الدور العربي في أزمة دارفور استحوذ علي كثير من الجدل والنقاش العام منذ اندلاع الازمة في2003, وذلك في ضوء انجازاته المحدودة فيما يتعلق بتحجيم الخسائر حتي وصلنا الي محطة القوات الاممية بلا حل سياسي للصراع بين الفرقاء في دارفور, وايضا بلا صلاحيات محددة لهذه القوات وايضا مع كارثة انسانية مليونية. اصبحت مأساة لا اخلاقية ومحركا مركزيا نحو التعقيد والتصعيد للأزمة ليس علي صعيد دارفور وحدها ولكن ربما ايضا علي صعيد مجمل اوضاع العلاقات العربية الافريقية, المهم انه مع وجود قوات اممية في دارفور تمت الموافقة عليها بالفعل ربما يكون السؤال المطروح هو هل انتهي وقت الدور العربي ام ان الحاجة اليه مازالت ماثلة؟ أولا: تضارب الرؤية العربية قبل الاجابة عن هذا السؤال ربما يكون من المطلوب تقييم مسار الدور العربي في ازمة دارفور خلال السنوات القليلة الماضية وتأسيسا علي ذلك يمكن ملاحظة التالي: 1 ان الحكومة السودانية خلال الفترة الماضي حجمت وبنجاح محاولات صياغة موقف عربي متوازن إزاء ماجري في دارفور واعتبرت ان ضرورات مواجهة الاستهداف الدولي للسودان لابد ان تنكر حجم التجاوزات التي تسببت في مآس انسانية. وهذا الوضع أوجد حالة من الاستقطاب الحاد بين الموقف الحكومي وموقف الفصائل المسلحة والذي دفع بالامور نحو التصعيد وليس التهدئة, وربما في هذا السياق نذكر تقرير الجامعة العربية الذي قدم من مبعوث الجامعة العربية الي دارفور في مايو2004, وقال بوجود مسئولية للحكومة عن بعض التجاوزات وهو التقرير الذي ساهم ربما في عدم حضور الرئيس البشير قمة الجزائر وتم الضغط علي الجامعة العربية حتي لا يستمر وجود لتقرير علي الشبكة الدولية للمعلومات. 2 ان الجهود الاقليمية العربية لم تملك رؤية استراتيجية إزاء ادراك حجم المهددات المترتبة علي وجود صراع مسلح في دارفور والتأثيرات السلبية لاتساعه وتم حصر الجهود وهي مطلوبة علي كل حال في اطار محاولة مساندة الدولة الوطنية في السودان خشية التفتت وذلك من دون التعامل مع المعطيات التي فجرت الصراع المسلح بشكل مواز فتأخر التفاعل مع الحركات المسلحة, واصبحت الاطراف الدولية لاعبا اساسيا في التحكم بمسارات الازمة دون تحجيم معقول من الجانب العربي. اما علي الصعيد الدولي فان الجهود العربية كانت موسمية ورد فعل لقرارات مجلس الامن المتوالية فقد رصدنا في دراسة منفصلة ان القمم المتعلقة بالازمة في دارفور بدءا من يوليو2004 وكانت غالبا موازية لتصعيد الضغوط ازاء السودان في مجلس الامن وتنعقد قبيل او عقب صدور القرارات الدولية وكانت هذه القمم غالبا ما تفرز لجان متابعة لم تنجح في بلورة تحرك عربي يملك آليات تستطيع تحجيم الصراع كم لعب التنافس الإقليمي العربي حول الادوار في ازمة دارفور دورا في عدم تفعيل القمم العربية الافريقية بهذا الشأن, فقد لاحظنا الاعلان عن عقد قمم بشأن دارفور في القاهرة لم تنعقد, وقمم في طرابلس لم يحضرها المصريون علي مستوي عال, ودور إريتري حصل علي تحفظات من عدة اطراف, إضافة الي فاعلية سعودية حصلت علي انتقادات ليبية وهكذا. 3 ويمكن رصد ايضا غياب الفاعلية العربية فيما يتعلق بالتعاطي مع الاتحاد الافريقي علي صعيد التمويل او التأهيل اللوجستي رغم وجود قرار من قمة الخرطوم العربية مارس2006 بهذا الشأن وربما كان التباطؤ رضوخا لضغوطات خارجية لم تأخذ بعين الاعتبار طبيعة الاجندة الدولية في افريقيا عامة ودارفور خاصة. 4 ان الدور الليبي في دارفور رغم مجهوداته المقدرة قد عاني احيانا من عدم وضوح الرؤية, وربما تقديرات سياسية لاتملك صفة الثبات مما أوجد مشكلات علي الارض وساهم ضمن جهود اخري في انقسامات تشكل الآن تحديات مهمة امام الوصول الي حل سياسي مؤسس علي موقف تفاوضي واوضح للحركات المسلحة. 5 ان التعامل مع الازمة الانسانية في دارفور قد واجه مشكلات متعلقة بتوظيف هذه الازمة علي الصعيد الدولي, فأهمل العرب الشق الانساني من ازمة دارفور واعتبروها من الذرائع الغربية المتعددة والمغرضة في منطقة الشرق الأوسط, وذلك علي شاكلة اسلحة الدمار الشامل في العراق. من هنا يمكن ان نفهم التباطؤ في التمويل العربي لشبكات العمل الانساني التي تكونت حديثا في دارفور خصوصا, وان الحكومة فيما يبدو تري بضرورة ان يكون مسار العمل الانساني العربي تحت سيطرتها وربما تجدر الاشارة في هذا السياق الي تأجيل مؤتمر مانحين تحت مظلة الجامعة العربية لاكثر من ثلاثة اشهر. 6 ساهم ضعف منظمات المجتمع المدني العربية المنتجة تحت مظلة اوضاع سياسية عربية شمولية في الاغلب عدم تأهل هذه المنظمات للتعامل مع ما يجري في دارفور, سواء علي صعيد الفاعلية او امتلاك الخبرات المطلوبة للتعامل مع الاوضاع الساخنة في دارفور. وقد انتج هذا الوضع إجمالا غيابا عربيا واضحا في دعم ومساندة السكان بدارفور وكان له انعكاس سلبي في امرين: إدانة الموقف الاخلاقي العربي علي الصعيد الدارفوري والدولي. اعتبار ان هذا الغياب تعبير عن دعم عربي للحكومة في تجاوزاتها, وليس ناتجا عن ضعف خبرات وقدرات هذه المنظمات في التعامل مع أوضاع معقدة في مناطق الصراع المسلح. ثانيا: محددات الدور العربي في ضوء التقييم السابق هل مازالت هناك فرصة للعمل العربي في دارفور بعد الموافقة علي دخول القوات الاممية؟ في تقديرنا الفرصة مازالت ماثلة, ولعلي هنا اشير الي قرار مجلس النواب الامريكي في ابريل2007 الذي يدعو الي دور عربي لإنهاء الصراع في دارفور ووقف ما اعتبروه إبادة جماعية, صحيح ان القرار لديه ربما تصور محدد حول نوع المساهمة العربية, ولكني أظن ان قدرا من الفاعلية والحركة الدءوبة وفق رؤية عربية تأخذ بعين الاعتبار المصالح الوطنية السودانية يمكن ان يدفع في عملية الاستقرار السياسي بدارفور ضمن حزمة مصاحبة. وطبقا لذلك ربما يكون من الضرورات الاستراتيجية الملحة ما نراه تاليا: امتلاك رؤية استراتيجية للسياسات المصرية تحديدا والعربية إجمالا إزاء آليات تحجيم التوتر ودفع الحل السلمي, فمن الملاحظ ان السياسات الراهنة لا تمتلك هذه الرؤية, حيث يعد حضور مؤتمر باريس مؤشرا علي التوجهات الجزئية والسياسات الوقتية من حيث عدم الاعلان عن رفض تعدد المسارات وتقديم الدعم اللازم للاتحاد الافريقي الذي تحفظ علي حضور اجتماع باريس, ذلك ان الاعتماد علي المنظمة الافريقية كان جزءا من السياسات المصرية في تحركاتها إزاء الازمة في دارفور. القفز علي الحسابات السياسية العربية القطرية والمتضمنة للمنافسات الاقليمية والسعي نحو بلورة رؤية موحدة أو في اقل تقدير تملك تفاهمات الحدود الدنيا فيما يتعلق بمسارات حل الازمة في دارفور, خصوصا في هذه المرحلة المفضية الي احتمالات حل سياسي من المطلوب ان يكون متوازنا حتي يساهم في عملية الاستقرار السياسي علي المدي الطويل. اضافة للدفع بقوات عربية وافريقية كبيرة في وقت مناسب في اطار القوة الاممية, وهي القوات الاقرب الي الواقع الاجتماعي في دارفور. كما ان بناء خطاب سياسي واعلامي عربي يتبني حلا سياسيا عادلا في دارفور يعترف بالمأساة الانسانية وبأوضاع التهميش السياسي والاقتصادي للاطراف في السودان هو أمر يساهم في الدفع نحو الحفاظ علي النسيج الاجتماعي للدول الافريقية بعامة والسودان بخاصة, وهو النسيج الذي تشكل فيه الديانة الاسلامية والثقافة العربية في دول الساحل الافريقية مكونا رئيسيا للهوية الافريقية. وندعو في هذا السياق الي ممارسة ضغوط علي الحكومة والمعارضة السودانية لإنجاز مصالحة وطنية في الوقت المناسب تبدو مهاما مصرية خليجية مشتركة مطلوبة, اذ إن التباطؤ في انجاز هذه المهمة اعتمادا علي آلية امتصاص الضغوط المعروفة او انتظار الانتخابات المحلية او الانتخابات الامريكية لتحسين البيئة السياسية المحيطة بالحكومة السودانية, او استخدام ورقة دارفور في الانتخابات من جانب المعارضة السودانية ضد الحكومة امور تقرب من سيناريوهات التشظي للدولة السودانية. وبطبيعة الحال يلعب العالم العربي دورا نظنه مهما في دعم الخطط المشتركة للاتحاد الافريقي والامم المتحدة في توحيد المبادرات الاقليمية الساعية الي بلورة موقف تفاوضي للفصائل المسلحة تساهم في انجاز حل سياسي. كما ان تبني تمويل عمليات عودة النازحين الي مواطنهم الاصلية وعمليات بناء القري وتوفير البيئة المناسبة لبدء الانشطة الإنتاجية مع ضمان تدفق المساعدات الانسانية لمدة مناسبة كلها آليات سوف تدفع الارادة القبلية في دارفور نحو اتخاذ قرارات عودة النازحين وذلك اضافة للعمل علي تأهيل منظمات المجتمع المدني العربية للدفع بها للعمل الانساني في دارفور, والاستقرار في الاقليم علي شاكلة الهلال الاحمر في الدول العربية او غيره من المنظمات. وتبدو هناك ايضا ضرورة تفعيل السياسات العربية في افريقيا جنوب الصحراء تحت مظلة قومية لا قطرية تقوم بمجهود اقتصادي يسعي الي الدفع بالاستثمارات ومقاومة الامراض الخطيرة كالإيدز وغيره, كلها مجهودات ستشكل بيئة مناسبة لدور عربي في ازمة دارفور, خصوصا ان وجود القوات الأممية في دارفور مسألة قد يستغرق انجازها عاما كاملا. وفي الاخير فان المجتمع المدني السوداني مدعو الي ان يتحرك بفاعلية لطريق ثالث بين الحكومة والمعارضة للضغط نحو مصالحة وطنية تساهم في دفع الحل السياسي بدارفور بشروط محلية قدر الطاقة, وعدم الاعتماد فقط علي آلية الانتخابات, ذلك ان الوقت يدركنا وتقديم الرؤي المستقلة عن الاجندات السياسية الضيقة بات امرا ملحا.