ما بين أسلوب تصميمها الذي منحها الإنفراد بين سائر العمائر القديمة، وبين سكانها الذين كان عدد كبير منهم ينتمي لمشاهير الفن والصحافة من المصريين والعرب، وبين موقعها المطل على نيل زمالك القاهرة، تأتي شهرة عمارة «ليبون» التي تعد من أشهرعمائر مدينة المعز. وتعد العمارة التي تقع بالقرب من حديقة الاسماك في جزيرة الزمالك بالقاهرة، واحدة من ثلاثة مباني يطلق عليها اسم «هوانم الزمالك الكبار»، ويقصد بهذا الاسم عمارة «ليبون» وعمارة «اليونيون» وعمارة «علي لبيب جبر»، أما السبب في تلك التسمية فيعود الى فخامة بناء المباني الثلاثة والطبقة التي سكنت بها، بالاضافة إلى عمر تلك المباني الثلاثة الذي تجاوز الستين عاماً. عند عبورك لبوابة عمارة ليبون لا تعرف أي اسم تربطه بها، اسم مصممها المهندس المعماري المصري أنطوان سليم نحاس الذي تلمح اسمه على لوحة من الرخام بمدخل العمارة، أما اسم رجل الأعمال اليهودي تشارلز ليبون الذي اقترنت به بعد تملكه للعمارة؟ الحقيقة أن لكلاهما سمعة واسعة في مجاله. فالمهندس أنطوان سليم نحاس واحد من كبار المعماريين المصريين في القرن الماضي، ولد في القاهرة عام 1901 لأب كان يمتلك مصنعاً للنسيج، وتلقى تعليمه في مدرسة الفرير التي قام ببناء مبني جديد لها في حي الظاهر فيما بعد، وأكمل تعليمه العالي في فرنسا بكلية الفنون والصناعات في باريس التي تخرج منها عام 1930، ليعود بعدها ويلتحق بالعمل كمدرس بكلية الفنون الجميلة، ثم انطلق بعدها ليصنع اسمه في عالم المعمار. ومن أهم المشروعات التي صممها أنطون سليم كان المتحف القومي في بيروت، ومدرسة الفرير بحي الظاهر، وكنيسة قصر الدوبارة البروتستانية، ونادي الصيد المصري بحي الدقي بالقاهرة، بالإضافة إلى عمارة ليبون التي تعد تحفة معمارية رائعة. ويقول المهندس المعماري محمد عوني: «أنطوان سليم هو أحد أكبر الأسماء في عالم المعمار في مصر، وقد وضع في تصميم عمارة ليبون التي يبلغ ارتفاعها 14 طابقاً على مساحة ألف وخمسمائة متر مربع وبها أكثر من مائة شقة، كل خبرته الهندسية حينما شرع في بنائها في مطلع الخمسينات من القرن الماضي، وجمع فيها بين الأسلوب الحديث في التصميم والتفاصيل الداخلية عالية الجودة. وقد تأثر فيها بفلسفة فرانك لويد رايت المعمارية التي كانت تدعو إلى جعل المبنى جزءا من الطبيعة وألا تتعارض معها». وبجانب المدخل بتفاصيله الراقية، أضاف أنطوان سليم عناصر عمارة داخلية تتمثل في الحديقة الداخلية التي تم زرعها بالزهور وبعض الاشجار، والأماكن الخاصة بلعب الأطفال وطرقات لنزهة الكلاب، مما أشاع جواً من الحميمية بين سكان المبنى وأضفى مميزات جديدة على موقع المبنى المتميز، ليشيع الإحساس بالراحة التامة لدى السكان. أما الخواجة تشارلز ليبون الذي حملت العمارة اسمه، فينتمي لإحدى العائلات اليهودية التي فتح لها محمد علي والي مصر باب الاستثمار في منتصف القرن التاسع عشر، حيث أسست تلك العائلة شركة لتوفير الإضاءة الكهربائية لشوارع الإسكندرية في ذلك الوقت، وحصلت بعدها على إمتياز إضاءة شوارع القاهرة لمدة سبعين عاما. وقد تملكت تلك الشركة عمارة ليبون وأطلقت عليها اسمها وأصبحت من ممتلكاتها التي انتقلت إلى يد السلطات المصرية بعد عام 1961 أي بعد تأميم الممتلكات الأجنبية في مصر. اكتسبت عمارة ليبون شهرتها بسبب إقبال المشاهير من كبار الفنانين والسياسيين ورجال المجتمع على السكن بها. ومن أشهر تلك الأسماء فاتن حمامة التي نجحت في وضع المبنى في دائرة الضوء والشهرة عند تأجيرها لإحدى الشقق به، هناك أيضاً الفنانة ليلي فوزي أو «فيرجينيا جميلة الجميلات» كما كان يطلق عليها في فيلم الناصر صلاح الدين الايوبي، وشيريهان التي تمتلك شقتين، تستعمل إحداهما كمنزل والأخرى كمكتب لإدارة أعمالها، علاوة على شقق الفنانين فريد الأطرش وسامية جمال ومحرم فؤاد، ومن بين أشهر الصحافيين الذين سكنوا بها الكاتب الصحافي علي أمين وناصر الدين النشاشيبي. حراس العمارة الذين توالوا على حراستها وخدمة سكانها كانوا في البداية وعند إنشائها من سكان أهل النوبة المميزين بسمرة بشرتهم وملابسهم ناصعة البياض، والذين توارث أبناءهم مهنتهم تلك وما زالوا يعملون بها حتى الآن، ويرفضون الحديث لأي من الصحافيين، إلا أنهم يؤكدون أن عمارة ليبون لا مثيل لها لأنها بنيت بضمير وبحرص على إبراز الجمال. وعلى الرغم من قيمة العمارة التي تزداد كل يوم بصفتها اثرا معماريا في تاريخ القاهرة، إلا أنها عانت بشدة من قوانين الإيجار المصرية مما ضعها في حالة تدهور شديد، فقد كانت هذه العمارة بتفاصيلها الراقية تحتاج إلىالاهتمام الدائم مثل صناديق البريد المصنوعة من خشب البلوط، والأرضيات والنافورات الرخامية الرقيقة، وهي أمور لم يهتم بها المستأجرون الذين قاموا بإستبدالها بالأرخص ثمنا للاستفادة من الإيجار المرتفع الذي كانوا يحصلون عليه عند تأجيرهم للشقق الفخمة من الباطن، إلا أن رجل الأعمال وفيق شامة وهو أحد سكان العمارة نجح في إقناع السكان القاطنين في المبني منذ سنوات بضرورة الاهتمام به، وإعادة ترميم وتنظيم الأماكن العامة به، وهو ما ضاعف من قيمة شقق المبنى التي تخطى سعر الواحدة منها الثلاثة ملايين جنيه مصري، بينما تقدر قيمة الإيجار الشهري بها بحوالي 2500 دولار أميركي.