أصدر الناقد صبحي الشاروني كتاب (ذاكرة الامة.. محمود مختار ومتحفه) شرح فيه كيف كان فن النحت ودراسته في مطلع عشرينيات القرن الماضي من الامور الغريبة "غرابة اللغة السريانية" لكن المثال الرائد محمود مختار استطاع أن يقرب هذا الفن الى الناس ويدفع السلطات الى الاعتراف به. ويتكون الكتاب من 122 صفحة ويصدر الثلاثاء في القاهرة عن الدار المصرية اللبنانية و يضم الكتاب قسما خاصا بصور ملونة لمعظم تماثيل مختار وهي مصنوعة من خامات مختلفة ومعظمها لنساء لهن علاقة ما بنهر النيل ومنها (ايزيس) و(عروس النيل) و(كاتمة الاسرار) و(حاملة الجرة) و (الفلاحة). يبدأ القسم الاول في الكتاب بمدخل عنوانه (عصر مختار) عن السياق الثقافي الذي أتاح لعدد كبير من المصريين أن يضعوا بذور نهضة شاملة : ففي الادب كان عباس محمود العقاد وطه حسين وابراهيم عبد القادر المازني والدكتور محمد حسين هيكل ،، وفي الموسيقى سيد درويش ،، وفي الفنون التشكيلية محمد حسن وراغب عياد ويوسف كامل وأحمد صبري ،، وفي الشعر أحمد شوقي وحافظ ابراهيم وخليل مطران. وقال الشاروني ان مختار تمثل عصره بتطلعه واشراقه "ولاح في تماثيله الامل والاصرار والكبرياء لصورة العصر... وتعتبر حياة مختار نموذجا في الكفاح له دلالات عميقة فهو أحد القلائل الذين حققوا لبلده ذاتية قومية وردوا اليه الثقة بنفسه فكان أثره في مجال الفنون كأثر الشيخ محمد عبده في مجال الاصلاح الاجتماعي وأثر سعد زغلول في مجال الزعامة السياسية وأثر طلعت حرب في مجال الاقتصاد وأثر الدكتور طه حسين في المجال الفكري والفلسفي" مشيرا الى أن المجتمع المصري انذاك كان معاديا لصناعة التماثيل ويراها امتدادا لصناعة الاصنام. لكنه أشار الى أن مختار حظي باحترام الشعب المصري اذ كان "الفنان الوحيد" الذي استقبلته مظاهرات الترحيب والاحتفاء في مدينة الاسكندرية الساحلية عند عودته الى مصر ليقيم تمثال (نهضة مصر) تخليدا للثورة الشعبية "بعد أن كانت تماثيل الميادين لا تصور سوى الملوك والقادة" وتبرع البسطاء المصريون لتغطية نفقات هذا التمثال الذي جسد أشواقهم الى النهوض متلخصا في شعار من أربع كلمات (الاستقلال والحرية والعدالة والدستور) بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى. ويرتبط مختار الذي لم تمتد حياته أكثر من 43 عاما في الذاكرة المصرية بأعمال شهيرة منها تمثال (نهضة مصر) الموجود على بعد نحو 200 متر من جامعة القاهرة وتمثالين لزغلول في القاهرةوالاسكندرية. وسجل الكتاب أن تماثيل مختار التي أقامها للزعيمين المصريين مصطفى كامل ومحمد فريد كانت تحمل في المظاهرات ضد الاحتلال البريطاني لمصر. وقال الشاروني إن مختار صنع في فرنسا تماثيل لبعض القادة الأوروبيين والأمريكيين وتمثالا لأنا بافلوفا "أعظم راقصة باليه في مطلع القرن العشرين... وتمثالا لأم كلثوم وقد تحمس لها فصورها في تمثال يفيض بالرقة والشجن والجمال ثم أقام لها تمثالا آخر عرضه في باريس عام 1925 بينما كانت أم كلثوم في مطلع حياتها الفنية" وفاز عنه بجائزة معرض صالون باريس في العام نفسه حيث كان مختار "أول (مثال) عربي" يقيم معرضا شخصيا لأعماله التي انطلق بها فن النحت الحديث في البلاد وقال الشاروني إن مختار أصيب في يده عام 1932 وكان يحلم بإقامة تماثيل للإسكندر الأكبر والزعيم المصري أحمد عرابي وكليوبترا لكن المرض لم يمهله فتوفي يوم 27 مارس اذار 1934.