تنسيق الجامعات 2025، فتح موقع التنسيق أمام الطلاب للتسجيل.. 10 خطوات لكتابة الرغبات وطريقة ترتيبها.. ومفاجآت بشأن مؤشرات القبول بالكليات    نائب رئيس جامعة الإسكندرية يزور فرع الجامعة في تشاد    هيئة الإسعاف: نجحنا في نقل 30 ألف طفل مبتسر بشكل آمن خلال 2025    «التضامن» تقر تعديل وتوفيق أوضاع جمعيتين في القاهرة والبحيرة    السيسي يصدر قانونا مهما، تعرف عليه    التحليل الفني لمؤشرات البورصة المصرية اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025 في شمال سيناء    المشاط: 22.2 مليار دولار إجمالي تمويلات المؤسسة الدولية الإسلامية لمصر    رصيف محطة هاتشيسون بميناء السخنة يستقبل 3 اوناش عملاقة من طراز STS    منال عوض تبحث الموقف الحالي للتعاون مع شركاء التنمية والمشروعات البيئية الحالية    وزير الخارجية: مصر لن تقبل بتصفية القضية الفلسطينية    وزير الخارجية يؤكد على استمرار مصر في جهودها الحثيثة للوساطة للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار    برنامج الأغذية العالمي: حاجة ملحة لزيادة المساعدات لغزة قبل فوات الأوان    الكشف عن ترتيب محمد صلاح في أفضل صفقات الدوري الإنجليزي عبر التاريخ    «مفاوضات صعبة».. الكشف عن آخر تطورات موقف ديانج مع الأهلي    وزير الشباب والرياضة يُطلق «يوم مصر الرياضية» احتفالًا بأول إنجاز أوليمبي مصري    إحالة عاطل للجنايات بتهمة تزوير مستندات والنصب على راغبي السفر بالقاهرة    حر نار.. حالة الطقس اليوم بالبلاد وارتفاع شديد في درجات الحرارة    التعليم تعلن عن وظائف بمدارس التكنولوجيا التطبيقية.. الشروط والتفاصيل    مصرع أستاذ جامعي في حادث انقلاب سيارة بالشرقية    ضبط 4 أطنان دقيق «مدعم وحر» في حملات تموينية على الأسواق خلال 24 ساعة    «الداخلية»: ضبط 117 ألف مخالفة مرورية وفحص 3014 سائقا خلال 24 ساعة    خالد سليم وهشام خرما في ختام فعاليات صيف الأوبرا 2025 باستاد الإسكندرية    يوسف معاطي يكشف كواليس وأسرار من مسيرته الفنية: "سعاد حسني تمنت العودة للمسرح ومحمود ياسين انسحب بسبب المرض"    الصحة: إصدار 28 ألف قرار علاج على نفقة الدولة لمرضى التصلب المتعدد    «الصحة» توقع مذكرة تفاهم لتطوير رعاية مرضى التصلب المتعدد    رئيس هيئة الرقابة الصحية: التأمين الصحي الشامل يحفز القطاع الخاص لتحسين جودة الرعاية الأولية    وزير العمل: التعليم الفني يشهد طفرة كبيرة في السنوات الأخيرة بتعاون وجهود ملحوظة من القطاع الخاص    معيط: دمج مراجعتي صندوق النقد يمنح مصر وقتًا أوسع لتنفيذ الإصلاحات    نقيب المهندسين ل طلاب الثانوية العامة: احذروا من الالتحاق بمعاهد غير معتمدة.. لن نقيد خريجيها    ارتفاع حصيلة ضحايا إطلاق النار فى نيويورك ل5 أشخاص بينهم ضابط شرطة    رئيس اتحاد طنجة: عبد الحميد معالي اختار الانضمام إلى الزمالك عن أندية أوروبا    كريم رمزي يعلق على ستوري عبد القادر.. ويفجر مفاجأة بشأن موقف الزمالك    ثنائي المصري أحمد وهب وأحمد شرف ضمن معسكر منتخب الشباب استعدادًا لبطولة كأس العالم بشيلي    إسرائيل ترفض إتهامات جماعات حقوقية إسرائيلية لها بارتكاب إبادة جماعية في غزة    مصرع 30 شخصًا في العاصمة الصينية بكين جراء الأمطار الغزيرة    من «ظلمة» حطام غزة إلى «نور» العلم فى مصر    بدء اختبارات مشروع تنمية المواهب بالتعاون بين الاتحادين الدولي والمصري لكرة القدم    وزير الثقافة يشهد العرض المسرحي «حواديت» على مسرح سيد درويش بالإسكندرية    لا تليق بمسيرتي.. سميرة صدقي تكشف سبب رفضها لبعض الأدوار في الدراما    تحت عنوان «إتقان العمل».. أوقاف قنا تعقد 126 قافلة دعوية    السيطرة على حريق بمولدات كهرباء بالوادي الجديد.. والمحافظة: عودة الخدمة في أقرب وقت- صور    مرشح الجبهة الوطنية: تمكين الشباب رسالة ثقة من القيادة السياسية    «النادي ممكن يتقفل».. رسائل نارية من نصر أبوالحسن لجماهير الإسماعيلي    صراع على السلطة في مكان العمل.. حظ برج الدلو اليوم 29 يوليو    توماس جورجيسيان يكتب: دوشة دماغ.. وكلاكيت كمان وكمان    غادة عادل vs صبا مبارك.. انطلاق تصوير «وتر حساس» الجزء الثاني    محافظ سوهاج يوجه بتوفير فرصة عمل لسيدة كفيفة بقرية الصلعا تحفظ القرآن بأحكامه    الرئيس الفلسطيني يثمن نداء الرئيس السيسي للرئيس الأمريكي من أجل وقف الحرب في غزة    الاندبندنت: ترامب يمنح ستارمر "الضوء الأخضر" للاعتراف بدولة فلسطينية    أخبار 24 ساعة.. انطلاق القطار الثانى لتيسير العودة الطوعية للأشقاء السودانيين    لها مفعول السحر.. رشة «سماق» على السلطة يوميًا تقضي على التهاب المفاصل وتخفض الكوليسترول.    للحماية من التهاب المرارة.. تعرف على علامات حصوات المرارة المبكرة    مي كساب بإطلالة جديدة باللون الأصفر.. تصميم جذاب يبرز قوامها    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رضوان السيد: السودان والحكم العسكري والثورات العربية
نشر في أخبار مصر يوم 04 - 05 - 2012

غاب السودان وغابت مشكلاته على فظاعتها، بسبب الثورات العربية الجارية منذ عام ونصف. ومشكلات السودان لا تختلف أبدا عن مشكلات الأنظمة العربية الأخرى التي صارعتها حركات التغيير وأزالتْها، وأولاها الانسداد الناجم عن الحكم العسكري منذ أيام إبراهيم عبود وجعفر نميري وأخيرا العهد الخالد لعمر البشير. ويضاف إلى ذلك مشكلة الجنوب الذي صار دولة مستقلة الآن، نابت عن إريتريا وإثيوبيا وأوغندا وكينيا والقذافي.. إلخ في الضغط على النظام والبلاد من أجل المزيد من التفتيت. وثالثها اشتداد الصراع الدولي عليه ومن حوله للمزيد من فصل العرب عن أفريقيا، والتنافس على الثروة البترولية الصغيرة التي ظهرت على أرضه.
بيد أن سودان الاستقلال في الخمسينات من القرن الماضي، كان مختلفا بالفعل عن الدول العربية الأخرى التي تتالت فيها في ذلك الزمان انقلابات العسكريين وثوراتهم. فقد ظهرت فيه خلال الصراع مع البريطانيين، وخلال تنامي الحساسيات من الحكم المصري الوهمي، قوى سياسية وحزبية كبرى وقوية، وما كانت تملك السلاح أو تحبذه وتُؤْثِر التنافس الانتخابي. وقليلا ما استمتعت تلك النخب الاجتماعية والثقافية والسياسية بالسلطة ومناعمها. لكنها في السنوات القليلة التي وصلت خلالها للسلطة في ما بين الخمسينات وأواخر الثمانينات من القرن الماضي، كانت تلجأ للتفاوض على حلول سياسية وإدارية مع الجنوبيين.
وفي الواقع؛ فإن مبررات العسكريين السودانيين للقيام بانقلاباتهم المتوالية كانت دائما أوهى من خيط العنكبوت. ذلك أن عسكريي المشرق والمغرب العربيين كانوا يملكون مسوغات هائلة صدقها الجمهور مثل التحرر من الاستعمار والأحلاف، والوحدة العربية، وتحرير فلسطين. أما العسكريون السودانيون فقد تحججوا أحيانا بأنهم يريدون إخماد ثورة الجنوبيين أو تمردهم بالقوة، وتحججوا دائما بأنهم ملوا الأزمات السياسية وصراعات الأحزاب، وأنهم يريدون إقامة سلطة نظيفة وخالية من الفساد. وفي كل الأحوال ما قاموا بأي من الأمرين. إذ بالنسبة لمشكلة الجنوب، كان كلّ جنرال انقلابي يبدأ عهده بشن الحرب على حركات التمرد في الجنوب، ثم عندما يعجز عن إخماد التمرد - وليس بسبب قوة المتمردين أنفسهم فقط - يعمد لمصالحتهم وبشروط أسوأ مما حاولته السلطات المدنية قبلهم.
وآخر هذه المصالحات أدت كما هو معروف إلى قيام دولة انفصالية في الجنوب، عادت لتقاتل دولة البشير في الشمال ويا للهول! أما الإصلاح والتنمية، فما عرف السودانيون في أزمنة العسكريين غير الفساد والفوضى وازدياد الفقر والتعاسة. وإذا كانت مشكلة الجنوب سابقة في أصولها على حكم العسكر؛ فإن مشكلات دارفور وأعالي النيل وجنوب كردفان، ما كانت لتحصل لولا الحكم العسكري المعتمد على الاستبداد وسوء الإدارة والفساد.
على أن العسكريين السودانيين زادوا في الطنبور نغمة. إذ ما اكتفوا بادعاء حل مشكلة الجنوب، وحل مسألة التنمية والإصلاح؛ بل زعموا أيضا، ومنذ أواخر أيام نميري الخالدة أنهم يريدون صون هوية السودان الإسلامية من طريق إقامة نظام حكم إسلامي يطبق الشريعة! ومسألة الانتماء الإسلامي في السودان مصطنعة، وهي ناجمة عن الوعي الزائف بالهوية الذي نشرته حركات الإخوان المسلمين في العالم العربي في العقود الخمسة الماضية. فمن الذي يصدق أن الإسلام في مصر في خطر؟ ومن الذي يصدق أن الإسلام غير مطبق حتى يأتي الإسلاميون الحزبيون فيطبقوه؟! بيد أن "الشعبية" التي حصلوا عليها في كل مكان إنما نجمت عن سوء أنظمة الحكم القائمة، وتعرضها للناس في حرياتهم وأديانهم وأسلوب عيشهم، كما نجمت عن الضغوط التي تعرضت لها الشعوب العربية المسلمة من الغربيين في عهود الاستعمار وما بعده.
وعلى أي حال، فإن السودانيين المسلمين ما عرفوا من فضائل الحل الإسلامي غير الاستبداد باسم الدين، وتكفير المعارضين السياسيين، وإقبال جون قرنق وسلفا كير على المطالبة بالانفصال لأول مرة في التسعينات بحجة أنهم غير مسلمين، ولا يريدون الخضوع لدولة دينية تمييزية ضد المسيحيين والإحيائيين في الجنوب. وبسبب الاستبداد وانتفاء الحريات، ظهرت قوى يسارية ومدنية كثيرة في شمال السودان، عمدت للتحالف مع متمردي الجنوب وفي التسعينات أيضا من أجل إسقاط الحكم في الشمال وباسم الديمقراطية والدولة المدنية! وبعد ترددات كثيرة، وطلعات ونزلات واتفاقيات واتفاقيات مضادة، تتصاعد في دارفور وجنوب كردفان وأعالي النيل أيضا دعوات الانفصال أو الفيدرالية أو الحكم الذاتي وهلم جرا.
إن الواقع أن حكومة البشير والعسكر في السودان لا يكاد يكون لها شعبية في العالم، من حيث اقتران الفشل الصاعق، بتصاعد الدعاوى البالغة الهول. بل ربما تشبه في ذلك حكومتي القذافي وبشار الأسد؛ من حيث ربط وجود الوطن والدولة بنظام الحكم القائم وبالزعيم القائد. فقد قال القذافي إن ليبيا ستذهب شذر مذر إن ذهب هو، وكذلك قال ابنه سيف الإسلام. وقال بشار الأسد إن نظام حكمه إنما يشبه منطقة الصدع الزلزالي، ولو زال أو انهار؛ فإن ما سيحدث هو زوال الدولة السورية ودمار المنطقة العربية كلها! أما البشير فيزعم الآن أن نظام حكمه هو رقم صعب يكون من المستحيل التعرض له أو إزالته ولو بجيوش الأرض كلها، فكيف بهؤلاء "الجرذان"، ويقصد بهم خصومه الجنوبيين! لكن هذه الجرذانية الحيوانية لا تطال الجنوبيين فقط؛ بل تطال خصوم نظامه من السياسيين الشماليين بالحركة المهدية والختمية، وهما في الأصل حركتان دينيتان؛ لكن البشير (ومن أيام إرشادات حسن الترابي) لا يزال يزعم أنه الأولى بتطبيق الإسلام، وإحلال الشريعة محل أنظمة الطاغوت! ولندعْ دعاوى الأمانة والخيانة، والأصل والفصل، والإسلام والكفر، والجهاد والقعود، إلى ما هو الأولى بالعقل وبالمستقبل. سأفترض أن عسكريي البشير على الخصوص، كانوا صادقين في "مفاصلة" الجنوبيين، وفي الحفاظ على وحدة التراب السوداني، وفي إزالة الفقر ونشر الرفاه والإصلاح فيه. لكنهم فشلوا في كل ذلك: فالسودان مقسم الآن إلى دولتين، ومهدد بالمزيد من الانقسام في دارفور وجنوب كردفان وأعالي النيل، والشعب السوداني ازداد فقرا وتعاسة، والحياة السياسية شبه معطلة، والعسكريون والحزب الحاكم يشبهان حزب بشار الأسد وعسكره، ولجان القذافي وبنيه، والبشير نفسه يحمل على ظهره وكاهله عبء حكم المحكمة الجنائية الدولية لاتهامه بارتكاب جرائم حرب بدارفور ضد شعبه، تشبه ما ارتكبه القذافي ويرتكبه بشار الأسد.
فلو كان البشير وأعوانه يمتلكون الحد الأدنى من المنطق، والحد الأدنى من التدبر، والإحساس الوطني والإسلامي، لكان عليهم أن يفكروا ويتشاوروا في ما بينهم، في كيفية مغادرة السلطة دون إلحاق المزيد من الأضرار والكوارث بشعبهم وبجوارهم وبكل العرب والمسلمين! لكن هذا الأمر من ناحية أخرى غير معقول بالنسبة لهم - وليس لافتقارهم إلى تقدير اعتبارات النجاح والفشل فقط، بل ولأنهم واعون بما يمكن أن يحدث لهم من السودانيين ومن غير السودانيين فمن تحملوا منهم ما لا يحتمل على مدى عقدين ونيف!
عندما ثار السوريون على بشار الأسد، تذكر أنه هو دولة الممانعة والمقاومة، وعندما تفاقمت المشكلات بين البشير ورفقائه بالأمس من ميليشيات الجنوب، عاد البشير إلى نغمة الجهاد، وكأنما هو في حرب للدفاع عن دار الإسلام. والجهاد شرف لا يستحقه أو لا يستحق القيام به إلا من كان حريصا على دماء بني قومه وكراماتهم وأعراضهم وممتلكاتهم. وقد قتل هو وحلفاؤه من السودانيين ما لا تستطيع كل أمم الكفر والطغيان ارتكابه في قرن من الزمان!
لقد انهارت سدود الأنظمة العسكرية وقيودها في العالم العربي، بعد أن احتجزت الأرض والإنسان لأكثر من خمسة عقود. وها هي تغادر تحت ضغط الناس، تاركة جراحا غائرة، ومجتمعات مشققة، وجدرانا متداعية يتسلقها الإسرائيليون والإيرانيون والأتراك، ومن ورائهم الأطلسيون والروس والصينيون.
ولا يستطيع العسكريون والأمنيون السودانيون والموريتانيون والجزائريون الاستناد في بقائهم إلى إنجازات أو إلى مستقبل واعد. لقد قال بشار الأسد إن الأنظمة العربية التي تزول هي أنظمة أصدقاء الأمريكيين، وما كان النظام السوداني صديقا لأمريكا، لكنه كان ولا يزال مثل نظام الأسد عدوا لشعبه وأمته؛ ولذا فإنه من المحتم أن يناله أو ينالهما ما نال الأنظمة المثيلة، وصدق سبحانه وتعالى إذ يقول: "والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون".
نقلا عن جريدة الشرق الأوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.