قال وكيل الأزهر الدكتور عباس شومان ، في المحاضرة التي القاها للوعاظ المتدربين على الإفتاء من كافة المحافظات ضمن سلسلة الدورات التدريبية المكثفة التي يجريها الأزهر الشريف في أروقة الأزهر الشريف ومدينة البعوث الإسلامية ومراكز التدريب بالمحافظات للنهوض بالعمل الدعوي وتجديد الفكر الديني، إن من الأمور العجيبة اختلاف المعاصرين في تحميل الزوج نفقة علاج زوجته إذا مرضت، استنادا على قول قديم لأكثر الفقهاء بعدم وجوبها، والذين يقولون بذلك في عصرنا لا يدركون مرامي ومقاصد الفقهاء على حقيقتها، فإن اجتهاداتهم فيما لا نص فيه، ومنه هذه المسألة، هو اجتهاد يرتبط بالأعراف السائدة وقت الاجتهاد، وهو غير ملزم للفقهاء الذين يأتون من بعدهم متى تغيرت الأعراف، بل هو غير ملزم لفقهاء نفس الزمان في مكان آخر. وهؤلاء الفقهاء العظام هم من قالوا لنا كما ذكر الإمام القرافي: (إن الجمود على المنقولات أبدا ضلال في الدين وجهل بمراد علماء المسلمين)، ومن ضوابطهم المفيدة لنا: (تتغير الفتوى بتغير الحال والزمان والمكان والدواعي والأشخاص)، وحين نص جمهورهم على عدم وجوب ثمن الدواء على الزوج إن مرضت زوجته لم تكن الأمراض منتشرة كما في زماننا، فخشونة عيش الناس وكثرة نشاطهم أكسبهم صحة وجنبهم كثيرا من الأمراض التي تفتك بالناس في زماننا، كما لم تكن الأدوية مكلفة كالأدوية الآن، حيث كانت في غالبها بعض الأعشاب التي تنبت هنا وهناك، ولذا لم يكن التداوي من الحاجات الأساسية، فلم يوجبوه على الزوج في النفقة. أمَا وقد تزاحمت الأمراض على الناس الآن وأصبح العلاج ملازما لكثير من الرجال والنساء مع طعامهم وشرابهم مع ارتفاع ثمنه، فليس من المعقول ولا من حسن الصحبة ولا من مكارم الأخلاق أن يترك الزوج زوجته من دون علاج لتبقى مع آلامها أو يتفاقم مرضها أو تتسول ثمنه فإذا صحت استمتع بها! ووجّه فضيلته حديثه للمتحرجين من ترك اجتهاد السابقين في هذه المسألة قائلا: عليكم بقول من أوجبه فهو غير مفقود بين فقهاء الأزمنة الماضية، فبوجوب ثمن الدواء على الزوج قال بعض السادة المالكية، ويمكن مراجعة (مِنح الجليل على مختصر الشيخ خليل)، وهو أيضا رأي لبعض الحنابلة الذين يقولون عنهم إنهم أهل تشدد، ويمكن مراجعة (زاد المعاد لابن القيم) في ذلك. والدارسون للفقه المقارن يعلمون أنه لا يشترط أن يكون رأي أكثر الفقهاء هو الراجح دائما بل يترجح من الأقوال ما يناسب الحال ولو كان لفقيه واحد في مقابل الجمهور، وحيث قال بعض الفقهاء بوجوب ثمن الدواء على الزوج وكان هذا هو المناسب لزماننا فتكون الفتوى عليه حتى للملتزمين بتقليد الفقهاء حتى في الاجتهاد فيما لا نص فيه.