جريدة المصريون 17/5/07 مرة أخرى يعود نزاع الصحراء الغربية إلى الواجهة الإعلامية والدبلوماسية، محملا هذه المرّة بقرار جديد من مجلس الأمن الدولي، خلق أجواء توحي بجديد، حتى ولو لم يكن موجودا. فالقرار الذي أصدره مجلس الأمن نهاية شهر أبريل الماضي، لم يخرج عن المتوقّع، لا في مضمونه ولا حتى في مُفرداته المستخدمة، بل إن الجديد الذي سجَّله لم يبتعد عن سياق قراراته السابقة. في الواقع، لم يخرج القرار رقم 1754، الذي أصدره مجلس الأمن في نهاية شهر أبريل الماضي، عما كان متوقعا، لا في مضمونه ولا حتى في مُفرداته المستخدمة، والجديد الذي سجَّله كان في سِياق قراراته السابقة، التي تمدِّد لقوات الأممالمتحدة المنتشِرة بالمنطقة المتنازع عليها (المينورسو)، وتذكر بقراراته السابقة ذات الصلة وتعاطيه مع المبادرة المغربية، التي تدعو إلى منح الصحراء الغربية حُكما ذاتيا تحت السيادة المغربية. رغم إيجابيته والمفردات الأنيقة التي وصف بها المبادرة، فإن القرار لم يغيّر تقليدية تعاطيه مع النزاع بتطوراته وأطرافه، مجدِّدا دعوته لأطراف النزاع للدخول بمفاوضات مباشرة تحت رعاية الأممالمتحدة بحسن نية، للوصول إلى حلٍّ مُتوافق عليه. قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالنزاع الصحراوي، ومنذ بداية تسلسلها في سبتمبر 1991، تتعاطى مع النزاع مُستندة إلى المذكِّرات والأوراق والقوانين الدولية، دون أن تأخذ بعين الاعتبار ما يحمله النزاع من خبايا وتفاصيل تمنحه خصوصية تُعيق أية تسوية جدية لهذا النزاع المزمن. نزاع مغربي جزائري! وبالعودة إلى تقليب صفحات التاريخ، هناك ما لا يختلف عليه بين كل الأطراف المعنية بنزاع الصحراء الغربية، وهو أن شبابا ينتمون للمنطقة خرجوا بمظاهرات بداية السبعينات في مدينة طانطان المغربية، يطالبون الملك الراحل الحسن الثاني بتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (الصحراء الإسبانية سابقا والصحراء الغربية، حسب اسمها المتعارف عليه دوليا) وأن السلطات المغربية لاحقت هؤلاء الشبان واعتقلتهم وعذّبتهم ليصِلوا إلى قناعة بضرورة تأسيس إطار يحرِّر المنطقة من الاستعمار الإسباني، فكانت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، التي عرفت اختصارا فيما بعد بالبوليساريو. في المقابل، هناك اختلاف على الدور الجزائري في هذا النزاع. ففي تلك المرحلة من التاريخ، كانت ليبيا الثورية الحاضنة للولادة الأولى للجبهة ونموِّها، لكن المغرب يقول إنه لولا الجزائر وطموحاتها التوسعية بالمنطقة، لما كان لجبهة البوليساريو أن تنمو وتقوى، فيما تقول الجزائر إنها تدعم الجبهة لإيمانها بحق الشعوب بتقرير مصيرها وبسبب وجود عشرات الألوف من اللاجئين الصحراويين فوق أراضيها. وبغضِّ النظر عن موقع الجزائر في النزاع، فإنها أصبحت طرفا رئيسيا فيه، والمعروف أن المسؤول المغربي ينطلق في تعاطيه مع النزاع من أنه نزاع جزائري مغربي، وهي مقاربة لا تأخذها قرارات مجلس الأمن بعين الاعتبار. هذه المرة، فتح القرار 1754 الصادر عن المجلس من جديد آفاق إجراء مفاوضات مباشرة بين المغرب وجبهة البوليساريو تحت رعاية الأممالمتحدة، وتحضرها الجزائر وموريتانيا، باعتبارهما طرفين معنيين بالنزاع بحكم الجوار الجغرافي. مفاوضات دون شروط مسبقة ومن المقرر أن يبدأ بيترفان فالسوم، المبعوث الشخصي لبان جي مون، الأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء يوم الأربعاء 15 مايو من الرباط، جولته الأولى في المنطقة للتحضير لهذه المفاوضات والاتفاق مع الأطراف على تاريخها ومكان انعقادها، الذي يُتوقَّع أن يكون مقر الأممالمتحدة في نيويورك أو في جنيف. والمفاوضات التي يجب أن تنطلق قبل 30 يونيو، لم يحدِّد قرار مجلس الأمن مضمونها والأرضية التي سيتِم التفاوض عليها، وكل ما اشترطه القرار أنها مفاوضات بدون شروط مُسبقة تصل إلى حل مُتوافق عليه، يضمن للصحراويين حقهم في تقرير المصير. المغرب، الذي يستند إلى الترحيب الدولي، الذي قوبل به مشروعه بمنح الصحراويين حُكما ذاتيا تحت السيادة المغربية، يَعتبر أن مشروعه يضمن تقرير المصير للصحراويين، وهو الحد الأقصى الذي يُمكن أن يذهب إليه، ويؤكِّد أن ما نصَّت عليه القرارات السابقة بإجراء استفتاء لتقرير مصير الصحراويين في دولة مستقلة أو الاندماج بالمغرب، أمر متجاوز وغير قابل للتطبيق، وأن أي استفتاء للصحراويين، لن يكون إلا بعدَ حلٍّ نتوافق عليه، ولا يشمل السيادة المغربية على المنطقة. جبهة البوليساريو تعتبر المبادرة أو المشروع المغربي مُصادرة لتقرير المصير، وتحديدا من طرف واحد لمستقبل المنطقة المتنازع عليها وسكانها، ومخالف لقرارات الأممالمتحدة ذات الصلة. رفض المفاوضات للوهلة الأولى، يطرح سؤال عن جدوى مفاوضات اشترط لها عدم طرح أطرافها شروطا مُسبقة، وتسبق قبل انطلاقها بسلّة من الشروط، ليست فقط تلك المتعلقة بأرضية المفاوضات، بل أيضا بتركيبة الوفود. فالمغرب لا يقبل أن يكون ضِمن وفد جبهة البوليساريو، صحراويون يقيمون بالصحراء الغربية أو من تُطلق عليهم الصحف المغربية وصف "بوليساريو الداخل"، كما ترفض جبهة البوليساريو أن يضم وفد المغرب مُنشقِّين صحراويين، وهم قياديون سابقون في جبهة البوليساريو عادوا إلى المغرب خلال السنوات الماضية. وفي النزاعات الدولية، ليس شرطا أن يكون انطلاق المفاوضات إشارة لحل بالأفق أو حتى للبحث عن حل. فالمفاوضات قد تكون في بعض الأحيان بالنسبة للراعين أو الوسطاء، ذاهبة لتخفيف أجواء التوتر والتشنج القائمة أو محاولة - بالنسبة لأحد أطرافها - لتحسين أوراق في الميدان أو كسب نقاط في نزاع لن يُحل بالقوة أو بالضربة القاضية. خوف من الانفجار وفي النزاع الصحراوي، الذي سبَّب مللا للأطراف الدولية، دون أن تكون قادرة على سحب دور الأممالمتحدة منه خوفا من الانفجار، ينتظر المغرب تحولات إقليمية، خاصة في الجزائر، لإيصال جميع المعنيين بالنزاع إلى قناعة مفادها أن حلا خارج إطار السيادة المغربية، ليس فقط غير مقبول، بل غير مُمكن أيضا. ومن جهتها تنتظر جبهة البوليساريو ممارسة ضغوط دولية على المغرب، تكون نتاج ضغوط داخلية عبر تحريك النشطين الصحراويين المؤيِّدين لها، لنشاطات ومظاهرات تؤدّي إلى مواجهات، قد تكون دموية، تضع المنطقة تحت وصاية الأممالمتحدة لحين إجراء الاستفتاء الذي تطمح إليه. في المحصل، يلعب كل طرف أوراقا يعتقد أنها ستأتي له بنِقاط لصالحه، مستندا إلى قرارات يُدرك أن الواقع لا يحتمِل تطبيقها، لكنه يلعب بتلك الأوراق، التي لا يملك غير اللَّعب بها، لأنه يُدرك أن اللعب بغير الأوراق، سيفجِّر المنطقة في زمن وعالم لا يسمح به الكبار بتفجيرات خارج إطار حساباتهم، يقوم بها الصغار لأنهم لا يحسنون اللّعب.