تساؤلات عدة تجول بخاطر المسلمين عن الصيام في شهر رمضان، في العدد السابق ألقينا الضوء حول بعض هذه التساؤلات، وفي هذا العدد نشير إلي أبرز فتاوي مفتي الديار المصرية فضيلة د. علي جمعة حول الصيام ومن بين الأسئلة الشائعة صوم المسافر وحكم الشرع في الزوجة التي رفضت طاعة زوجها في إفطار نهار رمضان، ورأي الشرع في صلاة التراويح وغيرها في سياق السطور التالية.. ❊❊ موقف الصائم الذي لايؤدي الصلاة في رمضان.. هل هو آثم؟ لا يجوز لمسلمٍ تركُ الصلاة، وقد اشتد وعيد الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم لمن تركها وفرط في شأنها، حتي قال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاَةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ، ومعني "فقد كفر" في هذا الحديث الشريف وغيره من الأحاديث التي في معناه: أي أتي فعلاً كبيرًا وشابه الكفار في عدم صلاتهم، فإن الكبائر من شُعَب الكُفر كما أن الطاعات من شُعَب الإيمان، لا أنه قد خرج بذلك عن ملة الإسلام -عياذًا بالله تعالي- فإن تارك الصلاة لا يكفر حتي يجحدها ويكذب بها، ولكنه مع ذلك مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب ؛ والمسلم مأمورٌ بأداء كل عبادة شرعها الله تعالي من الصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها مما افترض الله عليه إن كان من أهل وجوبه، وعليه أن يلتزم بها جميعًا، فمن صام وهو لا يصلي فصومه صحيح غير فاسد؛ لأنه لا يُشتَرَط لصحة الصوم إقامة الصلاة، ولكنه آثمٌ شرعًا من جهة تركه للصلاة ومرتكب بذلك لكبيرة من كبائر الذنوب، ويجب عليه أن يبادر بالتوبة إلي الله تعالي ، أما مسألة الأجر فموكولة إلي الله تعالي، غير أن الصائم المُصَلِّي أرجي ثوابًا وأجرًا وقَبولاً ممن لا يصلي. الإفطار في الطائرة ❊❊ علي أي توقيت يُفطر المسافر بالطائرة؟ علق الشرع الشريف الإفطار والإمساك بتَبَيُّن الصائم غروبَ الشمس وطلوعَ الفجر؛ فقال تعالي: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَي اللَّيْلِ} (البقرة: 781) وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال النبي ([): »إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ« وفيهما أيضًا عن عبد الله بن أبي أوفي رضي الله عنه قال: قال رسول الله ([) : (إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَاهُنَا -وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ- فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) وهذا كله يدل علي أن العبرة في الإفطار تحقق الصائم من الظُّلْمة إمّا حِسًّا برؤيته هو أو خبرًا بتصديق من يُعتَدُّ بإخباره في ذلك، وكذلك الحال في الإمساك؛ العبرة فيه بتحقق المكلَّف من طلوع الفجر الصادق إمَّا حِسًّا أو بإخبار من يُعتَدُّ بإخباره، ومن المعلوم أن الإنسان كلما ارتفع عن سطح الأرض تأخر غروب الشمس في حقه، وهذا مشاهَد لمن يقطنون الأدوار العليا، وذلك بسبب كُرَوِيّة الأرض، وحينئذٍ فمقتضي القواعد الشرعية أنه لا إفطار حتي تغرب الشمس في حق الصائم نفسه. العبرة بغروب الشمس وقال العلاّمة ابن عابدين في (حاشيته): قال في »الفيض« ومن كان علي مكان مرتفع كمنارة إسكندرية لا يفطر ما لم تغرب الشمس عنده، ولأهل البلدة الفطرُ إن غربت عندهم قبله، وكذا العبرة في الطلوع في حق صلاة الفجر أو السحور" وبناءً علي ذلك: فالإفطار المعتبَر في حق المسافرين بالطائرة إنما هو برؤيتهم غروبَ الشمس بالنسبة إليهم وفي النقطة التي هم فيها، ولا يفطرون بتوقيت البلد التي يُحَلِّقُون عليها، ولا التي سافروا منها، ولا التي يتجهون إليها، بل عند رؤيتهم غروب الشمس بكامل قُرصِها ،فإن طالت مدةُ الصيام طولاً يَشُقُّ مثلُه علي مستطيع الصوم في الحالة المعتادة فلهم حينئذٍ أن يُفطروا للمشقة الزائدة المركبة في السفر وليس لانتهاء اليوم، وعليهم أن يقضوا الأيام التي أفطروها، وعلي ذلك فإن ما يقوله بعض قُوّاد الطائرات من الإفطار علي ميقات البلد الأصلي أو البلد الحالي غير صحيح شرعًا ، وهناك حالة تغيب فيها الشمس ثم تخرج مرة أخري من جهة المغرب لسرعة الطائرة، وهنا يفطر الصائم عند غيابها الأول ولا يلتفت لردها وعودتها. ❊❊ ما حكم تقبيل الزوجة في الصيام؟ تقبيل الزوجة بقصد اللذة مكروهٌ للصائم عند جمهور الفقهاء؛ لِمَا قد يجر إليه من فساد الصوم، وتكون القبلة حرامًا إن غلب علي ظنه أنه يُنْزِل بها، ولا يُكرَه التقبيل إن كان بغير قصد اللذة كقصد الرحمة أو الوداع إلا إن كان الصائم لا يملك نفسه، فإن ملك نفسه فلا حرج عليه؛ لحديث السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: "كَانَ رَسُولُ الله ([) يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَلَكِنَّهُ كَانَ أمْلَكَكَمْ لإِرْبِهِ" متفق عليه. لمنع نزول الدورة ❊❊ هل يجوز للمرأة تناول العقاقير لمنع نزول الدورة الشهرية ليتسنَّي لها الصيام في رمضان؟ من الأحكام الثابتة في الشرع أن المسلمة يجب عليها الفطر في رمضان إذا جاءتها الدورة الشهرية، إذ الفطر هو الذي يناسبها في حالات الإعياء والاضطرابات الجسدية التي تصاحب الحيض، فلذلك أوجب الشرع عليها الإفطار، وهذا تخفيف من الله تعالي ورحمة منه سبحانه، وما يفعله كثير من النساء من أكل شيء قليل جدًّا أو شرب بعض السوائل ثم الإمساك بقية اليوم هو أمر مخالف لِحكمة الشرع الشريف في التخفيف عليها والحفاظ علي صحتها الجسدية والنفسية، والمطلوب منها أن تُفطر بشكل طبَيعي في فترة حيضها ولا حرج ولا لوم عليها، أما استعمال العقاقير والحبوب التي تؤخر الحيض إلي ما بعد رمضان والتي تتيح للنساء إتمام الشهر كله بغير انقطاع فلا مانع منه شرعًا، ويصح معها الصوم، ويجوز لها اللجوء إلي هذه الوسيلة بشرط أن يقرر الأطباء أن استعمال هذه الحبوب لا يترتب عليه ما يضر بصحة المرأة عاجلاً أو آجلاً، فإن ترتب علي استعمالها ضرر فهي حرام شرعًا. رفض طاعة الزوج ❊❊ ما حكم الشرع في الزوجة التي رفضت طاعة زوجها في إفطار نهار رمضان ؟ يقول الله تبارك وتعالي : "{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَي الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة 381) فالتكليف والأمر للرجال والنساء معًا فالمرأة مأمورة من ربها تبارك وتعالي بصوم رمضان كالرجال ما لم يكن هناك عذر شرعي لها يمنعها من الصيام فلا تصوم عند وجود هذا العذر ، ولا يجوز للزوج أن يمنع زوجته من صيام رمضان لأن ذلك فرض عليها ولا تحتاج أن تستأذنه في ذلك ولو أمرها بالإفطار في رمضان وجب عليها أن تعصيه وتصوم لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " . أما إذا كانت الزوجة مريضة ويأمرها نصحًا، بأنها لا تستطيع فعليها أن تسمع نصيحة زوجها. (هذا في صيام الفرض) أما إذا كان الصيام غير فرض بأن كان سنة أو تطوعًا وتقربًا إلي الله فلا يجوز للزوجة أن تصوم وزوجها مفطر معها إلا بإذنه. 38 كيلو .. رخصة السفر ❊❊ هل يُرَخَّصُ الفطر لمن يداوم علي السفر نظرًا لطبيعة عمله؟ رخص الله سبحانه وتعالي للصائم المسافر أن يفطر متي كانت مسافة سفره لا تقل عن مرحلتين وتُقَدَّران بنحو ثلاثة وثمانين كيلو مترًا ونصف الكيلو متر، بشرط أن لا يكون سفره هذا بغرض المعصية، وأناط الشرع رخصة الفطر بتحقق علة السفر فيه دون نظر إلي ما يصاحب السفر عادة من المشقة؛ فصلح السفر أن يكون علة لأنه وصف ظاهر منضبط يصلح لتعليق الحكم به، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، فإذا وُجد السفر وُجِدَت الرخصة، وإذا انتفي انتفت، أمّا المشقة فهي حكمة غير منضبطة؛ لأنها مختلفة باختلاف الناس، فلا يصلح إناطة الحكم بها، ولذلك لم يترتب هذا الحكم عليها ولم يرتبط بها وجودًا وعدمًا، قال تعالي:{ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة: 581). فرصة لعف اللسان ❊❊ هناك من الناس من يتحجج بأنه صائم للتلفظ بألفاظ خارجة ويقول (أنا صايم) وقد تنظر عيناه إلي المحرمات ويقول (إنه يتسلي) فهل هذا العمل جائز من الصائم؟ إن شهر رمضان موسم عظيم للطاعات والعبادة والتطهير الحسي والنفسي وكان رسول الله ([) يكثر فيه من العبادة ويحث علي فعل الخير والاجتهاد في الطاعات وروي أن جبريل كان ينزل ليدارس رسول الله ([) القرآن . والنبي ([) قدوة للمسلمين فشأن المسلم في رمضان أن يتلو القرآن ويصلي لربه ويذكره ويتحلي بالفضائل ويتجنب الرذائل لأنه يضيع وقته ويخدش صومه ويشوه أخلاقه، وقد علمنا النبي صلي الله عليه وسلم أن (الصوم جنة) أي وقاية فإذا كان أحدنا صائما وقاتله أحد أو شاتمه فليقل (إني صائم إني صائم).. والله تبارك وتعالي يقول عن الإنسان : {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} "(ق 81) أي مراقب وصاحب يرقب فعله وقوله وكل ذلك يكتب ليحاسب عليه ويقول ([): إن الله عند لسان كل قائل، فليتق الله عبد ولينظر ما يقول: فالواجب علي الصائم أن يمنع لسانه من الكذب وقول الزور والكلام البذيء السيئ لأن الحديث النبوي الشريف.. من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " ويقول ([) ليس الصيام من الطعام والشراب ، وإنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد أو جَهِلَ عليك فقل إني صائم إني صائم. مأثورات عن الرسول([) ❊❊ ما هي المأثورات والأعمال التي وردت عن سيدنا رسول الله([).. حول هدفه في شهر رمضان المبارك؟ من المأثور عن رسول الله([) أنه كان في رمضان يُكثر من أنواع العبادات فهو يُكثر من تلاوة القرآن ومدارسته وهو يُكثر فيه من الصدقة والعطاء والصلاة وكان يخص رمضان من العبادات بما لا يخص غيره من الشهور حتي إنه كان أحيانًا يواصل الصوم ويقول : إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني . ومن مأثور الرسول في الإفطار أنه كان يفطر علي تمر قبل أن يصلي وكان يقول عند الإفطار : " ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله تعالي " وكان يقول : " اللهم لك صمت ، وعلي رزقك أفطرت " ويقول إذا أفطر : »اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي«.. وكان من هديه في رمضان أن يعجل الفطر ويؤخر السحور.. ويقول: »لا تزال أمتي علي الفطرة ، ولا تزال أمتي بخير ، ما عجلوا الفطر«. وكان إذا سافر في وقت الصيام ، كان بالخيار . يصوم تارة ، ويفطر تارة أخري ، وكان يخير صحابته بين الأمرين وكان يأمر أتباعه بالإفطار في رمضان إذا خرجوا للقاء العدو وكان يستعمل السواك لتنظيف الفم ، وكان ينوه بشأن رمضان فيقول :إن للجنة بابًا يقال له الريان ، يقال يوم القيامة: أين الصائمون؟ فإذا دخل آخرهم أغلق هذا الباب ويقول: »الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة« يقول الصيام: أي رب ، منعته الطعام والشهوات بالنهار ، فشفعني فيه ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه . فيشفعان " . هذه جوانب بسيطة من المأثور عنه في رمضان »إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ«. صلاة التراويح سنة ❊❊ ما حكم الشرع في صلاة التراويح في رمضان ؟ صلاة التراويح هي صلاة قيام الليل في رمضان وهي سنة تصلي ليلاً في رمضان بعد صلاة العشاء ، وهي سنة مؤكدة للرجال والنساء وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان النبي صلي الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة (أي أمر ندب وترغيب) فيقول: (من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه).. وقد لَقِيَ صلي الله عليه وسلم ربه والأمر علي ذلك في خلافة أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر ثم أمر عمر رضي الله عنه بالجماعة في القيام.