تشبه جولة وزيرة الخارجية الأمريكية القادمة بالمنطقة الي حد كبير جولة سلفها كولين باول في فبراير2001 فقد كان الظن كل الظن بالمنطقة . أن ايفاد الرئيس جورج بوش وزير خارجيته للمنطقة بعد شهر من تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة يستهدف البناء علي التقدم الحاصل في المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في طابا, بعد فشل جولة مفاوضات كامب ديفيد قبل سبعة أشهر, لكن العراق وليس النزاع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية كان هو البند الأساسي في أجندة باول لحشد تأييد عربي لغزو العراق. وتأتي رايس الي المنطقة قبيل انعقاد مؤتمر السلام الذي اقترح بوش عقده حول القضية الفلسطينية والنزاع العربي الإسرائيلي بواشنطن منتصف الشهر المقبل لكن رايس أعلنت قبل بدء جولتها أن الإدارة الأمريكية تسعي الي بناء تحالف عربي بقيادتها يضم الدول التي تشعر بالقلق من تزايد النفوذ الإيراني. ورشحت رايس مصر والسعودية للانضمام لهذا التحالف بوصفهما يقدمان نمطا جيدا من القيادة ضمن مجموعة من الأصدقاء( الآخرين) الذين يقدرون المسئولية. كما جاءت دعوة رايس لتشكيل تحالف عربي في مواجهة إيران وسط استعدادات لاحتمال استخدام الخيار العسكري ضدها . فالإدارة تعلن يأسها من نجاح الحل الدبلوماسي في الملف النووي الإيراني وتوجه انتقادات عنيفة لمدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي لنجاحه في التوصل الي مذكرة تفاهم مع الحكومة الإيرانية لكشف غموض برنامجها النووي . ولتحذيره من شن عدوان علي إيران, وتعلن زيادة الاعتمادات لنشاطات سرية داخل إيران, وتحشد قواتها وأساطيلها في مياه الخليج وتنشر أنظمة صواريخ مضادة للصواريخ علي أراضي دول عربية خليجية. ويلفت النظر في دعوة رايس أنها تحاول أن تستنسخ التحالف العربي الدولي لتحرير الكويت من العراق عام1991 بضم دول عربية من دون انضمام اسرائيل. لإبعاد أي مؤثرات من جانب الرأي العام العربي علي حكوماته تهدد تشكيل هذا التحالف في حالة انضمام اسرائيل للحفاظ علي قواها سليمة من أي تهديد. وهذه الدعوة وأهدافها لا تشجع علي انضمام طرف عربي الي مثل هذا التحالف لعدة أسباب: * أولا: أن هذا التحالف يخدم المصالح الأمريكية في إطار مشروعها الامبراطوري وأمن اسرائيل أولا.. والقضايا المطروحة علي أجندة الدعوة هي مجرد ستار يخفي وراءه الأهداف الأمريكية الإسرائيلية بضرب إيران.. فهي قضايا تشكل أولوية علي الأجندة العربية وليس علي الأجندة الأمريكية الإسرائيلية, بينما تحديات التحالف تقول بوحدة الأهداف والأولويات, فهل هناك طرف عربي مستعد أن يضع ضرب إيران صراحة علي جدول أعماله؟! * ثانيا: تحمل الدعوة استخفافا بالسياسة العربية فقد سبق وتحمس العرب لتحرير افغانستان من الشيوعيين الملاحدة, ولم يجن العرب سوي ثمرة الارهاب, ثم تحمس العرب بالانضمام الي تحالف لتحرير الكويت من العراق علي أمل أن تلتفت الولاياتالمتحدة للقضية الفلسطينية. وجري ما جري فيها من تراجع اسرائيلي حتي عن تنفيذ اتفاق( أوسلو) ظالم, ولم تستخدم الولاياتالمتحدة نفوذها لحل القضية وتراخت عن الضغط علي اسرائيل لتنفيذ الاتفاقيات التعاقدية وحتي تنفيذ وعد بوش بحل علي أساس دولتين وخريطة الطريق الوهمي. * ثالثا: إن الولاياتالمتحدة لن تغزو إيران بريا, بل ستعتمد علي الأرجح علي ضربات صاروخية لمواقع إيرانية, لكنها ليست مجرد هجمات جوية بل هي الحرب. فالرد سيكون صواريخ إيرانية علي المواقع الأمريكية في أفغانستان والعراق ومياه الخليج واراضي دول وأحياء ومدن عربية بها قواعد عسكرية أمريكية وتجمعات عسكريين أمريكيين, وقد يسحب هذا العدوان دول وجماعات أخري لدخول حرب ربما تسهم فيما عجزت عنه السياسة ورجال الدين وهو ائتلاف شيعي سني. * رابعا: إن البرنامج النووي الإيراني ليس كافيا كمبرر لإقناع العرب شعوب ومن ثم حكومات بالتحالف مع أمريكا وإسرائيل ضد إيران, لأن الموقف الرسمي العربي يعتبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي الجهة المنوط بها تقويم التزام إيران بأحكام المعاهدة الدولية لحظر الانتشار النووي وليس الولاياتالمتحدة أو مجلس الأمن, الذي يبدأ دوره عندما تنتهي الوكالة من دورها وتبلغ المجلس أنها تأكدت من أن البرنامج النووي الإيراني لأغراض عسكرية, أو أنها عاجزة عن التأكد من أنه للأغراض السلمية. * خامسا: إن الوكالة أبرمت مع إيران مذكرة تفاهم لمدة ثلاثة أشهر تنتهي في نوفمبر, تقوم خلالها الوكالة بأنشطتها الفنية في إيران, ومن الخطأ تجاهل هذا الاتفاق السلمي. * سادسا: إن التسرع بإنشاء تحالف في ظل وجود هذا الاتفاق يضفي علي أي تحالف صفة التخطيط لعدوان مسبق يتحمل أعضاؤه تكلفته السياسية والقانونية والأخلاقية, لاسيما أن العرب المرشحين للانضمام لهذا التحالف هم جيران إيران.. وليس الولاياتالمتحدة أي أن الأعضاء العرب في التحالف هم من سيدفعون الثمن. * سابعا: سيلاحق الدول العربية التي تنضم الي تحالف ضد إيران( الآن) العار في حالة ضرب إيران دون تفويض دولي, ودولة مثل مصر رفضت الانضمام الي التحالف الدولي للحرب ضد الارهاب كمبرر لغزو أفغانستان في اكتوبر2001, وكذلك الي تحالف الراغبين لغزو العراق في مارس عام2003, لاسيما أن الوكالة الدولية أعلنت عدم امتلاكها أدلة علي حيازة إيران أسلحة نووية, ولم تتأكد بعد من أن البرنامج النووي الإيراني لأغراض عسكرية, والتقويم الحالي هو أن البرنامج مثير للشكوك بسبب السرية التي فرضتها ايران عليه لمدة20 عاما كانت الوكالة خلال هذه الفترة بعيدة عنه. * ثامنا: انه اذا كانت حيازة إيران سلاحا نوويا خطرا محتملا فإن حيازة إسرائيل له باعتراف رئيس الوزراء ايهود أولمرت في سبتمبر من العام الماضي, يعد خطرا قائما أولي بالدول العربية أن تتحالف من أجل كشف غموضه وانضمام إسرائيل الي المعاهدة, والضغط علي الولاياتالمتحدة لهذا الغرض لإخضاع البرنامج النووي الإسرائيلي لنظام الضمانات والتفتيش المعمول به من جانب الوكالة الدولية وليس بقاء إسرائيل خارج نطاق حظر الانتشار تحتفظ بقدرات نووية وفضلا علي ذلك تحتل أراضي عربية. * تاسعا: لا يلدغ المؤمن من نفس الجحر مرتين.. لكن العرب لدغوا من جحر الولاياتالمتحدة أربع مرات في هذا الموضوع, فقد وعدتهم واشنطن عام1979 بالتحرك نحو تنفيذ قرار مجلس الأمن242 بإنهاء احتلال اسرائيل للأراضي العربية, وانضم المعتدلون وتحالفوا مع الولاياتالمتحدة في غزو أفغانستان ولم يحصدوا سوي الإرهاب العائد. ووعدت واشنطن العرب عام1986 بالتحرك لكشف غموض البرنامج النووي الاسرائيلي وصادقت مصر علي المعاهدة وأوقفت برنامجها النووي ولم تنفذ واشنطن وعدها. ووعدت واشنطن عام1990 بالعمل الجدي لإنهاء النزاع العربي الإسرائيلي, وانضم العرب للتحالف بقيادة الولاياتالمتحدة لتحرير الكويت.. ولم يحصد العرب سوي عملية هزيلة مضي عليها15 عاما تقلصت خلالها الأراضي الفلسطينية بفعل الاستيطان. ووعدت واشنطن العرب عام1995 بالموافقة علي التمديد الأبدي للمعاهدة مقابل صدور بيان عن مجلس الأمن يدعو الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الي بدء تحرك نحو اخلاء المنطقة من السلاح النووي وانضمام اسرائيل الي المعاهدة, ومضي12 عاما ولم تنفذ واشنطن ما جاء في البيان, علي العكس فقد مارست الإدارة الأمريكية خلال مؤتمر مراجعة المعاهدة في مايو عام2005 ضغوطا علي الدول العربية للتنازل عن هذه الالتزامات!؟ * عاشرا: غزت الولاياتالمتحدة العراق عام2003 بذريعة ثبت كذبها, هي حيازة العراق أسلحة دمار شامل.. فهل ينضم العرب الي تحالف ضد إيران بقيادة إدارة أمريكية كاذبة, قام وزير خارجيتها كولين باول بعرض معلومات مضللة علي مجلس الأمن في فبراير2003 ثبت قيام المعارض العراقي أحمد الجلبي بفبركتها وهو نفس ما قام به مهدي إيديشمش مندوب حركة مجاهدي خلق المعارضة في باريس قبل أيام!! * حادي عشر: إن الدول العربية بدأت تهتم وتصمم سياسات منذ عام2006 لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية وانشاء مفاعلات نووية لتوفير الطاقة البديلة, وسيشكل التحالف ضد إيران لمنعها من الاستخدام السلمي للطاقة النووية عائقا أمام الدول العربية من الناحيتين السياسية والفنية, كما يحرمها من الاستفادة من خبرات دولة إسلامية مثل إيران في هذا المجال مستقبلا. * ثاني عشر: ان الدور الإيراني في العراق ليس كافيا للاقناع بالانضمام, فوصول العراق الي ما هو عليه مسئولية أمريكية ترفض واشنطن الاعتراف بها ناهيك عن الاعتذار عنها وتعزيز ايران مركزها الإقليمي هو نتاج السياسة الأمريكية فقد خلصتها هذه السياسة من عدوها الأول: طالبان في أفغانستان, والثاني: نظام صدام حسين في العراق, كما أسهمت السياسة الإسرائيلية في دعم مركز إيران اقليميا أيضا بمد نفوذها الي البحر المتوسط عبر حزب الله في لبنان وحركة حماس في الأراضي الفلسطينية. * ثالث عشر: ضرب إيران سيؤدي الي اشعال المنطقة وتأجيل ملفات أخري وعلي رأسها حل القضية الفلسطينية, وكذلك الي تصدير الصراع الطائفي الداخلي الي دول عربية بها نسبة كبيرة من المواطنين الشيعة. * رابع عشر: ان ايران لم تتخذ مواقف عدوانية ضد دولة عربية تبرر الانضمام الي تحالف ضدها, أو يمكن الاستناد إليها لتصميم سياسات معادية. * خامس عشر: في المقابل فإن الانضمام الي تحالف ضد ايران سيكون بمثابة إعلان حرب ضد إيران.. لا الشعوب ترغبه.. ولا الاستقرار والأمن في المنطقة يطرحه.. ولا الحكومات تطلبه. * سادس عشر: ان انضمام دول عربية لمثل هذا التحالف سيدخلها مرحلة استقطاب دولي حاد بدأت بشائره ترسم سياسات وتطرح مواقف علي الأرض, فإيران أصبحت الآن عضوا مراقبا في منظمة شنغهاي وهي بمثابة حلف جديد تقوده روسيا والصين في مواجهة الامبراطورية الأمريكية وتوسع حلف الناتو شرقا, ومشروع نشر الدرع الصاروخية, وعلي سبيل المثال فإن السياسة الخارجية المصرية ترفض الأحلاف. * سابع عشر: إن الدول العربية ومصر أعلنت تأييدها الحل السلمي لأزمة الملف النووي الإيراني, وشددت علي لسان وزير الخارجية أحمد أبوالغيط علي رفضها أي عمل عسكري ضد إيران, وذلك عقب جولة قام بها الجنرال وليام فالون قائد القيادة المركزية الأمريكية بالمنطقة لمحاولة حشد التأييد العربي ضد إيران, وأبلغه جميع من زارهم رفضهم ضرب إيران أو تأييد مثل هذا العمل. * وأخيرا.. تستعجل الإدارة الأمريكية ضرب إيران قبل الدخول في سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية في ديسمبر المقبل, حتي لا تعرقل المزايدات الانتخابية مشروع المحافظين الجدد في الادارة بقيادة نائب الرئيس ديك تشيني لإعادة تشكيل المنطقة علي أساس طائفي, في اطار الفوضي الخلاقة خدمة لمصالح إسرائيل, فهل هناك في العالم العربي عاقل يقبل بذلك؟!