بتأييد السماء اختارت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية نيافة الأنبا تواضروس أسقف عام البحيرة ليكون البطريرك (118)، خلفًا لقداسة البابا شنودة الثالث (117)، الذي قاد الكنيسة لمدة 40 عامًا بحكمة واقتدار، وتنيح "توفي" في 17 مارس/آذار بعد نحو عام من ثورة 25 يناير 2011، والتي أطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك. وبذلك أسدل الستار على عملية انتخاب واختيار البابا الجديد، والتي استغرقت أكثر من 6 أشهر، حيث بدأت في 25 من أبريل/ نيسان الماضي بفتح باب الترشح للانتخابات، أي بعد نياحة قداسة البابا شنودة الثالث ب 40 يومًا، وانتهت بالقرعة الهيكلية في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، والتي حُسم من خلالها تسمية البابا الجديد، والذي يحمل رقم (118) في سلسلة تعداد بطاركة الكرازة المرقسية، حيث يُعد القديس مارمرقس الرسول هو البطريرك الأول (61 - 68 م). يُشارإلى أن الأنبا تواضروس - بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية - قد حل في المركز الثاني في الانتخابات التي جرت قبل إجراء القرعة الهيكلية بأسبوع لاختيار ثلاثة مرشحين يُشاركون في "القرعة الهيكلية" لإختيار البابا منهم، إذ حصل على 1623 صوتا، بينما حل الأنبا رافائيل في المركز الأول وحصل على 1980 صوتا، وحل في المركز الثالث القمص رافائيل آفامينا وحصل على 1530 صوتا. يأتى البابا الجديد بعد عملية انتخاب واختيار أدارتها الكنيسة بشفافية ورقي وتحضر، شعر من خلالها شعب مصر بفخر واعتزاز شديدين، بفضل جهود أبناء الكنيسة ولراعيها خلال الفترة الماضية القائمقام باخوميوس - مطران البحيرة ومطروح والخمس مُدن الغربية - بدأت بترشح 17 أسقفًا وراهبًا، تم استبعاد 12 منهم، ثم أجريت الانتخابات على ال 5 التي تم الموافقة عليهم من قبل لجنة الترشيحات والمجمع المقدس، بعدها أجريت القرعة الهيكلية الثلاثة الذين صعدوا بأعلى الأصوات وهم [الأنبا رافائيل أسقف عام كنائس وسط البلد والأنبا تواضروس أسقف عام البحيرة والقمص رافائيل آفامينا]. واختير البابا الجديد وفقا للائحة 1957 التي لا تزال سارية، والتي يُطالب عدد كبير من الأقباط بتعديلها، ويعتبر فوز البابا تواضروس الثاني بمنصب البابا رقم 118 في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية نقطة تحول رئيسية في تاريخ الكنيسة، فهو يأتي في بداية عهد جديد في مصر بعد انتفاضة أطاحت بالنظام الفاسد السابق، كما يأتي في بداية عهد رئيس جديد للبلاد هو الرئيس محمد مرسي أول رئيس مدني لمصر ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى أنه يخلف البابا الراحل شنودة الثالث الذي حظى بحب المصريين جميعًا واشتهر باسم "بابا مصر والعرب". وبقدوم الأنبا تواضروس الثاني "بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية" تنتظر مصر من البابا الجديد دورًا روحيًا ومُجتمعيًا يتبنى الديمقراطية ويُدافع عن مضامينها، تنتظر خطابًا دينيًا عصريًا يتسق مع الحقوق والحريات وتشجيعاً لقيم المواطنة. يُصبح الأنبا تواضروس "الثاني" لأنه الثاني في تعداد الباباوات المُسمى باسم "تواضروس"، حيث حمل البابا (45) في القرن الثامن الميلادي اسم "ثيؤذوروس الأول" وهو مُرادف لاسم "تواضروس" وهي كلمة لاتينية معناها "قربان الله" أو "عطية الله"، وللاسم مُرادفات أخرى وهي"تادرس/ثيؤدوروس/ثيؤذوروس/سيداروس". وسط تهليل الحضور وتصفيقهم وقعت القرعة على الأنبا تواضروس ليصير البابا ال (118) للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر، في مراسم استغرقت ساعات في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية في القاهرة، وتوجها الطفل "بيشوي مسعد جرجس" بسحب اسمه من إناء زجاجي وهو معصوب العينين، ليُعلن نيافة الأنبا باخوميوس اسم البابا الجديد وسط جو من الفرح عم أجواء الكاتدرائية من داخلها وخارجها عبر الساحات المُكتظة بالشعب، ووسط مشاعر مختلطة بين الفرح وعدم التصديق، ثم قام الأنبا باخوميوس بعد ذلك بفتح الكرتين البلاستيكيتين الآخريين وعرض أمام الحضور والكاميرات الورقتين اللتين كانتا بداخلهما، وتحملان اسمي الأنبا رفائيل والقمص رفائيل أفامينا ليتأكد الجميع أن أسماء المرشحين الثلاثة كانت مُشاركة بالفعل في القرعة. ومن المقرر أن تقيم الكنيسة حفل تجليس "تنصيب" للأنبا تواضروس الثاني بطريركًا للأقباط الأرثوذكس والكرازة المرقسية في مصر يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري في مقر الكاتدرائية المرقسية سيُشارك فيه كل طوائف الشعب داخل وخارج مصر، ويحضره عدد كبير من المسئولين المصريين والأجانب، فهو حدث له أهمية عالمية وله صدى في دول العالم. وبينما يتطلع كثير من الأقباط إلى البابا الجديد ليملأ فراغ سلفه، الذي رأس الكنيسة 40 سنة والذي عمقت وفاته شعورًا بعدم الأمان لدى كثيرين لم يعرفوا بابا غيره في حياتهم، يأمل آخرون في أن يُدشن مرحلة جديدة يكون فيها البطريرك رئيسًا للكنيسة القبطية، ولكن ليس بالضرورة زعيمًا سياسيًا لها. التصريحات الأولية للبابا: "البابا إنسان خادم في المجتمع المصري يحمل مسئولية الحُب والسلام لكل فرد على أرض مصر .. مصر وأرضها أرض مُقدسة.. وزيارة العائلة المُقدسة باركت أرض مصر".. هذه هي الكلمات الأولى للبابا تواضروس بعد أن اختارته القرعة، والتي جاءت مُطمئنة للشعب وتحمل معها معاني الحُب لمصر وشعبها ومسئولية الراعي والأب الروحي .. ومُضيفًا: "أرجو صلواتكم لكي تسندنا في هذه المسئولية الكبيرة... قلبي مفتوح لكل إنسان على أرض مصر". وأكد البابا تواضروس الثاني، أنه سيكون خادمًا للشعب المصري كله بمسلميه ومسيحييه، وأن أولوياته في المرحلة المُقبلة تتمثل في ترتيب البيت من الداخل في تعاون ومحبة مع الجميع، وأنه يشعر بثقل المسئولية ويُصلي من أجل أن يوفقه الله في تحملها. وأوضح فى تصريحات أدلى بها الأحد خلال زيارته لدير الأنبا بيشوي بوادي النطرون، عقب فوزه بمنصب البابا، أن الكنيسة أثبتت خلال الفترة الماضية أنها كيان مؤسسي يتعاون في إدارتها كل من المجمع المقدس والمجلس الملي والهيئة القبطية للأوقاف وكل الكهنة والخدام بالكنيسة، وأن دوره يكمن في تنظيم هذا العمل لتقوم الكنيسة بدورها في الخلاص وخدمة المجتمع.