«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكم الصيام في الأماكن التي يقصر فيها الليل
نشر في الوفد يوم 11 - 08 - 2012

بعض الدول يمتد النهار إلى 24 ساعة ودول أخرى قد يكون النهار فيها لمدة ساعتين فقط فيسأل البعض كيف يصوموا ؟ وكيف يؤدوا الصلوات ، حيث يسأل أحد الأشخاص الذين يقيمون فى دول الشمال قائلاً : أرجو التكرم بإعطائي فتوى عن حكم الصيام في دول الشمال "الإسكندنافية"؛ حيث يمتد اليوم بحيث يكون الفرق بين الغروب والفجر في جنوب البلاد حوالي الساعتين، وفي شمال البلاد يمتد اليوم إلى 24 ساعة لا تنزل فيها الشمس مطلقًا.
أجابت عن هذا السؤال أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية حيث قالت :
البلاد التي اختل فيها الاعتدالُ حتى أصبح متعذرًا على المسلم الصيام فيها: فإنها ترجع إلى التقدير وتترك العلامات التي جعلها الله سببًا للأحكام الشرعية في الصلاة والصيام؛ من فجر وشروق وزوال وغروب وذهاب شفق ونحوها.
ذلك أنه قد جرت سنة الله في التكاليف أن ترد على غالب الأحوال، دون أن تتعرض لبيان حكم ما يخرج على هذا الغالب.
ومن هنا نص الأصوليون والفقهاء على أن مقصود الشارع من عمومات النصوص أصالةً هي الأحوال المعتادة المألوفة الغالبة بين الناس في معاشهم وارتياشهم.

الأحكام واردة على الغالب لا بالصور النادرة
يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في ((فتح الباري 2/ 62، ط. دارالمعرفة)): "الكلام إنما هو جار على الغالب المعتاد وأما الصورة النادرة فليست مقصودة" اه بتصرف.
وينقل الحافظ في ((الفتح –أيضًا- 2199)) عن الإمام أبي الفتح بن سيد الناس اليعمري قوله: "الأحكام إنما تُناطُ بالغالب لا بالصورة النادرة" اه.
وقال الإمام شهاب الدين القرافي في "الفروق 1/ 359، ط. دار الكتب العلمية)): "والقاعدة أن الدائر بين الغالب والنادر إضافتُه إلى الغالب أولى" اه. وقال (3/ 225): "إن حمل اللفظ على النادر خلاف الظاهر، فيُحمَل على الغالب" اه. وقال (4/ 223): "والشرع إنما يبني أحكامه على الغالب" اه.
وقال ابن الشاط المالكي في حاشيته عليه ((إدرار الشروق على أنواء الفروق 4/ 460)): "والأحكام الشرعية واردة على الغالب لا على النادر" اه.
وقال العلامة عبد الحميد الشرواني في حاشيته على ((تحفة المحتاج لابن حجر (4/ 273، ط. المكتبة التجارية الكبرى)): "ألفاظ الشارع إذا وردت منه تُحمَل على الغالب فيه، والأمور النادرة لا تُحمَل عليها" اه.
وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في ((رد المحتار على الدر المختار 2/ 123، ط. دار الفكر)): "القصر الفاحش غير معتبر كالطول الفاحش، والعبارات حيث أُطلِقَتْ تُحمَل على الشائع الغالب دون الخفي النادر)) اه.
ومن هنا كان المعتمد عند كثير من الأصوليين أن الصورة النادرة الشاذة غير داخلة في العموم؛ وفي ذلك يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه: [الشاذُّ يُنْتَحَى بالنص - أي من شأنه أن يُنَصَّ عليه بخصوصه-، ولا يراد على الخصوص بالصيغة العامة" اه نقلًا عن إمام الحرمين في ((البرهان في أصول الفقه 1/ 520 -521، ط. كلية الشريعة بقطر).
وقال الإمام أبو الفتح بن بَرهان في ((الأوسط)): "الصورة النادرة بعيدة عن البال عند إطلاق المقال، ولا تتبادر إلى الفهم؛ فإن اللفظ العام لا يجوز تنزيلُه عليها؛ لأنا نقطع بكونها غير مقصودة لصاحب الشرع؛ لعدم خطورها بالبال" اه نقلًا عن الإمام الزركشي في ((البحر المحيط 3/ 56، ط. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت)).
ومن قال من الأصوليين بدخول الصورة النادرة في العموم فهو لا يخالف في تخصيصها إذا دل الدليل على ذلك؛ فيصير الخلاف: هل هو عامٌّ مخصوص، أو عامٌّ أُريد به الخصوص، وهو خلاف لفظي لا ثمرة له بعد اتفاقهم على عدم شمول العامِّ لها في المآل.
وقريب من ذلك ما قرره الأصوليون من أن حمل أحكام الشارع على المجاز عند تعذر الحمل على الحقيقة إنما يكون على المجاز المستَعمَل الغالب دون الغريب النادر:
يقول الإمام ابن العربي المالكي في ((المحصول في أصول الفقه، ص: 99، ط. دار البيارق)): "حُكْمُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كحكم كلام الباري تعالى في أنه محمول على الحقيقة في الأصل، ولا يُحمَل على المجاز إلا بدليل.
والمجاز على قسمين: منه مستعمَلٌ غالب، ومنه غريب نادر. فأما المُستَعْمَل الغالب: فهو الذي تُحمَل عليه آيات الأحكام وأخبارها، وأما الغريب النادر: فإنما يحمل عليه آيات المواعظ والتذكير والتخويف والتهديد. وهذا أصل بديع في التأويل" اه.
المواقيت على الأيام العادية
ويقرر الشيخ ابن تيمية الحنبلي إن المواقيت المذكورة في الشرع إنما هي واردة على الأيام المعتادة؛ فيقول في ((مختصر الفتاوى المصرية 1/ 38، ط. دار ابن القيم)): "والمواقيت التي علّمها جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعلّمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمته حين بيَّن مواقيت الصلاة، وهي التي ذكرها العلماء في كتبهم: هي في الأيام المعتادة، فأما ذلك اليوم الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يومٌكسَنَةٍ» قال: «اقدروا له قدره» فله حكم آخر".
ثم قال: "والمقصود أن ذلك اليوم لا يكون وقت العصر فيه: إذا صار ظلُّ كل شيء لا مثله ولا مثليه، بل يكون أولَ يوم قبلَ هذا الوقت شيءٌ كثير، فكما أن وقت الظهر والعصر ذلك اليوم هما قبل الزوال، كذلك صلاة المغرب والعشاء قبل الغروب، وكذلك صلاة الفجر فيه تكون بقدر الأوقات في الأيام المعتادة، ولا يُنظَر فيها إلى حركة الشمس؛ لا بزوال ولا بغروب ولا مغيب شفق ونحو ذلك،وهكذا" اه.
وفي تطبيق هذه القاعدة على مسألة مواقيت الصلاة والصيام في البلاد التي اختلت فيها المواقيت يقول الشيخ الإمام محمد عبده مفتي الديار المصرية الأسبق رحمه الله فيما نقله عنه تلميذه الشيخ محمد رشيد رضا في ((تفسير المنار 2/ 163، ط. مطبعة المنار)): "فمُنزِلُ القرآن -وهو علّام الغيوب وخالق الأرض والأفلاك- خاطب الناس كافة بما يمكن أن يمتثلوه؛ فأطلق الأمر بالصلاة، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم بين أوقاتها بما يناسب حال البلاد المعتدلة التي هي القسم الأعظم من الأرض، حتى إذا ما وصل الإسلام إلى أهل البلاد التي يطول فيها النهار والليل عن المعتاد في البلاد المعتدلة، يمكن لهم أن يقدروا للصلوات باجتهادهم وبالقياس على ما بينه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك الصيام؛ ما أوجب رمضان إلا على من شهد الشهر؛ أي: حضره، والذين ليس لهم شهر مثله يسهل عليهم أن يقدروا له قدره، وقد ذكر الفقهاء "مسألة التقدير" بعدما عرفوا بعض البلاد التي يطول ليلها ويقصر نهارها، والبلاد التي يطول نهارها ويقصر ليلها، واختلفوا في التقدير على أي البلاد يكون؟ فقيل: على البلاد المعتدلة التي وقع فيها التشريع؛ كمكة والمدينة، وقيل: على أقرب بلاد معتدلة إليهم، وكل منهم جائز، فإنه اجتهادي لا نص فيه" اه.
ويقول الشيخ الإمام محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق رحمه الله في ((الفتاوى، ص: 125، ط. دار الشروق)): "ولا ريب أن بيان أوقات الصلاة في اليوم والليلة وبيان الشهر في السنة –على هذا الوجه الذي عُرِفَ وتناقله الناس جيلا بعد جيل- إنما كان بما يناسب حال البلاد المعتدلة التي تتجلى أوقاتها المحددة في اليوم والليلة، ويتجلى رمضانها في السنة، وهي القسم الأعظم من الكرة الأرضية، ولم يكن معروفًا للناس في وقت التشريع أن في الكرة الأرضية جهات تكون السنة فيها يومًا وليلة؛ نصفها نهار ونصفها ليل، وجهات أخرى يطول نهارها حتى لا يكون ليلها إلا جزءًا يسيرًا، ويطول ليلها حتى لا يكون نهارها إلا جزءًا يسيرًا" اه.
رأى الإمام جاد الحق
ويقرر الشيخ الإمام جاد الحق علي جاد الحق أن تشريع بدء الصوم من الفجر إلى المغرب: "إنما يجري على الغالب؛ أي في البلاد المعتدلة، وليس في الأحوال النادرة أو المحصورة في جهات القطبين وما قَرُبَ منها كما ظهر بعد عصر التشريع" اه.
ويقول العلّامة الشيخ مصطفى الزرقا في كتابه ((العقل والفقه في فهم الحديث النبوي، ص: 124، ط. دار القلم)): الأحاديث النبوية الواردة يجب أن يُفتَرَض أنها مبنية على الوضع الجغرافي والفلكي في شبه الجزيرة العربية، وليس بجميع الكرة الأرضية التي كان معظمها من برّ وبحر مجهولًا إذ ذاك لا يعرف عنه شيء، بل إن هذه الأماكن القاصية والمجهولة شمالًا وجنوبًا -مما اكتُشِفَ فيما
بعد- يجب أن تعتبر مسكوتًا عن حكم أوقات الصلاة والصيام فيها، فهي خاضعة بعد ذلك للاجتهاد بما يتفق مع مقاصد الشريعة" اه بتصرف يسير.
والأخذ بالتقدير وترك العلامات له مأخذ شرعي: وهو الحديث الوارد في خبر الدَّجّال، وقد رواه الإمام مسلم في صحيحه وغيرُه من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه حين قص النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليهم من خبر الدجّال، قلنا:
يا رسولَ اللهِ وما لبْثُه في الأرض؟ قال: «أَرْبَعُونَ يَوْمًا؛ يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ»، قلنا: يا رسولَ اللهِ فذلك اليومُ الذي كَسَنَةٍ أتَكْفينا فيه صلاةُ يوم؟ قال: «لاَ؛ اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ».
أيام الدجال
وحالة أيام الدجّال هي حالة اختفاء للمواقيت، وهي متحققة في مناطق القطبين التي يستمر الليل فيها ستة أشهر والنهار ستة أشهر، وقد ألحق العلماء بها حالة اختلال المواقيت في المناطق المقاربة للقطبين أيضًا والتي يطول فيها النهار ويقصر فيها الليل؛ لتحقق العلة في كلٍّ، وهي عدم انضباط الأسباب المعتادة التي أناط بها الشرع العبادة؛ فكما أنه حاصل في الاختفاء فإنه حاصل أيضًا في الاختلال:
يقول العلّامة ابن عابدين الحنفي في حاشيته ((رد المحتار على الدرالمختار 1/ 366، ط. دار الفكر)): "تتمة: لم أرَ مَن تعرَّض عندنا لحكم صومهم فيما إذا كان يطلع الفجر عندهم كما تغيب الشمس، أو بعده بزمان لا يَقدِرُ فيه الصائمُ على أكل ما يقيم بنيته. ولا يمكن أن يقال بوجوب موالاة الصوم عليهم؛ لأنه يؤدي إلى الهلاك، فإن قلنا فبوجوب الصوم يلزم القول بالتقدير، وهل يُقَدَّرُ لهم بأقرب البلاد إليهم كما قال الشافعيون هنا أيضًا، أم يُقَدَّرُ لهم بما يَسَعُ الأكل والشرب، أم يجب عليهم القضاء فقط دون الأداء؟ كلٌّ مُحتَمَلٌ، ولا يمكن القول بعدم وجوب الصوم عليهم أصلا؛ لأن الصوم قد وُجِدَ سببُه، وهو شهودُ جزءٍ من الشهر وطلوعُ فجرِ كلِّ يوم. هذا ما ظهر لي، والله تعالى أعلم" اه
وفي قياس حالة اختلال المواقيت على اختفائها يقول الشيخ العلّامة مصطفى الزرقا في كتابه ((العقل والفقه في فهم الحديث النبوي: ص: 124(): "فإذا قيل: كيف تسمح لأناس في رمضان أن يفطروا والشمس طالعة وإن كانت لا تغيب إلا نصف ساعة أو ساعة؟
قلنا: هذا سيلزمكم في البلاد التي ليلُها ستة أشهر ونهارها ستة أشهر؛ فإنكم وافقتم على أنهم يفطرون في نهارهم الممتد في الوقت الذي حددتموه لهم رغم أن الشمس طالعة. فهذا لا يضر؛ بسبب الضرورة. والمهم في الموضوع: رعاية مقاصد الشريعة في توزيع الصلوات، وفي مدة الصوم بصورة لا يكون فيها تكليف ما لا يطاق، ويتحقق فيها المقصود الشرعي دون انتقاص" اه.
لا يقال: من عجز بنفسه عن الصيام حينئذ فله أن يُفطِر، وعليه القضاء في أيام أخر يتمكن فيها من الصيام، حكمه في ذلك حكمُ غيره؛ لأن شرع الصوم من الفجر إلى المغرب عامٌّ لم يُخَصَّصْ ببلد ولا بنوع من الناس.
رأى الشيخ شلتوت
لأنا نقول: هذا في شأن التكليف الذي يطيقه عموم الناس ثم يحصل لبعضهم من الأحوال ما يُعجِزُه عنه، فأما ما عُلِم من الواقع ونفس الأمر أن تَحَمُّلَه ليس من شأن الجسد البشري أصلًا وقرر المختصون تَمَحُّضَ ضرره على المكلَّف في حالته المعتادة فإن المجتهد يجزم بعدم قصد الشارع له أصلًا، ولا يُقال فيه: من عجزأفطر وقضى؛ لأن هذا إما أن يؤدي إلى سقوط تكليف الصوم بالكُلِّيَّة أو الإضرار بالمكلَّف وإيقاعه في الحرج بتعطيل أعماله ومصالحه، واضطراب معايشه وشؤون حياته: إن كانت سائر السنة كذلك، أو نقل عبادة الصوم إلى شهر آخر أقرب إلى الاعتدال إن كان في السنة أوقات يزول فيها هذا الاختلال، وكل ذلك خارج عن حكمة شريعة الصوم.
ولذلك فإن الإمام محمود شلتوت رحمه الله تعالى جعل ذلك فرضًا واجبَ الاستبعاد، فقال في ((الفتاوى، ص: 126(): "ولا ريب أن الجرْي في هذه الجهات على بيان الأوقات التي عُرفت للصلاة والصوم يُؤدي إلى أن يُصلي المسلم في يومه وليلته -وهو "سنة كاملة"- خمسَ صلوات فقط مُوزعة على خمسة أوقات من السنة
كلها، ويُؤدي كذلك في بعض الجهات إلى أن تكون الصلوات المفروضة أربعًا أو أقل، على حسب طول النهار وقِصَرِه، وكذلك يُؤدِّي إلى أن يُكلَّف المسلم في تلك الجهات صومَ رمضان ولا رمضانَ عنده، وفي بعضها يُؤدي إلى صوم ثلاث وعشرين ساعة من أربع وعشرين ساعة، وكلُّ هذا تكليف تَأْبَاهُ الحِكمة من أحكم الحاكمين والرحمة من أرحم الرحماء. وإذنْ يجب استبعاد هذا الفرض" اه.
ويقول العلامة مصطفى الزرقا في كتابه ((العقل والفقه في فهم الحديث النبوي، ص: 124)): [وهذا التعميم بمجرد ظهورِ تَمَيُّزٍ بين ليلٍ ونهارٍ دون نظر إلى الفارق العظيم في مدة كلٍّ منها: يتنافى كل التنافي مع مقاصد الشريعة وقاعدة رفع الحرج. وليس من المعقول توزيع صلوات النهار أو الليل على مدة نصف ساعة مثلًا، ولا من المعقول صيام ساعة وإفطار ثلاث وعشرين" اه بتصرف يسير.
والمُقتَرَحُ لأهل تلك البلاد: أن يسير تقدير الصوم عندهم على مواقيت مكة المكرمة؛ حيث إن الله قد عدها أمَّ القرى، والأم هي الأصل، وهي مقصودة دائمًا؛ ليس في القبلة فقط، بل في تقدير المواقيت إذا اختلت.
التقدير بأقرب البلاد تقدير مضطرب
أما التقدير بأقرب البلاد فهو تقدير مضطرب جدًّا، والقائلون به يشترطون سهولة معرفة الحساب الدقيق لأقرب البلدان اعتدالًا من غير مشقة أو اضطراب في ذلك، وذلك كلُّه مُنْتَفٍ بالتجربة والممارسة، بل إنه يُدخِلُ المسلمَ في حَيْرَةٍ أشدَّ مِن حَيْرَتِه الأولى؛ وهذا ما دعا فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأسبق الشيخ جاد الحق إلى الميل إلى استبعاده بعد أن ذكره خيارًا ثانيًا؛ داعيًا أهل البلاد التي يطول فيها النهار إلى العمل بمواقيت مكة المكرمة أو المدينة المنورة، فقال رحمه الله تعالى: "وقد يتعذر معرفة الحساب الدقيق لأقرب البلاد اعتدالًا إلى النرويج، ومِن ثَمَّ أميلُ إلى دعوة المسلمين المقيمين في هذه البلاد إلى صوم عدد الساعات التي يصومها المسلمون في مكة أو المدينة، على أن يبدأ الصوم من طلوع الفجر الصادق حسب موقعهم على الأرض، دون نظر أو اعتداد بمقدار ساعات الليل أو النهار، ودون توقف في الفطر على غروب الشمس أو اختفاء ضوئها بدخول الليل فعلًا؛ وذلك اتباعًا لما أخذ به الفقهاء في تقدير وقت الصلاة والصوم، استنباطًا من حديث الدجال سالف الذكر، وامتثالًا لأوامر الله وإرشاده في القرآن الكريم رحمة بعباده" اه.
الالتزام بمواقيت مكة المكرمة
وإلى إجازة التقدير بمواقيت مكة المكرمة في صوم أهل البلاد التي يطول نهارها ويقصر ليلها ذهب جماعة من كبار أهل العلم في العصر الحديث إلى يومنا هذا؛ بدءًا مِن أول مَن تولَّى منصب "مفتي الديار المصرية" فضيلة الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده رحمه الله وقد قدَّم هذا الرأي في الذكر على غيره وجعله من أقوال الفقهاء في المسألة كما سبق نقلُه عنه، وهذا هو الذي اعتمدته دار الإفتاء المصرية فيما بعدُ؛ بدءًا من فضيلة الشيخ الإمام جاد الحق علي جاد الحق ((فتوى رقم 214 لسنة 1981م))، ومرورًا بفضيلة الشيخ عبد اللطيف حمزة ((فتوى رقم 160 لسنة 1984م))، وفضيلة الشيخ الإمام الدكتور محمد سيد طنطاوي ((فتوى رقم 171 لسنة 1993م، ورقم 579 لسنة 1995م))، وفضيلة الدكتور الشيخ نصر فريد واصل ((فتوى رقم 438 لسنة 1998م))، وانتهاءً بفضيلة مفتي الديار المصرية الحالي الدكتور علي جمعة حفظه الله؛ حيث نصُّوا جميعًا على ذلك في فتاواهم المذكورة. وهو رأي فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأحمدي أبو النور وزير الأوقاف الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية عن لجنة الفتوى بالأزهر الصادر بتاريخ 24/ 4/ 1983م، وفضيلة الشيخ العلّامة مصطفى الزرقا، والدكتور محمد حميد الله في كتابه ((الإسلام))، وفضيلة الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، وغيرهم من أهل العلم المعاصرين، وهو ما عليه الفتوى لدى جماعة من هيئات الإفتاء الشرعي في العالم؛ كدائرة الإفتاء في عَمّان بالمملكة الأردنية الهاشمية بتوقيع المفتي العامّ فضيلة الشيخ محمد عبده هاشم بتاريخ19/ 9/ 1399ه، وهذا هو الذي نراه أوفق لمقاصد الشرع الكلية، وأرفق بمصالح الخلق المرعية.
والله سبحانه وتعالى أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.