حين التحق تشاو ليو بجيش التحرير الشعبي في السنوات الاخيرة للثورة الثقافية في الصين لم يخطر بباله قط أن الامر سينتهي به في قبرص مرتديا القبعة الزرقاء لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. فوالده الذي كان ضابطا في الجيش الصيني خاض حربا ضد قوات الأممالمتحدة التي قادتها الولاياتالمتحدة في الحرب الكورية 1950-1953. وقال الاب لابنه حين كان في السادسة عشرة من العمر إن الالتحاق بالجيش يوفر أفضل فرصه لضمان حياة كريمة في حين كانت المدارس مغلقة والبلاد في فوضى. والآن بعد تعيينه قائدا لبعثة الأممالمتحدة لحفظ السلام في قبرص أصبح الميجر جنرال ليو في أرفع منصب تشغله الصين في عمليات حفظ السلام حتى الان. والصين هي أكبر مساهم في قوات حفظ السلام من بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وتقول الصين بجلاء انها تعتبر عمليات حفظ السلام علامة على مكانتها المتنامية كقوة عالمية. ويقول خبراء إن حكام الصين ينظرون أيضا إلى إرسال قوات في مهام لحفظ السلام وعمليات إنسانية ومهام أخرى متعددة الأطراف كوسيلة رئيسية لبناء المهارات واختبار القدرات. واستعرضت الصين خلال العام المنصرم طائرة نقل عسكرية جديدة بعيدة المدى وتقوم ببناء سفن إمداد في حين تواجه مهمة الاحتفاظ بقوات في انحاء العالم. ولا ينظر الجميع بارتياح لهذا التطور إذ يشعر كثيرون في الولاياتالمتحدةوجنوب شرق آسيا بتوتر بالفعل من النفوذ العسكري الصيني. ويقود ليو (54 عاما) حوالي 850 جنديا لحراسة منطقة عازلة في جزيرة قبرص طولها 180 كيلومترا تفصل منذ 40 عاما تقريبا بين القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك. ومجرد وجود رجل المشاة اشيب الشعر عذب الحديث هناك يعبر كثيرا عن الكيفية التي تغيرت بها الصين. وقال لرويترز من مكتبه في مطار بريطاني سابق مهجور الى حد كبير في المنطقة العازلة في قبرص "عندما كنت في الأكاديمية العسكرية كان يُقال لنا إننا لن نضطلع أبدا بمهام حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة. "لكن التغيرات في السبعينات والثمانينات فتحت الباب لفرص جديدة. فمشاركة بكين في عمليات حفظ السلام تتيح لنا التعلم من العالم الخارجي وأن نظهر للخارج أيضا ما هو جيش التحرير الشعبي الصيني." وتساهم الصين بأكثر من 1800 جندي في بعثات تابعة للأمم المتحدة. وبنت قواتها مخيمات للاجئين في دارفور وأدارت مستشفيات ميدانية في جمهورية الكونجو الديمقراطية وأزالت ألغاما في لبنان وشيدت مشروعات للبنية التحتية في جنوب السودان. وبينما تفوق مساهمة الصين الدول الخمس الأخرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي من حيث الأعداد إلا أنها أقل من ربع المستويات التي تقدمها بلدان أخرى مثل باكستان وبنجلادش والهند. وتقدم الدول الأغني القدر الأكبر من التمويل لمهام حفظ السلام لكن الافراد يأتون من الدول الأفقر التي تتقاضى أموالا مقابل تنفيذ المهام. لكن الصين لا ترسل جنودها من أجل المال. ويقول محللون أجانب إن إدارة حفظ السلام في وزارة الدفاع الوطني الصينية تضم على ما يبدو بعضا من الضباط الأفضل تعليما والأكثر طموحا وكذلك الأفضل إجادة للغات الأجنبية. بل افتتحت الصين مدرسة لتدريس مهام حفظ السلام للقوات الصينية وللقوات الأجنبية أيضا تضم نماذج بالحجم الطبيعي لمعسكرات الأممالمتحدة وحقول ألغام ومناطق كوارث. وتولت الصين أول مهمة كبيرة في قيادة عمليات حفظ السلام في عام 2007 عندما تولى الميجر جنرال تشاو جينغ مين مسؤولية قيادة قوة للأمم المتحدة في الصحراء الغربية حتي عام 2011. ويقول ليو إنه من المؤكد تقريبا أن إجادته للغة الإنجليزية عامل مهم في تعيينه في قبرص وكذلك خبرته كمراقب عسكري في بعثة الأممالمتحدة في الصحراء الغربية بالاضافة الى عام أمضاه في كلية لندن للاقتصاد في 1998-1999 . ومع هذا فإن المهمة في قبرص تتطلب قدرة سريعة على التعلم. فقبرص مقسمة منذ غزو تركي عام 1974 وخط وقف اطلاق النار لم يتم الاتفاق عليه رسميا على الاطلاق بين الجانبين. وسيكون على قوة الاممالمتحدة احتواء اي نزاعات او حوادث في المنطقة العازلة بداية من تحريك الجانبين مواقعهما العسكرية حتى حوادث تشمل مزارعين مدنيين وصيادين بل واناسا يجمعون الخضراوات. ويقول ليو "العسكريون متشابهون لكن النظام مختلف." وأضاف "ما تعلمته في هذه المهمة أن كل قرار يستند إلى نقاش. في الصين الأمر مختلف تماما... القرار يتخذ ولا يتوقع أحد أن يناقش." وليس كل انتشار عسكري صيني في العالم تحت راية الأممالمتحدة. ففي العام الماضي أرسلت الصين مستشفى عائما إلى البحر الكاريبي في خطوة اعتبرها محللون محاولة مقصودة لإظهار الوجود في الفناء الاستراتيجي لواشنطن. وكثيرا ما يصف مسؤولون صينيون وأجانب الدوريات الصينية لمكافحة القرصنة في خليج عدن كمثال للتعاون المتعدد الأطراف وكانت محل ترحيب كبير من الأساطيل الغربية وغيرها بما في ذلك فرق العمل التابعة لحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. غير أن بعض الضباط الغربيين يقولون إن السفن الحربية الصينية تمضي وقتا طويلا في جمع معلومات عن السفن الحربية الأخرى في المنطقة. ومع تراجع عدد الهجمات التي يشنها قراصنة صوماليون يشتبه البعض في أن الاهتمام الحقيقي سيركز على تعلم مهارات بحرية جديدة والحفاظ على وجود في منطقة استراتيجية. ويقول مسؤولون أجانب إن اختيار الصين الاضطلاع بمهام في حفظ السلام قد يكون أيضا ضمن برنامج أوسع نطاقا. فبكين لديها مصالح كبيرة تتعلق بالموارد أو الطاقة في عدد من البلدان مثل الكونجو والسودان الذي ارسلت إليه قوات بما يعزز نفوذها الإقليمي. وقد يكون أحد الأسباب التي دفعت الأممالمتحدة لاختيار جنرال صيني لقيادة المهمة في قبرص هو عدم تدخل بكين. وعلى عكس الوضع في اليونان فلا يوجد حضور كبير للشركات الصينية ولم تضطلع الصين بأي دور مباشر في الصراع المستمر منذ 50 عاما. من جانبه أكد ليو إنه لا يتلقى توجيها يذكر بصورة منتظمة او لا يتلقى توجيها على الاطلاق من بكين بشأن كيفية أداء مهمته. وقال "لا يزعجونني ولا أزعجهم. "قواعد الأممالمتحدة ولوائحها واضحة جدا. أرسلوني وزكوني ويتعين علي أن أعمل باستقلالية."