الاتجار في أدوية التأمين الصحي «جريمة»    ترامب يتعهد بمقاضاة "بي بي سي": سأطلب تعويضا بالمليارات    كوبري الباجور العلوي، أزمة مستمرة للعام الثاني بسبب أعمال الصيانة (صور)    نشرة أخبار طقس اليوم 15 نوفمبر| الأرصاد تكشف تفاصيل أجواء الساعات المقبلة    عمرو سعد يطمئن الجمهور بعد حادث شقيقه أحمد: "الحمد لله بخير"    إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها جائز شرعًا    حكم شراء سيارة بالتقسيط.. الإفتاء تُجيب    «رحيل المدفعجي».. وفاة محمد صبري لاعب الزمالك السابق تهز قلوب الجماهير    العنف المدرسى    أحمد سعد يتعرض لحادث سير ويخضع لفحوصات عاجلة بالمستشفى    فلسطين.. جيش الاحتلال يعتقل 3 فلسطينيين من مخيم عسكر القديم    ترامب: سنجري اختبارات على أسلحة نووية مثل دول أخرى    ترامب: أشعر بالحزن لرؤية ما حدث في أوروبا بسبب الهجرة    انفراد ل«آخرساعة» من قلب وادي السيليكون بأمريكا.. قناع ذكي يتحكم في أحلامك!    مناقشة رسالة دكتوراه بجامعة حلوان حول دور الرياضة في تعزيز الأمن القومي المصري    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    مقتل 7 أشخاص وإصابة 27 إثر انفجار مركز شرطة جامو وكشمير    عضو جمهوري: الإغلاق الحكومي يُعد الأطول في تاريخ الولايات المتحدة    تفاصيل مشروعات السكنية والخدمية بحدائق أكتوبر    اشتباكات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    أموال المصريين غنيمة للعسكر .. غرق مطروح بالأمطار الموسمية يفضح إهدار 2.4 مليار جنيه في كورنيش 2 كم!    مناوشات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    استقرار سعر الريال السعودي أمام الجنيه المصري خلال تعاملات السبت 15 نوفمبر 2025    جوائز برنامج دولة التلاوة.. 3.5 مليون جنيه الإجمالي (إنفوجراف)    عمرو عرفة يحتفل بزفاف ابنته بحضور ليلى علوي ومحمد ورامي إمام وحفيد الزعيم    "رقم واحد يا أنصاص" تضع محمد رمضان في ورطة.. تفاصيل    نانسي عجرم: شائعات الطلاق لا تتوقف منذ زواجي.. ولا أقبل أن أعيش غير سعيدة    هولندا تضع قدما في المونديال بالتعادل مع بولندا    مستشار الرئيس الفلسطيني: الطريق نحو السلام الحقيقي يمر عبر إقامة الدولة الفلسطينية    باحث في شؤون الأسرة يكشف مخاطر الصداقات غير المنضبطة بين الولد والبنت    شتيجن يطرق باب الرحيل.. ضغوط ألمانية تدفع حارس برشلونة نحو الرحيل في يناير    صدمة في ريال مدريد.. فلورنتينو بيريز يتجه للتنحي    إلى موقعة الحسم.. ألمانيا تهزم لوكسمبورج قبل مواجهة سلوفاكيا على بطاقة التأهل    سيارة طائشة تدهس 3 طلاب أعلى طريق المقطم    عصام صفي الدين: السلوكيات السلبية بالمتاحف نتاج عقود من غياب التربية المتحفية    إبراهيم صلاح ل في الجول: أفضل اللعب أمام الأهلي عن الزمالك.. ونريد الوصول بعيدا في كأس مصر    فرنسا: 5 منصات تجارية تبيع منتجات غير مشروعة    سفير السودان بالاتحاد الأوروبي يشيد بالدور المصري ويشدد على وحدة السودان واستقراره    رئيس قناة السويس: تحسن ملحوظ في حركة الملاحة بالقناة    حسام حسن: هناك بعض الإيجابيات من الهزيمة أمام أوزبكستان    زعيم الثغر يحسم تأهله لنهائي دوري المرتبط لكرة السلة    إخماد حريق في مخبز وسوبر ماركت بالسويس    اليوم.. أولى جلسات استئناف المتهمين في حادث الطريق الإقليمي بالمنوفية    قائد الجيش الثالث: الدور التنموي يكمن في توفير البيئة الآمنة لتنفيذ المشروعات القومية    مصر تبيع أذون خزانة محلية ب99 مليار جنيه في عطاء الخميس.. أعلى من المستهدف بنحو 24%    اليوم.. انقطاع الكهرباء عن 31 قرية وتوابعها بكفر الشيخ لصيانة 19 مغذيا    بيان من مستشفى الحسينية المركزي بالشرقية للرد على مزاعم حالات الوفيات الجماعية    رئيس الطب الوقائى: نوفر جميع التطعيمات حتى للاجئين فى منافذ الدخول لمصر    آخر تطورات الحالة الصحية لطبيب قنا المصاب بطلق ناري طائش    الباز: العزوف تحت شعار "القايمة واحدة" عوار يتحمله الجميع    تربية عين شمس تحتفي بالطلاب الوافدين    «الصحة» تنظم جلسة حول تمكين الشباب في صحة المجتمع    انطلاق برنامج دولة التلاوة عبر الفضائيات بالتعاون بين الأوقاف والمتحدة في تمام التاسعة    تكافؤ الفرص بالشرقية تنفذ 9 ندوات توعوية لمناهضة العنف ضد المرأة    الائتلاف المصري لحقوق الإنسان: صعود المستقلين وتراجع المرأة في المرحلة الأولى لانتخابات النواب    مؤتمر السكان والتنمية.. «الصحة» تناقش النظام الغذائي ونمط الحياة الصحي    صندوق "قادرون باختلاف" يشارك في مؤتمر السياحة الميسرة للأشخاص ذوي الإعاقة    سنن الاستماع لخطبة الجمعة وآداب المسجد – دليلك للخشوع والفائدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالناصر سلامة: ميزان الحرابة..!
نشر في أخبار مصر يوم 22 - 03 - 2013

خلال الفترة الأخيرة; تحول ميزان العدالة في مجتمعنا من ساحات المحاكم والقضاء إلى ميزان للحرابة في الميادين والشوارع, وذلك بعد أن شهدت المحافظات المختلفة حالات من الانتقام والقصاص, زاد عددها على ثلاثين حالة ما بين حرق وقتل وسحل, لمجرمين وخارجين على القانون, ووصل الأمر إلى التمثيل بجثثهم لعدة ساعات, قبل وصول سلطة الدولة الرسمية, ممثلة في جهاز الشرطة.
وقد جرى هذا السلوك في كل مرة, وسط حشود من آلاف المواطنين, الذين هللوا وكبروا, ووسط زغاريد النساء وفرحة الأطفال, في إشارة إلى الإنجاز الكبير الذي تحقق بأيد شعبية, مادامت يد الدولة قد غلت, وقانونها قد حصل على إجازة مفتوحة, وهيبتها قد توارت لأجل غير مسمى, وهو ما ينذر بالمزيد من هذه الممارسات مستقبلا.
والمثير للدهشة, هو أن رد الفعل على نشر هذه الأحداث بوسائل الإعلام قد وجد قبولا عاما بين عامة الشعب, على الرغم من أنهم لم يكونوا طرفا في الحدث, في إشارة أيضا إلى أن المواطن الطبيعي قد ارتضى هذا السلوك, على الأقل في هذه المرحلة التي طال أمدها, بالفوضى, والغوغاء, والانفلات, ومن ثم فهو لم يجد بديلا آخر يمكن الارتكان إليه.
ولأنه لا يوجد في الأفق ما ينبئ بأن تحسنا أمنيا قد يجد طريقه إلى الشارع على المدى القريب, فقد ظهرت ما تسمى باللجان الشعبية, وجماعات حفظ الأمن وتغيير المنكر باليد, ناهيك عن تزايد ظاهرة مكاتب الأمن الخاصة, والحراسات الشخصية, واستئجار البلطجية لتنفيذ هذه المهام أحيانا, وتنفيذ مهام إجرامية في معظم الأحيان, إلا أننا في كل الأحوال أمام ظاهرة مصرية خالصة, نتجت عن تراجع دور أجهزة الأمن الرسمية, لأسباب في معظمها سياسية.
في البداية..
تجدر الإشارة إلى أن الحرابة هنا بمعناها العام تطلق على الذين يحاربون القانون, ويسعون في الأرض فسادا, وشرعا حكم عليهم القرآن الكريم بأن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض, وبحكم القانون الوضعي تبدأ عقوبتهم من الحبس, إلى السجن, إلى السجن المشدد, والمؤبد, وتنتهي بالإعدام, أي أنهم, في كل الأحوال, يجب أن يدفعوا ثمنا باهظا لما اقترفوه من جرم تجاه مجتمعهم, إلا أن القضية هنا تكمن في صاحب السلطة الذي يحق له القيام بهذه المهمة, وهي مهمة المحاكمة, ثم تنفيذ العقوبة, وهي بالتأكيد سلطة الدولة ممثلة في أجهزتها الأمنية والقضائية, إلا أن غياب السلطة, وغياب الإجراءات القانونية, وغياب العدالة, قد جر المجتمع إلى هذه الفوضى, التي أصبحت بمثابة جرس إنذار لتفكك المجتمع, وانهياره, وخاصة في حالة استشراء مثل هذه الممارسات.
فقد يتحقق العدل على أيدي جموع الشعب الغاضبة مرة, أو حتى مرات, إلا أنه لن يتحقق في معظم الأحيان, وذلك لأن للعدالة قواعدها, وليس ذلك فقط, بل أجنحتها المساعدة, من جمع أدلة, وشهود, وحق الدفاع, وحق الاستئناف, والنقض, وهو ما لن يتحقق أبدا مع ثورة الناس, وغضبهم, وانتقامهم, والدليل على ذلك هو التمثيل بجثث الضحايا رغم النهي الإلهي عن ذلك, بالإضافة إلى ما سوف يفتحه هذا الباب من آثار وتبعات, قد يكون من بينها حرص عشيرة ذلك المجرم على القصاص, وربما حرص أقرانه من المجرمين على الانتقام, وهو الأمر الذي يضيف إلى المجتمع مزيدا من الأزمات التي كان في غنى عنها, لو أن سلطة الدولة قد قامت بواجبها منذ البداية مع مثل هذه الأحداث, وخاصة أن مرتكبيها, في كل الأحوال, وفي كل المواقع, هم من المسجلين رسميا لدى الدولة كعناصر خطر, وكان من المفترض أن يكونوا في قبضتها في مثل هذه الظروف التي تمر بها البلاد.
وإذا كانت هذه الظاهرة قد نتجت عن قصور في أداء جهاز الشرطة, أو عدم ثقة بشكل ما في إجراءات التقاضي, فإنها في الوقت نفسه تؤكد أهمية العودة السريعة لأجهزة الأمن في حياتنا, بأن تعمل بكامل طاقاتها, وتؤكد أيضا أهمية أن يكون هناك نظام قضائي استثنائي في هذه المرحلة, يسارع بالبت في مثل هذه القضايا, بقوانين استثنائية, أيضا, من شأنها الردع, والزجر لمن حملوا على عاتقهم مهمة ترويع المجتمع, والنيل من استقراره, سواء بممارسات فردية, أو من خلال منظومة إجرامية اتسعت رقعتها في الآونة الأخيرة, من المدن, إلى القرى والنجوع التي كان يصعب وجود مثل هذه الظواهر بها في الماضي لأسباب عديدة, مما جعل هذه المجتمعات تتعامل مع شئونها الداخلية, الآن, ككيانات مستقلة بذاتها, بمنأى عن الدولة المركزية, مادامت الأخيرة في غفلة عن احتياجات ومطالب الأولى.
ولأن الأمر كذلك..
فكان من الطبيعي أن تتواتر أنباء غريبة عن قرية تعلن استقلالها, أو مدينة ترفع أعلامها, أو محافظة تطلب تعديل حدودها, في تجرؤ واضح على الدولة, لم نسمع به سوى في زمن الاحتلال, في الوقت الذي أصبحت فيه البلطجة رقما صعبا في حسابات اللعبة السياسية, حيث حققت من خلالها عمليات استعراض القوة المختلفة مكاسب آنية, لم تستطع تحقيقها بالحوار المباشر, وهو ما جعل من هذه الممارسات غطاء سياسيا واضحا لمعظم حالات الانفلات الحاصلة في المجتمع الآن, وهو الأمر الذي يؤكد تلازم الحالتين معا في الوضع الراهن الممارسة السياسية والبلطجة, وهو ما أدى بدوره إلى ذلك التأخر في عودة دور الشرطة إلى وضعه الطبيعي, وجعلها في موقف صعب للغاية, فلم تجد أمامها مبررا للضعف والتخاذل, سوى أن تردد, طوال الوقت, أنها تقف على الحياد, وأنها لا تناصر طرفا على حساب طرف آخر, في حين أن المواجهة الحقيقية مع البلطجة وليس شيئا آخر, حتى إذا استترت قوى سياسية بشكل ما خلفها.
إذن..
ما يحدث في المجتمع من انفلات أمني هو في حقيقة الأمر اهتراء سياسي, من فعل النخبة التي لم تعر أمن المواطن اهتماما من أي نوع, بل راحت تزايد على ذلك الانفلات, باعتبار أن الأمن هو مسئولية الدولة الرسمية بالدرجة الأولى, ولذلك فقد كان من الطبيعي أن يؤكد وزير العدل أن تطبيق المواطنين حد الحرابة بأنفسهم على البلطجية وقطاع الطرق هو علامة من علامات وفاة الدولة, على حد قوله, مضيفا: إن الحكومة التي تسمح بذلك هي حكومة ظالمة, لأنها لا توفر الحماية لمواطنيها, إلا أن تصريح الوزير, للأسف, قد خص به وكالة الأناضول التركية للأنباء, ربما على اعتبار أن تركيا الدولة العثمانية سابقا كانت تحكم مصر, وبالتالي فإن الأناضول من وجهة نظره- أجدر ببث هذا التصريح من وكالة أنباء الشرق الأوسط, أو من وسائل الإعلام المصرية بصفة عامة, التي أجد أن نشرها مثل هذا التصريح كان مهما إلى حد كبير في مثل هذا التوقيت, الذي لم يجد فيه المواطن رد فعل رسميا يرقى إلى مستوى الحدث الذي تكرر مرات عديدة في غياب الدولة.
وأجد لزاما..
أن أشير بإيجابية كبيرة إلى ما صدر عن اجتماع مجلس الوزراء, أمس الأول, في إطار استعراضه الوضع الأمني في البلاد, بحظر وعدم السماح لأي شخص أو تيار أو جهة بالتدخل في الاختصاص الأصيل للشرطة, أو القيام بأي دور من أدوارها في صورة لجان شعبية أو ما شابهها, محذرا من أن تلك المحاولات سوف يقابلها رجال الشرطة بكل حزم وحسم وفقا للقانون, وأن جهاز الشرطة دون غيره هو المنوط به وفقا للدستور والقانون تحقيق الأمن وتنفيذ القانون وضبط المخالفين.. إلا أن مثل هذا الاستنكار من الوزير المسئول عن العدالة في بر مصر, ومثل ذلك التحذير الصادر عن الحكومة; يتطلبان, في المقام الأول, قيام الدولة بدورها المنوط بها في هذا الشأن, وإلا فإننا نتحدث لمجرد ذر الرماد في العيون, ولتفرض نظرية الموظف الفعلي نفسها على المجتمع, مادام الموظف الرسمي قد ترك موقعه وقت الخطر, وإلا فإن العبث هو الذي سوف يظل يدير حركة ذلك المجتمع, وهو ما لن يقبله المواطن, حتى لو قبلته الدولة بمختلف أجهزتها.
المطلوب إذن.. هو أن تحدد الدولة موقفها, إما أن تكون, فتتحمل المسئولية كاملة, أو لا تكون, فتتنازل عن هذا الحق للشعب, حتى لو استدعى ذلك تسليحه للقيام بهذه المهام, إلا أنه, وكما هو واضح من حركة المجتمع, لم يعد الأمر يحتمل المزيد من التراخي, أو التخاذل, إلا إذا كان ذلك مقصودا, لحاجة في نفس يعقوب, وهو ما بدأت تتداوله الألسنة الآن, وفي الوقت نفسه, يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن سمعة مصر على كل الأصعدة الدولية قد تأثرت كثيرا خلال الشهور التي أعقبت الثورة; لأسباب عديدة, إلا أن تأثير الأحداث الأخيرة هذه كان أكثر سوءا, وهو ما عبرت عنه صحيفة ديلي ميل البريطانية بقولها: إن البلاد غارقة في الاحتجاجات والمشكلات الاجتماعية, والاقتصادية, والسياسية, والأمنية, وإن هذا العنف يضيف أسبابا لانهيارها, ويرفع نسبته بدرجة مخيفة, بينما قالت مجلة تايم الأمريكية: إن الشرطة في موقع الأحداث تبدو وكأنها خارج نطاق الخدمة, في الوقت الذي ذكرت فيه مجلة ذا بليز أن الصور التي تم تداولها تدل على انعدام الأمن وشعور المواطنين بالرعب.
لا أنكر أنني..
بصفة شخصية, كنت أجد العذر والمبرر للمواطنين في كل حالة من هذه, بعد الوقوف على أبعاد وملابسات كل حادث على حدة, فليس مقبولا ترويع الناس وهم آمنون داخل بيوتهم من مجموعة بلطجية, كما ليس مقبولا خطف فتاة بدافع الاغتصاب, أو طفل بدافع طلب فدية, كما ليس مقبولا تثبيت الناس على الطرق العامة نهارا جهارا في حماية أسلحة آلية وغير آلية, إلا أن السؤال هو: وماذا بعد؟!, مطلوب من المواطن, إذن, أن يكون مسلحا وفي وضع الاستعداد طوال الوقت داخل منزله, وأن يكون مسلحا وفي حالة تأهب دائم حال خروجه إلى العمل أو ما شابه ذلك, ومطلوب أن يكون في حالة استنفار داخل متجره أو مصنعه أو مزرعته, وبالتالي يمكن أن ندور في حلقة مفرغة من ضرورة الاعتماد على البلطجية لتأمين حياتنا وممتلكاتنا, وبالتوازي مع ذلك سوف نكتشف أننا أمام سوق رائجة لتجارة السلاح والذخائر, ولم لا؟, وهي تقدر بعشرة ملايين قطعة سلاح في محافظات مصر المختلفة.
نحن إذن أمام أزمة حقيقية يتابعها العالم معنا بدقة, وهي ضياع هيبة الدولة, وذلك إن تعاملنا مع الأوضاع بمسمياتها الحقيقية, وضياع هيبة الدولة هنا, لن يتوقف على أمن المواطن الطبيعي فقط, فالمسئول أيا كان موقعه سوف يكون جزءا من هذه الأزمة, ولم لا؟, ورجال الأمن أنفسهم أصبحوا جزءا منها, بعد أن أضحوا هدفا للبلطجية وأرباب السوابق, وبالتالي فإن أجهزة الأمن, إن سارعت بمواجهة الموقف, فهي تسارع بإنقاذ نفسها من براثن الوقوع في غيابات الانتقام والتشفي, وإن هي تباطأت فسوف تكون أول من يدفع الثمن, وذلك بعد تجرؤ معتادي الإجرام عليهم بهذه الصورة المشينة, إلا أن ذلك سوف يتطلب بالدرجة الأولى توافقا سياسيا ومجتمعيا يمهد لتلك العودة, وإلا فإننا كمن يحرث في الهواء, إلا أنني على يقين من أن حد الحرابة في المستقبل إن استمرت هذه الأوضاع سوف يطبقه, متضامنين, المواطنون, والخارجون عن القانون معا, ولكن هذه المرة سوف يكون نجوم السياسة هم الضحايا, وخاصة بعد أن نفد رصيدهم لدى هؤلاء وأولئك.
عودة طابا
مضت ذكرى عودة طابا إلى السيادة المصرية يوم الثلاثاء الماضي الموافق 19 مارس في صمت مريب, وكأن هذه البقعة الغالية من أرض مصر كانت ملكا للرئيس السابق محمد حسني مبارك, وبالتالي ولأن مبارك قد رحل, فلم يعد هناك مبرر للاحتفاء بهذه الذكرى, مادامت عودتها قد ارتبطت باسمه, في تجاهل تام للتاريخ والجغرافيا معا, وهو الأمر الذي جعلنا نتوقف أمامه من عدة أوجه:
إن طابا جزء غال من الأراضي المصرية تقع في بقعة مباركة تستحق منا احتفالات على مدى العام, وليس في ذكرى تسلمها بانسحاب قوات الاحتلال منها فقط.
إن هذه البقعة سددت فيها مصر فاتورة كبيرة من دماء الشهداء, على مدى عدة حروب, ثم جهودا تفاوضية مضنية, أي أننا لم نستردها بمجرد قرار أممي أو بضغط دولي.
إن تزييف التاريخ لا يمكن أن يستمر طويلا, فما فعله القدماء المصريون على المعابد من إزالات وشطب لتاريخ من سبقوهم مازالت آثاره قائمة حتى الآن, يتندر بها المهتمون بهذا الشأن.
إن الأجيال المقبلة يجب أن تتعلم أسس الحضارة والقيم من الأجيال الحالية وليس العكس, وذلك بوضع الأشياء في نصابها الصحيح, حتى لو اختلفنا لبعض الوقت.
لن يستطيع أحد بأي حال, حتى لو تعاقبت ثورات عدة, أن ينكر أو يمحو من ذاكرة التاريخ أن الرئيس السابق كان إحدى الركائز الأساسية في حرب أكتوبر المجيدة, وأنه لم يفرط في طابا رغم الإغراءات الكبيرة التي قدمها المحتل حينذاك.
إننا يجب أن نفرق من الآن فصاعدا بين الصواب والخطأ حين تقويمنا للعقود السابقة حتى لا تختلط الأوراق ويصبح تاريخنا مهددا بالاندثار وسط أزماتنا المتلاحقة ونفوسنا الضعيفة.
إن التعامل مع المناهج التعليمية أو الدراسية يجب أن تقوم عليه مجموعات من المتوازنين نفسيا, والمعتدلين سياسيا, وذلك لتسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية.. في حجمها الطبيعي.. لأننا قد نستطيع خداع الناس لبعض الوقت, إلا أنه من المستحيل خداعهم طوال الوقت, وما يحدث مع السابقين, بالتأكيد, سوف يجري مع الحاليين إن استمرت هذه الأوضاع.
ومن هنا أجد أن طابا هي مجرد نموذج لما يحدث في مجتمعنا الآن من افتئات على التاريخ, وافتئات على أي إيجابيات تحققت خلال العقود السابقة, مع إدراكنا أن الماضي جزء أصيل من المستقبل, وهو الأمر الذي يحتم علينا إعمال العقل والضمير ولغة الواقع خلال المرحلة المقبلة, حتى لا تختلط الأوراق أكثر من ذلك, وخاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن هذه المرحلة التي نعيشها تحديدا محل خلاف كبير بين المؤرخين الآن سواء في تقويمها, أو تقويم إيجابياتها وسلبياتها, ومدى التدخل الخارجي فيها, ونسبة الفعل الوطني بها.
ولأن الأمر كذلك, فإننا الآن في حاجة ماسة إلى الاعتدال مع النفس, والاعتدال مع الآخرين, وذلك بمواجهة مثل هذه القضايا بشجاعة, وإلا فإن الأجيال المقبلة سوف تلجأ في يوم ما إلى ما سطره المؤرخون الأجانب عن شئوننا الداخلية, مادمنا لم نرق بعد إلى مستوى المسئولية, أو إلى سن الرشد التي تؤهلنا لكتابة تاريخنا الوطني بالطريقة التي يجب أن تكون, أو بضمير حي يجعل الآخرين ينقلون عنا, ويثقون في قدراتنا وحيادنا.
وإذا كنا الآن نبدأ صفحة جديدة في تاريخنا المعاصر قوامها العدالة وإعمال القانون والأخلاق والشفافية; فالأجدر بنا أن نبدأ هذه الصفحة بالتصالح مع النفس, ومع طوائف المجتمع المختلفة, والفصائل السياسية على اختلاف توجهاتها, وإلا فإن شيئا لم يتحقق, ولن يتحقق, ولتكن أعياد سيناء في الخامس والعشرين من الشهر المقبل نموذجا في هذا الصدد, يغفر خطيئة تجاهل طابا, وإلا فإن تاريخ الانتصارات المصرية الحديثة قد تم تجاوزه لحساب أصحاب الأصوات العالية في بعض الأحيان, والغوغاء في معظمها.
‬نقلا عن جريدة الأهرام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.