النصر يُلغي معسكره في النمسا بسبب ظروف طارئة ويبحث عن بديل    نادية مصطفى لفيتو: احنا مش متطرفين ومصطفى كامل بيخاف على البلد (فيديو)    «زي النهارده» فى ‌‌30‌‌ يوليو ‌‌2011.. وفاة أول وزيرة مصرية    رغم إعلان حل الأزمة، استمرار انقطاع الكهرباء عن بعض مدن الجيزة لليوم الخامس على التوالي    ترامب يحذر من تسونامي في هاواي وألاسكا ويدعو الأمريكيين إلى الحيطة    وزير الخارجية يلتقي السيناتور ليندسى جراهام بمجلس الشيوخ الأمريكي    الاتحاد الإفريقي يصدم "الدعم السريع" بعد تشكيل حكومة موازية بالسودان ويوجه رسالة للمجتمع الدولي    فتح باب التقدم لاختبارات الدبلومات والمعاهد الفنية لدخول كلية الحقوق والرابط الرسمي    ثروت سويلم: لن يتكرر إلغاء الهبوط في الدوري المصري.. وخصم 6 نقاط فوري للمنسحبين    انهيار جزئي لعقار مكون من 7 طوابق في الدقي    من "ترند" الألبومات إلى "ترند" التكت، أسعار تذاكر حفل عمرو دياب بالعلمين مقارنة بتامر حسني    طريقة عمل الأرز باللبن، تحلية سريعة التحضير ولذيذة    البنك العربى الإفريقى يقود إصدار سندات توريق ب 4.7 مليار جنيه ل«تساهيل»    جدول مباريات بيراميدز في الدوري المصري الممتاز الموسم الجديد 2025-2026    "البترول" تتلقى إخطارًا باندلاع حريق في غرفة ماكينات مركب الحاويات PUMBA    عبداللطيف حجازي يكتب: الرهان المزدوج.. اتجاهات أردوغان لهندسة المشهد التركي عبر الأكراد والمعارضة    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    السيد أمين شلبي يقدم «كبسولة فكرية» في الأدب والسياسة    ليلى علوي تسترجع ذكريات «حب البنات» بصور من الكواليس: «كل الحب»    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للقطاعين الحكومي والخاص    ترفع الرغبة الجنسية وتعزز المناعة.. 8 أطعمة ترفع هرمون الذكورة بشكل طبيعي    لا تتبع الوزارة.. البترول: السيطرة على حريق سفينة حاويات قرب منصة جنوب شرق الحمد    وزير الثقافة: جوائز الدولة هذا العام ضمت نخبة عظيمة.. ونقدم برنامجا متكاملا بمهرجان العلمين    4 أرغفة ب دينار.. تسعيرة الخبز الجديدة تغضب أصحاب المخابز في ليبيا    تنسيق الثانوية 2025.. ماذا تعرف عن دراسة "الأوتوترونكس" بجامعة حلوان التكنولوجية؟    تنسيق الجامعات 2025| كل ما تريد معرفته عن بكالوريوس إدارة وتشغيل الفنادق "ماريوت"    إبراهيم ربيع: «مرتزقة الإخوان» يفبركون الفيديوهات لنشر الفوضى    الجنايني يكشف سبب تعثر بيع زيزو لنيوم السعودي    وفاة طالب أثناء أداء امتحانات الدور الثاني بكلية التجارة بجامعة الفيوم    القانون يحدد شروط لوضع الإعلانات.. تعرف عليها    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    الدقيقة بتفرق في إنقاذ حياة .. أعراض السكتة الدماغية    تنسيق الجامعات 2025 .. تفاصيل برامج كلية التجارة جامعة عين شمس (مصروفات)    يسمح ب«تقسيط المصروفات».. حكاية معهد السياحة والفنادق بعد قضية تزوير رمضان صبحي    إخماد حريق في محول كهرباء في «أبو النمرس» بالجيزة    منافسة غنائية مثيرة في استاد الإسكندرية بين ريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقى العربية.. صور    إنجاز غير مسبوق.. إجراء 52 عملية جراحية في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي    رئيس مدينة الحسنة يعقد اجتماعا تنسيقيا تمهيدا للاستعداد لانتخابات الشيوخ 2025    أحمد فؤاد سليم: عشت مواجهة الخطر في الاستنزاف وأكتوبر.. وفخور بتجربتي ب "المستقبل المشرق"    رسميًا.. جدول صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 بعد تصريحات وزارة المالية (تفاصيل)    عاجل- ترمب: زوجتي ميلانيا شاهدت الصور المروعة من غزة والوضع هناك قاس ويجب إدخال المساعدات    ناشط فلسطيني: دور مصر مشرف وإسرائيل تتحمل انتشار المجاعة في غزة.. فيديو    أسامة نبيه يضم 33 لاعبا فى معسكر منتخب الشباب تحت 20 سنة    مصرع عامل اختل توازنه وسقط من أعلى سطح المنزل في شبين القناطر    عمرو الجناينى: تفاجأت باعتزال شيكابالا.. ولم أتفاوض مع أحمد عبد القادر    «الجو هيقلب» .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم : أمطار وانخفاض «مفاجئ»    جدول امتحانات الثانوية العامة دور ثاني 2025 (اعرف التفاصيل)    ترامب: الهند ستواجه تعريفة جمركية تتراوح بين 20% و25% على الأرجح    عيار 21 الآن يسجل رقمًا جديدًا.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 30 يوليو بعد الانخفاض بالصاغة    محمد السادس: المغرب مستعد لحوار صريح ومسؤول مع الجزائر    سبب غياب كريم فؤاد عن ودية الأهلي وإنبي وموعد عودته    الجنايني عن شروط عبدالله السعيد للتجديد مع الزمالك: "سيب اللي يفتي يفتي"    معلقة داخل الشقة.. جثة لمسن مشنوق تثير الذعر بين الجيران ببورسعيد    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟.. واعظة تجيب    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سناء البيسي: التى هى أحسن
نشر في أخبار مصر يوم 01 - 06 - 2013

سمعها منه بصوته ولسانه وفى حضرته فهلل واستبشر واستأذن قائلُها نبىَّ الله صلى الله عليه وسلم في أن ينقل بشارتها إلى الناس أجمعين. فأذن له خاتم المرسلين. بشارة حروفها النور وكلماتها النور وهديها النور وطريقها النور ومآلها النور فخاتمتها السلام فى جنة ترديدها سلام سلام سلام.
بشارة المصطفى تقول: «من قال لا إله إلا الله دخل الجنة». سمعها أبو هريرة فشق طريق الإبلاغ الحماسى السريع ليعترضه عمر رضى الله عنه فيقرأ وجهه ويعرف وجهته، فيأمره ناهرا ناهيًا قاطعًا مانعًا قاصرًا موجزًا: «ارجع». فيعجب أبو هريرة وهو الذى لم يقترف ذنبا فى أن يبلغ الناس رسالة نبيهم بعد أن أجاز رسول الله هذا الإبلاغ فيقطع عمر عليه سبيله مبررا بعدها المنع بقوله: «ارجع. لا تبلغ الناس حتى لا يتكلوا».
ويلحق الناهى بالمنتهى الشاكى لدى رسول الله الذى سأل عمر عن السبب فيما رآه وفعله، فقال ابن الخطاب: «والله لقد خفت يا رسول الله أن يتكل الناس». أى يتكلون علي ظاهر اللفظ ولا يعملون. أى أن يرددوا القول الكريم ليس إلا وذلك من بعد ما يخطئون، وبعدها يتمادون في غيِّهم متكلين على القول الموحد بالله. فوافق الرسول عمر على رأيه وأشار من فوره على أبى هريرة بعدم التبليغ قائلا: «فخلِّهم يعملون».
وهنا لم يكن الإذن من الرسول لأبى هريرة بوحى مُنزل، وكان عمر يعلم ذلك، ولو كان بوحى لما رجع الرسول عن رأيه ونزل على رأى عمر، فمن الأحاديث ما كان عن وحى وتعليم من الله لرسوله، ومن الأحاديث ما لم يكن عن وحى وإنما عن تفكير واجتهاد من الرسول، وكثير من الأحاديث التى مرت بالرسول، ومن تصرفات الصحابة معه ومراجعتهم له، وسؤالهم إيّاه: «أهذا عن وحى أم عن رأى؟» ورده عليهم أحيانا بأنه عن رأى، ومن هنا وجدوا لذلك فرصة للإدلاء بآرائهم معدلين رأيه أحيانا، ومخالفين أحيانا كما حصل مثلا في صلح «غطفان»، وفى غزوة الأحزاب، وفي الخروج لغزوة «أحد».
تلك الوقائع وغيرها تدل دلالة قاطعة على أن جزءا مما كان يقوله المصطفى كان عن رأى واجتهاد منه، ولو كانت وحيًا لما ساغ للصحابة أن يبدوا آراءهم، وقد روى الإمام أحمد بن حنبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سمعتم الحديث عنى تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم، وترون أنه منكم بعيد، فأنا أبعدكم عنه»، وأيضا قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا أمرتكم بأمر من أمور دنياكم فأنتم أعلم به وأنتم أعلم بشئون دنياكم» وفى رواية «وما قلت فيه من قبل نفسى فإنما أنا بشر أخطئ وأصيب»، وقد قال هذا لما ظهر له ولأصحابه أن عملهم بمشورته فى عدم تأبير النخل بوضع طلع الذكورة فيه كان غير سليم مما عاد بنتائج ضارة على النخيل حيث لم تأت بثمارها ذلك العام، ولو كان الوحى من خلف هذا الرأى لقام بتنبيهه فيه، ولنزل الوحى يصحح له مشورته علي أصحابه فى الحال، وقد استمرت التجربة عاما كاملا حتى أثبتت عدم جدواها. وهنا فلقد وضع الرسول بذلك أمام المسلمين قاعدة عامة فيما يأخذونه عنه ويعتبر قضية مُسَلِّمًا بها لا يناقشون فيها لأنه من «صميم اختصاصه الإلهى»، وفيما هو من اختصاصهم أن يفكروا فيه ويقبلوا أو يناقشوا ويردوا، بل وربما يعملوا بغيره.
ومن هنا وبناء على القاعدة التي وضعها الرسول نفسه وجربها الصحابة معه فى حياته أن نناقش كل قول صدر عنه في شئون الدنيا: فى طب أو زراعة أو خطة حرب أو ما شابه ذلك من أمور الدنيا، فنقبل منها ما يتفق والعقل والنقل والعلم التجريبى، ونتوقف فى كل ما لا يتفق مع ذلك، ولا غضاضة على رسول الله لأنه ليس مرسلا لتعليم الناس أمور الزراعة أو الطب أو ما شابه، فتلك من أمور الحياة، وهو إذا ما تحدث فى أمر من ذلك فهو كالناس «بشر مثلكم» قد يصيب ويخطئ، وقد يكون هو أولى بالعمل به من رأيه، كما حدث في غزوة بدر وموقع جيشه من أخذه بمشورة الخبّاب ابن المنذر.
وفى الرجوع إلى كتاب «السُنَّة والتشريع» للعالم الراحل الدكتور الشيخ عبدالمنعم النمر نجده يقول: «لقد عاش الرسول قبل بعثته أربعين عاما كأى رجل من العرب يتكلم ويستفيد مما حوله، ويكتسب علما وخبرة من الحياة كرجل اجتاز مراحل حياته طفلا وصبيا وشابا ورجلا ككل واحد من أقرانه من أبناء مكة والجزيرة يجتاز هذه المراحل، ومن الضرورى أنه استفاد مما يتناقله الناس حوله عن الطب وتجارب كل واحد فيه. فلا يعقل أن يعيش النبى أربعين سنة فى مكة وهو لا يعرف شيئا عن تجارب العرب ووصفاتهم للعلاج المنتزعة من ظروف البيئة.
ولاشك أنه كان يصف للمرضى ما عرفه وسمعه من شئون التطبيب. فإذا لم تكن عنده معرفة سابقة بعلاج مرض من الأمراض، حوَّل المريض إلى من يعرف عنده معلومات ومهارة أكثر، كما أشار على صاحبه سعد بن أبى وقاص بالذهاب إلى «الحارث بن كلدة» من ثقيف وكان مشهورا بأنه طبيب العرب وهو فى ذلك يطبق الآية الكريمة «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون»، ولو كان وصفه الدواء بناء علي وحى من الله لأمره الله العليم الخبير بعلاج أعلى مستوى مما كان يعرفه العرب لتكون للرسول ميزة محسوسة عن غيره فى علاج الناس».
ويروى عن عائشة رضي الله عنها قولها: «إن رسول الله كان رجلا مسقاما، وكان أطباء العرب يأتون فأتعلم منهم»، هذا وعنها رضى الله عنها عن مرضه بالخاصرة التهاب الكلي وربما حصوة الكلية التي تؤدى إلى فشل كلوى قولها «وكثيرا ما كانت الخاصرة تصيب رسول الله وقد تأخذ منه شهرا فى السنة حتى يستطيع أن يخرج إلى الناس. ولقد رأيته يكرب حتى آخذ بيده أقرأ فيها القرآن ثم أكُبُّها على وجهه ألتمس بذلك بركة القرآن وبركة يده فأقول: يا رسول الله إنك مجاب الدعوة، فادع الله يفرج عنك ما أنت فيه. فيقول: يا عائشة أنا أشد الناس بلاء». لقد أراد الله لرسوله ما قاله له فى قرآنه الكريم: «قل إنما أنا بشر مثلكم». أى لا يريد له أن يكون متميز ا عنهم بوحى فى شئون حياتهم الدنيوية، إنما الوحى فقط فى صلته بالخالق ورسالته السماوية المكلف بتبليغها، وما يتصل بهذا التكليف من أمور الدين والدنيا.
هذا وقد يحدث الخطأ أيضا فى فهم كلمات خاتم الأنبياء وذلك كما روى أبو داود عن عوف بن مالك فى قوله: «كنا عند رسول الله وكنا حديثى العهد ببيعته فسأله أحدنا: يا رسول الله إنا قد بايعناك، فعلى ماذا نبايعك؟» قال:«أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وتصلوا الصلوات الخمس وتسمعوا وتطيعوا. ولا تسألوا الناس شيئا».
وكان أبوحمزة الخرسانى من كبار العباد، فخرج حاجا من الشام يريد مكة، فبينما يمشي فى طريقه إذ سقط في بئر على حافة الطريق، وما أن بلغ فى سقوطه قاع البئر حتى وقع فى حيرة مع نفسه: «أأستغيث لعل أحدا يسمعنى أو إن الذى عاهدته يرانى ويسمعنى ووالله لا تكلمت بحرف استغاثة للبشر» ومر نفر من الناس فسدوا البئر بالخشب والتراب، فلما رأى ذلك السد لفتحة البئر قال أبوحمزة لنفسه: هذه مهلكة. ثم أراد أن يستغيث، ولكنه رجع إلي نفسه قائلا: «أليس قد عاهدت». وسكت وتوكل!. وفى هذا قال أبوالفرج الجوزى: «سكوت هذا الرجل في هذا المقام لا يحل. ولو فهم معني التوكل لعلم أنه لا ينافى استغاثته. كما لم يُخرج رسول الله من التوكل بإخفائه الخروج من مكة واستئجاره دليلا، وتستره فى الغار وقوله لسُراقة: «اخف عنا». فالتوكل الممدوح لا يناله الإنسان بفعل محظور، وسكوت هذا الواقع في البئر أبوحمزة محظور عليه».
وبيان ذلك أن الله تعالى قد خلق للآدمى آلة يدفع عنه بها الضرر وهى نفسها الآلة التى يجتلب بها النفع، وهى العقل. فإذا عطلها مدعيا التوكل كان ذلك جهلا بالتوكل، ولو أن شخصا جاع فلم يسأل حتى مات من الجوع فبئس المصير قاله سفيان الثورى وغيره، لأنه قد دُلّ على طريق السلامة، فإذا تقاعد عنها ألقى بنفسه فى التهلكة. وهكذا يفهم البعض الأقوال التى جاء بها الإسلام الفهم الخاطئ، هذا بينما يحملون فى رءوسهم العقول التى تزن الصح والخطأ.
تلك الآلة التى خلقها الله للآدمى دون مخلوقاته جمعاء حتى الملائكة هى العقل، ولقد جاء فى القرآن الكريم كيف أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم أبى البشر، والسبب أنه سبحانه قد ميَّزَ البشر ممثلا فى آدم بتعليمه الأسماء ولم يعلم الملائكة. فالعلم بأسماء الأشياء وخصائصها فيما خلق الله هو ميزة الإنسان علي كل المخلوقات بما فيها الملائكة. والتفكر فى الخلق يؤدى إلى طلب العلم، ويقول المصطفى: «وهل ينفع القرآن إلا بالعلم» بل وجاء فى سورة العلق فى قرآنه الكريم: «اقرأ باسم ربك الذى خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذى علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم».
فالعلم فى كتاب الله هو من كلام الله المبيَّن، ويقول تعالى: «يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات»، والعلم فى خلق السماوات وما فيها من نجوم ذكرها الله فى سورة الواقعة «فلا أقسم بمواقع النجوم، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم» وأدى ذلك إلى علم الفلك، وخلق الأرض أدى إلى علم طبقات الأرض «الجيولوجيا»، وخلق ما على الأرض من إنسان وحيوان أدى إلى علم «الأحياء»،
وهكذا العلم فى كل نواحيه، ولقد أشاد الله سبحانه بالعلم والعلماء والعقل البشرى فى الحديث القدسى «ما خلقت خلقا أعجب إلىّ منك». وعن عائشة قولها: «قلت يا رسول الله بم يتفاضل الناس فى الدنيا؟ قال: بالعقل، قالت: وفى الآخرة؟ قال: بالعقل، قالت: أليس إنما يجزون بأعمالهم؟ قال: يا عائشة وهل عملوا إلا بقدر ما أعطاهم عز وجل من العقل، فبقدر ما أعطوا من العقل كانت أعمالهم، وبقدر ما عملوا يجزون».
والإسلام الصحيح يقوم على أساسين هما «الدين والدنيا» والدين هو«العقيدة» والدنيا هى «الفكر». والفكر حرية الحركة للآلة المفكرة عند الإنسان وهى العقل، ورسول الإسلام عليه الصلاة والسلام كان نموذجا لحرية الفكر، سواء فيما جاءت به الجاهلية التى يحاربها، أو الخصوم الذين حاربوه، أو أى إنسان أو جهة يأتى منها النفع والمصلحة. وقد جاء أيضاً فى كتاب «السُنة والتشريع» هذه العبارة عن أصحاب النبى: «وكانوا يراجعونه أحيانا ويبدون رأيا آخر، وكان عليه الصلاة والسلام يتقبل بصدر رحب هذا الرأى الآخر، ويأخذ به، لأن هدفه المصلحة لا التسلط».. و«لست عليهم بمسيطر».
ولقد كان عمر بن الخطاب جريئا حين يرى الرأى ويعتقد أنه الحق، فلا يتردد في أن يعترض على النبى نفسه، كما فعل عام الحديبية حين أنكر صلح النبى مع قريش قائلا للنبى بصراحة بالغة: «لِمَ نُعط الدنية فى ديننا؟» وربما دفعته هذه الصراحة إلى أن يدخل فى أشياء لم يدخل فيها غيره من أصحاب رسول الله، فهو يتمنى أن تحرَّم الخمر وقد كان فيما زعم الرواة صاحب خمر فى الجاهلية، ولكنه بعد إسلامه عرف ضرر الخمر فتمنى أن تحرم، ومازال يجهر بهذا الذى كان يتمناه حتى إذا نهى الله المسلمين عن أن يقربوا الصلاة وهم سكارى حتى يعلموا ما يقولون رضى عمر شيئا، ولكن رضاه لم يبلغ الإقناع، فظل يتمنى جهرًا أن تُحرَّم الخمر تحريمًا قاطعًا، فلما أنزل الله قوله الكريم فى سورة المائدة: «يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون». طابت نفس عمر، وكان يتمنى فيما بينه وبين نفسه أن تحتجب نساء النبى، بل كلم النبى نفسه فى ذلك، واشتد فى هذا الأمر حتى قالوا إنه تعرّض مرة لسودة أم المؤمنين فى طريقها وقال لها: لقد عرفناك يا سودة. فأحرجها وأحفظها، ولم يسترح حتى أنزل الله فى سورة الأحزاب: «يا نساء النبى لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذى فى قلبه مرض وقلن قولا معروفا. وقرن فى بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى». هنا رضى عمر حين وضع الله نساء النبى حيث ينبغى أن يوضعن فى منزلة الإجلال.
إلا أنه عندما راجعته امرأته في بعض أمره فأغضبه ذلك وقام بزجرها فقالت له: «ويحك إنك لتأبى علىّ أن أراجعك، وإن ابنتك وغيرها من أزواج النبى عليه الصلاة والسلام ليراجعن رسول الله حتى يغضبنه، فأسرع عمر إلى ابنته حفصة أم المؤمنين ليسألها: أفى الحق أنكن تراجعن نبى الله؟ قالت: أجل والله إنا لنراجعه». فقام عمر بوعظها ما استطاع، ثم استأذن على أم سلمة أم المؤمنين وكانت بينه وبينها قرابة من ناحية أمه، فسألها فى ذلك، فقالت: «لله أنت يا ابن الخطاب. دخلت فى كل شىء تريد أن تدخل بين النبي وأزواجه». فأسكتته، وانصرف عمر خجلا. ومن قبل ذلك كله وقف عمر موقفا طابقه القرآن عليه، وذلك فى أعقاب غزوة بدر حين شاوره النبى في أمر الأسرى، فأشار عمر بقتلهم، وأشار أبوبكر بالفداء، وأنزل الله فى سورة الأنفال لومه للنبى والمسلمين فى قبول الفداء، وليس غريبا أن يتحدث الرواة بأن رسول الله قال: «إن الحق على لسان عمر وفى قلبه»، وليس غريبا أن يلقب «عمر الفاروق» لأنه فرَّقَ بين الحق والباطل، ولم يكن عمر أيام أبى بكر أقل صراحة منه أيام نبى الله فقد راجع أبا بكر فى أمر خالد بن الوليد حين قتل مالك بن نويرة وتزوج امرأته، وظل عمر يلح فى عزله لأن فى سيفه رهقًا، وبعد وفاة أبا بكر وتوليه الأمر قام على الفور بعزل خالد.
وحول موضوع الأسراء الذى جاء ذكره في القرآن الكريم في سورة الإسراء: «سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا، إنه هو السميع البصير». كان موقف عمر عندما سمع بالخبر، استبعاد الانتقال بالجسد لمخالفته للعقل، فلما أكده له أبوبكر غيَّر موقفه في الحال، وترك العقل إلى النقل، لأن العقل قد يخطئ، ولكن الإيمان هو العقيدة الثابتة، وإيمان أبى بكر هنا، يستند إلى المعجزة وهى التى تخرج عن نطاق القوانين الوضعية والعقلية. جدال الدين والعلم، وهل كان الإسراء بالجسد أو بالروح.
لقد ظل الخلاف موجودا فى هذا الأمر خاصة وقد ورد عن عائشة رضى الله عنها، أنها قالت عن الرسول صلى الله عليه وسلم: «أنه ما فارق صدرى ولا نحرى تلك الليلة». آراء تبسط عارضة كل احتمال في معرفة واسعة بهدوء جميل، وكأن الدين والعلم حمامتان تتناجيان فوق غصن واحد فى ظل شجرة مباركة. نموذج للمناقشة والحوار بين قوم يعقلون «وجادلهم بالتى هى أحسن»
والمعروف أن عمر ابتكر صلاة التراويح في رمضان وإقامة الحد عن شرب الخمر، وكان أول من أخذ الدّرة هراوة يؤدب بها الناس إن جاروا عن القصد قليلا أو كثيرا، لا يفرق فى ذلك بين كبار الصحابة وغيرهم من الناس. وقد ضرب سعد بن أبى وقاص بالدّرة حين جلس عمر يومًا يُقسِّم بين المسلمين مالا، فأقبل سعد وجعل يزاحم الناس حتى وصل إليه فعلاه عمر بالدّرة قائلا: «إنك أقبلت لا تهاب سلطان الله فى الأرض فأردت أن أعلمك أن سلطان الله لن يهابك». وأعطى عمر الدّرة للقبطى وقال له اضرب بها صلعة هذا الرجل عمرو بن العاص لأنه لولاه لما كان ابنه قد اجترأ عليك وقال لك «أنا ابن الأكرمين».
ومن أجل جرأة عمر وشدته فى الحق ومطابقة القرآن لرأيه فى أكثر من موطن، كان النبى صلى الله عليه وسلم يؤثره عنده ويُظهر له من ذلك ما كان يقر عينه ويملأ قلبه بالرضى، حتى أنه عندما استأذن النبى مرة في العُمرة وقال: «إنى أريد المشى» فأذن له النبى قائلا: «أشركنا يا أخى فى صالح دعائك ولا تنسنا» فكان عمر يقول لقد قال الرسول لى كلمة تعادل لدى الدنيا وما فيها.
وفي الحديث الشريف قول رسول الله: «واتقوا غضب عمر فإن الله يغضب لغضبه». وفى رواية قوله: «إن الشيطان يفرَق من حس عمر». وهناك موقفه من رسول الله حين مات «عبدالله بن سلول» وجاء ابنه يسأل النبى أن يصلي عليه، فأجابه النبى إلى ما أراد، وإذا عمر يغضب ويراجع النبى فى ذلك ويجادله بالقرآن مذكرا قوله تعالي في سورة براءة: «استغفر لهم أولا تستغفر لهم إن تستغفر سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدى القوم الفاسقين»، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام يرّده إلى الهدوء قائلا: «إن ربى خيرنى فاخترت. ثم يصلي على «ابن سلول». لكن الوحى لا يلبث أن يطابق رأى عمر، فينزل الله في السورة نفسها هذه الآية الكريمة موجهة إلى النبى تقول: «ولا تصل علي أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون».
وفى موضع آخر بعد غزوة حُنين قَسَّمَ النبى صلى الله عليه وسلم الفئ، فأعطى المؤلفة قلوبهم من قريش ومن غيرها فأجزل فى العطاء، فقام إليه رجل قائلا: «اعدل يا محمد، فإنك لم تعدل» فظهر الغضب في وجه النبى وقال للرجل: «ويحك! فمن يعدل إذا لم أعدل؟!». وهنا استأذن عمر النبى فى قتل هذا الرجل، فأبى عليه الصلاة والسلام.
ومن هنا كان عمر أيام النبى صلي الله عليه وسلم مزاجه العنف الذى كان النبى يكفكفه ويخفف منه إلي جانب الرحمة التي يؤثرها الرسول ويشجع عمر عليها بالقول حينا، وبالابتسام حينا آخر، ومن غير المعروف أن عمر بن الخطاب قد بكي أثناء جاهليته، ولكنا نعرف أنه كان سريعا إلى البكاء بل النشيج فى أكثر الأحيان بعد أن أسلم.
لقد كان كغيره من المؤمنين يمتلئ قلبه وجلا وخوفا إذا ذكر الله كما جاء فى الآية الكريمة من سورة الأنفال «إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون». وإذا ما كان النبى يريد رد المقام فى المسجد الحرام إلى مكانه الآن، وكان قبل ذلك ملصقا بالبيت لكنه رأى أن قريشا حديثة عهد بالإسلام فلم يفعل إلا أن عمر قام بما أراده النبى، وقد هدم عمر مسجد النبى صلى الله عليه وسلم ووسع رقعته لما كثر الناس فى المدينة وغطى أرضه بالحصى ليكون ذلك أرفق بالناس، وكان المسلمون إذا فرغوا من صلاتهم نفضوا أيديهم المتسخة وأزالوا التراب عن جباههم بشق الأنفس.
وأنشأ نظام القضاء وعممه في الأمصار، ولم يجعل للمدينة قاضيا، وإنما كان هو الذى يقضى فى شئون المختصمين، وكان إذا جاءه الخصمان برك على ركبتيه وقال: اللهم أعنى عليهما فإن كلا منهما يردنى عن دينى.
وكان عمر إذا عرضت له المشكلة نظر فى كتاب الله، فإذا وجد حلا قضى به غير متردد، وإن لم يجد فى كتاب الله نظر فى سنة رسوله، فإن وجد فيها الحل قضى به غير متردد أيضا، وإن لم يجد اجتهد رأيه وقضى بما فيه مصلحة للمسلمين، وكان كثيرا ما يستشير أصحاب الرسول عسى أن يكون عند بعضهم حديث من سُنَّة النبى، وقد همَّ عمر أن يكتب السنة فاستخار الله فى ذلك شهرا ثم عدل عنه قائلا: «ذكرت قوما كتبوا كتابا فأقبلوا عليه ونسوا كتاب الله».
وهكذا عندما وجد الصحابة فى بعض الأحكام أن ظروفها قد تغيرت فى زمانهم عن الظروف التى كانت أيام الرسول والتى أصدر حكمه فى ظلها، فغيَّروا الحكم أو أتوا بحكم آخر يناسب الظروف في أيامهم ويحقق للناس مصالحهم، وكان منطقهم فى هذا: إن هذه الظروف الجديدة التى نراها، لو كانت فى أيام الرسول لحكَمَ بالحكم نفسه الذى نحكم به الآن تحقيقا لمصالح الناس.
وقد قال ابن القيم: «ومن أفتى الناس بمجرد المنقول من الكتب على اختلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأمكنتهم وقرائن أحوالهم فقد ضلّ وأضلّ».
و.صدق عليه الصلاة والسلام عندما قال «لا عبادة كتفكر». وإن الفكر والمفكرين أشياء لا تنبت إلا في جو الحرية وتطبيقا لما جاء به الإسلام الحق فى قوله تعالى «وجادلهم بالتى هى أحسن» وهذا الجدل أى الحوار وحده يلغى المبرر لوجود الإرهاب والتعصب، فإن وضع الكمامة على الفم يؤدى إلى التحرك باليد والإمساك بالخناق واستخدام الأرجل فى غير موقعها!.
نقلا عن الاهرام اليومي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.