عادة خلال عطلة نهاية الأسبوع في أوائل فصل الصيف. تستضيف القمة رئاسة دورية للمجموعة. فمنذ اجتماع رامبوييه، تناوب على استضافة ورئاسة المجموعة فرنسا، والولاياتالمتحدة، والمملكة المتحدة، وألمانيا، واليابان، وإيطاليا، وكندا على الترتيب، وتبدأ فترة الرئاسة الجديدة في شهر يناير من كل عام . وإضافة إلى استضافة القمة، تستضيف الدولة التي تتولى رئاسة المجموعة أغلب الاجتماعات التحضيرية للقمة والمتابعة لها، وتكون مسؤولة عن التنسيق العام، وتتمتع بحرية كبيرة في تحديد جدول الأعمال.
ما هي المواضيع التي تتم مناقشتها؟
كان يطلق على هذه القمم سابقا اسم "القمم الاقتصادية" وكانت تركز بشكل جلي على القضايا الاقتصادية العالمية. ومنذ ذلك الحين توسع جدول أعمال مجموعة الثماني ليضم أيضا قضايا اجتماعية-اقتصادية (التنمية؛ الجرائم المالية)، والسياسية (كوسوفو؛ الحد من انتشار الأسلحة؛ منع وقوع الأزمات)، والأمن والبيئة. كان التركيز في السبعينيات على القضايا المالية العالمية والرد على أزمتي النفط حينذاك. وفي الثمانيات ظهر على جدول الأعمال موضوع الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (الجات) وجولات الاجتماعات التي تلتها لمنظمة التجارة العالمية، وكذلك الأهمية المتزايدة لقضايا التنمية في جدول الأعمال. وبدأت حقبة التسعينيات بالتركيز على إعادة الإعمار فيما بعد الحرب الباردة في أوروبا الشرقية، واتجه الاهتمام حينذاك نحو ضم روسيا في الاقتصاد العالمي. وسيطر على جدول الأعمال مؤخرا مسألة كيفية التعامل مع العولمة، بينما عملت قضايا تحتل اهتماما مشتركا مثل التنمية والبيئة والجريمة العالمية والإرهاب على تآكل الحواجز بشكل متزايد ما بين السياسات المحلية والدولية.
الإيجابيات والسلبيات؟
استمرت مجموعة الثماني بكونها مجموعة غير رسمية وتقل بها درجة الأعمال الروتينية: فليس لها سكرتارية، ولا مكتب مركزي، وقواعد إجراءات رسمية. يقع التنسيق بيد الرئاسة الدورية للمجموعة . من الناحية الإيجابية، هذا يعني بأن مجموعة الثماني قادرة على العمل بسرعة تجاه الأحداث بينما تعكس السياسة الخارجية والاهتمامات المحلية لأكثر قادة العالم قوة. ومن بين النجاحات البارزة التي سجلتها المجموعة تحقيق تقدم في قضايا الديون وتغير المناخ والحد من انتشار الأسلحة. أما نقاط ضعف المجموعة فهي ضعف ذاكرتها المؤسساتية، وغياب آلية ضمنية لمتابعة أو تطبيق الاتفاقيات، وانعدام وجود آلية استشارية رسمية. إلا أن الرؤساء المتعاقبين على رئاسة المجموعة قاوموا بإصرار إجراء تشكيل سكرتارية، حيث أنهم يعتقدون بأنها ستؤدي لإغراق عملها في مستنقع البيروقراطية.
وقد عُقدت أول قمة برعاية ألمانية في الفترة من 16 إلى 17 يوليو/ تموز 1978 في بون، حيث كان دعم النمو الاقتصادي للدول المشاركة أهم الموضوعات آنذاك.