أجيال كثيرة في مصر رحلت دون ان يتحقق حلمها في ان ترى رئيسا منتخبا على رأس الكنانة.. كانت عمليات التزوير والتأليه وصناعة الفرعون قد أصبحت طقوسا ثابتة في حياة المصريين وتراثا تتناقله الأجيال جيلا بعد جيل.. وكانت ملامح الفراعنة تتشابه في أواخر أيامهم وكأنهم يحملون جينات وراثية تسري في دمائهم. أخيرا عشنا تجربة اختيار رئيس مصري بإرادة شعبية وانتخابات حقيقية أيا كانت نتائجها حتى الآن ولكنها كانت على درجة كبيرة من النزاهة والمصداقية.. ورغم ان عدد المرشحين كان كبيرا إلا ان كل الدلائل كانت تؤكد ان المناخ السياسي والقوى السياسية في مصر سوف تبقى لفترة طويلة أسيرة الإخوان المسلمون والحزب الوطني المنحل، لأن القوى الأخرى لا تملك القدرات ولا الإمكانيات التي تجعلها قادرة على ان تنافس على مقعد الفرعون في مصر ورغم ان التجربة جديدة علينا إلا انني أعتقد انها تمت بنجاح كبير وان الشعب المصري قدم نموذجا طيبا في الانضباط والوعي وان جيش مصر كان على مستوى المسئولية والأمانة. في هذا المشهد التاريخي توقفت عند بعض الملامح وبعض التساؤلات وكثير من الأمنيات ان نجد في مصر يوما حاكما يعيش هموم الناس ويشعر بآلامهم ومتاعبهم وان يقرأ دروس التاريخ قراءة واعية فهل نجد يوما حاكما تتوافر فيه هذه الصفات.. على الرئيس الجديد ان يلقي خلفه كل انتماءاته التي عاش عليها طوال حياته وان تصبح الوطنية المصرية الخالصة هي الهدف والغاية.. لم يعد الرئيس الجديد مسئولا في حزب أو فصيل أو جماعة ولكنه حين يحمل اسم مصر الأرض والشعب والتاريخ والدور والحضارة ومهما كانت إنتماءاته القديمة وولاءاته السابقة فهي لا تمثل شيئا امام وطن وتاريخ لدولة في حجم مصر.. يجب ان يتسع أفق الرئيس الجديد ليمتد ويرى مصر كلها ارضا وسماء ونيلا وصحراء وبشرا وحين يراها من خلال هذه الرؤى فسوف يتعامل مع كل قضاياها واحتياجات شعبها وامنه واستقراره بروح الأمانة والمسئولية الوطنية. على الرئيس الجديد ان يقرأ سيرة من سبقوه من الفراعنة الصغار أو الكبار حتى يتحصن من لعنة الفراعنة وهي لم تكن فقط لعنة الموتى ولكنها لعنة السلطان حين يتشبس بالسلطة ويتمسك بالقرار ويخطئ في اختيار معاونيه وحاشيته ويتصور ان الأوطان ملك للسلاطين يعبثون فيها كما شاءوا.. كثير من فراعنة مصر كانوا أسوياء وهم يصافحون السلطة لأول مرة ولكن سرعان ما تغيرت الأشياء وتحولوا امام حملة المباخر والكهان ومواكب النفاق إلى آلهة فكانت نهايتهم شيئا مختلفا تماما عن بدايتهم فسجنوا معارضيهم.. وقتلوا كل صاحب رأي ونشروا الفتن والإنقسامات والمؤامرات بين شعوبهم فكانت النهايات المأساوية التي لحقت بهم. على الرئيس الجديد ان يرى شعبه من مكان واحد ومن خلال نظرة واحدة فلا يفرق بين دين ودين وفصيل وفصيل وان يقف على مسافة واحدة وهو يتفحص مطالب شعبه فلا يرفع طبقة ولا يجامل رفاقا ولا يوزع خيرات وطنه على بطانة سوء أو حاشية مغرضة أو أسرة فاسدة.. امام الرئيس الجديد طبقات اجتماعية شردها الفقر والجوع والمرض وعليه ان يبدأ رحلته مع هموم الناس من خلال هؤلاء المحتاجين لأن حزب الفقراء هو أكبر أحزاب مصر عددا.. وفي هذا الحزب سوف يجد الرئيس الجديد الملايين من سكان العشوائيات.. والملايين من الأميين الذين لايقرأون ولا يكتبون والملايين من مرضى فيروس سي والفشل الكبدي والكلوي، وسوف يجد الملايين من أطفال الشوارع.. والملايين من شباب رائع يتسكع في الشوارع بلا عمل، امام الرئيس الجديد 9 ملايين شاب يعانون البطالة.. و20 مليون مواطن تطحنهم الأمية و3 ملايين طفل في الشوارع و12 مليون مواطن يسكنون العشوائيات. امام الرئيس الجديد ملفات كثيرة للنظام السابق.. ولكن هناك ثلاثة ملفات لا تحتمل التأجيل أولها المسئولية الجنائية عن قتل شهداء ثورة يناير لا نريد إلقاء التهم جزافا ولكننا نبحث عن العدالة لأن دماء الشهداء والمصابين في رقابنا جميعا.. الملف الثاني هو أموال مصر الهاربة في الداخل أو الخارج ولابد من فتح هذه الملفات وإجراء التحقيقات فيها، أما الملف الثالث فهو المصالحة الوطنية لأن الانقسامات في الشارع المصري الآن تهدد كيان هذا الوطن في كل شئ.. من سرق شيئا عليه ان يعيده ومن كان طرفا في فساد سياسي أو مالي أو إداري ينبغي ان يلقي جزاءه في ظل احترام كامل للقوانين والعدالة. على الرئيس الجديد ان يفتح ابواب الحوار والتواصل مع جميع القوى السياسية والفكرية والاجتماعية في مصر وان يكون رئيسا لكل هذا الشعب.. إن الرئيس في موقعه الجديد يحتاج إلى كل صاحب فكر.. وكل صاحب موقف وان يحترم كل رأي معارض، وان يدرك انه لا يستطيع ان ينجز شيئا دون ان يستعين بكل صاحب خبرة، وأن مشاكل هذا المجتمع أكبر بكثير من ان تواجهها قدرات عدد من الأشخاص مهما كانت قدراتهم.. على الرئيس الجديد ان يفتح ابوابه وألا يسكن برجا عاجيا وألا يبتعد عن هموم شعبه وان يسمع صرخات الناس لأن الذين سبقوه سجنوا أنفسهم في قصور الغرور والتعالي وانفصلوا عن شعوبهم فكانت نهايتهم المؤلمة الحزينة. امام الرئيس الجديد مجموعة من الأرقام المزعجة عليه ان يقرأها جيدا وان يناقش كل رقم فيها مع أصحاب الرأي والخبرة.. امامه ديون خارجية وداخلية تجاوزت ترليون و300 مليار جنيه بحيث أصبح على كل مواطن مصري دينا يبلغ 15 ألف جنيه.. وان يبدأ رحلة للتفاوض على إسقاط جزء من هذه الديون وان يصرخ امام العالم كله بأن هذه الديون سرقتها عصابة، وعلى العالم ان يتحمل مسئولياته في إسقاط هذه الديون فقد كان شريكا لنظام فاسد.. على الرئيس الجديد ان يعلم ان العجز في الميزانية قد تجاوز 150 مليار جنيه سنويا وعليه ان يدبر هذه الأرقام ويعيد ترتيب أولوياتها.. ان يدرك الرئيس الجديد ان حجم الإحتياطي إقترب من 15 مليار دولار وهذا الرقم لا يوفر احتياجات حزب الفقراء في مصر ستة أشهر فقط.. وعليه ان يعلم ان هناك ثلاث ميزانيات تحتاج إلى دعم غير عادي هي التعليم وهو أساس بناء دولة حديثة.. والصحة لأن صحة المصريين في خطر والإسكان لأن العشوائيات هي الأرض الخصبة للجهل والجريمة والتطرف. وعلى الرئيس الجديد ان ينزل مرة واحدة كل شهر إلى أحد الأسواق لكي يرى بعينيه ويسمع بأذنه كيف ارتفعت أسعار السلع في كل شئ دون رحمة من التجار أو رقابة من الحكومة.. وعلى الرئيس ان يسد عشرات بل مئات البلاعات التي تتسرب فيها اموال الدولة ولا يعرف أحد عنها شيئا. على الرئيس الجديد ان يكون على يقين بأن العقل المصري هو ثروة مصر الحقيقية وان هذا العقل تعرض لعمليات تجريف ضارية ويحتاج الآن إلى إعادة بناء كاملة في الفكر والثقافة والإعلام بحيث يستعيد بريقه ودوره ومسئولياته ولن يتحقق ذلك إلا من خلال حريات كاملة في الفكر والإبداع والحوار.. ان ثقافة مصر وإعلامها تحتاج إلى رؤي جديدة توفر مناخا صحيا لإبداع خلاق وفكر مستنير يجب ان يدرك الرئيس الجديد ان سلبيات الحريات تعالجها حريات أكثر وان تطرف الفكر يعالجه فكر وسطي مستنير.. وان الجنوح في أي شئ يحتاج إلى الحكمة والتوازن.. يجب ان يدرك ان مؤسسات مصر الفكرية والثقافية والدينية هي قلاعها الحقيقية التي انارت هذا العالم ابتداء بالأزهر الشريف والجامعات والمؤسسات الثقافية العريقة والمتاحف والآثار والإبداع المصري الخلاق.. لا يوجد تعارض بين الإبداع الراقي والحياة بكل جوانبها فكرا وتدينا وإحساسا ومسئولية.. ومن هنا يجب ان ترعى الدولة مبدعيها وأصحاب الفكر فيها لأنهم ثروتها الحقيقية وزادها الدائم. على الرئيس الجديد ان يراجع ملفات موارد مصر وثرواتها الكثيرة، وسوف يكتشف ان مصر ليست دولة فقيرة وان مواردها كثيرة ولكنها تسربت عبر سنوات وعقود إلى جيوب اعداد قليلة من البشر.. في مصر ثروات تكفي شعبها وتوفر له حياة كريمة، ولكن المهم هي العدالة، الزائر الغائب والحلم المستحيل. على الرئيس الجديد ان ينزل للناس وان يعيش بينهم وان يكون الشعب هو حارسه الحقيقي وليس قوات الأمن وحاشية السوء، لأن الهروب إلى الأبراج العاجية وشلل الأنس والنفاق والمباخر الملوثة كل هذه الأشياء تتحول إلى سواتر وجدران تفصل الحاكم عن شعبه وتتحول هذه الهموم مع الكبت والحرمان والسجون والمعتقلات إلى براكين لا يعرف الحاكم متى تثور وتتحول إلى جحيم ونيران وغضب.. على الرئيس الجديد ان يحلم مع شعبه لأن أسوأ انواع الحكام حاكم لا يحلم، والحلم لا يعني احلاما لليقظة ولكن ان يولد إيمان ويقين بأن الغد سيكون أفضل وان الشعوب قادرة على ان تصنع المستحيل حين يشارك الحكام شعوبهم في مواكب الأحلام فإنهم يغيرون العالم.. كل الأشياء الكبيرة والعظيمة في هذا العالم بدأتها احلام صغيرة صنعها حاكم عظيم وشعب قادر. .. ويبقى الشعر وعلمتنا العشق قبل الأوان فلما كبرنا.. ودار الزمان تبرأت منا وأصبحت تنسي فلم نر في العشق غير الهوان عشقناك يانيل عمرا جميلا عشقناك خوفا.. وليلا طويلا وهبناك يوما قلوبا بريئة فهل كان عشقك بعض الخطيئة؟! طيورك ماتت.. ولم يبق شئ علي شاطئيك سوي الصمت.. والخوف.. والذكريات أسافر عنك فأغدو طليقا.. ويسقط قيدي وأرجع فيك أري العمر قبرا ويصبح صوتي بقايا رفات طيورك ماتت.. ولم يبق في العش غير الضحايا رماد من الصبح.. بعض الصغار جمعت الخفافيش في شاطئيك ومات علي العين.. ضوء النهار ظلام طويل علي ضفتيك وكل مياهك صارت دماء فكيف سنشرب منك الدماء..؟ تري من نعاتب يانيل ؟ قل لي.. نعاتب فيك زمانا حزينا.. منحناه عمرا.. ولم يعط شيئا.. وهل ينجب الحزن غير الضياع تري هل نعاتب حلما طريدا.؟ تحطم بين صخور المحال.. وأصبح حلما ذبيح الشراع تري هل نعاتب صبحا بريئا.. تشرد بين دروب الحياة وأصبح صبحا لقيط الشعاع تري هل نعاتب وجها قديما تواري مع القهر خلف الظلام فأصبح سيفا كسيح الذراع؟ تري من نعاتب يانيل ؟ قل لي.. ولم يبق في العمر إلا القليل حملناك في العين حبات ضوء وبين الضلوع مواويل عشق.. وأطيار صبح تناجي الأصيل فإن ضاع وجهي بين الزحام وبعثرت عمري في كل أرض.. وصرت مشاعا.. فأنت الدليل.. تري من نعاتب يانيل ؟.. قل لي.. وما عاد في العمر وقت لنعشق غيرك.. أنت الرجاء أنعشق غيرك.. ؟ وكيف ؟.. وعشقك فينا دماء تروح وتغدو بغير انتهاء أسافر عنك فألمح وجهك في كل شئ فيغدو الفنارات.. يغدو المطارات يغدو المقاهي.. يسد أمامي كل الطرق وأرجع يا نيل كي أحترق وأهرب حينا فأصبح في الأرض طيفا هزيلا وأصرخ في الناس.. أجري إليهم وأرفع رأسي لأبدو معك فأصبح شيئا كبيرا.. كبيرا طويناك يانيل بين القلوب وفينا تعيش.. ولا نسمعك تمزق فينا.. وتدرك أنك أشعلت نارا وأنك تحرق في أضلعك تعربد فينا.. وتدرك أن دمانا تسيل.. وليست دمانا سوي أدمعك تركت الخفافيش يانيل تلهو وتعبث كالموت في مضجعك وأصبحت تحيا بصمت القبور وصوتي تكسر في مسمعك لقد غبت عنا زمانا طويلا فقل لي بربك من يرجعك؟ فعشقك ذنب.. وهجرك ذنب أسافر عنك.. وقلبي معك "من قصيدة أسافر منك وقلبي معك سنة 1983" نقلا عن جريدة الأهرام